تصفية الحسابات مع القاعدة السورية في العراق مسؤول عراقي: نستطيع تصدير العنف إلى دمشق

تاريخ الإضافة الجمعة 11 أيلول 2009 - 6:36 ص    عدد الزيارات 4677    التعليقات 0    القسم عربية

        


"أزمة نظام الرئيس بشار الاسد الحادة مع العراق هي جزء من ازمته مع جهات عربية ودولية بارزة ومؤثرة، اذ ان هذا النظام يواجه ضغوطا استثنائية متنوعة معلنة وغير معلنة من ادارة الرئيس باراك اوباما ومن دول اوروبية وعربية بارزة ومن القيادة العراقية من اجل دفعه الى التخلي عن "استراتيجية العنف والاذى والتخريب" التي يعتمدها في تعامله مع العراق ولبنان وفلسطين والمنطقة عموما، ومن اجل اقناعه بأن زمان استخدام العنف والاذى والتخريب والقيام بتدخلات سلبية خطرة في شؤون دول اخرى لتعزيز الدور السوري الاقليمي ولتحقيق مكاسب سياسية على حساب مصالح شعوب اخرى، قد ولى، وان مصالح سوريا المشروعة تتحقق فعلا اذا ما اعتمدت قيادتها استراتيجية بناءة قائمة على التعاون الايجابي الحقيقي مع الدول العربية وعلى المشاركة الجدية في تعزيز الامن والاستقرار والسلام في الساحات الاقليمية الساخنة وفي المنطقة عموما، واذا رفض نظام الاسد استجابة هذه المطالب العربية والدولية فإنه سيواجه المحاسبة في شكل او آخر".
هذا ما قالته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وعربية وثيقة الاطلاع في باريس، واوضحت ان من الخطأ النظر الى الازمة بين دمشق وبغداد في معزل عن النزاع الخفي او العلني القائم بين نظام الاسد ودول عدة في المنطقة وخارجها.
وذكرت هذه المصادر ان الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي قررت اعتماد "النموذج اللبناني" في التعامل مع نظام الاسد لانها يئست من تجاوب هذا النظام مع مطالبها ولانها فشلت في اقناعه بوضع حد للدور السوري التخريبي في العراق فقررت تدويل نزاعها مع النظام السوري خصوصا ورفعه الى مجلس الامن لكي يكون المجتمع الدولي شاهدا على ما يجري بين البلدين ولكي يؤمن حماية للعراقيين من اي اعمال ونشاطات معادية لهم تنطلق من الاراضي السورية.
وقال لنا مسؤول عربي بارز: "إن الحكومة العراقية تتصرف على اساس ان الوقت حان لتصفية الحسابات مع نظام الاسد ولذلك استغلت اتهامها له بالتورط في تفجيرات "الاربعاء الاسود" الضخمة، التي وقعت في بغداد يوم 19 آب الماضي واستهدفت وزارتي الخارجية والمال ومؤسسات اخرى وادت الى سقوط اكثر من مئة قتيل و600 جريح، من اجل التحرك الجدي لوضع حد نهائي للدعم المتعدد الجانب الذي يقدمه المسؤولون السوريون لقوى معادية للنظام العراقي وتنشط في اراضيهم منذ بضع سنوات. وقد حصل المسؤولون العراقيون على الارجح على دعم اميركي وايراني خفي للعمل على مواجهة الدور السوري التخريبي في بلدهم ووضع حد له. ويريد المسؤولون العراقيون اقناع نظام الاسد بأن تدخلاته السلبية في العراق اصبحت اكبر من طاقاته وقدراته، وان الحكم العراقي قادر جديا على احباطها وان من الافضل له ان يكرر تجربة والده الرئيس الراحل حافظ الاسد حين رضخ عام 1998 للضغوط الاميركية الشديدة ووافق على ابعاد عبدالله اوجلان "زعيم حزب العمال الكردستاني" وعدد من رفاقه خارج الاراضي السورية مما ادى الى اعتقالهم  لاحقا لأن الاتراك حشدوا آنذاك قواتهم على الحدود وهددوا بالتدخل العسكري ضد سوريا في حال اصر الاسد على حماية هذا الزعيم الكردي المتمرد عليهم، وقد اثار المسؤولون العراقيون قضية اوجلان هذه مع الوسيط التركي الذي يعمل على تسوية الازمة بينهم وبين النظام السوري".
 

