لبنان.....اللواء.....انتفاضة اليوم الثاني تواجه محاولة تعويم الحكومة...والتسوية...نداء الوطن....سقط القناع... "تفاهم رباعي" يعزل القوات والاشتراكي....الاخبار..بيروت «تحت» صفيح ساخن..السلطة إلى القمع المفرط... بعد المسّ بمصرف!...الاحتجاجات شملت مناطق مسيحية وملامح «تَمَرُّد» على الثنائي الشيعي....الراعي: نطالب السلطة بالكف عن نهب المال العام..الحراك الشعبي يُحرج «التيار الوطني الحر»...الامم المتحدة تدعو الى احتواء التوتر في لبنان...

تاريخ الإضافة السبت 19 تشرين الأول 2019 - 6:34 ص    عدد الزيارات 2384    التعليقات 0    القسم محلية

        


انتفاضة اللبنانيين تحاصر «حزب الله» داخل بيئته...

الشرق الاوسط....بيروت: يوسف دياب... حملت المظاهرات الشعبية التي يشهدها لبنان منذ يومين، مفارقات عدة، أظهرت أن طابعها يختلف كلياً عن التحركات التي سبقتها، بحيث أسقطت المحرمات السياسية والحزبية وحتى الطائفية، وتوحّدت على شعار المطالبة بتغيير النظام واقتلاع الطبقة السياسية برمتها، وبدا العامل الأكثر نفوراً فيها هو اتساع الحركة الاعتراضية في مناطق نفوذ «حزب الله» وبين جمهوره، الذي حمّله مع بقية الأطراف مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من أزمات اقتصادية ومالية في لبنان. ولم يحل إعلان «حزب الله» تبنيه الكامل للمطالب المعيشية التي ينادي بها المتظاهرون، دون استمرار الحملة الشعبية التي يتعرّض لها، والتي تمثلت بتوجيه انتقادات قوية لسياسته، في مناطق تعدّ أهم معاقله مثل ضاحية بيروت الجنوبية، ومدينة النبطية التي أحرق المتظاهرون فيها صوراً لنواب وقيادات في «حزب الله» وحركة «أمل»، وإحراق علم الحزب في بعض البلدات البقاعية، وتكسير لافتة على مدخل مكتب رئيس كتلة الحزب البرلمانية محمد رعد في مدينة النبطية في جنوب لبنان. لكن «حزب الله» الذي تهيّب المشهد، يعمل على تجنيد جيشه الإلكتروني للردّ على هذه الحملة التي تستهدفه، حيث وزّع بلاغاً على قياداته وكوادره دعاهم فيه إلى تجييش حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تحاكي التطورات المفاجئة على الأرض وتأخذ مطالب الناس إلى محاصرة المصارف اللبنانية وتحميلها مسؤولية الأزمات المالية والاقتصادية. وتلقت «الشرق الأوسط» نسخة تردد أنها من بيان الحزب الموزع على كوادره جاء فيه «مواكبة للأحداث التي تجري حالياً، نضع بين أيديكم مجموعة من النقاط التي يجب التركيز عليها في الخطاب على مواقع التواصل، تحت هاشتاغ # لبنان_ينتفض #يسقط_حكم_المصرف*وهي: استعادة الأموال المنهوبة، التصويب على منظومة المصارف، رفع الضرائب على أرباح المصارف، إقرار الضرائب التصاعدية على الأثرياء، تحرير الأملاك البحرية، رفع السرية المصرفية عن حسابات السياسيين ورفع الحصانات». ودعا البيان السري المزعوم لـ«حزب الله» إلى التشديد على «المطالبة بتغيير قوانين التلزيمات والتدقيق بكل التلزيمات السابقة، والتدقيق بكل ما أنفقته الصناديق، خصوصاً مجلس الإنماء والإعمار منذ العام 1993. وتطهير الأجهزة الرقابية والقضائية من الفاسدين، وإقرار قوانين لشفافية المعلومات والمناقصات العامة، وإنهاء إعفاءات رسوم سوليدير». ورأى البيان الذي لم يمكن التأكد فوراً من صحته أنه «من غير المفيد في هذه الظروف مطلقاً، التصويب على الحلفاء (رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل)». وتميّزت المظاهرات الغاضبة في جنوب لبنان وفي ضاحية بيروت الجنوبية، بإحراق الإطارات، ومشاركة كثيفة للمرأة ورفع شعارات تطالب بتغيير الطبقة السياسية كاملة تحت شعار «كلن يعني كلّن»، في إشارة إلى إدراج «حزب الله» بينهم، وهو ما كان محرماً التطرق إليه في مرحلة سابقة، وكانت المفارقة أيضاً بمطالبة هؤلاء بإسقاط مجلس النواب الذي يرأسه نبيه بري ويمتلك فيه الحزب وحلفاؤه الأغلبية الموصوفة. وعلى أهمية هذه المظاهرات التي أسقطت الشعارات الحزبية والطائفية وتوحدت تحت العلم اللبناني، قلل الناشط الشيعي المعارض لقمان سليم من إمكانية بلوغها مرحلة التغيير، ولم يخف أن «الشارع الشيعي ناقم على ممثليه ومعترض على أدائهم، لكن ليس لديهم بديل عن الزعامة الشيعية، ولا يزالون يقولون إن نصرالله خط أحمر». ويؤكد لقمان سليم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «طالما لم تقترن المطالب المعيشية بالمطالب السيادية، فإن الوضع قابل للتحوير من قبل حزب الله»، مذكراً بأن الأوروبيين «لا يريدون إحراق ورقة لبنان الأمنية، بل يريدون بقاء الاستقرار في لبنان، وحزب الله هو من يملك قرار الشارع ولكن بشروطه». وشدد على أن «المتظاهرين لا يملكون مشروعاً سياسيا تغييرياً، وغير قادرين على تكوين حالة سياسية. الطرف الوحيد الذي يملك برنامج ما بعد الشارع هو حزب الله». ورغم الاعتراف بأحقية المطالب الشعبية، قال مصدر سياسي مقرب من «حزب الله»، إن الأخير «لم يكن يوماً بعيداً عن مطالب الناس». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن «غضب الناس في مكانه والكل يسمعه ويشعر به، وهناك اتصالات لاحتواء الموقف وتهدئة الشارع، حتى تتمكن الحكومة من معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والمالية»، مشيراً إلى أن الحزب «معني باستمرار التسوية السياسية ويرى أهمية لبقاء الرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة، لأن استقالته لن تحلّ الأزمة وربما نصبح أمام استحالة تشكيل حكومة جديدة في المدى المنظور».

اللواء.....انتفاضة اليوم الثاني تواجه محاولة تعويم الحكومة...والتسوية...توترات ليلية قرب قصر بعبدا... واعتقالات في رياض الصلح...واوامر بانهاء اتحرك بالقوة....

انتفاضة 18 ت1، آخذة في الإتساع، على الرغم من غموض مساراتها البعيدة. ولم تفلح لليوم الثاني على التوالي، تعهدات الرئيس سعد الحريري، ضمن مهلة 72 ساعة بإقرار موازنة مع إدخال إصلاحات، تساهم في إطفاء الدين العام، والاستفادة من شروط الوصول إلى موازنة تعيد العافية إلى النمو والاقتصاد. على ان الأخطر في انتفاضة اليوم الثاني، هو رفض المتظاهرين، المهلة التي منحها الرئيس سعد الحريري، وهي 72 ساعة، وإلا سيكون له كلام آخر، فضلاً عن رفض المدخل الانقاذي الجريء لباسيل، وذلك، بالرغم من بقاء المتظاهرين في الساحات، وطالب بـ «إقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة، ورفع السرية المصرفية عن المسؤولين». اضاف: فإذا لم تستطع إقرار الموازنة قبل الـ31 من الشهر الحالي عليها الاستقالة، لكن الموقف تبدل ليلاً، بعدما تحوّلت ساحة رياض الصلح إلى ساحة مواجهة بين المتظاهرين والعناصر الأمنية والعناصر العسكرية التي استقدمت لهذا الغرض، وجرى توقيف عشرات الأشخاص الناشطين في التحركات الشعبية.

