معارضة حزب الله الشكلية.... تخفي ضمناً رغبة في الهيمنة..

تاريخ الإضافة السبت 3 نيسان 2010 - 6:25 ص    عدد الزيارات 833    التعليقات 0

        

بقلم مدير المركز حسان القطب

اشتهر في القرن الماضي وعلى مدى عقود أحد أبرز السياسيين اللبنانيين وأكثرهم واقعية وموضوعية ومصداقية العميد الراحل عميد الكتلة الوطنية ريمون إدة بأنه المعارض الوحيد والأوحد الذي دائماً ما يتصدر الإعلام والصحافة والمنتديات واللقاءات السياسية ليقدم رؤيته السياسية ومواقفه الوطنية المعارضة لكثير من السياسيين اللبنانيين والأحزاب اللبنانية... ولكنه كان يتميز بحس وطني ورغبة صادقة في تصويب الأمور وتصحيح المسارات وتقديم الحلول... لا المعارضة لأجل المعارضة أو بهدف التعطيل والتشويش والتخوين.. أو لإخفاء نوايا أخرى.. لا تخدم المشاريع الوطنية أو تشكل مساساً بالوحدة الوطنية ومفاهيم العيش المشترك إضافةً إلى احترام الرأي الأخر... لذا دائماً كان يرفق مواقفه المعارضة بطرح حلول ومسارات بديلة لتلك المواقف أو المسارات التي يعارضها وهذه المواقف الجريئة والشجاعة قد أدت به إلى أن يتعرض لعدة محاولات اغتيال فشلت جميعها، ولكنها نجحت في إبعاده عن الساحة اللبنانية ووضعته في المنفى الفرنسي لبقية حياته إلى أن وافته المنية.. مما شكل خسارة كبيرة للحياة السياسية في لبنان وللجسم السياسي اللبناني..
واليوم نعيش في لبنان شكلاً جديداً من أشكال المعارضة التي ابتدعها حزب الله وملحقاته تقوم على مبدأ الاعتراض للتعطيل، والتهويل للإرهاب، والتخوين للإباحة والاستباحة، والاعتراض يشمل قوىً معينة بعينها وفريقاً محدداً بذاته ومؤسسات رسمية وغيرها يترأسها أصحاب انتماءات غير متجانسة مع انتماء فريق حزب الله وحلفائه.. والمعارضة هذه التي يطلقها حزب على بعض القرارات والمواقف والسياسات إنما تهدف لتعطيل مسار السلطة والحكم والحكومة وباقي المؤسسات الدستورية.. دون أن يقدم هذا الفريق على طرح بدائل للسياسات التي يعارضها، تشكل حلاً بديلاً ومقبولاً لما يعترض عليه.. ثم إن اعتراضه على عمل مؤسسات معينة.. وتجاهله لأخطاء وممارسات وتجاوزات وهدر وفساد يعرفها القاصي والداني من اللبنانيين ولكنه بإدارة مجموعة ممن ينتمون إلى فريقه ويشكلون جزءاً من انتمائه.. هذا التجاهل بل بالأحرى الرعاية والحماية التي يؤمنها حزب الله وحركة أمل لهؤلاء تطيح بمصداقية الانتماء لفريق يطلق على نفسه اسم (معارضة).. ويدخل الشك في نفوس اللبنانيين من أن هناك غايات أخرى لهذه الاعتراضات والصرخات والاكتشافات الصحفية المدفوعة الأجر، والمهرجانات التي تحظى بالغطاء الإعلامي والصحفي والتركيز على مجموعات معينة من الأشخاص والرموز لتقوم بهذا الدور والواجب المدعوم بكل ما قد يخطر ببال مواطن، من رعاية مالية وسواها من المال النظيف وهذا ما أكده (ماهر حمود) إمام أحد المصليات في مدينة صيدا في لقاء مع عماد مرمل وعلى الهواء مباشرة، من على شاشة تلفزيون المنار..
