التخوّف من اعتداء إسرائيلي خفّف اندفاعة "حزب الله" وأنتج إجماعاً نيابياً على طيّ الخلافات مرحلياً

تاريخ الإضافة السبت 12 كانون الأول 2009 - 5:54 ص    عدد الزيارات 3292    التعليقات 0    القسم محلية

        


كتبت هيام القصيفي:
ثقة الـ121 نائبا التي نالتها الحكومة الاولى للرئيس سعد الحريري، لم تكن ثقة بالمعنى الكلاسيكي للكلمة بقدر ما كانت شبة اجماع على التباين الذي يبلغ حد الاختلاف التام بين مكونات الحكومة. والتباين بين مختلف التيارات السياسية الممثلة في معظمها في الحكومة ظهر في نقاط خلافية متعددة من سلاح المقاومة الى الغاء الطائفية السياسية الى المحكمة الدولية وصولا الى بعض العناوين الاقتصادية.
 ولا تلغي الثقة جوهر بقاء الخلاف على قدمه، لان اولى بديهيات الاجماع ان يكون ايجابيا، ولو كان كذلك لما استمر تعطيل الحكومة اكثر من خمسة اشهر. ولو كان التفاهم السعودي – السوري سبب هذا شبه الاجماع، لكانت شكلت الحكومة حين اقر مبدأ تقسيمها وفق معادلة 15-10-5، ولما كان الحريري اعتذر بعد التكليف الاول ثم عاد ليقبل مجددا تكليفه وترؤسه اولى حكوماته.
وتؤكد لـ"النهار" مصادر سياسية رفيعة واخرى معنية بالشأن الامني ان "حزب الله" لا يزال يتعامل بجدية مطلقة مع الرسالة الواضحة التي تبلغتها الدوائر الرسمية اللبنانية عشية تشكيل الحكومة عبر قنوات ديبلوماسية رفيعة، عن توجه اسرائيلي واضح لعمل عسكري ضد لبنان. وتشير الى ان هذا التبليغ كان السبب الاول والاخير وراء التعجيل في تشكيل الحكومة التي اعلنت في التاسع من تشرين الثاني الماضي. جاء التبليغ قبل ايام قليلة من صدور التشكيلة الحكومية، وكان الانذار الغربي حول النية الاسرائيلية جديا الى درجة استنفرت جميع النافذين عربيا واقليميا ودوليا لتكيثف الجهود من اجل الاسراع في تشكيل الحكومة، نتيجة خوف هولاء من تسارع التطورات الاقليمية، من العراق الى الملف النووي الايراني الى اليمن، فتنتفي بذلك العناصر المكونة لحماية لبنان من خضة امنية غير معروفة النتائج.
وتروي مصادر قيادية رفيعة في المعارضة انه بعد اتصالات في الربع الساعة الاخير، اي في عطلة الاسبوع التي سبقت تأليف الحكومة، تبلغت القيادات جديا معلومات عكست تخوف "حزب الله" من حجم العملية، وهو ما دفعه الى تكثيف اتصالاته بحلفائه من اجل تعجيل التأليف. ورغم ان بعض قيادات المعارضة المسيحية لم يعر هذه الاحتمالات اهتماما، كانت حجة الفريق الشيعي اقوى، الامر الذي ترجم بحركة مكوكية بين الرابية وعين التينة وبئر العبد وسوريا لتشكيل الحكومة بمن حضر، وبتنازلات متيسرة من اجل انجاز الامر في سرعة قاربت تلك التي انجز فيها اتفاق الدوحة.
وازن "حزب الله" وخلفه ايران، بين سلبيات الفراغ الحكومي اذا حدث اي عمل عسكري اسرائيلي، وايجابيات انضمامه الى الحكومة، فرجحت كفة الميزان بالمشاركة ولو بالحد الادنى ومن دون وضع اي شروط على نوعية الحقائب التي يريدها، وخصوصا ان ثمة ملفات امنية مقبلة عليها الحكومة، والحزب معني بها، سواء من خلال التعيينات الامنية او حتى في استمرار وضع اليد على شبكة الاتصالات التي كانت السبب وراء حوادث 7 ايار 2008، والتي لا يمكن الحزب ان يفرط بها في خضم التهديدات الاسرائيلية.
كان قرار المشاركة اهم، وخصوصا ان واشنطن كانت رفعت سقف تحذيرها من مغبة مشاركة الحزب في الحكومة الجديدة، حتى ان احد التقارير الامنية الاميركية اعتبر ان الحريري، الذي ربح الانتخابات النيابية مع فريق الاكثرية، لم يعد مواليا للغرب الا على الورق، بمجرد قبوله بمشاركة الحزب في حكومته رغم التحذيرات والحملة الاميركية على ناشطين في "حزب الله" ومناصرين له في الولايات المتحدة وغيرها من الدول بتهمة تمويل الحزب.