مهلة 72 ساعة

وإذا كانت المحصلة الأخيرة لليوم الثاني والطويل من الاحتجاجات الشعبية، قد انتهت بتحديد الرئيس سعد الحريري لنفسه مهلة 72 ساعة لأن يعطيه شركاؤه في التسوية وفي الحكومة جواباً واضحاً وحاسماً ونهائياً يقنعه بأن هناك قراراً من الجميع بالاصلاح ووقف الهدر والفساد، والا سيكون له كلام آخر، فإن ما قد لا يعرفه المتظاهرون الذين ملأوا الشوارع في مختلف المناطق اللبنانية، ان الحريري قبل إعلان موقفه أو خياره، كان قد أمضى يوماً طويلاً من الاتصالات والمشاورات، سبقه إعلان الأمانة العامة لمجلس الوزراء إلغاء جلسة الحكومة التي كانت مقررة بعد الظهر في بعبدا، بعد اتصال جرى بين الرئيسين ميشال عون والحريري، كما اتصال آخر مماثل بين الأخير ووزير الخارجية جبران باسيل، ولا يخفى ان الحريري واجه أمس 3 احتمالات احلاها مر، ناقشها بتأن مع حلقته الضيقة والمقربين:

1- استقالة فورية تجاوباً تلقائياً مع خطاب الشارع، لكن تداعياتها قد لا تحصى، بدءاً من انعكاسها على حياته السياسية، وليس انتهاء بالفوضى التي ستخلفها تلك الخطوة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، إلى جانب انها ستعد تنصلاً من مسؤولياته الوطنية.

2- احداث صدمة فورية من الدرجة الثانية، تقضي باقالة وزير الاتصالات مطلق شرارة الأزمة، في مسعى للمحاسبة من جهة ولاستيعاب الشارع من جهة ثانية، لكن تبين ان هذه الخطوة لن تكون كافية في ضوء تصاعد التحركات الاحتجاجية في الشارع، وقد يستدل منها ضعف سياسي.

3- الرجوع خطوة إلى الوراء تمهيداً لوضع كل القوى امام مسؤولياتها، عبر مخاطبة الرأي العام، بالتوازي مع إعطاء مهلة أيام قليلة بما يتيح للحكومة تحقيق ما تعذر لجهة إقرار الموازنة والإصلاحات ومتطلبات الخروج من الأزمة واستطراداً تليين موقف الشارع وتحقيق جزء أساسي من المطالب، لكن يتطلب إنجاح هذه الفكرة خطاب وجداني يُحاكي الشارع على ان يكون حازماً في الوقت عينه.

واستناداً إلى الخيارات الثلاثة، اعتمد الرئيس الحريري الاحتمال الثالث، أي الاستقالة المستحيلة أو المرجأة، مع علمه ان المشاورات التي أجراها أظهرت له ان الخطوة التي اتخذها قد لا تكون كافية لتحقيق اختراق جدي، خصوصاً إذا تبين ان ما من شيء سيتغير خلال مهلة الـ72 ساعة، وقد يزداد الضغط الشعبي، وان الذي شكى منه الحريري بالتعطيل والفركشة ما زال ينتظره على «ضفة النهر». وحرص الرئيس الحريري في الرسالة التي وجهها إلى اللبنانيين مساء أمس، على مخاطبتهم مباشرة، معتبراً ان وجعهم حقيقي، وانه مع كل تحرك سلمي للتعبير عنه، لكن المهم هو كيف سنعالجه ونقدم له حلولاً، لافتاً نظرهم إلى انه منذ أكثر من ثلاث سنوات كان يقول لشركائه في الوطن انه لم يعد في مقدورنا ان نستمر على هذا النحو، الكهرباء تكلف الدولة ملياري دولار، وسلسلة الرتب والرواتب تبين ان كلفتها فاقت التوقعات أي حوالى ملياري دولار ما يتسبب بعجز إضافي في السنة. وقال انه اتفق مع كل شركائه في الوطن على إصلاحات لا حل من دونها، موضحاً ان الإصلاحات لا تعني الضرائب، بل تعني ان نغير الطريقة التي يعمل بها لبنان، وانه بناء على هذه الإصلاحات وافق المجتمع الدولي على ضخ أموال جديدة بالاقتصاد اللبناني، لكن الشركاء، أضاف الحريري، لم تبق هناك مماطلة ولم تبق هناك «فركوشة» الا ووضعوها في وجهه، بدءاً من تشكيل الحكومة إلى إصلاح الكهرباء وإلى خفض النفقات ومعالجة العجز والاصلاحات، وكانت دائماً النتيجة ان ما في شيء يمشي، معتبرا ان «اي شعب يواجه أداء سياسياً على صورة ما حصل خلال السنين الماضية تكون ردة فعله الغضب، وهذا الغضب هو بالتأكيد نتيجة أوضاع معيشية، لكن أساسه مستوى السلوك السياسي في البلد. وإذ ألمح الحريري إلى ان هناك جهات في الداخل سعيدة بما حصل وعملت «قبة باط» لمجموعات نزلت إلى الشارع، وان هناك مخططاً خارجياً لتخريب الوضع، طالما ان هناك متغيرات في الأقاليم وموازين قوى انقلبت، وانه إذا كان الوضع يتجه نحو الهدوء في سوريا فلتخرب في لبنان، فإنه اعتبر ان هذا كلّه لا يلغي ان هناك وجعاً حقيقياً تفجر أمس الأوّل، لافتا إلى انه قرّر التحدث مع النّاس من دون قفازات، معيداً إلى الأذهان انه ذهب إلى التسوية السياسية لكي لا يذهب البلد إلى صراع اهلي جديد، وانه قرّر قلب الطاولة على نفسه لكي لا تنقلب على البلد، وانه من أربع سنوات وأكثر يدور الزوايا. وأضاف انه بعدما حصل بالأمس بدأ يرى الأمور بعيون أخرى، ليست عيون الندم على التسوية، بل لأنه لم يعد بمقدورنا ان ننتظر. وفي تقدير مصادر سياسية، ان جزءاً كبيراً من رسالة الحريري كانت موجهة إلى شركائه في التسوية وفي الحكم، ولا سيما لرئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» الشريك الثالث الخفي في التسوية السياسية.

جلسة للحكومة اليوم

وعلمت «اللواء» من مصادر القصر الجمهوري ان الرئيس عون استمع الى كلمة الحريري، وهو سيتابع اتصالاته للوصول الى حلول سريعة للأزمة ووضع الاصلاحات المطلوبة من خلال ما ورد في ورقة بعبدا الاقتصادية - المالية التي اتفقت عليها كل الاطراف السياسية، وان هذه الاتصالات تركزت على عقد جلسة سريعة لمجلس الوزراء اليوم في قصر بعبدا، مع ضمان خروجها بقرارات. وتلقى الرئيس الحريري اتصالاً أيضاً من الرئيس نبيه برّي ومن حزب الله تمنيا عليه عدم الاستقالة. وذكرت المصادر ان الرئيس عون كان اول من دعا الى الاصلاحات ووضع لها برنامجا، ومعظمها من ضمن ما يطالب به المحتجون الان في الشارع. لكن توجيه المسؤولية الى عهده وحده امر ليس في مكانه، بل هو استهداف سياسي معروف ويحصل من قبل اندلاع الاحتجاجات. كما علمت «اللواء» ان الوزير باسيل اتصل بالرئيس الحريري بعد توجيه كلمته مساء، وقال له: لماذا ننتظر 73 ساعة؟ فلنبدأ فوراً البحث بكل الحلول والاصلاحات ونتفق عليها.

باسيل: طابور خامس

وكان الوزير باسيل استبق إطلالة الرئيس الحريري، بزيارة للرئيس ميشال عون في قصر بعبدا مع وفد من نواب ووزراء تكتل «لبنان القوي» مستأذناً التحدث من منبر بعبدا، للادلاء ببيان، محاولاً الالتفاف على مطالب المتظاهرين، عن طريق الاعتراف بأنه «حابل مثلهم» من تراكم الأزمات والاخفاقات مما أدى إلى عدم قدرة النّاس على التحمل. وإذ أكّد ان ما حصل كان «متوقعاً»، وان «الآتي أعظم ان لم يتم استدراكه»، لفت إلى ان «هناك من يشن من الداخل الحرب الاقتصادية على لبنان ويدعو إلى إسقاط العهد، وهو يركب اليوم موجة شعبية صادمة لحرفها عن مسارها المحق من أجل تحقيق غاياته السياسية المعلنة بإسقاط رئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب المنتخب حديثاً ولاول مرّة بشكل عادل». وقال ان «ما نشهده حالياً يمكن ان يُشكّل فرصة لإنقاذ لبنان واقتصاده من الفساد والسياسات المالية والاقتصادية الخاطئة، كما يمكن ان يتحوّل أيضاً إلى كارثة كبيرة اقتصادية ومالية واجتماعية وأمنية، ويدخل لبنان في الفوضى والفتنة»، مشدداً على «اننا امام خيارين متناقضين: الانهيار الكبير أو الانقاذ الجريء»، مشيراً إلى انه «بالامكان القيام بالاصلاحات وإقرار الموازنة في أيام معدودة، لا ان نعطي النّاس وعوداً للخروج من الشارع بل ان نجتمع ونعمل فيما النّاس لا يزالون في الشارع». وإذ اعتبر ان «ما يحصل ليس موجهاً ضد العهد أو ضد التيار، كشف ان بعض مؤيدي التيار يشاركون في التظاهرات، لكنه نبههم بوجوب عدم الانجرار وراء أي قرار خاطئ، ولفت الىان هناك سلّة إصلاحات طرحها الرئيس عون في ورقة بعبدا، ووافقت عليها نظرياً كل القوى المجتمعة، إنما يجب تنفيذها، وان التكتل وضع ورقة في السياق تشمل الكهرباء والهدر في الدولة والفوائد العالية في خدمة الدين والنازحين وقوانين الفساد والاقتصاد والاستفادة من ثروات لبنان والاملاك البحرية والنهرية والجوية والعقارية والمائية والنفطية والبشرية تحت عنوان «لبنان غني إنما منهوب».