القاعدة السورية

وتتفق المصادر الديبلوماسية الاوروبية والعربية المطلعة على القول إن نظام الاسد حوّل سوريا خلال السنوات الست الماضية قاعدة خلفية رئيسية للاعمال والنشاطات المعادية للعراق وللوضع الذي نشأ فيه نتيجة الغزو الاميركي في آذار 2003. وهذا ما لم يفعله اي نظام عربي آخر في تعامله مع العراق بعد سقوط نظام صدام حسين. واذا كانت التدخلات الايرانية في الساحة العراقية اوسع نطاقا من التدخلات السورية، اذ انها تشمل المجالات السياسية والحزبية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والامنية والمالية، فإن الدور السوري التخريبي في العراق يتضمن، وفقا لمعلومات المسؤولين الاميركيين والعراقيين والبريطانيين، العناصر والمسائل الاساسية الآتية:

 

أولاً، اقدام نظام الاسد خلال السنوات الست الماضية على استقبال وايواء وتدريب مئات الجهاديين الآتين من دول عربية واسلامية عدة، وذلك تحت اشراف اجهزة امنية واستخباراتية سورية ورعايتها تمهيدا لارسالهم الى العراق لتنفيذ مجموعة كبيرة من الاعمال الارهابية والتخريبية في هذا البلد والتي استهدفت عراقيين اكثر مما استهدفت القوات الاميركية.

 

ثانياً، استضافة عدد كبير من القيادات والشخصيات البعثية او المرتبطة بنظام صدام حسين والسماح لها باستخدام الاراضي السورية للقيام باعمال ونشاطات متنوعة معادية للنظام العراقي تشمل ارسال الاموال والاسلحة والمتفجرات والتعليمات الى المقاومين العراقيين الرافضين الوضع القائم في هذا البلد منذ الغزو الاميركي.

 

ثالثاً، إعداد سيارات وشاحنات مفخخة ومحشوة بالمتفجرات في الاراضي السورية وارسالها الى العراق ليتولى الانتحاريون تفجيرها في منشآت ومواقع عدة، وقد اعلن المسؤولون العراقيون والاميركيون في مناسبات عدة ان تسعين في المئة من الجهاديين والارهابيين العرب تسللوا الى العراق في السنوات الماضية عبر الاراضي السورية وليس عبر اراضي اي دولة مجاورة اخرى.

 

واكدت لنا مصادر ديبلوماسية غربية وعراقية وثيقة الاطلاع ان المسؤولين العراقيين الذين زاروا سوريا خلال السنوات الست الماضية، بمن فيهم الرئيس جلال الطالباني ورؤساء حكومات ووزراء، اثاروا مع الاسد والمسؤولين السوريين موضوع التدخلات السورية المختلفة في شؤون بلدهم وقدموا اليهم معلومات ووثائق وادلة تشمل اعترافات مصورة وتسجيلات واسماء وعناوين محددة وتتناول النشاطات والاعمال المختلفة الموجهة ضد العراق انطلاقا من الاراضي السورية. وذهب رئيس وزراء عراقي سابق الى حد انه حذر المسؤولين السوريين، خلال زيارة قام بها على رأس وفد عراقي الى دمشق عام 2004، من ان العراقيين قادرون ايضا على تصدير العنف والارهاب الى سوريا وعلى ارسال سيارات مفخخة الى دمشق ومدن اخرى لتفجيرها فيها اذا لم يضع نظام الاسد حدا نهائيا لهذه الاعمال والنشاطات المعادية للعراق. وقد حرصت القيادات العراقية في السنوات الماضية على عدم تفجير الخلاف علناً مع نظام الاسد وسعت في الاشهر الماضية الى معالجة هذه المشكلة عبر طرح المعادلة الآتية: وقف كل النشاطات المعادية للعراق انطلاقا من سوريا في مقابل تطوير العلاقات السورية – العراقية في مختلف المجالات بما يحقق مكاسب اقتصادية ومالية ونفطية كبيرة للسوريين، لكن هذا المسعى العراقي باء بالفشل.


 

نزاع مع العراق وايران واميركا

وكشفت لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وعربية وثيقة الاطلاع ان اربعة عوامل اساسية دفعت المسؤولين العراقيين الى تفجير النزاع علنا في هذه المرحلة مع نظام الاسد ومطالبته بتسليمه قياديين بعثيين بارزين ومجموعة كبيرة من المطلوبين الصادرة في حقهم مذكرات اعتقال دولية ومطالبته كذلك بطرد جميع الذين يستخدمون الاراضي السورية كمنطلق للقيام بنشاطات معادية للعراق، والى تدويل هذا النزاع واحالة الموضوع على جلس الامن والمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية وكذلك محكمة دولية مشابهة للمحكمة الخاصة بلبنان من اجل محاسبة سوريا واي دولة او جهة تدعم النشاطات الارهابية في العراق، وهذه العوامل الاساسية هي الآتية:

 

1. أدت الجهود السياسية والديبلوماسية العراقية والاميركية الى تقليص عدد الجهاديين المتسللين من سوريا الى العراق لتنفيذ عمليات ارهابية في هذا البلد. لكن هذه الجهود فشلت في تحقيق الهدف الاساسي وهو انهاء دور سوريا كقاعدة خلفية للنشاطات والاعمال المعادية للعراق والاتفاق مع السوريين على وضع حد نهائي لعمليات تسلل الجهاديين الى الساحة العراقية.

