تحولات الجهاديين والمنهج الليبي

تاريخ الإضافة الجمعة 9 نيسان 2010 - 7:53 ص    عدد الزيارات 3653    التعليقات 0    القسم عربية

        


عمر عاشور 7 أبريل/نيسان، 2010

عدو الأمس صديق اليوم ... كانت حرب حقيقية و الآن هؤلاء الإخوة أحرار." بهذه الكلمات أشار سيف الإسلام القذافي رئيس مؤسسة القذافي للتنمية إلى قيادة "الجماعة الإسلامية المقاتلة" خلال المؤتمر الصحفي في 23 من مارس/آذار، والذي حضره عدد من الدبلوماسيين والضيوف الغربيين بمناسبة إطلاق صراح قادة الجماعة الإسلامية المقاتلة ولمناقشة مراجعات أكبر حركة جهادية في ليبيا.  تأسست "المقاتلة" في العام  1990 و تم تشكيلها على نموذج جماعة "الجهاد" المصرية: تنظيم سري، نخبوي، شبه عسكري، يسعي لإسقاط النظام بضربة واحدة حاسمة. تحركت قوات الأمن و الجيش الليبي لتصفية الجماعة وردت "المقاتلة" بثلاث سنوات من التمرد المسلح–خاصة في شرق ليبيا بما في ذلك ثلات محاولات اغتيال القائد الليبي– العقيد معمر القذافي–في عامي 1995 و 1996. وخلفت المواجهات 165 قتيلاً من بين قوات الجيش و الأمن و الاستخبارات– منهم مسئؤلؤن كبار--وإصابة 159. وفي المقابل قتلت الأجهزة العسكرية 177 عضواً من "المقاتلة" و على رأسهم قائدها العسكري داخل ليبيا و أربعة من أعضاء مجلس شورتها. وفي عام 1998 قررت قيادة الجماعة وقف العمل المسلح داخل ليبيا لمدة ثلاث سنوات على أن يراجع هذا القرار في 2001، و لكن أحداث 11 سبتمبر/أيلول غيرت كافة الحسابات.
بحسب قادة "المقاتلة" بدأ الحوار مع السلطات الليبية في 2005. وفي العام التالي اشترك ستة من أعضاء مجلس الشورى في الحوار، منهم أمير "المقاتلة" نفسه عبد الحكيم بلحاج (أبو عبد الله الصادق). انتقلت جدية الحوار إلى مرحلة أخرى عندما دعا سيف الإسلام القذافي– وهو الراعي الرئيسي لعملية المصالحة الوطنية – السيد نعمان بن عثمان – وهو قيادي سابق في الجماعة وعضو مؤثر في مجلس شورتها– لزيارة ليبيا سراً و لقاء القيادة في سجن "أبي سليم" لمناقشتهم" كانت مسألة خطيرة جداً و لكني أثق بسيف الإسلام (القذافي)...و لكن عملية المصالحة لم تكن سهلة على الإطلاق." يقول بن عثمان. وكان التوتر بين المسئؤلين الأمنيين وأعضاء "المقاتلة" واضحا خلال اللقائات، فمثلاً كان قائد الأمن الداخلي الليبي يبدو حذراً من الإفراجات وعملية المصالحة برمتها، واصفاًً ما يحدث بأنه "توبة من الزندقة" بدلا من "المصالحة".
وخلافاً للبرنامج السعودي في المناصحة–والذي يعتمد في الأساس على إعادة تأهيل ونزع التطرف عن أفراد مشتبه بهم وفي الأغلب مغمورين– كانت السلطات الليبية تتعامل مع أسماء شهيرة في عالم الجهاديين. فمثلاً من المفرج عنهم سامي الساعدي (أبو المنذر) هو منظر الجماعة وخالد الشريف (أبو حازم)  وهو قائد جناحها العسكري، بلإضافة إلى أمير "المقاتلة". سألت الأخير عن الوضع الحالي للتنظيم فأجاب بأنه تم حلَه وسيتم إعادة دمج أعضائه في المجتمع الليبي كأفراد وليس كأعضاء في منظمة منحلة.     