جنبلاط

واثارت أطلالة باسيل، قبل ظهور الرئيس الحريري ردود فعل سلبية، من حزب «القوات اللبنانية» والحزب التقدمي الاشتراكي، اللذين وجدا فيها نوعاً من الغطرسة والاستمرار في الاسطوانة، فيما لاحظ رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط ان باسيل ظهر وكأنه رئيس، مشيراً إلى ان الرئيس الحريري توجه خلال كلمته إلى «حزب الله» وإلى سائر الفرقاء، مبدياً اعتقاده ان كلامه يعني انه يجب تعديل التسوية القائمة، لأن الظروف السياسية تغيرت، معتبرا ان مهلة الـ72 ساعة التي اعطاها الحريري قد لا تغير أي شيء، وقد تزيد الضغط الشعبي، معلناً انه يتجه للخروج من الحكم والبقاء في المعارضة الهادئة والموضوعية، لأن هذا الحكم ليس لنا. وكشف جنبلاط ان رئيس حزب «القوات» سمير جعجع اتصل به وانه قال له: «اننا ركبنا السفينة مع الحريري سوياً ولن نتركها الا سوياً، وانه علينا ان نتضامن سوياً»، مؤكداً ان المطالب الشعبية محقة جداً والمعادلة تتطلب تعديلاً حكومياً، وقال انه «لا يريد ان يكون شاهد زور في الحكم». وشدّد على ان أهم شيء هو ان تبقى التظاهرات سلمية وان لا تخرج عن السيطرة، لافتاً إلى ان الطبقة السياسية تغيرت كثيراً وتتغير، واننا لا نسيطر على أهلنا الا بالتراضي، مؤكدا انه يفضل ان يبقى الحريري في الحكم مع تحديد شروطه مع الاقوياء. اما جعجع، فقد خالف بالنسبة لبقاء الحريري في الحكومة، قال انه «يتفق معه في توصيف الواقع المأزوم، ولكن يجب الاستفادة من الزخم الشعبي بنقلة نوعية عبر تشكيل حكومة جديدة بعيدة عن الطقم السياسي الحالي». وكان رؤساء الحكومة السابقين: نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام قد اعلنوا تضامنهم مع الرئيس الحريري، مؤكدين رفضهم أي محاولة لاستفراد الحريري أو تحميله مسؤولية الأزمات من خلال التنصل من المسؤوليات والنهج المتكرر لفرض تجاوزات دستورية تستهدف بالدرجة الأولى مقام رئاسة الحكومة ودور رئيس الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعاً.

الانتفاضة الشعبية

ميدانياً، سجلت دوائر الرصد السياسي مجموعة ملاحظات على التحركات الاحتجاجية التي تواصلت أمس لليوم الثاني على التوالي لعل أبرزها ان الانتفاضة الشعبية تكاد تكون الأولى من نوعها لناحية غياب قيادتها على مدى 24 ساعة، وتحرك البحر الشعبي الذي ملأ ساحة رياض الصلح طوال نهار تحت راية العلم اللبناني لا غير، على الرغم من مشاركة حزبيين كثيرين من أحزاب مختلفة. كما سجلت الدوائر مسارعة عدّة سفارات عربية وأجنبية إلى دعوة مواطنيها إلى اتخاذ الحيطة والحذر في تنقلاتهم، باستثناء السفارة السعودية التي دعت مواطنيها إلى مغادرة لبنان وخصصت فندقاً في منطقة الروشة كنقطة تجمع تمهيداً للانتقال إلى المطار. لكن اللافت، ان المتظاهرين استهدفوا طريق المطار باهتمام لافت، حيث بقيت مقطوعة طيلة النهار، وحتى المساء، رغم المحاولات التي قامت به قوى الأمن والجيش لفتحها وإزالة الاطارات المشتعلة والعوائق دون جدوى. وتردد ان المتظاهرين عمدوا على قطع الطريق لقطع الطريق امام الرئيس السنيورة من مغادرة بيروت وكذلك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من دون ان يعلموا ان السنيورة موجود في المغرب وسلامة موجود في واشنطن. وكان المحتجون قبعوا في الشوارع منذ ليل امس الاول قبل ان تنضم اليهم مجموعات واسعة امس، واضرموا النار بالإطارات قاطعين الطرق في مختلف المناطق ومرددين هتافات لم تستثن احدا من اهل السلطة في حين تواصل الإعتصام في ساحة رياض الصلح وتوجه المعتصمون إلى شوارع بيروت وهم يحملون الأعلام اللبنانية ويهتفون «الشعب يريد اسقاط النظام». كما توجّه عدد من المتظاهرين إلى مصرف لبنان في الحمرا. وافادت المعلومات عن سقوط  عدد من الجرحى بينهم جريح أصيب في صدره اثر تعرضهم لإطلاق نار تردد انه من موكب النائب السابق مصباح الأحدب في طرابلس. واللافت في حركة الانتفاضة الشعبية أمس، انها ركزت اهتمامها على محورين: الأوّل ساحة رياض الصلح في مواجهة السراي الحكومي، والتي احتشدت بالالوف، وبقيت هادئة نسبياً باستثناء بضع مناوشات حصلت بين المتظاهرين والقوى الأمنية، عمد خلالها المتظاهرون إلى إلقاء زجاجات مولوتوف على القوى الأمنية، اعقبها ليلاً تحطيم الواجهات الزجاجية في وسط بيروت، لبعض المصارف والمحلات التجارية، اعقبها توقيف عدد كبير من المتظاهرين الذين تبين انهم اندسوا إلى المعتصمين في الساحة. والمحور الثاني، كان في اتجاه قصر بعبدا، حيث لوحظ ان مجموعات من المتظاهرين قدموا من ساحة رياض الصلح على متن دراجات نارية وتجمعوا علىبعد 1400 متر من القصر الجمهوري، وتقدم هؤلاء الناشط رامي عليق الذي خاطب المتظاهرين عبر مكبر للصوت داعياً اياهم لاقتحام الباحة الداخلية للقصر، واعقب ذلك سلسلة محاولات لكسر الطوق الأمني الذي ضربته القوى الأمنية ولواء الحرس الجمهوري، الذي اقترح على المتظاهرين تشكيل وفد لمقابلة الرئيس عون فوافق عليق ودخل القصر حيث استقبله الرئيس عون مع الوفد المرافق. وذكرت معلومات رسمية ان الرئيس عون خاطب الوفد قائلاً: «وجعكم هو وجعي واشعر معكم وسوف اعمل جهدي من أجل التخفيف من معاناتكم. لقد بدأنا سلسلة إجراءات للحد مما تشكون منه، وسنواصل العمل في هذا الاتجاه، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار التركيبة اللبنانية وقواعد النظام اللبناني وخصوصيته». وأكّد الرئيس عون للوفد انه سيواصل جهوده في اتجاه المعالجة. الى ذلك ذكرت مصادر «التيار الوطني الحر» ان مسؤولي التيار وجهوا تعليمات الى المحازبين والانصار «بعدم الرد على اي استفزازات يتعرضون لها في الشارع لإفتعال مشكلات امنية معهم، واكدوا الاستمرار في العمل لتحقيق الاصلاحات البنيوية في الاقتصاد والمالية العامة. واشارت مصادر في التيار الى ان «دعوة جنبلاط وجعجع الى المشاركة في التحركات المطلبية تقع من ضمن محاولات الضغط على العهد والتيار من اجل تحقيق اهداف سياسية تخصهما، وليس من اجل تصحيح الوضع القائم». الى ذلك، رصدت الكاميرات خلال التظاهرات المسائية شباناً ملثمين يحملون صناديق وينقلونها الى الشارع، وبدأوا فتحها وتوزيعها على بعض الشبان، ليظهر انها عبارة عن مفرقعات كبيرة الحجم تم القاؤها على القوى الامنية في ساحة رياض الصلح. وهو الامر الذي أدى إلى توتر وتشابك بين الطرفين. وكالعادة بدأت اعمال الشغب مساء وجرى تحطيم بعض واجهات المصارف والمؤسسات التجارية والاملاك العامة، ما دفع بالقوى الامنية الى تفريقهم بإلقاء القنابل الدخانية فتراجعوا باتجاه اماكن اخرى في الوسط التجاري وبدأوا اعمال الشغب والحرق في اسواق بيروت. وأعلنت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي عن سقوط 17 جريحاً من عناصر قوى الامن الداخلي في ساحة رياض الصلح، و7 آخرين في باقي المناطق أثناء قيامهم بمهمة حفظ الامن والنظام.

