بري محاضراً عن هيئة إلغاء الطائفية السياسية: لا يبرّر الخوف سوى الحرص على المصالح الفئوية

تاريخ الإضافة الثلاثاء 20 نيسان 2010 - 6:43 ص    عدد الزيارات 3202    التعليقات 0    القسم محلية

        


لا يوفر رئيس مجلس النواب نبيه بري مناسبة، سواء تحت قبة البرلمان او خارجه إلا يتحدث عن خطر الطائفية السياسية على لبنان. ويلازمه هذا الشعور منذ أن كان طالبا في كلية الحقوق على مقاعد الجامعة اللبنانية في أوائل الستينات.
وليعزز أفكاره في هذا الاطار، يعود الى الارشيف والمكتبات، لان شبح ا لطائفية يطارده في اجتماعاته وكتاباته، ويحاول محاربة "هذا الجرب في الجسم اللبناني".
كان بري مساء أمس على موعد مع حشد من السياسيين والاكاديميين وفاعليات من المجتمع المدني من مختلف الاتجاهات في فندق "بريستول" في الحمراء بدعوة من جمعية متخرجي الجامعة الاميركية في حضور وزراء ونواب حاليين وسابقين وسفراء وممثلين لرؤساء الطوائف.
وحاضر عن الموضوع الأحب الى قلبه، انشاء الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية.
واستعار من صديقه واستاذه في الجامعة الوزير السابق بهيج طبارة عبارته أن "عدم انشاء الهيئة الوطنية هو انقلاب على الطائف".
ويبدو أن رئيس المجلس لم يتراجع ولم "يستسلم" امام رفع لواء هذا المشروع، وتلقى تصفيقا حارا من الحضور في "هذا اللقاء الحميم" من جمهور لا بأس به من العلمانيين الذين يدعون ولو الى تطبيق الزواج المدني الاختياري في لبنان.
وحضرت في المناسبة التي قدمها الدكتور مروان اسكندر قامات دستورية وسياسية كبيرة تركت صفحات مضيئة في الحياة السياسية اللبنانية. واستعان بري بالرئيس الراحل رياض الصلح الذي لا تزال مداخلاته تصلح عناوين للصحف والنشرات الاخبارية لانها ترد على ما يعانيه اللبنانيون من "أوجاع سياسية" منذ أكثر من نصف قرن.
وقال: "(...) انطلاقا من الاقتناعات الراسخة عندي لا بد من ان اتوقف اولا عند المسار التاريخي لقوننة الطائفية السياسية دستوريا. فهذا الجانب من الطائفية اكتسب "جنسيته اللبنانية" مع صدور الدستور اللبناني في 23 ايار 1926 بنص المادة 95 (...).
ولا بد من ان اشير الى ان مبادرتي لتشكيل الهيئة الوطنية كانت الزاما لي كرئيس للمجلس النيابي ولم تكن خيارا ابدا. وهذا ما يدعوني الى القول ان ليس لاحد ان يواجه دعوتي بالقول انه وقت غير مناسب، او ان هناك منفعة سياسية او غير سياسية، او بأي اعتقاد آخر، فمن يقول ذلك عليه ان يقيم الدعوى على دستور بلده لماذا وضع هذا النص ولا يتهم رئاسة المجلس التي اعلنت مبادرتها لتنفيذ النص (...).
واقول تكرارا ان مبادرتي لتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية لا تعني بأي شكل ان الغاء هذا الجانب من الطائفية يتحقق باتمام عملية التشكيل، ومجرد تشكيل الهيئة لا يعني اننا الغينا الطائفية السياسية، فهذا لا يتحقق بمجرد ان تقترح الهيئة الطرق الكفيلة بالالغاء، ومن المفيد ان نتصور كيف ستكون الهيئة العتيدة التي يرأسها رئيس الجمهورية وتضم رئيسي المجلس والحكومة وشخصيات سياسية فكرية واجتماعية غير محددة العدد، الا ان الثابت في هذا التشكيل انه سيضم ممثلين لجميع الطوائف والمذاهب والقوى السياسية واتجاهاتها. ويصرف النظر عن عامل الوقت الذي ستستغرقه اعمالها فان هذا التنوع الشامل سيكون ضامنا لسحب الخوف على الطائفة والمذهب من قلوب الجميع، خصوصا ان ما تقترحه الهيئة يتخذ بالاجماع ويبقى خاضعاً لموافقة المؤسسات الدستورية. وانا أرى أن هذا الخوف مفتعل، لا سبب ولا ذريعة تبرّره إلا الحرص على المصالح الشخصية أو الفئوية فقط. فالذين يطالبون باستباق تشكيل الهيئة باجراءات تبدأ في المدارس والجامعات مثلاً تبقى مطالبتهم صحيحة من حيث المبدأ، إلا أنهم لم يتحفونا بالقول كيف يمكن ذلك في ظل الواقع الطائفي المستشري وماذا تعمل الهيئة اذا كان الواقع الطائفي قد زال قبل تشكيلها؟ والذين يعارضون التشكيل لأن الواقع الطائفي قد اصبح مستشرياً، نقول لهم لأنه قد اصبح مستشرياً علينا مواجهته، فالركون للعلة يؤدي دائماً الى استفحالها، وهذا ما يتأكد من المرحلة الفاصلة بين استقلال الدولة واليوم. لقد زادت الطائفية وازدادت المذهبية بدلاً من ان تخف".
ورأى "ان ما يمكن ان ينتج من بدء مواجهة المد الطائفي من سلبيات قد تحصل على المستوى الوطني سيكون بالتأكيد اقل كلفة من ابقاء اليدين مكتوفتين".
ولاحظ "ان التمسك بعدم تطبيق المادة 95 من الدستور، وبالتالي باتخاذ الخطوة الاولى المتمثلة في تشكيل الهيئة بحجة الحرص على التوازن على الطوائف وعلى حقوقها، فيه الكثير من الاستهانة بالتاريخ وبعقول الناس، فمهما يكن ميزان التوازن بين الطوائف دقيقاً، حتى ولو كان ميزان الجوهرجية، فلن اصدّق أن عدالة التمثيل ستكون محققه، وهناك طوائف ستبقى واقعة تحت الحرمان ولو قياساً بما ينال غيرها من الطوائف. لا يمكن حكماً ساهراً على الدستور حتى ولو كان بقيادة قانونية ان يحفظ التوازن بين الطوائف، فهذا التوازن لا يمكن ان يصبح حقيقة الا باخضاع الجميع لتكافؤ الفرص وتقديم الانتماء الوطني على كل انتماء آخر، وفي هذا أيضاً طريق الاصلاح الوحيد.
لن أطيل أكثر، انما يحضرني قول لأحد نواب الجبل، بهيج تقي الدين في أوائل الخمسينات، وكان المجلس يناقش احد المشاريع التي اشارت الى أبعاد طائفية، فقال: "لقد ألغى المجلس السابق الطائفية من انتخابات المخاتير والبلديات وجرت كل انتخاباتها في منطقة حساسة من جبل لبنان، فهل سمعتم أن خلافاً نشب او فضيحة جرت بين طائفة وأخرى؟ كلا، لقد أظهر الشعب الواعي تفهماً منقطع النظير".
اعيد السؤال بعد نحو ستين سنة لأقول: هل سمعتم خلافاً نشب بين طوائف في الانتخابات التي لا تحكمها الكوتا الطائفية؟".