 

2. شكلت تفجيرات "الاربعاء الاسود" الضخمة التي شهدتها بغداد ضربة سياسية ومعنوية كبرى للسلطات العراقية وكذلك لرئيس الحكومة المالكي الذي يفخر بأنه رجل الامن والاستقرار والنظام، وبأن القوات العسكرية والامنية العراقية قادرة فعلا على حماية البلد وابنائه بعد تسلمها المسؤوليات الامنية الكاملة من الاميركيين. وجاءت هذه التفجيرات في الوقت الذي يستعد المالكي مع مختلف القوى السياسية لخوض الانتخابات النيابية العامة مطلع 2010 وهي الاولى منذ الاتفاق مع الاميركيين على انهاء وجودهم في العراق. وحصلت هذه التفجيرات بعد يومين من زيارة قام بها المالكي الى دمشق وفشل خلالها في اقناع الاسد بالتجاوب مع مطالبه الامنية ووضع حد لنشاطات العناصر المعادية للعراق، وسواء كانت العناصر المقيمة في سوريا هي المسؤولة فعلا عن تفجيرات بغداد هذه ام لا، فان حدوثها في هذا الوقت قدم للمالكي الذريعة الملائمة لتفجير الخلاف الامني علناً مع نظام الاسد.

 

3. ادرك المسؤولون العراقيون ان نظام الاسد يريد استخدام ورقة الجهاديين والبعثيين المقيمين في اراضيه ليس من اجل الحصول على مكاسب اقتصادية وتجارية ومالية ونفطية فحسب، بل ايضا من اجل ان يكون لسوريا دور اساسي في عراق ما بعد الانسحاب الاميركي من خلال المشاركة المباشرة في تحقيق المصالحة بين العراقيين عبر استخدام نفوذها لدى قيادات بعثية وسنية وشيعية تربطها علاقات جيدة بها للمشاركة في اعادة رسم وصياغة الخريطة السياسية الجديدة للعراق. وهذا المطلب السوري مرفوض من المالكي ومن قيادات عراقية عدة ومن النظام الايراني ومن الادارة الاميركية.

 

4. العامل الرابع هو وجود مجموعة قرارات صادرة عن مجلس الامن تسمح للنظام العراقي بتدويل مشكلة الارهاب التي يعانيها، ابرزها القرار رقم 1618 الذي يطلب من كل الدول التعاون الفاعل مع السلطات العراقية لضبط مرتكبي الاعمال الارهابية ومن يرعاها تمهيدا لتقديمهم الى محكمة ملائمة، والقرار رقم 1483 الذي يدعو كل الدول الى الامتناع عن ايواء ارهابيين ومرتكبي جرائم ارهابية في اراضيها وعدم تقديم اي مساعدات او دعم لهم.

 

ووفقا لديبلوماسي اوروبي مطلع فإن نظام الاسد يجد نفسه اليوم في حال نزاع وصراع مع الحكومة العراقية التي تطلب منه الرضوخ لمطالبها الامنية او مواجهة ازمة مفتوحة معها وعواقب تدويلها، ومع الادارة الاميركية التي تتطابق مطالبها مع مطالب النظام العراقي في ما يتعلق بالنشاطات المعادية المنطلقة من سوريا، ومع القيادة الايرانية التي تريد ان يكون لها الدور الاساسي في العراق بقطع النظر عن تحالفها مع النظام السوري وتعاونها معه في لبنان وفلسطين وساحات اخرى".

 

واكد الديبلوماسي الاوروبي "ان المالكي لم يتجاوز صلاحياته الدستورية بتفجيره النزاع مع سوريا، والخلاف بينه وبين بعض القيادات العراقية في هذا الشأن هو حول الاسلوب وليس حول الجوهر. فمجلس الرئاسة العراقي انتقد اسلوب المالكي الحاد في التعامل مع سوريا ودعا الى معالجة المشاكل معها عبر الحوار والقنوات السياسية والديبلوماسية. لكن مجلس الرئاسة لم يرفض تدويل المشكلة الارهابية التي يواجهها العراق ولم يبرئ سوريا ولم يعترض على ضرورة وضع حد للنشاطات والاعمال المعادية للعراقيين والمنطقة من الاراضي السورية. وقد ادى هذا الموقف العراقي الحازم الى حدوث تدخل عربي – تركي جدي، هو الاول من نوعه، لمحاولة معالجة الازمة السورية – العراقية. لكن اي وساطة عربية او دولية لن تستطيع ان تتجاهل المطالب الامنية العراقية المشروعة. والخيار الجيد الوحيد المتاح امام نظام الاسد لتجاوز ازماته مع العراق ومع دول اخرى ليس انكار الحقائق بل اعتماد سياسات اخرى بناءة مختلفة جذريا عن سياساته الحالية مما يجعل سوريا حينذاك فعلا جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة"

بقلم عبد الكريم أبو النصر


المصدر: جريدة النهار

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,782,783

عدد الزوار: 6,914,742

المتواجدون الآن: 118