تحليل من رام الله

مقاربة إسرائيلية لدولة في غزة بدل حل الدولتين

تاريخ الإضافة الأحد 6 حزيران 2010 - 6:15 ص    عدد الزيارات 3303    التعليقات 0    القسم دولية

        


مقاربة إسرائيلية لدولة في غزة  بدل حل الدولتين

رام الله - من محمد هواش:
لم يعد ممكناً مواصلة اسرائيل حصار غزة من دون احتجاجات محلية ودولية متزايدة، كما لم يعد ممكنا ان يبقى الفلسطينيون على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية في حال فراغ سياسي يتيح كل اشكال التدخل في مصيرهم ومستقبلهم، من دون تداعيات سياسية لا تفيد الا خصومهم على رغم عمق انقساماتهم وصعوبة طي صفحتها.
وزير الدفاع الاسرائيلي السابق موشي ارينز، وهو من صقور تكتل "ليكود" الحاكم الذين مهدوا الطريق لزعامة رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، اقترح منح "جنسية اسرائيلية للفلسطينيين" ("هآرتس" 2/6/2010) وضم الضفة الغربية نهائيا الى اسرائيل. ورأى ان اسرائيل "اخطأت في عدم استيعاب العرب (السنّة) في الدولة كما فعلت بالعرب الآخرين من دروز  ومسيحيين وشركس، اذ دمجت فئات مهمة منهم في اطر الدولة وصار بعضهم جزءاً من نسيج المجتمع الاسرائيلي بتياراته المتعددة، الى درجة ان بعض هذا البعض يعبر عن مواقف صقرية حيال الفلسطينيين (النواب ايوب قرا "ليكود"، مجلّي وهبي "كاديما" وحمد عمار "اسرائيل بيتنا)". وفي مواقف هؤلاء  غياب أي افتراق او  مسافة عن مواقف احزاب اليمين الاسرائيلية حيال حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وانضمام فئات اخرى منهم الى احزاب مثل "شاس" للمتدينين الشرقيين من اليهود.
واقتراح ارينز ضم مليون ونصف مليون  فلسطيني واستيعابهم في اسرائيل على درجة واحدة قانونياً على الاقل، يعني استبعاد حل الدولتين، أي رفض اسرائيل اقامة دولة فلسطينية، وانهاء احتلالها لقطاع غزة وترحيل من لا يقبل الهوية الاسرائيلية الى غزة.
وهذا الاقتراح يحتاج الى اختبار قبول اجراء تغيير جيواستراتيجي في الشرق الاوسط، اذ يمس اوضاع دول ومعادلات استقرار نسبي لدول مثل مصر، الاردن، سوريا، لبنان، ومعادلات اكثر اتساعا تطاول دولاً وادوار دول مثل تركيا وايران وعلاقاتها مع الولايات المتحدة.
وليس مبكرا الاعتقاد والقول ان تغيير هذه المعادلات لا تفرض بغير القوة. فهي ليست مقبولة في الدول العربية ودول الجوار العربي.
لكن وضعا فلسطينيا لامباليا حيال مواصلة الانقسام ، يضاف الى استعصاء حقيقي في قنوات التفاوض عن قرب وعن بعد برعاية اميركية، يفسح في المجال لعرض حلول من هذا النوع، وتاليا يمكن ائتلافاً يمينياً متشدداً في اسرائيل يتزعمه اشخاص مثل نتنياهو والوزيرين افيغدور ليبرمان وايلي يشائي، ان يختبر قدراته في حل (مثالي) كهذا، حتى انه يستطيع ان يجد مخرجا للازمة التي وضعت اسرائيل نفسها فيها وليس فقط عندما هاجمت سفن "اسطول الحرية" وقتلت 9 متضامنين اتراك على متنه، بل منذ حرب لبنان الثانية والحرب على غزة وحصارها.  
وما يعطي خيار ضم مليون ونصف مليون فلسطيني الى اسرائيل واقعيته وان يصير احتمالا قابلا للنقاش والاختبار هو الرأي الذي عرضته المؤسسة الامنية الاسرائيلية في آخر جلسة للجنة الامن والخارجية التابعة للكنيست الاحد الماضي، ومفاده "ان الولايات المتحدة فقدت قدرتها على فرض حلول لمشكلات المنطقة، وان اسرائيل صارت عبئا على السياسة الاميركية في المنطقة وفي مناطق اخرى في العالم عوض ان تكون ذخرا"، وهو ما يشير الى امكان عودة اسرائيل الى خيارات احادية لم تمت، بل تراجعت فرص عرضها وقبولها مع معاودة  واشنطن ادارة قناة