 

30 سنة

وبعد محاضرته ردّ بري على اسئلة الحاضرين، فأوضح ان "علينا تأليف الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية قبل أن ننتقل الى موضوع المادة 22 من الدستور".
ورداً على سؤال آخر قال: "تأليف الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية لا يعني أننا ألغيناها، وهذا الأمر يمكن أن يستمر 30 سنة اذا كنت متفائلاً".
وسئل: هل ننتظر 60 عاماً أخرى لنبدأ بالغاء الطائفية السياسية؟
أجاب: "أودّ أن استعمل تعبير الصديق الوزير (السابق) بهيج طبارة ان عدم انشاء الهيئة الوطنية هو انقلاب على الطائف، وهو أهم الاصلاحات التي وردت، لأنه أم الاصلاحات".
ورداً على سؤال وجهه طبارة حول الخطوات التي ينوي القيام بها، قال بري: "هذا الأمر يعيدني الى عام 1992 عندما انتخبت في تشرين الاول، قلت آنذاك ان هذا العام عام العمل لتأليف الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية. آنذاك اتى من قال لي ان مجلس عام 1992، خصوصاً الفريق المسيحي منه لم يشارك في الانتخاب كما يجب، لذلك فإن طرح الموضوع الآن "فيه إنّ". وفعلاً، سكتُّ عن الموضوع حتى انتخابات 1996، فجددت الامر، وبدأت الاستشارات وعقدت مكتب المجلس، وطلبت من كل واحد في مكتب المجلس ان يراجع مرجعيات معينة، وفوجئت بأن ليس هناك فريق واحد له تحفظات، لماذا؟ كما تعلمون ان اتفاق الطائف اعطى حقوقاً ايضاً للمسلمين، ويا للاسف، صار المسلمون ايضاً لديهم شيء من التمسّك سواء كانوا شيعة او سنّة. آنذاك تكلمت مع الرئيس الياس الهراوي رحمه الله وتوافقنا على ان نخطو خطوة ما، فقال "أنا سأدعو الى هذا الموضوع"، وهنا أسجل له شجاعته وجرأته (...)".
 


المصدر: جريدة النهار

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,261,378

عدد الزوار: 6,942,632

المتواجدون الآن: 142