الاستراتيجية الدفاعية هي استراتيجية السلام

تاريخ الإضافة الخميس 15 نيسان 2010 - 6:04 ص    عدد الزيارات 3523    التعليقات 0    القسم محلية

        


مرة أخرى، تجتمع اليوم هيئة الحوار الوطني برئاسة رئيس الجمهورية للبحث في الاستراتيجية الدفاعية للبنان. واللبنانيون يعرفون، كما يعرف أقطاب هيئة الحوار، ان لبنان اليوم لا يمتلك قرار الحرب والسلم، كما لا يمتلك القدرة على تنفيذ استراتيجية دفاعية قد يتفق عليها في هيئة الحوار. لكننا نكتب هذا المقال لإيماننا بان اللبنانيين لا يزالون قادرين على حماية بلدهم وتجنب بعض الحروب التي تهدد بتدميره مجدداً، اذا هم اتفقوا على صنع ديبلوماسية ذكية تخرج لبنان تدريجا من قبضة العنف والحرب. ديبلوماسية تهدف إلى السلام. ديبلوماسية تبني استراتيجية السلام. اما "شبعنا" حروباً؟ اما آن الوقت للسلام عندنا؟ ولماذا ينعم غيرنا بالسلام والاستقرار ويعيش شعبنا من حرب إلى حرب؟ وهل هناك ارض في الأرض شهدت ما شهدته هذه الارض؟ ان أرضنا تتوق اليوم إلى السلام.
تبدأ هذه الاستراتيجية باتخاذ الحكم في لبنان قرارا مهما وشجاعا وتاريخيا، الا وهو قرار السلام. هذا يعني انه لا يكفي التمسك باتفاق الهدنة المعقود بيننا وبين إسرائيل، والتمسك بقرارات الشرعية الدولية، وقرارات الشرعية العربية، بل يجب ايضا ان ينتقل لبنان من صفة "متفرج" على صنع عملية السلام في الشرق، الى صفة شريك فاعل فيها. ويكون ذلك عندما يبدي لبنان استعداده للتفاوض مع إسرائيل، وبالتنسيق الكامل مع سوريا وبالدعم الكامل منها. انه لمن الخطأ التكتيكي والاستراتيجي ان يقدم لبنان وحده دون سوريا على مفاوضات مع إسرائيل. نحن نصر على ان تكون هذه المفاوضات ونحن جنبا الى جنب مع سوريا. ولا بـأس اذا كان الوفد المفاوض وفدا واحدا من سوريين ولبنانيين. خوفنا ان لم نكن موجودين إلى طاولة المفاوضات ان تنتهي هذه المفاوضات على حسابنا. وان نرث منها حروباً اخرى. فكما تعمل سوريا، وبكل قواها، للوصول الى التفاوض مع اسرائيل عبر تركيا او عبر الولايات المتحدة، بغية الوصول الى السلام واسترجاع الارض، كذلك يجب ان نعمل نحن ايضا للوصول الى السلام والارض. وكم مرة سأل اللبنانيون لماذا يحق لسوريا التفاوض ولا يحق ذلك للبنان؟ وقد يقول قائل، ان المشكلة تكمن عند غيرنا اذ ان اسرائيل ذاتها قد لا تريد السلام. وقد يكون هذا الكلام صحيحاً، لكن التزامنا السلام سيعطي الديبلوماسية اللبنانية زخما كبيراً ودعماً دولياً. يجب ان يتعلم لبنان الديبلوماسية الذكية من سوريا. فهي حليفة لايران وهي في حوار شامل وعميق مع الغرب. وهي رمز الممانعة والصمود في وجه اسرائيل وهي تبذل كل جهد للتفاوض معها.
ان القرارات الحاسمة في التاريخ يتخذها رجال يتصفون بالشجاعة والرؤيا البعيدة ونحن لا نفتقر الى هذا النوع من الرجال. من هذا المنطلق نتقدم من رئيس الجمهورية، وهو رمز البلاد وهو الرجل الذي نعنيه والذي يثق به معظم اللبنانيين، ونطلب منه بكل محبة واحترام الارتقاء من مرحلة التوافقية الى مرحلة القيادة. من رئيس توافقي الى رئيس قائد. من رئيس يحافظ على التوازن بين فريقين سياسيين الى رئيس يحافظ على لبنان. ان خلاص لبنان لا يتم بالتوافق وحده، بل بالقيادة الشجاعة والحكيمة.
