انقلاب المعادلة السياسية العراقية: الكتل الضعيفة تتحكّم بالكتل القوية

تاريخ الإضافة الأحد 4 نيسان 2010 - 6:02 ص    عدد الزيارات 3463    التعليقات 0    القسم عربية

        


لعل اغرب ما افرزته انتخابات 7 آذار الماضي بالنسبة الى الجهات السياسية الفائزة بعدد كبير من المقاعد، هو ان موقفها التفاوضي اضعف بكثير من موقف نظيراتها من الكتل التي حصلت على مقاعد اقل، بل لعل نتائج الانتخابات قلبت مقولة القوة الشائعة التي تؤكد ارجحية "حكم القوي على الضعيف". ولو اخذنا موقف اكبر الكتل النيابية الفائزة، "القائمة العراقية" بزعامة اياد علاوي، والتي حصلت على 91 مقعداً من اصل 325، نجد انها في موقف لا تحسد عليه، اذ انها لم تكد تتذوق طعم فوزها الذي اعلنته مفوضية الانتخابات المستقلة، حتى جبهت بعاصفة من المشاكل بدأت باتهامها بالتزوير، مرورا بتفسير المحكمة الاتحادية العليا لمفهوم "الكتل النيابية الاكبر" الذي صب في غير مصلحتها، اذ ذهب الى ان الكتلة المؤهلة لتأليف الحكومة هي المؤتلفة بعد اعلان النتائج وليس الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد، الى تلويح "هيئة المساءلة والعدالة" باستبعاد عدد من مرشحيها الفائزين.
 اما آخر منغصات "القائمة العراقية" وليس آخرها، فهو استبعادها من هامش اهتمام الجار الشرقي للعراق، ايران. ذلك ان طهران استقبلت في غضون الايام الاخيرة " قافلة" كبيرة من الساسة الشيعة من "الائتلاف الوطني العراقي"، و"ائتلاف دولة القانون"، فضلا عن زعامات كردية في مقدمهم الرئيس جلال طالباني، الى حد دفعها الى تمني ان يمن عليها الجار الشرقي بـ "دعوة زيارة".
وفي ضوء هذه المعطيات، فان غالبية شخصيات هذه القائمة اضطرت الى مراجعة مواقفها المتشددة السابقة حيال مختلف القضايا، اذ اضطر نائب رئيس الجمهورية والقيادي في القائمة طارق الهاشمي الى التراجع عن موقفه المتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية، بعد مطالبته برئيس عربي للعراق بدلا من رئيس كردي، بعد الحملة الشديدة التي تعرض لها من قائمة "التحالف الكردستاني" التي حلت بالمرتبة الرابعة في تسلسل الكتل الفائزة بحصولها على 42 مقعدا فقط.
والامر ذاته تكرر مع القيادي في القائمة اسامة النجيفي الذي اضطر هو ايضاً الى التراجع عن جميع مطالبه المتشددة حيال الاكراد. وعملية التراجع لا يمكن تفسيرها من خلال اعتماد مقولة التكتيك السياسي المرحلي الذي تتبعه الكتل الكبيرة الفائزة بغرض كسب الخصوم في مسعاها لتأليف الحكومة فحسب، بل يتخطى الامر ذلك، لأن مصير هذه الكتل الكبيرة ارتبط بشكل قاطع بمقدار رضا الكتل "الضعيفة" والصغيرة عنها، الامر الذي يعني ان لا صغير في العملية السياسية اليوم، وفي امكان اي كتلة ضعيفة ليس التأثير على مجريات الامور بعد الانتخابات، بل الطموح الى تأليف الحكومة ورئاستها ايضا. وهذا ما حدث تحديدا مع "الائتلاف الوطني العراقي" الذي اعلن احد زعمائه صراحه عدم التنازل عن منصب رئاسة الوزراء في حال سنحت الفرصة.
 
 

 "دولة القانون"