تفاوض لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية، وهو استحقاق سياسي تحاول اسرائيل تفاديه ولا تعتبر موافقتها على بدء مفاوضات التقريب اكثر من امتصاص نتائج صدمات اوجدتها سياسة اميركية عامة تنادي بالتغيير، مع انها لم تتحول بعد خطط عمل ومقترحات مقترنة بزمن لحل الدولتين. ولا يتعارض مع ذلك اعلان الولايات المتحدة الجمعة ان المبعوث الاميركي لعملية السلام جورج ميتشل احرز تقدما حقيقيا ومهما في مفاوضات التقارب التي يجريها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي.
مع ذلك، فإن حلولاً من نوع الدمج الذي يقترحه ارينز تتعارض مع اتجاه دولي للتفتيت في نزاعات اقليمية عدة، احرزت نجاحات مهمة في دول يوغوسلافيا السابقة وفي تشيكوسلوفاكيا، مع مستويات متناقضة من الرفض والقبول وحدود العنف. ومؤشرات تفتيت في العراق محكومة بمعادلة قوة جيرة للعراق تتضرر من هذا التفتيت، لذا ترفضه مع انها اكثر ميلا لرؤية عراق مهشم وضعيف ولا حول له اذا ما قررت اميركا الانسحاب من هناك.
ثم إن محاولات الامتداد التركي في الوضع الفلسطيني وقبله الايراني لا تزيد الوضع الفلسطيني تماسكا. ولم يختبر أي خيار افتراضي وواقعي من هذا النوع لتعزيز مبدأ حل الدولتين. ولا يزال كل امتداد اقليمي في الفراغ العربي والفلسطيني محكوماً بقيم نفعية لمصالح هذا الامتداد مع ان الفلسطينيين لم يسمعوا من ايران ما يؤيد حل الدولتين، ولم يسمعوا من الاتراك ما يناقض هذا الحل، مع ان الاحزاب الاسلامية القريبة من حركة المقاومة الاسلامية "حماس"  الحليفة مع ايران وتركيا بمسافات متباينة، ترفض علنا المفاوضات مع اسرائيل وحل الدولتين وتميل في مواقفها العلنية الى رفض حل الدولتين.
وليس خافياً على الفلسطينيين ان الامتدادين التركي والايراني في فلسطين لا برامج فلسطينية له، وهما محكومان برغبة في الحصول على شرعية قوية تمنحها القضية الفلسطينية وقضيتها لاي لاعب اقليمي وسياساته الاخرى.
لكل هذه الاعتبارات، لا يمكن تفسير ظهور الاعلام التركية في فلسطين وكل مواقع التضامن الدولية والعربية مع القضية الفلسطينية احتجاجا على سياسات الحصار الاسرائيلي المشددة لقطاع غزة باعتباره تغييرا  او انقلابا في السياسات "الاستعمالية" الايرانية والتركية للورقة الفلسطينية ، ومن دون المس بجوهر هذه الاحتجاجات ووظيفتها التضامنية الحقيقية، لانها تشير ايضا الى ظلم اسرائيلي للفلسطينيين غير مقبول من شعوب ايران وتركيا  وخلافها.
هذا الوضع يلزم النخب الفلسطينية تغيير ما في العلاقات الداخلية بينها لايجاد مناخ قابل لتسوية حيال الانقسام الفلسطيني يمكن الفلسطينيين من الافادة من التضامن الدولي معهم ، بحيث  لا تقتصر على تخفيف حدة الحصار الاسرائيلي على غزة  والدوران في حلقة مفرغة من التنديد والاستنكار،  بل تمتد لتشكل رافعة دولية لانهاء الاحتلال واقامة دولة فلسطينية، من طريق تشديد عزلة اسرائيل الدولية وتطوير اشكال التضامن الدولي المتزايدة مع الفلسطينيين ومع حل الدولتين  وتحويلها افعالا سياسية من نوع المقاطعة الاقتصادية الحقيقية على غرار ما حصل لنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا قبل انهياره.  
ربما يكون اقتراح ارينز رؤية واقعية لهذه المقاربة واقتراحا للهرب منها. ولم نسمع من الفلسطينيين ما يسمح باعطاء امل بانهاء الانقسام وتوحيد الجهود الفلسطينية والعربية والدولية لتقصير زمن الاحتلال. ثمة فرصة وأفق لذلك والمسؤولية كبيرة.


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,077,103

عدد الزوار: 6,751,664

المتواجدون الآن: 101