شمال لبنان يبحث عن استقراره لا عن إمارته

تاريخ الإضافة الخميس 10 كانون الثاني 2013 - 8:29 ص    عدد الزيارات 6958    التعليقات 0

        

 

شمال لبنان يبحث عن استقراره لا عن إمارته
إعداد حسان القطب
عانت وما زالت منطقة طرابلس والشمال عموماً من حملات إعلامية بالغة الخطورة تستهدف استقرارها وحتى التشكيك بانتماءها للبنان الوطن والكيان بشكل غير مسبوق، إذ منذ فترة وبعض القوى السياسية والمواقع الالكترونية وعدد من المؤسسات الإعلامية تتحدث عن أن مدينة طرابلس والشمال عموماً تحتضن مجموعات تكفيرية وقوى سلفية متشددة لا ترغب في تعزيز العيش المشترك ولا تعترف بالشريك الآخر في الوطن، وحتى ان البعض تجاوز هذا العنوان ليتحدث عن طموح هذه القوى بالاعلان عن انفصال الشمال عن لبنان وإعلانه إمارة سلفية وهابية.. وهذا الأمر ليس حديثاً ولكنه يعود لسنوات خلت، ولا ضرر في ان نلقي الضوء عليه.. لنذكر بالصراع المسلح الذي اندلع في طرابلس بين حركة التوحيد الإسلامي والجيش السوري إبان فترة الوصاية السورية ولمرات عدة، قبل ان يتحول هذا الضراع الدموي والذي أسس لمشكلة بعل محسن – باب التبانة المستعصية، إلى علاقة ود وتحالف بين حركة التوحيد الإسلامي والنظام السوري وحزب الله الذي كان عراب التفاهم.. وكذلك بأحداث مخيم نهر البارد والإعلان عن انطلاقة مجموعة فتح الإسلام من المخيم المذكور مما ادى إلى اندلاع شرارة حرب عنيفة بين الجيش اللبناني وهذه المجموعة المسلحة القادمة عبر الحدود لاشعال نار الفتنة والتسبب بإعلان بداية حرب بين مكونات المجتمع اللبناني على خلفية فتح ملف المخيمات الفلسطينية ووجود مجموعات متطرفة موجودة فيه او في سواه وهذا لم يحصل نتيجة حالة الوعي وإدراك ان ما يخطط للمنطقة يتجاوز الملفات الصغيرة والحروب العبثية والاشكالات الأمنية.. وللتذكير حينها بدا الحديث إعلامياً عن تحضيرات يقوم بها البعض لاعلان ولادة إمارة إسلامية وتم الاستناد حينها إلى كلام صدر عن أحد القادة الإسلاميين الراحلين وكان حينها من المرتبطين بمحور خارجي، وذكر مؤخراً أحد الصحافيين الذي عاد ليروج لهذه الشائعات الأسباب التي تجعل من الشمال المكان المناسب لإعلان الإمارة:
أولاً: انتماؤها الديني، فهي تشكل الخزان البشري للطائفة السنية في لبنان، المتأثرة تحت ضغط الإعلام بالأحداث التي تدور في المنطقة، خصوصاً في الجارة الأقرب.
ثانياً: موقعها الجغرافي، فهي المدينة اللبنانية الأقرب مسافة إلى سورية.
ثالثاً: وضعها الاجتماعي، فهي متداخلة اجتماعياً مع بعض المناطق السورية؛ من حيث العادات والتقاليد وأواصر القربى، إضافة إلى الانتماءات المذهبية، الأمر الذي يسهم في شكل فاعل في انعكاس الحوادث في سورية على الوضع الأمني في طرابلس، وبالعكس. ويضيف كل هذه العوامل الآنفة الذكر، دفعت التكفيريين إلى اختيار عاصمة الشمال “إمارة لهم”.
والحقيقة أنه يكفي نشر هذه الأقوال لاثارة رعب وخوف الأقليات الدينية الموجودة في المنطقة من مسيحية وعلوية، وغيرها.. لقد كان يتمنى من أشعل فتنة مخيم نهرالبارد ان تلتهب منطقة الشمال سواء بتأييدها مجموعة فتح الإسلام او بمعارضتها لها، بما يسمح بإظهار الوجه المتعصب للمنطقة الشمالية من لبنان ويكشف الحضور التنظيمي القوي للمجموعات الإسلامية مما يخيف المجتمع الدولي والعربي الحريص على استقرار لبنان، ولكن هذا لم يحدث ووقف الجميع في الشمال خلف الجيش اللبناني والمؤسسات الدستورية لوأد الفتنة ووضع حد لهذا الصراع باحتضان أبناء مخيم نهر البارد باعتبار ان لا علاقة لهم بما جرى وان القوى المتطرفة التي تخوض المعركة هي دخيلة على لبنان المخيم، وقدم الشمال عدداً كبيراً من أبنائه المنخرطين في مؤسسة الجيش اللبناني شهداء في هذه المواجهة لإحباط هذه المؤامرة والفتنة، وانكفأ أصحاب هذه المقولة وهذه الشائعات ولكن لفترة...