ولا يختلف الامر كثيرا بالنسبة الى الكتلة الفائزة بالمرتبة الثانية "ائتلاف دولة القانون"، والتي حصلت على 89 مقعدا، اذ تشير مصادر مقربة من هذا الائتلاف الى ان زعيمه رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي يمر بمرحلة "غاية في التعقيد والصعوبة"، لجهة ارتباط مصير فوزه بولاية ثانية بكتل صغيرة نسبيا، بل بمجاميع داخل تلك الكتل مثل "التيار الصدري" المنضوي تحت لواء "الائتلاف الوطني العراقي" الذي حل ثالثاً في تسلسل القوائم الفائزة بـ70 مقعدا.
 وابلغت تلك المصادر "النهار" ان "موقف المالكي التفاوضي تراجع على نحو كبير بعد اعلان نتائج الانتخابات"، خصوصا مع شركائه السابقين في "الائتلاف الوطني العراقي" الذي رفع سقف مطالبه كثيرا خلال فترة المفاوضات على تأليف التحالفات قبل اجراء الانتخابات، وتمسك باعتماد نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في كانون الثاني 2009 وفاز بغالبية تسع محافظات عراقية، اساسا لتوزيع الحصص بين الكتل المتحالفة، الامر الذي لم يحظ بقبول مكونات "الائتلاف الوطني العراقي"، وتاليا لم يتوصلا الى اتفاق وشركة سياسية.
ويمكن التدليل على ضعف موقف المالكي التشاوري من خلال الزيارات التي قام بها لزعامات داخل الائتلاف، كرئيس المجلس الاسلامي الاعلى عمار الحكيم وزعيم تيار الاصلاح ابرهيم الجعفري، اذ ان زيارات المالكي لهؤلاء الزعماء تشير الى تحول كبير في مواقفه السابقة، وخصوصا زيارته للجعفري، الزعيم السابق لحزب الدعوة، واحدى الشخصيات المهمة التي تتقاطع بشكل حاد مع المالكي.
وقالت المصادر ان "الائتلاف الوطني العراقي متشدد تماما حيال تولي المالكي رئاسة الوزراء، ويسعى الى حصوله على اكبر قدر من التنازل منه، نتيجة ادراكه لضعف موقف المالكي". واضافت: "اشترطوا على المالكي في حال الموافقة على تجديد ولايته، ألا يحصل ائتلافه على اي منصب حكومي عدا رئاسة الوزراء، بل شددوا على تاكيد حقهم في اختيار موظفي مجلس الوزراء ايضا".
 استفتاء "التيار الصدري"
 ولعل الاستفتاء الذي اجراه "التيار الصدري" لاختيار مرشح لرئاسة الوزراء من بين خمس شخصيات شيعية، يصب في خانة حكم "الضعيف على القوي" لجهة ان ما دفع "التيار الصدري" الى خوض تجربة الاستفتاء، ليس نياته الطيبة لحلحلة مسألة رئاسة الوزراء المعقدة فحسب، بل لشعوره بخطورة دوره المتنامي في توجيه المرحلة السياسية المقبلة.
وهذا الشعور بلوره موقف الكتل الكبيرة الفائزة حياله، اذ ان كلا الكتلتين الكبيرتين الفائزتين "العراقية" و"ائتلاف دولة القانون" تسعيان بقوة الى استمالته كل الى جانبها، لانهما يعلمان ان الصدريين يشكلون "بيضة القبان" هذه المرة في المعادلة السياسية، نتيجة تصدرهم قوائم الكتل الفائزة داخل "الائتلاف الوطني العراقي" برصيد 38 من اصل 70 مقعدا حصل عليها "الائتلاف الوطني العراقي". وبهذا المعنى، فانه اذا رغب علاوي او المالكي في الحصول على دعم "الائتلاف الوطني" للفوز برئاسة الوزراء، فعليه اولا وقبل كل شيء الحصول على رضا التيار الصدري.
 
 

كتل صغيرة

 وفي سياق "هيمنة" الكتل الصغيرة في المعادلة السياسية، نجد انه حتى الكتل الضعيفة التي لم تتجاوز سقف العشرة مقاعد سيكون لها القول الفصل في مسألة تأليف الحكومة المقبلة، ومن الممكن ان يكون لـ"جبهة التوافق" السنية التي حصلت على 5 مقاعد فقط وحركة "كوران" (التغيير) الكردية، الحاصلة على 8 مقاعد في اقليم كردستان، دور محوري في حال اشتراك ثلاث كتل فقط في تاليف الحكومة المقبلة، لانها غير قادرة في أي حال من الاحوال على الوصول الى غالبية الثلثين اللازمة لتمرير الحكومة المقدرة بـ216 مقعدا، في حال عدم اتفاقها مع الكتلتين الصغيرتين المشار اليهما.
ويبدو ان العقلية التي وقفت وراء صوغ النظام السياسي العراقي بعد عام 2003، عجزت عن تجاوز قضية الوقوع في المحظور، ذلك ان النظام السياسي الذي صمم بعناية تامة للحيلولة دون انفراد جهة او طرف معين في حكم العراق، ادى الى تعقيد الامور بدرجة اكثر من المتوقع، وبمعنى آخر فان محاولة صوغ نظام سياسي يبدد المخاوف المتبادلة بين الجماعات العراقية، اوقعت الجميع في المحظور وعقدت الأمور.
 

بغداد – من فاضل النشمي     


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,113,569

عدد الزوار: 6,753,476

المتواجدون الآن: 102