إشكالات والتباسات ··· من بيروت إلى دمشق!

تاريخ الإضافة الإثنين 1 آذار 2010 - 6:09 ص    عدد الزيارات 3397    التعليقات 0    القسم محلية

        


صلاح سلام

··· كان الله في عون الرئيس سعد الحريري الذي يواجه هذا الكم من الضغوطات والمناورات والمزايدات، فضلاً عما تيسّر من التدخلات، تعددت مصادرها، وتنوعت أساليبها، وكلها تصب في هدف واحد: عرقلة انطلاقة الحكومة ·· سعياً لإحباط رئيسها وإحراجه··، وصولاً الى تدجينه وتحجيمه··!

لا التنازل عن حق الأكثرية، الدستوري والديمقراطي، في تولي السلطة على ضوء نتائج انتخابات نيابية شهد الجميع بنزاهتها··، ولا التساهل في تشكيل حكومة <الوحدة الوطنية>، وإعطاء الأقلية ما طلبته من وزارات ووزراء··،

ولا التجاوب مع متطلبات المرونة و<تطويل البال>، واعتماد سياسة الحوار والتشاور في معالجة <أولويات الناس>، والتصدي للقضايا المعيشية والاجتماعية التي تقضُّ مضاجع اللبنانيين··،

كل هذا الحرص الذي أظهره الزعيم الشاب انطلاقاً من سياسة اليد الممدودة، والرغبة الجدية في طوي صفحة الانقسامات والصراعات، لم ينفع في اقناع الشركاء في الحكم، كما بعض الحلفاء الحاليين منهم والسابقين، بضرورة إعطاء البلد الفرصة اللازمة لالتقاط الأنفاس، وافساح المجال لإستعادة التوازن المفقود في أداء الدولة، والامساك من جديد بأواصر الوحدة الوطنية، التي تبقى سلاح الوطن الصغير الأقوى لمواجهة التهديدات، وما قد يتبعها من اعتداءات اسرائيلية وحشية لن توفر لا الأخضر ولا اليابس من مقومات الصمود اللبناني·

حتى جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، كان البعض يأخذ على الرئيس الحريري تصرفه دائماً وكأنه <أبو الصبي>، حيث يهون عليه التنازل والتساهل والتجاوب مع بعض المطالب التي تبلغ أحياناً حدود التعجيز، حرصاً على صيانة السلم الأهلي، وترسيخ أجواء الامن والاستقرار، والمضي قدماً في <صيغة الشراكة> مع المعارضة، على اعتبار ان ورشة النهوض بالبلد، وتعويض خسائر السنوات العجاف، يحتاجان إلى جهود كل اللبنانيين، الى سواعدهم··، والأهم تحتاج أولاً وأخيراً إلى تضامنهم وتوحدهم خلف مسيرة الدولة القادرة والعادلة·

ولكن يبدو <ان الكيل قد طفح> مع رئيس الحكومة عشية انعقاد مجلس الوزراء الأخير، فقرر أن يصارح اللبنانيين بـ<بعض> معاناته، من خلال مخاطبته الوزراء الحاضرين، دون التخلي عن تجربة الشراكة مع المعارضة، اذا أثبتت هذه التجربة نجاحها في الإنجاز وتلبية الحاجات الملحة للأكثرية الساحقة من اللبنانيين·

ويدرك العالمون ببواطن الأمور، انه من حق رئيس الحكومة، بما يخوله موقعه الدستوري، أن يرفض المزايدات على الحكومة، وعلى أجهزة الدولة، التي استُنفرت جميعها، لمواجهة كارثة أصابت الوطن كله، بمختلف طوائفه، وبمعظم مناطقه، ولم تُعدم الحكومة وسيلة مفيدة في عمليات البحث عن الضحايا، وتحديد أسباب الحادث المؤلمة، إلا واستعانت بها بهدف الاسراع في تهدئة خواطر أهالي الضحايا، بعدما فٌُقد الأمل بالعثور على أحد من الركاب حيّاً·

ولكن، ما ان هدأت ردود فعل الطائرة المنكوبة، حتى بدأ تحريك مخطط المطالب النقابية المزمنة، وذلك بالتزامن مع الترويج لنية مبيتة لدى الحكومة - كذا - بزيادة الضرائب، ورفع الضريبة الاستهلاكية (TVA) إلى 15 بالمئة!

وفيما كانت الحملة المفتعلة حول الزيادة المزعومة على الضرائب تتصاعد على منابر اعلامية محسوبة على أطراف مشاركة في الحكومة الحالية، كان وزراء الخدمات يطالبون بزيادة ميزانيات وزاراتهم بأرقام عالية، تجاوز مجموعها الأولي الملياري دولار أميركي، أي ما يعادل نصف الموارد الحالية للخزينة!

وما يُقال عن محاولات استغلال نكبة الطائرة الأثيوبية، والحملات المفتعلة عشية طرح الموازنة للمناقشة يُقال مثله وأكثر عن الملفات العالقة الأخرى: من التعيينات النسبية، إلى التشكيلات الدبلوماسية ومثيلاتها القضائية، وصولاً الى عدم فتح ملفات الأزمات المعيشية وفي مقدمتها: الكهرباء، والمياه، وتردي الخدمات الخليوية، وعدم الالتفات الى المشاريع الإنمائية الضرورية·

في خضم هذه البلبلة الداخلية، برز، فجأة، في دمشق كلام عن استياء سوري من كلام الحريري في الفاتيكان، وما نسب إليه في حديث صحفي عن تشبيه الوضع بين لبنان وسوريا، بالعلاقات المتوترة بين الكويت والعراق في عهد صدام حسين·

وعنصر المفاجأة الأول يكمن في ان هذا الكلام جاء من منابر إعلامية قريبة من دائرة القرار السوري، ودون سابق انذار في قنوات الاتصال بين البلدين، ودون انتظار نشر البيان الذي أرسله مكتب رئيس الحكومة اللبنانية إلى صحيفة <كوريرا ده لاسييرا> مستغرباً ونافياً ما نسبته الصحيفة الى الحريري في موضوع التشبيه المذكور!

لا أحد يستطيع أن يجزم بأن العلاقات اللبنانية - السورية الجديدة، خاصة العلاقة بين الرئيسين بشار الأسد وسعد الحريري، ستكون خالية من الاشكالات والالتباسات، وأحياناً من بعض الألغام، لا سيما وان المتضررين من مثل هذه العلاقة الاستراتيجية يتربصون الدوائر للتشكيك بجدوى مثل هذه العلاقات الطبيعية والضرورية، والتقليل من أهمية نتائج الزيارة التاريخية للحريري الى دمشق·

ولكن هذه الفرضية توجب اتخاذ أقصى احتياطات الحيطة والحذر في الدوائر المعنية في كل من بيروت ودمشق، لحماية انطلاقة العلاقات الجديدة من سهام الاستهداف والتسميم، خاصة في مرحلة تعزيز العلاقات الشخصية بين الرئيسين الأسد والحريري، واستكمال عملية بناء الثقة بينهما، والتي ستعود بالخير على الشعبين الشقيقين·

بيروت كانت بمنتهي الحذر والحرص عندما ظهر مقال الكاتب الأميركي سيمون هيرش وما نسب فيه إلى الرئيس بشار الأسد، ولا نخال دمشق الا بمستوى هذا الحرص والحذر بعدما توضحت ملابسات الكلام المنسوب للحريري في روما!


المصدر: جريدة اللواء

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,144,691

عدد الزوار: 6,756,911

المتواجدون الآن: 126