ولكن في المرحلة القريبة الماضية وعلى أثر اندلاع الثورة السورية بدا البعض وعبر وسائل إعلامية يتحدث عن ان مجموعات إسلامية مسلحة انتشرت في منطقة الشمال وهي مستعدة لاشعال نار الفتنة وبالتحديد بين منطقتي بعل محسن وباب التبانه على خلفية طائفية ومذهبية ليكون للشمال ضاحيته المسلحة مقابل الضاحية الجنوبية في بيروت.. وبالتالي يكون سلاح هذه المجموعاتمقابل سلاح حزب الله، وكذلك لترهيب أهالي منطقة بعل محسن العلويين، كما يقوم البعض من خارج منطقة الشمال بدعم وتسليح مجموعات مسلحة وربطها بمنظومته المسلحة بهدف استعمالها واستغلالها حين يرغب. ويشير أحد الصحافيين المروجين لهذه المقولة عن المصير المرتقب لأبناء الطائفة العلوية في “الإمارة”، بالقول: (فالمكتوب يُقرأ من عنوانه، وهو القتل والتهجير، وهذا ما أكدته جولات العنف الدامي المتكررة بين جبل محسن والمناطق المحيطة به، وأخيراً المحاولات المتكررة لاقتحام “الجبل”...أما عن وضع المسيحيين في طرابلس فهم بين ثلاثة خيارات: إما الدخول في الإسلام، أو دفع الجزية، أو الرحيل عن المدينة)...وكان قد سبق هذا الكلام ما تم نشره عن تفجيرات متوقعه تستهدف غبطة البطريرك خلال زيارته الشمال ومنطقة عكار وتحذيره من القيام بهذه الجولة الرعوية وقد تمت الزيارة دون وقوع أي حادث على الاطلاق نتيجة جهود وتعاون القوى الأمنية مع فعاليات ونواب المنطقة الشمالية، كذلك ذكرت صحيفة الديار في 20/12/2012 خبراً مفاده: ان القوى العسكرية الان تفتش عن نفق تحت الارض بين لبنان وسوريا تستطيع فيه الشاحنة المرور في هذا النفق وحتى الان لم يتم ايجاد واكتشاف هذا النفق السري الذي حفره سلفيون من لبنان والجيش السوري الحر والسلفيون في سوريا مع العلم ان طول الحدود بين لبنان وسوريا يفوق ال 330 كلم... كل هذه الاخبار والتسريبات والشائعات غنما تستهدف زرع البلبة الفتنة وتشكيك مكونات وطوائف ومذاهب الكيان اللبناني ببعضها البعض، وقد تبين قبل فترة وبعد انكشاف مخطط سماحة – المملوك ومصادرة المتفجرات الموجودة لدى الوزير والنائب السابق من قبل شعبة المعلومات واعتراف سماحة بالهدف الحقيقي من نقل هذه المتفجرات وهو استخدامها في تنفيذ عمليات تفجير تستهدف تجمعات رمضانية وغبطة البطريرك خلال زيارته ومفتي عكار خلال احد لقاءاته، يكشف ان ما جرى الترويج له من ان مجموعات تكفيرية او سلفية متواجدة في الشمال وتستعد لاستهداف طوائف وأبناء مذاهب معينة إنما كان يرمي للتغطية على حقيقة الجهة التي خططت وسعت لتنفيذ هذه المؤامرة الدموية التي لو نجحت لأخذت لبنان إلى مصير مجهول..
ثم غن إصرار البعض على الحديث عن ان منطقة الشمال هي أكثر ارتباطاً بشمال سوريا من لبنان نتيجة التقارب والتزاوج والتداخل بين السكان والعائلات هو غير صحيح إطلاقاً..إلا ان هذا يعني عدم تعاطف أبناء الشمال مع أقاربهم وأصدقائهم في سوريا نتيجة ما يتعرضون له من ظلم وقهر.. وإلا فكيف نفسر ما قاله السيد حسن نصرالله حين تحدث عن دعم حزب الله لسكان بعض القرى في سوريا في مواجهة الثوار نتيجة ارتباطهم بتنظيم حزب الله وتعاطفهم معه لأسباب عائلية وطائفية...كما ان رفعت علي عيد مسؤول الحزب الديمقراطي العربي لا يخفي تعاطفه مع النظام السوري وتأييده له ورفع صور الرئيس السوري بشار الأسد في بعل محسن وشوارعها..؟