اعاد "حزب الله" حساباته وفقا لما حدث بعد حرب تموز التي ادارت فيها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مفاوضات شاقة وصعبة، ادت الى استصدار القرار 1701 وذهاب الجيش الى الجنوب للمرة الاولى. لم يوقف القرار الدولي الحرب ولم يعلن وقف النار بل اعلن وقف الاعمال العدائية، لكن هذا القرار بما يحمله من ايجابيات وسلبيات سمح للحزب باعادة التقاط انفاسه، واعادة بناء مؤسساته العسكرية والامنية التي تهدمت بفعل القصف الاسرائيلي. وهذا كله جرى بفضل الجهود التي بذلتها الحكومة آنذاك، من اجل وقف آلة الدمار الاسرائيلي.
خرج الحزب من الحكومة اثر حرب تموز، بعدما ابتعد الخطر الاسرائيلي المباشر. لكنه اليوم يقف على مفترف طرق يدرك خطورته، وهو اكثر من يأخذ على محمل الجد التهديدات الاسرائيلية الاخيرة، التي توجت بتصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتحميل الحكومة اللبنانية مجتمعة مسؤولية اي عمل ضد اسرائيل. وثمة من يعتبر ان كلمة قائد الجيش العماد جان قهوجي عشية عيد الاستقلال عن جهوز الجيش للرد على اي عدوان اسرائيلي، صبت في اتجاه الجو الذي كان يعيشه الحزب والمؤسسات الامنية نتيجة التهديدات الاسرائيلية التي تخطت في لحظات معينة الكلام الاعلامي لتصل الى الرسالة المباشرة.
نال "حزب الله" من خلال تشكيل الحكومة، التي لم يحصل فيها على حصة مرموقة، ما لم ينله اي طرف داخلي، والاجماع على البيان الوزراي في جلسة الثقة اعطاه الامان الذي يطلبه في مرحلة حساسة ترصده فيها مختلف الدوائر المعنية بلبنان. فوثيقة الحزب السياسية لقيت اهتماما ملحوظا من الدوائر الديبلوماسية التي كانت معنية بالحصول عليه مترجما منذ اللحظات الاولى لصدوره، ومحاولة تلمس مغزى توقيتها وتداعياتها على الوضع الداخلي اللبناني. وهذا الاهتمام يتعدى ايضا موضوع علاقة الحزب بسوريا وايران، وسلاح الحزب الذي نقله الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله من الحكومة الى طاولة الحوار، ليطول وضع الحزب الداخلي. وتبدي هذه الدوائر اهتماما لافتا بالملف منذ ان تفجرت قضية صلاح عز الدين، وصولا الى قضية المخدرات في الضاحية الجنوبية وحتى دخول الامن الداخلي هذه المنطقة التي كانت محرمة على أي وجود شرعي رسمي، ودور الحزب في الداخل وعلاقاته مع القوى السياسية.
والحزب الذي ينصرف، قبل مؤتمره التنظيمي الاخير وبعده، الى معالجة امور بيته الداخلي، يحتاج في هذه المرحلة الى حماية ظهره حكوميا، وترتيب علاقته بدمشق وبايران، وتمتين شبكة الامان الداخلية حول الاحتمالات التي يمكن ان تنتج من اي تدهور اقليمي وتنعكس في لبنان.
فالتقارير الامنية الغربية بدأت تصعد وتيرة الكلام على دور للحزب في معارك اليمن بعد العراق وفلسطين ومصر، وتتحدث عن الدور السوري في كشف ملابسات السفينة "فرانكوب" التي تقول اسرائيل انها كانت متوجهة من ايران الى "حزب الله"، الامر الذي يجعل الحزب محاطا بكمية من العوامل الخارجية يحتاج معها الى فكفكة الالغام الداخلية بالحد الادنى. وقد يكون ذلك احد الاسباب التي جعلت مداخلات نواب الحزب في المجلس خلال جلسة الثقة اقل المداخلات توترا ومحصورة في بند وحيد، هو اصلا محال على طاولة الحوار.
احتاج "حزب الله" الى فترة استراحة ومرحلة انتقالية، قبل استشراف مراحل التوجه الاسرائيلي، مثلما احتاجت اليها السعودية التي لم تستطع منذ اكثر من شهر حسم عملياتها العسكرية مع الحوثيين، فنتجت حكومة وحدة وطنية باجماع مئة وواحد وعشرين نائبا، اتفقوا على طي الخلافات مرحليا وتخفيف حدة التشنجات والانتقال مجددا الى مرحلة الانتظار.


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,112,716

عدد الزوار: 6,753,420

المتواجدون الآن: 107