وهذه السياسة اتبعها حزب الله منذ خروجه لمباشرة العمل السياسي على الساحة الداخلية اللبناني عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وإطلاق مسيرة شكراً سوريا.. في الثامن من آذار/ مارس عام 2005، لقد كان النظام السوري يؤمن لحزب الله التغطية الكاملة سياسياً وأمنياً ووظيفياً في الإدارات العامة إلى جانب غريمه الحليف رغماً عنه.. (نبيه بري).. ولكن مع الخروج السوري من لبنان اضطر حزب الله لمواجهة الأمور بنفسه ومباشرةً دون وسيط أو راعي يؤمن الغطاء والتغطية والرعاية والعناية..
قراءة حزب الله للواقع اللبناني المتشابك والمتردد وغير المصدق أن النظام السوري بجيشه ومخابراته قد خرجت من لبنان.. كانت تدفعه لاتخاذ خطوات معينة ومحددة... وهي التالية:
- كان لا بد من إعادة تجميع ورعاية القوى التي كانت تحظى بثقة ورعاية النظام السوري واحتوائها تحت مظلة حزب الله بحيث لا تشعر بالفراغ والضياع.. أو أنها قد تركت وحيدة لتواجه مصيرها...
- حرص حزب الله على رصف القوى الشيعية السياسية والمؤسسات الشيعية الرسمية والجماهير خلفه تحت عنوان الدفاع عن سلاح المقاومة فقط.. باعتبارها معركة عقائدية وجودية وليس معركة تباين في المواقف السياسية والسعي لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها بعد الخروج السوري من لبنان..
- سعى حزب الله ومنذ البداية إلى جانب رصف صفوف الطائفة الشيعية ومؤسساتها خلف مشروعه، إلى شرذمة باقي الطوائف وإقامة تحالفات شبه وهمية لأنها في حقيقة الأمر كانت مع أسماء فقط.. سواء كانت شخصيات أو جمعيات لا تملك حضوراً فاعلاً ومهماً على الأرض.. وأتاح لها استعمال منابره الإعلامية بهدف إظهارها أمام جمهوره على أنها حليف يعتمد عليه ولإعطاء انطباع بان باقي القوى والطوائف هي في حالة تفكك وتشرذم وضياع وخوف أيضاً.
- نهج حزب الله سياسة التسليح والتدريب لكل القوى المتحالفة معه، رغم قناعته ومعرفته بعدم قدرتها على إحداث فرق يذكر على الساحة المحلية مع تركيز حملة شعواء من إعلامه على قوى الرابع عشر من آذار / مارس.. متهماً إياها بالتدريب والتسليح وعلى نطاق واسع ومسمياً مراكز تدريب وموانئ تسليح وجهات عربية ودولية وحتى إسرائيلية تقوم بمهام التدريب والتسليح.. وكان الهم الأساسي لهذه القوى و تجريده من سلاحه وضرب وجود الطائفة الشيعية في لبنان وهذا ما أكده نصرالله في خطابه عقب الحرب الإسرائيلية العدوانية على لبنان في تموز/ يوليو من عام 2006، حين قال أن بعض القوى قد جهز سفناً لإجلاء الطائفة الشيعية من لبنان.. عقب الحرب، وتبين بعدها أن هذا الكلام غير صحيح على الإطلاق... كما سيتبين لاحقاً خلال غزوة السابع من أيار/ مايو من عام 2008، والتي شنتها ميليشيات حزب الله وحركة أمل والملحقات على مدينة بيروت وجبل لبنان ومدينة صيدا.. من أن أخبار التدريب والتسليح لدى قوى الأكثرية غير صحيحة على الإطلاق.. فانكب إعلام حزب الله حينها ... على ممارسة التلفيق بتصوير صناديق من النبيذ داخل أحد المراكز الحزبية للدلالة على فساد هذا الفريق.. وعدم التزامه بالمفاهيم والتعاليم الإسلامية.. وكان الكذب والتلفيق الذي يمارسه إعلامه هو من صلب هذا التعاليم أو أنه مسموح به لدوافع سياسية...
