سياسة تركيا نحو إيران: مساع لبناء الجسور.. وانتهاج سياسة واقعية

تاريخ الإضافة الإثنين 14 حزيران 2010 - 7:32 ص    عدد الزيارات 3383    التعليقات 0    القسم دولية

        


سياسة تركيا نحو إيران: مساع لبناء الجسور.. وانتهاج سياسة واقعية

البعض يرى أن أنقرة انحازت باتجاه الشرق لأنها ضلت طريقها إلى الغرب

إسطنبول: سابرينا تافيرنيز*
من منظور واشنطن، تبدو تركيا وإيران حليفين غريبين، ذلك أن إحداهما عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبها دستور يفرض العلمانية، بينما الأخرى جمهورية إسلامية شكل برنامجها النووي واحدا من أكثر قضايا السياسة الخارجية المحيرة بالنسبة للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.

إذن، كيف تسنى حدوث التقارب الراهن بين الدولتين، مع إقدام تركيا على تحدي الولايات المتحدة علانية الأسبوع الماضي بتصويتها ضد فرض عقوبات جديدة ضد إيران؟

بالنسبة للولايات المتحدة، جاء هذا التصويت بمثابة صفعة من جانب حليف وثيق، الأمر الذي أثار موجة تفحص دقيقة للأوضاع في تركيا. في لندن، أعرب روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي الأسبوع الماضي، عن اعتقاده بأن تركيا «تتحرك شرقا»، وأوعز هذا التحول إلى استجابة الاتحاد الأوروبي الفاترة لطلب تركيا الانضمام إليه.

ويوما بعد آخر، تكتسب وجهة النظر تلك أنصارا جددا يرون أن تركيا، التي مثلت جسرا بين الشرق والغرب، انحازت باتجاه الشرق نظرا لأنها ضلت طريقها نحو الانضمام إلى الغرب. بيد أن الكثيرين هنا لا ينظرون إلى الأمر على هذا النحو، حيث يؤكدون أن تركيا لم تضل طريقها، وإنما لا تتفق ببساطة مع الولايات المتحدة فيما يخص كيفية تناول مشكلات الشرق الأوسط، ففي الوقت الذي تختار إدارة أوباما العقوبات، تؤمن تركيا بأن التعاون يحمل فرصة أكبر للحيلولة دون امتلاك إيران قنبلة نووية. وسعيا لتحقيق هذه الغاية، تفاوضت مع طهران بنشاط حول برنامجها النووي.

في هذا الإطار، أوضح هاليل بيركتاي، مؤرخ لدى جامعة سابانكي «سأشعر بالفزع إذا ما اقتطعت تركيا نفسها بعيدا عن الغرب وتحالفت مع العالم الإسلامي، لكن ليس هذا ما يجري الآن. إن لسان حال تركيا يقول: لقد تحدثتم عن بناء جسور، وهذا هو السبيل لبنائها».

وفي قلب الانقسام الراهن يكمن خلاف جوهري حول إيران وحقيقة نواياها، فبالنسبة للولايات المتحدة، تعد إيران دولة مارقة عاقدة العزم على بناء قنبلة نووية وهي على درجة كافية من الجنون تسمح لها باستخدامها. في المقابل، تتفق تركيا مع فكرة أن إيران تحاول تطوير التقنية النووية التي ستسمح لها سريعا ببناء سلاح نووي حينما ترغب في ذلك. لكنها تعتقد أن قادة إيران ربما يشعرون بالرضا تجاه التوقف عند هذه المرحلة. في هذا الصدد، قال مسؤول تركي يعمل بصورة وثيقة مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: «نعتقد أنه بمجرد تطبيع العلاقات مع إيران، وبنائها علاقات مع العناصر الفاعلة الأخرى، لن تسعى للحصول على قنبلة نووية».

ويضيف مسؤولون أتراك أن مجموعة العقوبات السابقة لم تفلح مع إيران التي لا تزال مصرة على أن برنامجها النووي يخدم أهدافا سلمية.

الملاحظ أن جزءا من الدافع التركي للتواصل مع إيران يقوم على حسابات سياسية واقعية، حيث إن إيران دولة مجاورة لتركيا وتمدها بخمس احتياجاتها من الغاز الطبيعي. كما يعد هذا التوجه جزءا من سياسة أوسع للتكامل الاقتصادي والسياسي في المنطقة، تعمد تركيا، في ظل قيادة أردوغان، إلى تطبيقها منذ قرابة عقد. يذكر أن بمقدور الإيرانيين السفر إلى تركيا من دون تأشيرة سفر، وكذلك الحال مع السوريين والعراقيين والروس والجورجيين. ويسافر أكثر من مليون إيراني إلى تركيا لقضاء عطلات سنويا. وتولت شركة تركية بناء الميناء الرئيسي في طهران.

وشكلت المحادثات النووية جزءا من هذه الجهود. ووصلت هذه الجهود ذروتها في مايو (أيار) في إطار ما وصفته تركيا والبرازيل بأنه تعهد من جانب إيران بمقايضة جزء من اليورانيوم منخفض التخصيب الذي تملكه مع دول أخرى. وطبقا للاتفاق المبرم بينهم، ستشحن طهران جزءا من مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب مقابل نمط من اليورانيوم أقل احتمالا لأن يجري استخدامه في صنع أسلحة.