المشكلة الأساس في منطقة الشمال تعود إلى مرحلة الحرب الأهلية التي اندلعت في سبعينات وثمانينات القرن الماضي في لبنان والتي كان لمنطقة الشمال ومدينة طرابلس النصيب الأهم والأكبر منها، وقد تحمل أبناء الشمال الكثير من ممارسات التعسف والفوضى المسلحة وتغليب فئة على فئة ومن حالات اعتقال وتعذيب وتهجير غير مبررة، وبالتحديد في منطقة باب التبانة التي ما زالت تعاني إلى اليوم وفي ذاكرتها وذاكرة أبنائها الكثير من مآسي الحرب وويلاتها وفقدان أعزاء واختفاء أبناء، وهذا ما يجب معالجته يشكل جدي وجذري من قبل المراجع السياسية ومؤسسات الدولة اللبناية لوضع حد للصراع المفتوح بين بعل محسن ومنطقة باب التبانة... وهذه الزمة هي الثغرة التي يدخل منها كل من يريد إشعال الفتنة في منطقة الشمال لأن الأرضية صالحة وجاهزة ومهيئة لكل أشكال وانواع الصراع وحسناً فعل سماحة مفتي الشمال الشيخ مالك الشعار حين طالب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وقائد الجيش بعد سحبالجيش من منطقى النزاع ريثما يتم حل المشكلة المزمنة والمستعصية بين المنطقتين والتي إن بدات سياسية ونتيجة سلوك عسكري غير مبرر إلا انها ق أصبحت تأخذ منحى طائفي مخيفن وهذا ما يسعى لتحقيقه البعض سواء بالتحصير لتنفيذ مسلسل تفجيرات امنية او ببث الشائعات عن مشروع إقامة إمارة إسلامية او وهابية او تكفيرية وهذا مع الأسف ما وقع في فخه دولة الرئيس ميقاتي حين اعتبر ان انتشار الجيش قد أجهض تشكيل وإقامة وإعلان الإمارة بينما هو في الحقيقة كان يجب ان يعتبر ان انتشار الجيش هو فرصة للتهدئة والعمل على تسوية النزاع بشكل عقلاني ومن منطلق وطني.. وهنا لا بد من الإشارة إلى خطوات ضرورية لتجنب اندلاع صراع جديد بين منطقتين على خلفية احداث وقعت منذ ثلاثة عقود، ولوقف هذا النزيف المستمر الذي يبقي هذه المشكلة قائمة عبر تجديد الصراع وإسالة دماء الأبرياء وتدمير الممتلكت وتهجير المواطنين والخطوات هي:
-          بقاء الجيش اللبناني في المنطقة ضابطاً للأمن ومانعاً لإشعال نار أي فتنة..
-          سحب السلاح من بعل محسن وباب التبانة بالتوافق على ان يبقى الجيش وقوى الأمن ساهرين على ضبط الأمن ومنع العبث من أي فريق محلي او خارجي
-          تطوير البنية التحتية للمنطقة ورفع مستوى الخدمات وتأمين فرص العمل للمواطنين لنزع  أي ذريعة تسمح لمن يريد تفجير الوضع من استغلالها.
-          عقد لقاء وطني جامع برعاية رسمية وليس على أسس طائفية او مذهبية بين المنطقتين لمراجعة الأخطاء ومعالجة المشاكل المزمنة والحديثة وتصفية القلوب ووأد الفتنة على ان يتم تشكيل لجنة مشتركة من أبناء المنطقتين لمعالجة اي إشكال والرد على أي شائعات..
لذا يمكن القول أن منطقة الشمال لا تسعى لإقامة إمارتها، بل تبحث عن استقرارها، في كنف ورعاية الدولة ومؤسساتها، لأن غياب هذه العناية الرسمية يسمح لكل من يريد ويرغب باستغلال حاجات المواطنين وعوزهم والاستفادة من غضبهم بالشكل الذي يخدم مصالحه.. وقد برزت قدرة أبناء الشمال على ضبط عواطفهم ومشاعرهم واستفزازهم وذلك حين تم اغتيال الشيخ أحمد عبدالواحد وضحايا تل مكلخ التي لم تتضح فصولها وتفاصيلها بعد، ومع ذلك فقد تمكنت القوى الشمالية الفاعلة وأبناء الشمال من استيعاب الأزمة وتجاوزها بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، رغم ان البعض كان يتوقع رد فعل عنيف وخروج المنطقة عن سلطة الدولة واجهزتها وهذا ما لم يحصل.. كما يجب الإشارة إلى ان من يزال يلقي بالتهم والاشاعات الهادفة لزرع الشقاق والخلاف بين أبناء المنطقة الواحدة والوطن الواحد إنما يؤسس لفتنة ويسعى لخراب البلاد وتقسيمها فعلاً إلى إمارات وجزر امنية ومربعات خارجة عن سلطة القانون في أي منطقة كانت من لبنان.
 
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,619,149

عدد الزوار: 6,904,324

المتواجدون الآن: 97