وفي صلب استراتيجية السلام التي نطالب بها، السلام مع سوريا. فالسلام مع سوريا لن يكون فقط بإنهاء العداء لها بل بإرساء قواعد جديدة للتعامل معها بصدق واحترام. ونرجو أن تكون سوريا قد تعلمت من اخطائها في لبنان واصبحت تعرف الفارق الكبير بين حليف مستفيد منها وحليف صديق لها؛ وتعرف ايضا ان استقلال لبنان وسيادته وحريته (وهذا شعار لا يخص فريقا سياسيا واحداً فقط) هو بالنسبة إلينا "ثالوث مقدس متساو في الجوهر وغير منقسم".
ومن منطلق الصدق والاحترام هناك قضية اكثر الحاحاً من اية قضية اخرى عالقة بين لبنان وسوريا، وهي قضية "السلاح الفلسطيني خارج المخيمات". في هذا الجو العاصف والمتلبد في الشرق، صاروخ واحد "مجهول الهوية" قد يشعل حرباً مدمرة على لبنان. نحن لا نريد ان نقدم ذريعة لإسرائيل للاعتداء على لبنان. قد يكون الصاروخ "مجهول الهوية" الا ان اللبنانيين يعرفون جيدا هوية هذه الصواريخ ومن يطلقها، كما يعرفون ايضا لماذا لم ينفذ قرار "نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات" الذي اتفق عليه في هيئة الحوار. نحن نريد حواراً في العمق مع سوريا بالنسبة الى هذه القضية وان نطلب منها ضبط هذا السلاح خطوة اولى كي يتمكن لبنان من عبور هذه المرحلة الدقيقة والخطرة، ومن بعدها، مساعدتنا على نزعه.
 وان كنا لم نتمكن من نزع "السلاح الفلسطيني خارج المخيمات"، فكيف يمكننا "نزع سلاح المقاومة"؟ ان عملية نزع هذا السلاح في رأينا، عملية تتخطى هيئة الحوار الوطني، كما تتخطى لبنان. انها تتطلب تسوية دولية وإقليمية. ان مفهومنا للسيادة يعني حصرية السلاح في يد الدولة وحدها لا غيرها، وان وجود السلاح خارجها يلغي تلقائيا شرعيتها، الا اننا نؤمن في الوقت عينه بان "العبور الى الدولة" يمر بمراحل عدة. فالمرحلة التي نحن فيها الان، ليست مرحلة "نزع السلاح" بل مرحلة ضبط هذا السلاح واخضاعه لقرار الشرعية اللبنانية. ان المرحلة التي نمر فيها تفرض علينا كلنا: دولة وشعبا ومقاومة الالتفاف حول الدولة ومؤسساتها، وان يكون قرار استعمال السلاح، سلاح الجيش وسلاح المقاومة في عهدة الحكومة اللبنانية، حيث للمقاومة وزراء يمثلونها. قد تكون "أحادية" السلاح غير ممكنة اليوم، لكن "أحادية" القرار يجب ان تكون واجباً وطنياً. ان اللحمة التي نتوخاها بين الدولة والمقاومة هي الحماية الحقيقية للبنان وللمقاومة معا في هذه المرحلة من تاريخ لبنان. في هذه اللحمة لا تنفرد المقاومة بقرار الحرب، ولا تقوم بعمل قد يعتبره العدو الإسرائيلي مبرراً لشن حرب على لبنان، كما حدث في حرب تموز 2006.
خمس وثلاثون سنة ولبنان يتأرجح بين الموت والحياة. خمس وثلاثون سنة مات فيها الكثيرون من أهلنا، وهاجر فيها الكثيرون. خمس وثلاثون سنة، ويبقى لبنان وحده مصلوباً في هذا الشرق. انها اللحظة التاريخية للقرارات التاريخية. وها قد تعلمنا من التاريخ ان اللحظات التاريخية قد تصنع رجالا تاريخيين. وهل هناك من رجال تاريخيين بيننا، لينقلونا من ثقافة الدمار الى ثقافة البناء، من ثقافة العنف الى ثقافة الحضارة، من ثقافة الحرب الى ثقافة السلام؟ لقد ضاقت الأرض بقبورنا.
هذا وطن انزله الله من سمائه وأعطاه شيئا من مجده. هل نستحقه؟ لا، ولكن عار علينا ان نراه يموت ويندثر. وكي يبقى لنا ولأولادنا وللأجيال القادمة وللعالم كله تعالوا نبن معا السلام. اليوم وليس غداً، تعالوا نصنع استراتيجية السلام. هذه، في رأينا هي استراتيجية الدفاع عن لبنان.
"طوبى للذين يصنعون السلام" وطوبى للذين لا يزالون يؤمنون بقيامة لبنان.
 

بقلم الدكتور فيليب سالم     


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,076,876

عدد الزوار: 6,751,655

المتواجدون الآن: 103