نداء الوطن....سقط القناع... "تفاهم رباعي" يعزل القوات والاشتراكي السلطة تستمهل المحتجين نهاراً... وتقمعهم ليلاً

كابروا، ناوروا وثابروا على التنكّر للحقيقة واستنزاف الوقت... لا المكابرة باتت تنفع ولا المناورة باتت تشفع أمام مرآة الناس والواقع: فشل العهد وفشلت حكومته وسقط القناع عن القناع وسقطت معه ورقة التوت عن عورات "التسوية"، فصار لزاماً أن تكون هي "كبش المحرقة" لإنقاذ البلد... لكن على من يقرأ الشعب مزاميره؟ على سلطة منحت نفسها 72 ساعة لتنقذ نفسها ولم تمنح الناس أكثر من 24 ساعة لتعبّر عن نفسها؟ سلطة اعتادت تدبيج المطالب الاجتماعية ضمن ديباجات حزبية وطائفية ومذهبية وشعبوية، تحاضر بمطالب الناس وتحاصرهم إن هم رفعوا الصوت بمطالبهم، سلطة امتهنت التدجين والتدجيل واحترفت تخدير الآلام والآمال ولا تعرف دواءً لكيّ الوجع سوى القمع. جاءت "تعليمة" الليل السلطوية لتمحو انتفاضة النهار الشعبية، وبقدرة قادر على إعادة الانتظام لسطوة النظام، قُمع المتظاهرون بلمح البصر وشُطفت الساحات وشُقت الطرقات الرئيسية واندثرت الجموع، واعتُقل من اعتُقل ممن بقي على قيد التظاهر بشكل مهين على قارعة الطريق. إنها سلطة القمع وقد فردت سوطها وفرضت سطوتها بالقوة، ومن لم يسعفه الحظ بأن قمعته المؤسسات الرسمية باغته مسلحون حزبيون لا سيما على الطرقات الجنوبية، ليتولوا مهمة إجبار المحتجين على الانسحاب من الشارع تحت طائل التهديد الميليشيوي الموثّق بالصوت والصورة. وإذا كان في ظاهر المشهد السياسي، تحسّس للرقاب وتقاذف لكرة المسؤولية وتبادل للأدوار في لعبة كسب الوقت وحشر الحلفاء والخصوم في زاوية التلكؤ عن الإصلاح، فإن في الجوهر ثباتاً على وحدة المسار والمصير بين قطبي "التسوية" مع مهلة الـ72 ساعة المتقاطعة بين بعبدا والسراي، والتي استمهل بها الناس رئيس الحكومة سعد الحريري وأمهل بها أفرقاء الحكومة لحسم توجهاتهم، بينما الأدهى والأكثر إنباءً عن المستور جاء على لسان رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل، الذي تحدث عن "تفاهم رباعي" مع الحريري و"حزب الله" ورئيس مجلس النواب نبيه بري، من شأنه أن يتمظهر ويتبلور تباعاً خلال الساعات القليلة المقبلة أكثر فأكثر، ليأخذ صورة أكثرية حاكمة داخل الحكومة (23 وزيراً) والمجلس النيابي (أكثر من 80 نائباً) تهدف إلى تمرير القرارات والقوانين بشكل يعزل أي صوت معارض ويعطل مفاعيله، لا سيما على جبهة "القوات" – "الاشتراكي".

بيروت «تحت» صفيح ساخن

الاخبار... محمد نزال .. نزل الجيش إثر تعرّض المتظاهرين لواجهات بعض المصارف بالتكسير في وسط بيروت

يحمل بيده قضيباً معدنيّاً، يضرب به لوحاً معدنيّاً، خالعاً قميصه والنار مِن حوله. يضرب الحديد بالحديد لأكثر مِن ساعة، ثم ماذا؟ مات الحديد المضروب، فرضاً، لِمَ لا يتوقّف الضرب؟ بدا ذاك المتظاهر، قبيل فجر أمس، كمن يُمارس رقصة طقسيّة ما، لقبيلة ما، مستحضراً بـ«الفودو» أرواحاً ما. الدخان الأسود لوّن وجه، والخدوش بادية في صدره، منفعل «يزرزب» مِنه العرق... ويستمر الضرب. رأيناه ليل أول مِن أمس. متظاهر كهذا يأتيه مراسل تلفزيوني يسأله عمّا يُريده مِن الحكومة. أيّ جواب يتوقّع منه؟ هذا ليس متظاهراً عاديّاً، هذا مقتول منذ ولادته، وربّما قبل ذلك، هذا «مُنتَج اجتماعي» يصعب على «أبناء البيوت» فهمه، تفكيكه، تقبّل وجوده أساساً، إلا اللهم بعد ألف دراسة «إنثروبولوجيّة»... إن أمكن أصلاً. هذا ينام نهاراً ويستيقظ ليلاً، قبل انطلاق التظاهرات الأخيرة ضدّ الضرائب، وروّاد وسط بيروت نهاراً على الأرجح أنّهم لم يقابلوه عن قرب. هذا، فضلاً عن العمل، عاطل مِن أشياء كثيرة أخرى. هذا ليس حالة فرديّة، تظهر فجأة في التظاهرات، بل حالة باتت مألوفة، وهي في ازدياد مستمر. التظاهر عنده ليس بالضرورة لغاية، بل يُمكن أن يكون هو الغاية نفسها، مجرّد الانفلات مِن كلّ قيد، الانطلاق، الانفجار... ويحصل أن ينفجر هذا، أحياناً، بمَن «صنعه». ظهر صاحبنا ليل أمس، في ليلة هي الثانية على بداية الاحتجاج الواسع، رأيناه هو نفسه، ومعه مجموعة مِن رفاق «الحالة». ليلة أمس، قُطعت طرقات بيروت كلّها. تماماً كلّها. اقتصر الأمر في الليلة السابقة على بعض الطرقات الرئيسيّة. سماء العاصمة، أمس، كانت قاتمة منذ الصباح لكثرة ما استقبلت سواد المطّاط المُشتعِل. خطّ «فان 4» تعطّل نسبياً بداية النهار، لكنّه، ومع اقتراب المساء، اختفى كليّاً. المتظاهرون ظفروا بـ«فان» يعمل، احتجزوه عند تقاطع بشارة الخوري، قبل أن يطلبوا مِن الركاب النزول مِنه. دوّن أحدهم رقم لوحة تسجيله، متوعّداً صاحبه بالمحاسبة لاحقاً، لأنّه خالف قرار «جماعة الفانات» بالتعطيل والإضراب. كاد أن يُضرَب، لولا شفاعة فتاة له، كانت بين الركّاب. حلّ المساء. عاد بعض «المهذّبين» إلى منازلهم، وجاءت نوبة «العصاة» الآن. هاجموا واجهة بنك الموارد، ظنّ البعض أنّ اللحظة التاريخيّة بدأت، ذلك مع تحطيم لواجهة بنك آخر، ودخول مبنى مكتوب على جدرانه اسم شركة الاتصالات «MTC». سبقت ذلك جولات كرّ وفرّ بين القوى الأمنيّة والمتظاهرين، قنابل مسيّلة للدموع، ألعاب ناريّة مدويّة، إلى أن حضر الجيش. في الليلة السابقة، لم يتدخّل الجيش. قبل ذلك، وإثر بداية التعرّض لمباني بعض البنوك، توقّع بعض المتظاهرين أنّ السُّلطة، الآن، سوف تبطش بقوة. وفعلاً، هذا ما حصل. نزل الجيش بين المتظاهرين. وسط بيروت ساحة حرب إنّما بلا رصاص. عشرات الموقوفين، عشرات المضروبين، ركض في كلّ اتجاه، قسوة لافتة مِن العسكر. وما العسكر؟ «آلات قسوة» لا تنال راتبها الشهري إلا لأنّها كذلك. على هذا يتدرّبون. لا يُحبّون المزاح. شعارات التظاهرات هذه، في تشرين الأوّل مِن العام الجاري، ستُذكر مديداً بكونها كسرت «تاوبهات» ما كان أحد يتوقّع أن تُكسَر. التعرّض لقامات سياسيّة، لها هالة قداسة عند أهلها، أصبح مألوفاً أمس على ألسن الناس. هذا ليس عابراً. عادة، وعلى مدى التاريخ، لم تكن تحصل التحوّلات، خاصّة المتضمّنة لتهشيم هالات كبرى، مِن غير عنف وعويل ودم. هذا ما يجب أن يُحسَب حسابه. هذه سُنّة تاريخيّة.