- من صلب سياسات حزب الله العمل على التشكيك بمؤسسات الدولة الرسمية وبشكل خاص المؤسسات الأمنية والحديث عن عدم فاعليتها وقدرتها على مواجهة الاستحقاقات الأمنية وفشلها في كشف الجرائم والتفجيرات أو في مواجهة الجيش الإسرائيلي خلال حرب تموز/ يوليو.. ورغم ذلك فإن جمهور حزب الله هو من اشتبك مع الجيش في منطقة مار مخايل.. في الضاحية الجنوبية ثم طالب بمعاقبة ضباط وأفراد الجيش المتورطين في رد العدوان والاعتداء..!!.. وهو من أطلق النار على المروحية التابعة للجيش اللبناني مما أدى إلى سقوط قائدها سامر حنا.. ولا زالت المحاكمة تراوح مكانها.. حتى الآن..
- لم يترك حزب الله مناسبة دون استعمال لغة التشكيك وإطلاق الاتهام بحق مجلس الإنماء والأعمار، وجلس المهجرين، ووزارة الاقتصاد، ومديرية قوى الأمن الداخلي وشعبة المعلومات، والقوى الإسلامية، والقوى المسيحية، والدرزية، وغيرها من المؤسسات والأحزاب الرافضة لمشروعه أو الانخراط فيما ترسمه طهران والحرس الثوري الإيراني للبنان والمنطقة.. وما نشهده من تدخل النظام الإيراني والحرس الثوري في تشكيل الكتل البرلمانية العراقية والحكومة العراقية لخير دليل.. والأسوأ من هذا أن البعض يتحدث ولو همساً من أن احد مرجعيات حزب الله الرفيعة المستوى كانت في العراق لإدارة حملة نوري المالكي الانتخابية.. مما يؤكد صحة نظرية الملك الأردني عبد الله الثاني.. الذي تحدث عن سعي لإنشاء محور الهلال الشيعي.. كما تم الحديث سابقاً في بعض الكواليس عن أن أحد قادة حزب الله كان مسؤولاً عن تدريب وتسليح بعض القوى العراقية وقد تم استبداله بعد مقتله.....
- من ضمن التوجهات أيضاً، إضعاف دور المرجعيات الدينية لدى كافة الطوائف.. حيث انطلقت الألسن والأقلام مطلقة الاتهامات والأكاذيب بحق هذه المرجعيات من إسلامية ومسيحية لإفقاد المواطن اللبناني الثقة بمرجعياته الدينية بعد أن تم تعطيل دور المؤسسات الشرعية المحاصرة بمخيم السوء الذي تم إنشاؤه حول السراي الحكومي وتم خلاله تعطيل الحياة السياسية والدورة الاقتصادية.. ولا زالت المحاصرة قائمة اليوم لكل موقف رسمي ووثيقة رسمية ومعاهدة وشراكة وتعيينات وتوظيف.. تحت مسميات شتى وتحت أعذار وهمية.. وكذلك كان إغلاق المجلس النيابي لمدة عامين فلا تشريع ولا انتخاب لرئيس الجمهورية ولا ميزانيات تعرض على البرلمان.. كل هذا جرى بقرار أصدره الحاكم بأمره نبيه بري الذي كان معتكفاً في منزله في عين التينة.. (لا خوفاً ولا رهبة) ولكن بطلب من حزب الله والراعي الإقليمي....
- الاعتراض على المحكمة الدولية، هو التوجه الذي تبناه حزب الله منذ انطلاقتها بل منذ بداية الحديث عن ضرورة تشكيلها ولم يترك مناسبة إلا وعبر عن شكه وشكوكه في نزاهة المحكمة ومصداقيتها، واستثمر لهذه الغاية بعض الأقلام والألسن التي تقدم نفسها على صفحات الجرائد وعلى شاشات الإعلام على أنها خبيرة في شؤون القانون الدولي والإرهاب وسوى ذلك.. ولم يترك مناسبة إلا ووجه الاتهامات عبر صفحات صحافة متحالفة تحظى بالرعاية والعناية منه مباشرةً بشكل موارب أو مباشر لمجموعات إسلامية ومنها مجموعة 13، التي لم ينس نصرالله التلميح أو الإشارة إليها في آخر مقابلة له قبل يومين في برنامج (ماذا بعد).. أو الإشارة لشخصيات وأنظمة عربية، وسواها.. وقلق حزب الله من المحكمة نابع من كونه أكثر القوى استعداداً لتجاوز تداعيات الجريمة والسير فوق جثث الضحايا وتجاهل مشاعر جمهور واسع من اللبنانيين سواء في مهرجان (شكراً سوريا) أو في البرلمان اللبناني حين أصر ممثله النائب علي عمار على مناقشة قانون الانتخابات النيابية وعدم مناقشة تداعيات جريمة الاغتيال باعتبارها أصبحت خلفنا.!! ونترك الباقي للجنة التحقيق الدولية سواء أعجب ذلك حزب الله أم لا...
