الفوضى الخلاقة رؤية أميركية بإيقاع إيراني

خرجت الولايات المتحدة عقب انتهاء حرب افغانستان عام 2001، وحرب العراق عام 2003، مزهوة بسرعة الانتصارات التي حققتها، وبالتضامن الدولي الواسع حولها، بما فيه العالمين العربي والإسلامي..لذا بناءً عليه وفي حديث صحفي ادلت به وزيرة الخارجية الأميركية الأميركية "كونداليزا رايس "، لصحيفة الواشنطن بوست الأميركية، في 4/9/2005، اشارت خلاله إلى رغبة الولايات المتحدة العمل حثيثاً على نشر الديمقراطية في العالم العربي، والتدخل لصالح تامين حقوق المرأة، مما يتطلب إعادة رسم خريطة المنطقة وتشكيل الشرق الأوسط الجديد، عبر تنفيذ سياسة (الفوضى الخلاقه Creative Chaos)...مستفيدةً من تجربتي العراق وافغانستان.. وقد اشارت الولايات المتحدة اكثر من مرة في تصريحات رسمية إلى ان تجربة الديمقراطية في العراق في حال نجاحها يجب ان تعمم على مختلف دول العالم العربي..؟؟؟

التجربة الاميركية في العراق فشلت بسبب المشاعر الطائفية والمذهبية التي تم تعميمها من قبل معممين تابعين لإيران ومؤيدين لها ولأفكارها..ونهجها ونموذجها السياسي الحاكم..؟؟ وبالرغم من تعاون الولايات المتحدة مع هذه القيادات والمجموعات...؟؟ إلا ان انتماءها المذهبي بقي طاغياً ومشاعرها العدائية توجت سلوكها السياسي ونهجها الثقافي وأداءها الاجتماعي...؟؟ فأي ديمقراطية يمكن ان تثمر في ظل تأسيس مجموعات ميليشيوية مذهبية..؟؟؟ إلى جانب القوات المسلحة الرسمية..؟؟؟ وأي نظام سياسي يمكن ان يدفع بالعملية السياسية إلى الأمام، حين يقوم العبادي رئيس وزراء العراق الحالي بوضع استقالته بتصرف المرجع الديني الشيعي السيستاني..: "فقد علمت صحيفة الصباح الجديد من مصادر مطلعة ان رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وضع استقالته تحت تصرف المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني. وقالت المصادر ان ” الاعباء الملقاة على عاتق العبادي ثقيلة جداً وباتت اكثر مما تحتملها حكومته “. واضافت ان ” رئيس الوزراء يتعرض الى ضغوط سياسية من مؤسسات اقليمية وكذلك من انصارها في العراق وكذلك عجزه عن المواءمة بين سياسة حكومته والتزاماته الدولية ومع الضغوطات وما يحصل على الأرض”. وأشارت المصادر الى ان ” هنالك اطرافاً شبه عسكرية تتخذ العديد من القرارات من دون الرجوع الى القائد العام للقوات المسلحة مما تسببت بتلكؤ المؤسسة العسكرية في اداء واجباتها على الوجه الاكمل وبما يتعارض مع الخطط الامنية التي يضعها رئيس الوزراء”، موضحة ان ” هذه الاطراف لا تنصاع لقرارات الحكومة”."

ما الذي يجري على الساحة العربية والإسلامية، ومن المسؤول عن تحول الثورات العربية والربيع العربي، إلى كابوس وصراعات طائفية ومذهبية، وإلى منع الاستقرار الأمني وبالتالي السياسي والإقتصادي والاجتماعي، وإلى تمزيق الانسجام والتفاهم والتناغم بين نسيج المجتمعات العربية وإثارة الخوف والقلق والرعب بين مكوناتها... في ملاحظة بارزة ...اعترف مؤخراً قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري، بأن تدخلات إيران في اليمن وسوريا تأتي في إطار توسع خارطة الهلال الشيعي في المنطقة. وبحسب موقع محطة "برس تي في" الإخبارية الإيرانية، فقد اعتبر جعفري أن ما أسماه "نظام الهيمنة الغربي" بات يخشى من توسع الهلال الشيعي في المنطقة، والذي يجمع ويوحد المسلمين في إيران وسوريا واليمن والعراق ولبنان"، على حد قوله..وهنا تجدر الإشارة إلى بعض اوجه التدخل الإيراني الذي أسس للفوضى في المنطقة العربية...

-          الإشارة والدلالة الأولى كان ما نشر عن ان احد اقطاب المعارضة المصرية لنظام الإخوان في مصر ورئاسة محمد مرسي، أفاد بانه ابتعد عن قوى المعارضة آنذاك التي يمثلها (عمرو موسى، ومحمد البرادعي، وحمدين صباحي) بعد ان اكتشف ان دعماً مالياً إيرانياً ضخماً وبمبالغ نقدية اجنبية تم ضخها لزرع الشقاق والصراع داخل وبين القوى المصرية لمنع استقرار مصر والسعي لعودة الحكم العسكري إلى مصر، كبديل موضوعي للفوضى والحرب الأهلية... وحرمان مصر من قيادة العالم العربي عبر منع التجربة الديمقراطية والانتقال السلمي للسلطة من خلال صندوق الاقتراع..؟؟

-          الدلالة الثانية كانت محاولة إيران ومن خلال رجال أعمال إيرانيين بالتعاون مع بعض رموز الصحافة اللبنانية الممولين من إيران والتابعين لمحورها.. بالعمل على الساحة التونسية لتفعيل الانقسام بين مكونات المجتمع التونسي وقواه السياسية واسقاط التجربة السياسية الديمقراطية....