بدأت النفايات تتكدّس في شوارع بيروت في ظلّ قطع الطرقات الرئيسيّة والفرعيّة

الناس في الشارع، المتظاهرون، ما عادوا يطيقون أن يتضامن معهم «المشاهير». كلّ مسؤول سياسي، ولو مِن خارج الحكومة، انضم إليهم ليتضامن معهم نال نصيبه مِن الشتم والطرد. شيء ما نضج في الشارع هنا. شيء مِن القرف فاض على شكل: «طْلَعوا مِن راسنا بقى». الشارع يبدو أنه ما عاد يطيق مجاملة أحد. النفور شامل. كلّ «المساطر» جُرّبَت. حتى بعض الإعلاميين، مِن المتمسحين بأعتاب السُّلطان والآكلين على مائدته، يُخبرهم الشارع اليوم أنّه لا يطيقهم أيضاً. شيء ما في الشارع نضج ضدّ هذا النوع مِن النفاق. ليس علينا أن نتفاءل كثيراً، لكن، وهذا المؤكّد، هناك تحول ما هنا حصل، ويحصل. النفايات بدأت تتكدّس في شوارع بيروت. هناك كومة ضخمة مِن النفايات في منطقة البسطة، مثلاً، هي نتاج عدم جمعها لمدة يومين. ستزداد تلك الكومة، وغيرها كذلك في مناطق أخرى، إن استمر إقفال طرقات العاصمة. ما عاد ممكناً التنقل لمسافات بعيدة إلا بواسطة الدراجات الناريّة. أن تملك سيارة اليوم فأنت لا تملك وسيلة نقل، هكذا ببساطة. نرصد «أبو حطب» يركب حصاناً. هو أحد المتظاهرين، تلقائيّاً يعني، وإن فضّل عدم الذهاب إلى وسط البلد. مشهد فنّي أن تراه فوق حصانه يمرّ بين الحاويات المشتعلة، في القرن الحادي والعشرين. يمرّ قربه عدد مِن عناصر قوى الأمن، ليسوا مِن ضمن مجموعة مكافحة الشغب، وخارج منطقة المواجهات التقليديّة، ومع ذلك لا يحتاج فتى مراهق إلى جرأة كبيرة حتى يسخر منهم بأعلى صوته. راح «يُقرّق» عليهم بلا توقف. لم يرفع أحد مِنهم رأسه. أكملوا سيرهم. هذه لحظة كسر المحرّمات. كلّ هذا يكون في نفوس الناس، منذ أمد بعيد، فتأتي اللحظة ويكون كلّ هذا المشهد. ماذا عن الأمل؟ مَن يعلم؟ الله أعلم.

الاخبار....السلطة إلى القمع المفرط... بعد المسّ بمصرف!

هل يكون زجاج واجهتَي مصرفين في وسط بيروت أمس كـ«بلاطة» حائط فندق «لوغراي» في المنطقة عينها عام 2015؟ حينذاك، كان سقوط «البلاطة» الشرارة التي أطفأت التحرّكات التي انطلقت إثر أزمة النفايات. الأجهزة الأمنية التي تعاملت مع المتظاهرين أول من أمس بمستوى منخفض نسبياً من القمع، لجأت أمس إلى العنف المفرط، في مواجهة من تسمّيهم «المشاغبين» الذين كسروا زجاج واجهتَي مصرفين، ما يُنذر بإمكان اللجوء إلى القمع في وجه التحركات! قبل ذلك، كانت القوى المكوّنة للحكومة تتقاذف مسؤولية الأزمة التي فجّرت الغضب الشعبي، بصورة كرّرت فيها ما تُجيده: المزيد من الكذب ...لم تعُد البلاد مُستعصية على الثورات. انتفاضة شعبية يشهدها لبنان من أقصاه إلى أقصاه، فجّرتها الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة، بفعل تمادي السلطة في سياسة التجويع وفرض إجراءات ضريبية، لا هدف لها سوى تركيز الثروة في يد القلة من اللبنانيين. للمرة الأولى منذ التسعينيات، لم يعُد الشارع فسيفساء من الانتماءات الطائفية المُتناحرة. خرج منذ يومين بهوية وطنية جامعة لا ولاء فيها للطوائف، ليقول للطبقة الحاكمة «كفى»، ولا يزال مستمراً في تحركه، فاتحاً الباب على مصراعيه أمام الأحزاب والتيارات السياسية التي أثبتت يومَ أمس أنها تغرق في حالة من الإنكار التام. فأمام زخم الغضب الشعبي والغليان الذي قُطع معه عدد كبير من الطرق التي تربط المناطق في مختلف المحافظات، واصل المسؤولون تقاذف مسؤولية الفشل والإخفاق والوعود الكاذبة، كما لو أنهم أمام أزمة سياسية عادية كتلكَ التي تُحلّ على طريقة «تبويس اللحى». وليلاً، لجأت السلطة إلى العنف المفرط، لتفريق المتظاهرين، بذريعة ملاحقة «المشاغبين الذين اعتدوا على الأملاك الخاصة والعامة». صدف أن استخدام قدر كبير من العنف، من قبل الجيش وقوى الأمن الداخلي، بدأ بعد تكسير واجهتي مصرفين في وسط بيروت. وحتى يوم أمس، لم يكُن أهل السلطة قد استوعبوا بعد أن القصة ليسَت قصّة رغيف ولا زيادة أسعار المحروقات والدخان وأزمة دولار، ولا حتى فرض رسوم على تطبيق «واتسآب»، بل قصة كيل طفح بمكيال الكذب والإفقار والظلم وحجم البطالة والركود الاقتصادي ونظام المُحاصصة. إذ حاولت أغلبية القوى المشاركة في الحكومة ركوب موجة التحركات الشعبية، وخلق شارع مقابِل شارع عبر تبادل الاتهامات، لكنها فشلت في ذلك. الكل بدأ يتحدث كما لو أنه في موقع المعارضة ولا علاقة له بكل الإجراءات التي اتُّخذت في المرحلة السابقة. هذه اللعبة بدأها النائب السابِق وليد جنبلاط من خلال تحريك شارعه للتصويب على «العهد» في محاولة لتمييز نفسه. ولحق به رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع الذي جاءت مواقفه وجنبلاط مشجّعة لاستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ورمي كرة النار بين يدي رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحزب الله. الأمر الذي دفع برؤساء الحكومات السابقين للتضامن مع الحريري ورفضهم الاستفراد به. فيما كان لافتاً وواضحاً ارتباك كل من حركة أمل وصمت حزب الله. أما التيار الوطني الحرّ فقد حاول رئيسه الوزير جبران باسيل الاستثمار في غضب الناس لصالحه. الأخير خرج بعدَ لقاء مع رئيس الجمهورية ميشال عون وعدد من وزراء التيار ليخاطب الناس. وقف على منبر قصر الرئاسة في بعبدا، ليلقي كلمة موجهة إلى اللبنانيين، كما لو أنه متحدث باسم الرئاسة. قال بأنه «يتفهّم» غضب الشارع، معتبراً أن «ما يحصل هو لصالحنا وليسَ ضدنا»، مكرراً معزوفة الإصلاحات التي يريد العهد تطبيقها، لكنّ أطرافاً أخرى تمنعه من ذلك. علماً أن هذه الإصلاحات التي يتحدّث عنها باسيل وغيره ممن هم في الحكومة، من المستقبل الى القوات الى الاشتراكي ليست ذات منفعة، بل هي إجراءات ستزيد من حجم المشكلة وتأخذ البلاد نحو الانهيار. وراح باسيل يرمي الوعود كعادته من نوع تأمين الكهرباء، قائلاً إنه ضدّ الضرائب، مع أنه هو نفسه الذي شارك في اقتراحها وفي إقرارها. وفيما كان الرصد طوال يوم أمس لإطلالة الحريري، طُرح سؤال حول إمكانية إسقاط حكومة الأخير في الشارع، استناداً إلى المشهد الراهن الذي أعاد لبنان إلى ما سبقَ واختبره في أيار عام 1992، حين أدّت التظاهرات إلى إسقاط حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي. غيرَ أن الرئيس الحريري لعب الدور نفسه الذي سبقه إليه كل من باسيل وجعجع وجنبلاط، محاولاً إظهار نفسه بمظهر الضحية. رئيس الحكومة، رأس السلطة التنفيذية، حاول تبرئة نفسه، بتحميل شركائه فيها مسؤولية الانقلاب على الإصلاحات والاتفاق، معطياً مهلة 72 ساعة وإلا «سيكون هناك كلام آخر».

