العـراق: معـانـاة مسـتمرة مـن حـالة عـدم الاسـتقرار

تاريخ الإضافة الثلاثاء 6 أيار 2014 - 5:45 م    عدد الزيارات 549    التعليقات 0

        

 

العـراق: معـانـاة مسـتمرة مـن حـالة عـدم الاسـتقرار
ينشر بالتزامن مع مجلة أصفار....بقلم مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات: حسان القطب
لم يعرف العراق الراحة والاستقرار بعد الانسحاب الأميركي تماماً كما كان الوضع قبله، فالصراع على السلطة مستمر، والقوى السياسية العراقية التي تهيمن على الحكم لم تعرف طريقاً لمقاربة أو تقديم مشروع تفاهم سياسي واجتماعي موضوعي بين مكونات العراق المختلفة، بل هي أصبحت لب المشكلة وجزءاً منها وشريكةً فيها.. لذا يعيش العراق اليوم مرحلة صعبة من تاريخه، فهو يعاني من فوضى أمنية دامية ومدمرة نتيجة تصاعد عمليات التفجير العشوائية التي تطال المدنيين والعسكريين، وتلك التي تستهدف مؤسسات حكومية أو عناصر الجيش والشرطة أو المؤسسات التربوية والثقافية والسفارات والقنصليات وغيرها إلى جانب الإدارت الخدماتية الضرورية للشعب العراقي من كهرباء ومياه وغيرها...كما يعاني العراق أيضاً من صراعات مسلحة قاسية بين القوى النظامية تدعمها الميليشيات التابعة لأحزاب طائفية مؤيدة للسلطة الحالية، وبين مسلحين ومقاتلي العشائر والمجموعات المتشددة، التي ترفض استمرار سلطة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ورغبته في البقاء في الحكم لدورة رئاسية ثالثة في السلطة، أو على رأس الحكومة.. ويأتي هذا الصراع الدموي المتجدد والخطير تعبيراً عن الإعتراض على مواصلة المالكي لسياساته المنحازة، والتي يصفها البعض بالطائفية أو بالمذهبية.. وفشله في قيادة العراق نحو بناء دولة عصرية ديمقراطية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي المنشود.. فيما البعض الآخر يعتبر ان الانتخابات البرلمانية العراقية هي السبب وراء اندلاع هذا الصراع المسلح في المحافظات الملتهبة، لمحاولة منع إجرائها... فيما يتهم البعض الآخر المالكي بأنه يسعى من وراء تأجيج الصراع المسلح إلى فرض حالة الطوارىء والأحكام العرفية بما يتيح له حكم العراق بطريقة ديكتاتورية ودون محاسبة بعد تعطيل البرلمان والقضاء والحياة السياسية.. وكذلك فإن استهداف المالكي وحزب الدعوة الذي يمثله المالكي، قد يكون خلف حرب الاتهامات التي تثار في المحافظات الجنوبية الشيعية التي يعتبر حضور المالكي فيها محورياً ومفصلياً.. إذ إن هيمنة خصومه السياسيين كالتيار الصدري أو جماعة عمار الحكيم على هذه المحافظات تعتبر بمثابة نهاية المالكي سياسياً وشعبياً، ومؤشر على ضعف وتراجع حزبه الحاكم (حزب الدعوة)... والحملة مستمرة على المالكي من مختلف التيارات السياسية والدينية، إذ انه في الوقت الذي أدان فيه رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، استمرار الهجمات بالسيارات المفخخة وبالأحزمة الناسفة في بغداد وعدد من المحافظات، محملاً المسؤولية لحكومة المالكي وسياساته الفاشلة، اعتبر القيادي البارز في التيار الصدري وعضو كتلة الأحرار البرلمانية بهاء