- التهديد بممارسات معينة في حال مشاركة لبنان في القمة العربية في ليبيا.. وكان هذا المر من أعجب الممارسات بل من أوضحها في الإشارة إلى الرغبة في عزل لبنان عن محيطة لعربي وربطه بالعربة الإيرانية التي تمعن فتكاً وتشتيتاً وتدميراً بالعراق وشعبه من كافة الطوائف والمذاهب والمكونات وأولها الأقليات الدينية من مسيحية وصابئة والأزيدية التي تعاني كل أشكال التمييز والقتل والتهجير والترهيب من قبل مجموعات مسلحة تتحرك بحرية ودون محاسبة..
حزب الله يرى عدم قدرته على الإمساك بزمام أمور الوطن بشكل مباشر بسبب علاقاته الدولية المتوترة مع الكثير من الدول الإقليمية والدولية، لأن هذا الحزب كان قد أبلغ كان يردد كما يقول البعض قبل أحداث السابع من أيار / مايو..من أن بوسعه احتلال كافة الأراضي اللبنانية وفرض مشروعه على اللبنانيين، مستعيناً ببعض الجهات والعناوين السياسية المتعاونة معه من باقي الطوائف والمكونات الإسلامية والمسيحية.. ولكن تداعيات ما قام به في تلك الغزوة المشؤومة أثبتت له أن لا طاقة له على الاحتلال المباشر لمواقع السلطة وإدارة الكيان اللبناني مباشرةً، لذا استعاض عن هذه الإستراتيجية بسياسة التهويل والترهيب والتذكير بما جرى في ذلك اليوم من انتهاكات وجرائم وممارسات بهدف إخضاع السلطة السياسية لتوجهاته ومواقفه وسياساته التي تبدو وكأنها سياسة حكومة الوحدة الوطنية وهي أبعد ما تكون عن هذا العنوان وهذا التوجه.. والقوى الأمنية وبعد الرسائل التحذيرية لها في مناسبات عديدة من مار مخايل إلى جريمة البقاع إلى اغتيال الطيار، والآن استهداف تعاون قوى الأمن مع الخبرات والتكنولوجيا الأميركية المتطورة، بهدف إبقائها دون مستوى الكفاءة المطلوبة والقدرة على تثبيت الأمن وكشف شبكات التهريب والقتلة واللصوص.. ولتبقى ميليشيا حزب الله وحركة أمل قادرة على التحرك بحرية مطلقة، وتمثل سيفاً مسلطاً على القوى والأجهزة الأمنية الشرعية تحت عنوان وشعار المقاومة.. ولكن في الحقيقة الهدف هو الإمساك بزمام أمور الوطن اللبناني برمته مع الإبقاء على التشكيلة الدينية والطائفية الموزعة على المناصب الحكومية والسيادية، ولكن دون أن تملك هذه القيادات أية سلطة حقيقة تمارسها قبل العودة إلى سلطة الولي الفقيه القابع في مخبئه ليجيز لها هذا الأمر من ذاك... من هنا نرى أن عنوان المعارضة الذي يلتحفه حزب الله إنما هو بهدف إخفاء حقيقة نواياه في أن يكن اللاعب الأساسي على الساحة السياسية اللبناني دون منازع ولكن من خلف عنوان المعارضة التي تستهدف جميع القوى والمؤسسات والمرجعيات تخويناً واتهاماً وتحريضاً وتعطيلاً..ولذا لم نر حزب الله يقدم يوماً حلاً لمشكلة أو عرضاً لعلاج بل دائما يمارس هواية الاتهام تحت شعار المعارضة.. والتسلح الداخلي تحت عنوان المقاومة..!!

[email protected]

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,679,540

عدد الزوار: 6,960,921

المتواجدون الآن: 66