الحريري يبتزّ شركاءه الحكوميين: إما شروط «سيدر»... أو أرحل

أراد الحريري ابتزاز شركائه في الحكم، عبر القول: إما أن تنفّذوا شروط مؤتمر «سيدر»، أو أستقيل. يبدو رئيس الحكومة غير مدرك لكون الناس نزلوا إلى الشارع، مع هذا القدر الهائل من الغضب، بسبب نتائج سياسات «سيدر وأخواته». وفيما كان جنبلاط وجعجع ينتظران من الحريري استقالة فورية، خاب ظنهما. ردّ الأول على رئيس الحكومة بالقول «إننا لا نستطيع الاستمرار في الحكم والحكم ليس في يدنا، ونعيش 7 أيّار اقتصادياً ونحن أردنا المشاركة ولكن غير مرغوب فينا من بعض الناس»، معلناً بأنه سينتقل إلى موقع المعارضة «الهادئة والموضوعية». أما رئيس القوات فقال: «لا نجد أنفسنا في هذه الحكومة والاتصالات مستمرّة مع المستقبل والاشتراكي من أجل تنسيق الموقف، الرئيس الحريري يريد أن يستمهل قليلاً ولا مشكلة في الأمر، إلا أن المغزى أننا لا نرى فائدة من هذه الحكومة». وفي اتصال مع قناة «العربية» اعتبر أن «ما يحصل هو ثورة شعبية حقيقية»، معتبراً أن «حزب الله متخوف جداً وقسم من قاعدته خرج عليه»، محملاً إياه مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في البلاد. بينما تقصّد وزير الخارجية بعد كلام رئيس الحكومة تسريب معلومات عبرَ مصادره تقول بأنه «أجرى اتصالاً بالحريري وأكد له بأن أن لا حاجة للانتظار 72 ساعة فلنبدأ فوراً بالحلول». وعلى إثر الأحداث المتصاعدة، كانت التركيبة السياسية قد بدأت تنفجر من الداخل، قبلَ أن تظهر بوادر تدخّل من قبلها ليلَ أمس انعكست أعمال شغب ومواجهات مع القوى الأمنية أدت إلى تراجع أعداد المتظاهرين في عدد من المناطق، لا سيما في الساحة المركزية في رياض الصلح. وباتت هناك خشية من أن يكون مصير التحرك الحالي شبيهاً بمصير سابقه الذي اندلع عام 2015، والذي أطلق شرارته ملف النفايات، بعد أن حركت السلطة جماهيرها في مواجهته. فيما ينتظر الجميع الكلمة التي يلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ختام «مسيرة الأربعين» اليوم، ليتحدث عن مجمل التطورات السياسية، وبصورة خاصة الأوضاع الداخلية في لبنان.

الراي....لبنان.. الشارع «ينفجر» بوجه السلطة والآفاق غامضة

الاحتجاجات شملت مناطق مسيحية وملامح «تَمَرُّد» على الثنائي الشيعي

الكاتب:بيروت - من وسام ابو حرفوش وليندا عازار: خرج لبنان، الوطنُ المستعصي على الثوارت بقوةِ الوهْج الطائفي، إلى «انتفاضةٍ بيضاء»، أهلية - شعبية فجّرتْها الأوضاعُ الاجتماعية في لحظةِ انهيارِ منظومةِ القيَم في السياسة والحُكْم، والواقعُ المالي - الاقتصادي، والتمادي في ترويض المؤسسات لخدمة مشاريع خاصة واستتباع الدولة لمشاريع إقليمية. ولم تحمل انتفاضةُ اللبنانيين الذين قرّروا التمرّدَ على الاصطفافات السياسية والطائفية شعاراتٍ كبرى من النوع الذي تضجّ به «اللغة الخشبية» الرائجة، بل حَمَلوا إلى الشارع حكاياهم الشخصية مع المعاناة والشقاء اليومي في زمنٍ بائسٍ حرمهم أبسط حقوقهم كمواطنين في بلادٍ تحْكمها المعاركُ السياسية الـ «دون كيشوتية». من بيروت المُهَمَّشة، ومن الجبل الجريح، من الشمالِ المنكوبِ والجنوب المكتومِ الصوت، من البقاع المتصحّر ومن عموم لبنان المسلوب الإرادة، خرحتْ التظاهراتُ التي أرادتْ القول «طفح الكيل» و«كفى» بمعزل عمن سيحاول إدارتها من الخلف أو استغلال حشودها أو تخريبها لإجهاضها. وبدا واضحاً من مسار «طوفان الناس» أن «الغضبةَ» هي أبعد من «ثورة واتساب»، رغم أن رسْم الـ 20 سنتاً (تم التراجع عنه ليل الخميس) على أول مكالمة يُجريها المشترك عبر الانترنت يومياً من خلال التطبيقات الهاتفية التي تتضمّن خدمة الاتصال (تستخدم نظام التخابر عبر الإنترنت VoIP voice over IP) شكّل الشرارةَ التي وصفها المحتجون بأنها بمثابة الـ wake up call التي «أيقظتْ» الهبّة الشعبية غير المسبوقة منذ أعوام بعدما تحوّلت الإجراءاتُ الضريبية التي لوّحت بها الحكومة بمثابة النقطة التي أطفحتْ كأس الاحتقان المعتمل في نفوس اللبنانيين الذين لم تكن خمدتْ بعد «حرْقتُهم» على غزوة النار في الشوف والمتن والشمال والتي ظهّرت «تَحَلُّل» الدولة وعدم قدرتها على «إدارة الكارثة الوطنية» حتى باغتتْهم السلطةُ بقرار مدّ اليد إلى جيبوهم في إطار محاولة إنقاذ الواقع المالي الذي باتت معه البلاد وكأنها بين ناريْ خياراتٍ موجعة تمسّ الناس وإصلاحاتٍ جذرية تعترضها تعقيداتٌ سياسية. ومنذ ليل الخميس، كان «هديرُ» الشارع المنْتفض في بيروت والجبل والشمال والجنوب والبقاع تحت عنوان «ثورة ولتسقط الحكومة والعهد»، والذي تحوّل معه لبنان «بركانَ غضبٍ» وانفجرَ، أقوى من الأسئلة الكبرى حول مآل ما بدا وكأنه «14 مارس اقتصادية - اجتماعية» (في استحضار لمشهدية 14 مارس 2005 و«ثورة الأرز» بوجه الوجود السوري في لبنان) وما إذا كانت حركة الشارع الجارفة قادرةً على قلْب الطاولة وما عليها في بلادٍ هي أسيرة ترسيماتٍ طائفية ومذهبية وحزبية، وهل من قطب مخفية أو «فخّ» نُصب لدفْع البلاد نحو مرحلة جديدة تلاقي التحولات المتسارعة في المنطقة. وفي «جمعة الغليان» الشعبي، انشدّت العدساتُ في لبنان وخارجه إلى الاحتجاجات التي «لم تنَم» منذ الخميس والتي قُطعت معها أوصال البلاد مع قفْل عددٍ كبير من الطرق التي تربط المناطق، في مختلف المحافظات، وعزْل بيروت التي سرقتْ الأنظارَ تظاهراتُ وسطِها وما تخلّلها من مواجهات تجدّدت عصر اليوم وأعمال شغب على تخوم السرايا الحكومية لم توفّر واجهاتٍ زجاجيةً في مبنى اللعازارية وأبنية مجاورة وسط تجدُّد إضرام نيران في مبان قيد الإنشاء مساء الجمعة (غداة وفاة عامليين سوريين اختناقاً جراء حريقٍ امتدّ إلى مبنى بناية شهوان قرب جامع محمد الأمين)، فيما شغل «حصارُ» مطار رفيق الحريري الدولي سفارات عربية وغربية حاولت توفير طرقٍ لتأمين مغادرة رعاياها بيروت بعد تحذيرات من التوجه إلى أماكن التجمعات والتظاهرات.

وانطبعت «كرة ثلج» الاحتجاجات، التي شارك فيها فنانون وإعلاميون وترافقت مع خشية من تحوُّلها «كرة نار»، بمجموعة علامات فارقة ذات دلالات سياسية على جانب من الأهمية وأبرزها:

* المشاركةُ غير المألوفة للمناطق ذات الغالبية المسيحية في «الصرخة» التي جاءت على وقع إضراب «قسري» في مختلف القطاعات وإقفال للمدارس والجامعات والمصارف، وسط اعتبار أوساط سياسية أن هذا التحرك الوازن في تلك المناطق أظهر نقمة عارمة على العهد «و»المسيحي القوي«(الرئيس ميشال عون) وبدا بمثابة رسالةٍ بالصوت العالي بوجه رئيس»التيار الوطني الحر«وزير الخارجية جبران باسيل الذي يوصف بأنه»الرجل القوي«(في العهد). علماً أن»اندفاعة الغضب«شملت محيط مقرّ التيار في»ميرنا الشالوحي«ومسقط باسيل في البترون، وسط هتافات وكلام لمحتجّين دعوا الرئيس عون للرحيل وهاجموا باسيل.