إلا أن المسؤولين الأميركيين مضوا قدما في سن عقوبات ضد طهران بغض النظر عن أي شيء آخر، موضحين أن الكمية التي ستجري مقايضتها تبعا للاتفاق لم تعد كافية لمنع إيران من صنع قنبلة نووية.

منذ أشهر مضت، تفاوضت إيران بشأن اتفاق مشابه مع الغرب، بما في ذلك الولايات المتحدة، لكنها تراجعت بعد ذلك. في ذلك الوقت، كانت إيران تملك مخزونا أقل من اليورانيوم، وكان من شأن مقايضة اليورانيوم آنذاك حرمانها من وقود كاف لصنع قنبلة نووية لمدة قرابة العام.

ويتمثل الانطباع السائد في واشنطن في أن الاتفاق لا يعدو كونه «خدعة إيرانية جديدة وأن موقف أنقرة خدم طهران»، حسبما أوضح ستفين كوك، خبير بـ«مجلس العلاقات الخارجية» في واشنطن. وأضاف دبلوماسي غربي أن «الشعور السائد في واشنطن أن الإيرانيين لن يتفاوضوا بالفعل حول التخلي عن برنامجهم النووي».

من ناحيتها، قالت تركيا إنها تخشى من إيران مسلحة نوويا لأن هذا من شأنه قلقلة توازن القوى بين الدولتين، لكن القلق يساورها أيضا حيال تركيز إدارة أوباما على العقوبات - مما يثير في الأذهان ذكرى اندفاع إدارة الرئيس جورج دبليو. بوش للعثور على أسلحة الدمار الشامل بالعراق، حسبما يقول البعض هنا - الأمر الذي تخشى أن يسفر عن اندلاع حرب.

من جانبه، قال سيدات لاكينر، مدير المنظمة البحثية الاستراتيجية في أنقرة: «تفعل الدول الغربية أمورا تدفع ثمنها أنقرة. لا نرغب في ظهور عراق آخر».

في تلك الأثناء، شرح مسؤول تركي رفض كشف هويته، المنطق وراء حرص بلاده على التعامل مع إيران باحترام، حيث قال: «إن ما نقوله هو اجعلوهم يشعرون بأنهم سيخسرون حقا إذا ما سعوا وراء امتلاك القنبلة النووية. والتساؤل الآن: هل ستغير العقوبات السلوك الإيراني؟ لا. وهل ستمنع إيران من مزيد من تخصيب اليورانيوم؟ لا».

ورغم المخاطر التي تنطوي عليها هذه الحسابات، فإن هومان مجد، الكاتب الإيراني - الأميركي، يرى أن الأتراك في أفضل موقف يمكنهم من وضع هذه الحسابات، فعلى خلاف الحال مع الأميركيين، يسافر الأتراك إلى إيران باستمرار ويتحدثون لغة مشابهة باللكنة الأزيرية التي يجري الحديث بها في شمال إيران. وقال مجد: «إيران لا ترغب في التحول إلى كوريا شمالية جديدة. وإنما تفضل التحول إلى تركيا قوية ومتقدمة وتحظى بالاحترام. وبناء الأسلحة حتى لو تمكنوا منه لا يصل بهم إلى هذه الغاية، وهو أمر يدركه أردوغان».

من جانبها، أعربت الولايات المتحدة عن خيبة أملها حيال تصويت تركيا ضد العقوبات الأسبوع الماضي، قائلة إن هذا الإجراء من شأنه تقويض قدرة إدارة أوباما على دعم تركيا. لكن حسابات تركيا كانت براغماتية، حسبما أكد بعض المسؤولين، ذلك أن تصويتها ضد القرار لم يمنع صدوره، لكنه سمح للمسؤولين الأتراك باكتساب شعبية كبيرة في الشارع العربي. كما أن الولايات المتحدة تعاني من مشكلة في مصداقيتها داخل العالم الإسلامي باعتبارها تتبع معايير مزدوجة في تعاملها مع إسرائيل.

وقال خبير أميركي يساعد في صياغة السياسات تجاه المنطقة: «في داخلهم، يعتقدون أنهم أذكى منا. وينظرون إلينا باعتبارنا بحاجة إلى تشجيع شديد. لكنهم يقولون لنا: (انظروا، إنهم سيكونون مصدر نفع لكم)».

لكن هذا الوضع قد يكون غير مريح على الإطلاق بالنسبة للولايات المتحدة. على سبيل المثال، عندما استضاف حزب أردوغان السياسي خالد مشعل، زعيم حماس، في تركيا عام 2006. وأشار الخبير الأميركي إلى أن الصعود الإقليمي لتركيا ليس مصدر خوف، ذلك أنه يشكل ثقلا موازنا للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وباعتبارها دولة عضو في «الناتو» تتميز باقتصاد قوي وديمقراطية نشطة وعلاقات مع إسرائيل، فإن لديها دروسا يمكن أن تعلمها للعالم الإسلامي، ولا يمكنها القيام بهذا الدور إذا بدت أداة طيعة في يد واشنطن. إلا أنه استطرد بأن «الأتراك يعتبرون رؤيتهم جذابة للغاية على الورق، لكن تحقيق توازن بين كون تركيا حليفا وثيقا للولايات المتحدة وقوة تحظى بشعبية في الشارع العربي، أمر تحقيقه بالغ الصعوبة».

* خدمة «نيويورك تايمز»


المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,074,596

عدد الزوار: 6,751,540

المتواجدون الآن: 93