-          حول الشأن اليمني، أقر جعفري خلال كلمته، بوجود تدخل إيراني في اليمن، مشددا على أن هذا التدخل "غير مباشر"، بقوله: يعلم الأعداء بأن لإيران تأثيرا في اليمن من دون أن تقوم بتدخل مباشر فيه، حيث ينتفض الشعب اليمني بنفسه ويواصل طريق الثورة الإسلامية والشهداء والشعب الإيراني العظيم ويقتدي بهم". وأضاف: "إن كل قوى العالم قد اصطفت اليوم للوقوف أمام تقدم ونمو الشعب اليمني، لكنها غير قادرة على ذلك، والفضل يعود إلى قوة الإسلام والثورة الإسلامية الإيرانية في نشر أهداف الشهداء في العالم". وبهذا يختزل قائد الحرس الثوري الإيراني الشعب اليمني بالميليشيات الحوثية التي يصفها بأنها تواصل الثورة، أي الثورة الإيرانية.

-          أما حول التدخل الإيراني في سوريا ودعم نظام الأسد بالمال والسلاح والقوات العسكرية ضد ثورة الشعب السوري، قال جعفري "إن إيران نظمت 100 ألف من القوات الشعبية المسلحة المؤيدة للنظام السوري وللثورة الإسلامية الإيرانية ضد المعارضة السورية، وذلك في إطار جبهة المقاومة"، وعلى الرغم من ذلك ظل النظام الإيراني ينفي تدخله في الشأن السوري، مؤكداً أنه يقدم الاستشارة فقط لنظام بشار الأسد. مما أدى إلى إطال امد الثورة وتحولها غلى حربٍ طائفية واهلية..

-          وحول التدخل الايراني في العراق، قال قائد الحرس الثوري الايراني، أن " تسليح 100 ألف من الشباب الثوري والمؤمن في قوات "الحشد الشعبي" العراقية التي قاتلت واوجدت رصيدا عظيما للدفاع عن الاسلام والسيادة الاسلامية والثورة الايرانية في المنطقة". وحسب أدبيات الجمهورية الإيرانية فإن قراءة نظام ولاية الفقيه هي الإسلام الحقيقي.. وسواه تكفيري وإرهابي..

-          كما ان لبنان ولا حاجة للتكرار يعاني من تدخل إيراني سافر وفاضح من خلال الدعم الإيراني لحزب الله وميليشياته المذهبية التي تمنع قيام الدولة ومؤسساتها الدستورية، ولا تسمح للمؤسسات الأمنية بممارسة مهامها بشكل متوازن وصحيح، وتنخرط في حروبٍ إقليمية لا دور للبنان فيها او حاجة لها .. سوى انها كما قال جعفري للدفاع عن النظام الإيراني..

-          كما حاولت إيران وعبر ميليشياتها وعملائها ممارسة التحريض المذهبي والطائفي والسعي لتشكيل تحالف الأقليات في المنطقة لتوسيع نفوذها وسيطرتها على حساب استقرار المنطقة وتحولها نحو الديمقراطية...

إذاً يمكن القول ان الفوضى الخلاقة هي فكرة اميركية ومشروع اميركي، ولكن اداة التنفيذ وتحقيق الفوضى الخلاقة وجرائمها، ومعاناة شعوبنا وقهرها، وتدمير إمكانياتها وثرواتها وبناها التحتية، وتفكيك عرى انسجام مكوناتها العرقية والدينية كان ثمرة سياسة إيرانية تمارسها ميليشياتها بشكل مباشر وغير مباشر.. فقط لخدمة الهيمنة والغطرسة والطموحات الإيرانية وتحقيق الحلم بإحياء الإمبراطورية الفارسية على كامل منطقة الشرق الأوسط على طريقة (فرق تسد) وبالتعاون مع مجموعات لاوطنية ترى ارتباطها بمشروع ولاية الفقيه اكثر جدية من أي نظام ديمقراطي... وأكثر ضرورة من حماية مصالح اوطانها وشعوبها وشركائها في الوطن والأمة....

إن حرمان ملايين الأطفال من فرص التعليم وتشريد ملايين العائلات واستغلال معاناة الأرامل والايتام وتهجير السكان وممارسة الفرز الديموغرافي والسكاني في العراق وسوريا وغيرها وإحياء الصراع في اليمن... لم يكن إلا وليد أفكار إيران وقادتها وادواتها، وما الترويج للفوضى الخلاقة والمشروع الأميركي الصهيوني، إلا للتعمية على سلوكهم ودورهم وارتباطهم بهذا المشروع، فقد تبين انهم الحلفاء الحقيقيين لهذا الحلف بل وادواته الفعليين.. لذا يمكن القول بأن الفوضى الخلاقة رؤية أميركية بإيقاع إيراني...