* انخراط مناطق نفوذ الثنائية الشيعية (حزب الله وحركة أمل) في التظاهرات التي حملت إشارات تَمَرُّد على هذه الثنائية ولا سيما جنوباً، وهو ما تجلى في التعرّض لبعض صور رئيس البرلمان نبيه بري وظهور شبان في فيديو وهم يقومون بإسقاط قوس حديدي لحركة»أمل«على الأرض على أحد مداخل الجنوب وعليه صورة بري.

وتزامن ذلك مع تَجمُّع متظاهرين غاضبين أمام مكتب النائب علي بزي (من كتلة بري) في بنت جبيل قبل ان يقتحموه ويعمدوا إلى كسر اللافتة التي تحمل اسمه ودهْسها في وسط الساحة، كذلك قاموا بإضرام النار أمام مكتب نائب»حزب الله«حسن فضل الله، وذلك غداة استهداف محتجين مكتب رئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد في النبطية حيث حطّموا لوحةَ مدْخله هاتفين»الشعب يريد إسقاط النظام«، واقتحام آخَرين مكتب النائب هاني قبيسي (من كتلة بري)

وتَظاهُر قسم ثالث تحت منزل زميله في الكتلة نفسها النائب ياسين جابر حيث أحرقوا يافطة تحمل اسمه.

* استقطاب عاصمة الشمال طرابلس الأنظارَ مع اتساع رقعة الاحتاجات فيها لتشمل إنزال صور للرئيس الشهيد رفيق الحريري تجمعه بنجله رئيس الحكومة سعد الحريري، ومحاصرة قصر الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي والتهديد بمصادرته، قبل تسجيل سقوط عدد من الجرحى بإطلاق نار على متظاهرين عصر الجمعة خلال إشكال مع مرافقي أحد فاعليات المدينة تردد انه النائب السابق مصباح الأحدب.

* تَحوُّل المقرات الرئاسية أشبه بـ»ثكن عسكرية«مدجَّجة بالحماية تفادياً لأي محاولات لاقتحامها. فإلى جانب السرايا الحكومية التي كانت هدفاً دائماً للمحتجين، برزَ الطوق الأمني في محيط القصر الجمهوري (في بعبدا) حيث أقام حرَسه»خط دفاع«على مسافة نحو كيلومتر (من القصر) تجمّع على مشارفها متظاهرون، وسط مناخاتٍ عَكَسَت أجواء إرباك وعدم ارتياح في»بعبدا«لمسار الأمور وآفاقها المحتملة، وذلك رغم إطلالة باسيل من القصر والتي حاول من خلالها»نفض يد التيار«من أي مسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، والتي بدا أنها لم تُقْنِع المحتجين الذين لاقوها بردود أكثر من سلبية.

* مجاهرة أحزاب في الحكومة بمشاركتها في الاحتجاجات على الأرض، وأبرزها»الحزب التقدمي الاشتراكي«بزعامة وليد جنبلاط الذي لم يتوانَ عن اتهام العهد بالمسؤولية عن»خراب البلد«وسط دعوة قادة في حزبه إلى إسقاط العهد، فيما طلبت»القوات اللبنانية«من مناصريها الانخراط في الحِراك الاحتجاجي بعدما كان رئيسها سمير جعجع طالب الحريري بالاستقالة.

ولم يكن ممكناً وسط دخان الحرائق والطرق المقطّعة وصيحات الضغب المتعالية والقبضات المرفوعة و»الجبهات المستنفرة«بين القوى الأمنية والمحتجين في وسط بيروت استشراف آفاق المرحلة الجديدة التي دخلها لبنان.

وإذ كان الرصد طوال اليوم لإطلالة الرئيس سعد الحريري (بعدما ألغى جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقرّرة في بعبدا وتلقى اتصالات خارجية ابرزها من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون) لقول كلمته حيال»الخطوة التالية«التي سيقوم بها، استوقف الأوساط السياسية غمْز جنبلاط من قناة أبعاد إقليمية للمأزق اللبناني، اذ أعلن ليل الخميس»وصلت الرسالة الداخلية والخارجية، يقولون لنا لا مجال لحكومة فيها معارضة وموالاة، وإذا كان صحيحاً أن الحكومة انتهت فلا مانع، ولكن لن نشارك كحزب في حكومة آحادية«، قبل أن يؤكد»لن أترك سعد الحريري وحده«كاشفاً أنه إتصل به وإقترح عليه أن»نستقيل سوياً«ومشدداً على أنه»إما أن نتحمل كلنا مسؤولية الفراغ أو فليحكموا وحدهم، ولا يحملوننا مسؤولية الخراب«.

ولأن الانهيار المالي - الاقتصادي الذي يحوم فوق لبنان لا يعود إلى عوامل تقنية بقدر ما هو نتيجة لسلوك سياسي يحكم البلاد، فإن أوساطاً واسعة الإطلاع في بيروت رأت أن الأسباب العميقة لوصول لبنان إلى الحائط المسدود وتالياً نزول الناس الى الشارع، يؤشر إلى خيارت جعلت من لبنان دولة فاشلة ولعل أبرزها:

* خروج تسوية 2016 التي أوصلت العماد ميشال عون إلى الرئاسة عن مسارها عبر عملياتِ قضْمٍ متتالية تعرضت لها وسعى من خلالها عون، الذي رفع شعار الرئيس القوي، إلى ترويض التوازنات الداخلية على النحو الذي يمكّنه من تعديل اتفاق الطائف بالممارسة والعمل على تعبيد الطريق امام صهره الوزير باسيل للوصول إلى الرئاسة، وهو ما تجلى في حجم المعارك السياسية الداخلية التي خاضها لإضعاف الآخرين.

* الخيارات التي اعتمدها الرئيس عون تجاه الخارج الذي غالباً ما كان يشكل حاضنة للبنان، فـ خاصَمَ المجتمعيْن العربي والدولي، ولا سيما دول الخليج، عبر الدفع في اتجاه تموْضع لبنان في المحور الإيراني، وهذا ما أفْقد البلاد من مكامن القوة.

* ولأن ما جرى في بيروت يشبه»انتفاضة بغداد"، فإن هذه الأوساط ترى أن التوترات السياسية والاقتصادية في ساحات نفوذ إيران تعاني عدم استقرار في ضوء التدخلات الكاسرة للتوازنات الداخلية عبر إما القوة أو تعطيل آليات تداوُل السلطة.

الجمهورية....الراعي: نطالب السلطة بالكف عن نهب المال العام

أعلن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، في لقاء مع ممثلي الأحزاب اللبنانية في صالون كنيسة القديس شربل في كوتونو، في إطار زيارته الراعوية الى عدد من دول افريقيا الوسطى والغربية، "اننا معكم من كوتونو نرفع الصوت عاليا رافضين، مع المتظاهرين في لبنان، من كل مناطقه بدءا بالشمال مرورا بالجنوب والبقاع وصولا الى جبل لبنان وبيروت، فرض الضرائب على الشعب اللبناني". وطالب البطريرك الراعي "السلطة السياسية بالكف عن نهب المال العام وسرقته وهدره وتهريب الضرائب عبر المرافق الشرعية في المرفأ والمطار، ووقف التهريب عبر المعابر غير الشرعية، ووقف وتقاضي العمولات جراء تسهيلاتكم لعمليات التهريب وامعانكم في الهدر وفتح مزاريب السرقة والهدر التي تصب في جيوبكم، قبل مطالبة الشعب الذي افتقر بدفع الضرائب"، مؤكدا "ان ثلث الشعب اللبناني بات تحت مستوى خط الفقر وتعرفون جيدا ان شعبنا جائع ولا يجد فرص العمل". وقال: "ان لم تقوموا بهذه الإجراءات فهذا يعني تصميمكم على اضطهاد الشعب اللبناني ورميه في خنادق الفقر وترحيله عن بلده لبنان وتغييب دوره". وقد استهل الراعي كلمته خلال اللقاء بالقول: "ان الكنيسة تجمع، ومعنى كلمة كنيسة في كل اللغات جماعة المدعوين، واليوم هي تجمعنا بكم لنشكر الله سويا على الإنجازات التي حققتموها في كوتونو وعلى المكانة المرموقة التي انتم عليها في هذا البلد المضيف نتيجة لحماسكم ومهاراتكم وإبداعكم والأهم حفاظكم على قيمكم اللبنانية أينما حللتم". وتابع: "موضوعان نتطرق إليهما معكم اليوم. الاول فرحنا بكم وأنتم تعيشون هنا تحققون ذواتكم وتساعدون عائلاتكم ايضا في لبنان وهذا الوجه الإيجابي تمثلونه كلبنانيين في كوتونو والبينان كما في دول الانتشار حيث التقينا جالياتنا في بقاع الأرض كلها، ولمسنا كم انهم يعيشون بكرامة ويعرفون البلدان المضيفة على لبنان وقيمه واخلاص شعبه، وما استقبال هذه الدول المميز لنا كوفد بطريركي الا بسبب الجالية اللبنانية التي تتمتع بامتيازات خاصة نظرا لإنجازاتها ومساهماتها في بناء الدولة المضيفة وهذا هو الوجه الإيجابي". اضاف: "أما الوجه السلبي فهو يدمي القلب. نحن نتساءل الا يحق للبنانيين المنتشرين في العالم العيش بكرامة وبحبوحة وطمأنينة في بلدهم الأم؟ ألا يحق لهم القيام بدور لإنماء لبنان اقتصاديا وتجاريا وصناعيا وهندسيا؟". وأعلن "اننا زرنا عددا من دول الخليج وعلمنا ان معظم جسورها وطرقاتها كان لابنائنا من الجالية اللبنانية يد فيها، وكان عتب من ابنائنا المهندسين وغيرهم الذين يعملون في دول الخليج من عدم استفادة لبنان من خبراتهم بهدف تحسين البنى التحتية فيه وتطويرها لتتناسب وتطور العصر". وقال: "انها خسارة لبنان لشعبه والذي هو ربح لدول الانتشار، وهنا لا بد من التنويه بحفاظكم على وحدتكم، وانكم من خلال البعثات الدبلوماسية والابرشيات تحافظون على انتمائكم للبنان وللكنيسة وتسجيل نفوسكم، وهذا امر مهم تحافظون من خلاله على جنسيتكم اللبنانية وتعطونها لابنائكم".