عملية "الديراديكالية" ونبذ العنف في ليبيا اتبعت نمطاً تكررفي مصر والجزائر وبلدان أخرى. العوامل المشثركة في كل هذه التحولات هي وجود قيادة كارزمية للتنظيم المعني، وقمع الدولة–أو بعبارة أدق النظام المسيطر عليها، والتفاعل مع "الآخر" والحوار داخل التنظيم نفسه بين القيادة العليا و المتوسطة و الأفراد ، ثم المحفزات المشجعة على نبذ العنف من الدولة و المجتمع. أدى التفاعل بين هذه العوامل الأربعة إلى النجاح النسبي الذي شهدته ليبيا. فقد تم تحجيم "المقاتلة" وانهاء نفوذها عسكرياً في نهاية التسعينيات. والتفاعل الحواري الذي دار بين قيادتها وبعض الإسلاميين المعتدلين–على رأسهم الشيخ علي الصلابي–كان في غاية الأهمية لدرجة أن سيف الإسلام القذافي شكر الأخيرعلنياً في المؤتمر الصحفي. كان على القياديين من الجهاديين التائبيين اقناع الأتباع بعدم شرعية العمل المسلح، وهي مسألة في غاية التعقيد والصعوبة في كل عملية تغيير لنبذ العمل المسلح درستها. وأخيراً اتبعت السلطات الليبية برنامجاً للمحفزات يبدأ بلإفراج عن المعتقلين و ينتهي بإعادة دمجهم في المجتمع الليبي.
أما مستقبلاًَ فقد نادى سيف الإسلام جميع المقاتلين الليبيين في جبال الجزائرو صحراء مالي و طلب منهم العودة إلى ليبيا. واذا استطاعت السلطات الليبية اعادة دمج المفرج عنهم في المجتمع الليبي فسيشكل ذلك دعماً قوياً لهذا النداء. فقد كان فشل الأنظمة العربية في إعادة دمج الأفغان العرب في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي سبباً رئيسياً في راديكالية وتدويل أنشطتهم.
كان من أهم التطورات أيضاً إشارة سيف الإسلام السريعة إلى حادثة سجن أبي سليم في يونيو 1996، و التي–بحسب بعض المصادر– قًتِل فيها المئات من المعتقلين السياسيين بعد احتجاجهم على أوضاع السجن المزرية.  كانت جرأة من سيف الإسلام الإشارة إلى موضوعِ مازال محرماً في ليبيا، و ربما تكون رغباً منه في فتح هذا الملف. المساوي لهذا التطور في سوريا مثلاَ هو فتح الرئيس بشار الأسد ملف مجزرة حماة في 1982، أو في مصر فتح السيد جمال مبارك ملف المعتقلات السياسية- كالوادي الجديد والعقرب وجناح السياسيين في أبي زعبل–في التسعينيات.
تبقى عدة أسئلة غير مجاب عنها في الحالة الليبية أهمّها هو مستقبل عملية نبذ العنف، والنتائج المترتبة على سياسات مكافحة الإرهاب، وكذلك مسألة الإصلاح السياسي في ليبيا.  وعن الموضوع الأخير يجب القول أن ما حدث في ليبيا الشهر الماضي هو خطوة كبيرة للأمام ليس فقط على طريق تطوير السياسات الأمنية، و لكن أيضاً على طريق المصالحة مع المعارضة الوطنية. وهذا النهج الناضج سياسياً لازال نادراً في البلدان العربية حيث يتحكم منطق "اقتل أو تُقتل" في الصراعات السياسية، حتى لو كانت المعارضة سلمية. ومن الممكن تماما، كما كان الحال في مصر، والجزائر، والمملكة العربية السعودية أن تتخد الحكومة موقفاً مهادناً تجاه الجهاديين من أجل وضع حد للتهديد الأمني مع الحفاظ على السياسات القمعية تجاه باقى قوى المعرضة السلمية، مما قد يجعل من الديرادكالية والمصالحة الوطنية ظواهر قصيرة العمر. 
عمر عاشور أستاذ محاضر بجامعة إكستر في المملكة المتحدة ومؤلف كتاب "ديراديكالية الجهادببن: تحولات الجماعات الإسلامية المسلحة."   


المصدر: موقع نشرة الاصلاح العربي الإلكتروني

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,687,685

عدد الزوار: 6,908,565

المتواجدون الآن: 103