الامم المتحدة تدعو الى احتواء التوتر في لبنان

دعت الامم المتحدة الجمعة "جميع الاطراف الى الامتناع عن انشطة من شأنها زيادة التوتر واعمال العنف" في لبنان. وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك خلال مؤتمره الصحافي اليومي ان "الامم المتحدة تواصل العمل مع حكومة لبنان والشركاء الدوليين بهدف المساعدة في مواجهة التحديات التي يواجهها لبنان، ويشمل ذلك وضعه الاقتصادي".

الحراك الشعبي يُحرج «التيار الوطني الحر»

الشرق الاوسط...بيروت: بولا أسطيح... يبدو «التيار الوطني الحر» أكثر القوى السياسية المُحرجة مما آلت إليه الأوضاع في الشارع اللبناني. فرغم أن معظم الفرقاء والأحزاب اللبنانية ممثلة اليوم في الحكومة، فإن استحواذ «التيار» على الأكثرية النيابية والوزارية وكذلك رئاسة الجمهورية، يجعل أي مطالبة بـ«إسقاط النظام» أو بثورة شعبية موجهة ضده بشكل مباشر. وحاول رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل استيعاب التطورات، فاعتبر أن ما يحصل غير موجه ضدهم «إنما هو لصالح مطالبنا ومطالب الناس ولصالح البلد»، مشيراً إلى أنه «كان متوقعاً والآتي أعظم إن لم يتم الاستدراك». وقال في كلمة له بعد لقائه مع وفد من التكتل الذي يتزعمه بالرئيس ميشال عون: «ما نحن بصدده قد يكون فرصة كما يمكن أن يتحوّل إلى كارثة كبيرة ويدخلنا بالفوضى والفتنة». وفيما اتهم «بعض الداخل بامتطاء الموجة الشعبية الصادقة لتحقيق غاياته السياسية المعلنة من إسقاط العهد والحكومة والمجلس المنتخب بشكل تمثيلي صحيح»، عرض لخطة عمل ودعا إلى تنفيذها قبل إقرار الموازنة، تقوم على رفع السرية المصرفية، والتصدي للتهريب الشرعي وغير الشرعي والتهرب الضريبي وزيادة التصدير وتخفيض الاستيراد وإطلاق العمل بخطة «ماكينزي» و«سيدر» ووضع سياسة حكومية لإعادة النازحين. واعتبر مصدر قيادي في التيار العوني أن هناك من يحرك الشارع اليوم وأنه يتم استغلال الناس الذين خرج قسم منهم ليعبر عن وجعه. وتساءل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «ما هو أصلاً المطلب الموحد الذي يرفعونه؟». وأضاف: «أما انضمام (القوات) و(التقدمي الاشتراكي) إلى المتظاهرين فيندرج في إطار النكايات السياسية... ويبقى السؤال حول عدم قدرة الثنائي الشيعي على ضبط شارعه». وفي المواقف المحدودة الصادرة عن مسؤولين في «الوطني الحر»، قال عضو تكتل «لبنان القوي» النائب زياد أسود: «سبق أن قلنا وكررنا: الضرائب لا تحل الأزمة. الحل باسترداد المال المنهوب وفتح السجون». وأضاف: «مكابرة وطائفية وتسلط وفجور. انتهت مرحلة وستأتي أخرى». أما النائب سليم عون فتوجه إلى «الصادقين والذين يعبّرون بحق عن وجعهم»، قائلاً: «انتبهوا إلى من يستغل صرختكم، إلى من يحوّل تحرككم لتحقيق أهدافه وهي غير أهدافكم، وإلى أين ستصلون؟» مضيفاً: «أهدافكم تتحقق بدعمكم لفخامة الرئيس (ميشال عون) وبالوقوف إلى جانبه وليس باستهدافه والإساءة إليه». من جهته، وجّه النائب شامل روكز نصيحة لرئيس الجمهورية ميشال عون فدعاه إلى تغيير الحكومة وتشكيل أخرى مصغرة، معتبراً أن من فشلوا يجب أن يدفعوا ثمن فشلهم. وبينما يتحدث العونيون عن حملة منظمة تستهدف العهد لإفشاله، يتهم باقي الفرقاء الوزير باسيل بالخروج عن الإجماع الوطني واعتماد خطاب شعبوي يؤدي إلى توتير الأجواء وانهيار التفاهمات والتسويات ما يؤثر سلباً على الاستقرار الداخلي. ويشير عضو تكتل «لبنان القوي» جورج عطا الله إلى أن هناك إرباكاً كبيراً في البلد وعرقلة لحكومة الوحدة الوطنية، معتبراً أنه كان من الأفضل قيام «حكومة أكثرية تحكم بعيداً عن مفهوم تدوير الزوايا الذي لا يأتي بنتيجة تذكر». ويرى عطا الله في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هناك فريقاً سياسياً يطمح لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء من خلال «سعيه لاستمرار النهج القائم منذ أكثر من 30 عاماً على تقاسم ثروات البلد والمواقع في مؤسسات الدولة». ويستهجن عطا الله سعي بعضهم إلى «اختصار العهد بشخص رئيس الجمهورية»، مشدداً على أن «الحكم الفعلي بيد السلطة التنفيذية مجتمعة، وبالتالي إذا نجح العهد نجح كل من هم في منظومة الحكم وإذا فشل فشلوا أجمعين». وإذا كان الكباش السياسي بين «الوطني الحر» وكل من «التقدمي الاشتراكي» و«القوات اللبنانية» مستمراً منذ فترة رغم الهدن الهشة، فإن العلاقة مع تيار «المستقبل» اهتزت بقوة مؤخراً على خلفية المواقف الأخيرة لباسيل سواء في جامعة الدول العربية؛ حيث دعا لعودة سوريا إليها أو في «ذكرى 13 تشرين» التي أعلن خلالها نيته التوجه إلى دمشق. وفي هذا الإطار، يؤكد مستشار رئيس الحكومة النائب السابق عمار حوري أن ما قاله باسيل لا يعبر عن موقف الحكومة وما ورد في بيانها الوزاري ويندرج في إطار «الكلام الشعبوي» الذي لا يُبنى عليه والذي لا يخدم الاستقرار السياسي.

 

 



السابق

لبنان..كلمة مرتقبة لرئيس الحكومة....الاحتجاجات الحاشدة في لبنان... ما هي «خطة الطوارئ الاقتصادية» التي أشعلت الغضب؟....اللواء..البيان رقم واحد لاطاحة الطائف... شرارة الواتساب تحرق الحكومة...وتمهد للفوضى...... وجنبلاط لن يترك الحريري وحيدا.....الجمهورية.....السلطة تُشعل الشارع... ودعوات إلى استقالة الحكومة....."نداء الوطن....انتفاضة الواتساب" تعمّ المناطق... "حزب الله" يركب الموجة... "العمالي" إلى الشارع... وجنبلاط لن يترك الحريري...الأمن اللبناني يعلن إصابة 40 عنصرا ويدعو لـ «التظاهر برقي»...

التالي

سوريا.....واشنطن تقترب من تصور أنقرة لـ«المنطقة الآمنة»... والطريق السريع يفصل بين الأكراد والأتراك....الكرملين ينتظر «معلومات من أنقرة» حول تعليق العملية العسكرية....بومبيو: وقف إطلاق النار في سورية صامد رغم البداية الصعبة..سوريا والهجوم التركي..حسابات الربح والخسارة...

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,731,659

عدد الزوار: 6,910,923

المتواجدون الآن: 109