الأعرجي بأنه يجب معاقبة المسؤول عن الملف الأمني في البلاد، في إشارة إلى رئيس الوزراء نوري المالكي بوصفه القائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية بالوكالة... وهنا تجدر الإشارة إلى ان المالكي قد هيمن على الوزارات الأمنية وجعلها تحت سلطته... حيث احتفظ لنفسه بالوزارات السيادية الدفاع والداخلية والأمن القومي مدة أربع سنوات ورفض كل مرشحي القائمة العراقية. وضم لسلطته مفوضية الانتخابات والمجلس الأعلى للقضاء، وإدارة الخزينة المركزية، وكل المؤسسات الحساسة.. فجاء الواقع الأمني المتردي أخيراً ليضعه في موضع المساءلة والمحاسبة بل والاتهام.... لذا فقد أشار النجيفي (رئيس مجلس النواب العراقي) في بيان له إلى أن: «هذه الجرائم الإرهابية تأتي ضمن حملة الاستهدافات الرامية إلى بث الفرقة والشحناء وإثارة النعرات الطائفية وخلق حالة من التوتر وعدم الاستقرار». وطالب النجيفي «الأجهزة الأمنية باتخاذ الإجراءات اللازمة التي من شأنها حماية المواطنين، والحد من هذه الخروق المتكررة التي كبدت العراق خسائر جسيمة في أرواح مواطنيه وممتلكاتهم». ووصف النجيفي تلك الهجمات بأنها «محاولة فاشلة لإضعاف إرادة الشعب وثنيه عن تحقيق آماله وتطلعاته في تغيير واقعه المرير وإبعاده قسرا عن استحقاقه الدستوري»...
إذاً ما هي حقيقة الوضع في العراق، وإلى أين يسير، وما هو مصيره في حال استمرار الوضع على ما هي عليه:
لقد أصبحت الأزمة السياسية في العراق مع تضاعف العمليات العسكرية وارتفاع وتيرة الهجمات المسلحة والاتهامات السياسية، عميقة الجذور وملتهبة سواء بين القوى المتحالفة أو بين مكونات المجتمع العراق السياسية برمتها... ونتيجةً لاندفاع الصراع السياسي نحو التحول بأن يأخذ شكلاً أو أوصافاً مسلحة، بعد ان تعاملت حكومة المالكي مع المحتجين في مدينة الرمادي الواقعة في محافظة الأنبار بقوة السلاح حين قمعت المحتجين والمتظاهرين بذريعة وجود قادة متطرفين أو قيادات تابعة لتنظيم القاعدة ضمن المعتصمين، عندها تحول الصراع من سياسي إلى أمني...؟؟ وبما أن المحتجين وقياداتهم من المسلمين السنة وحكومة المالكي تمثل التحالف الشيعي الحاكم فقد أخذ الصراع سواء السياسي منه أو المسلح بعداً دينياً ومذهبياً.. ومما زاد من تأزيم الأمور هو انخراط مجموعات شيعية في الصراع المسلح الذي يدور في سوريا إلى جانب النظام البعثي الحاكم هناك..؟؟ فأصبح استقرار حزب البعث في سوريا مطلباً عراقياً رسمياً وقد أشارت السلطلت العراقية مرات عدة إلى هذه الرغبة...؟؟؟؟ في حين انها تعمل على اقتلاع البعث ورموزه ومؤيديه من الإدارة العراقية بل تمنعهم حتى من المشاركة في الانتخابات التشريعية العامة.. وهذا ما يثير قلقاً لدى شريحة واسعة من أبناء العراق التي تشعر في ازدواجية المعايير هذه خطة مبيتة لضرب مكون عراقي يتم اتهامه بتأييد حزب البعث في العراق، فيما يتم العكس بل العمل على حمايته في سوريا وبدعمٍ من شريحة عراقية تمثل مكوناً آخر..؟؟؟ وإذا كانت الحكومة العراقية لا تتدخل بل لا تحاول منع هذه المجموعات من الذهاب إلى سوريا والمشاركة في القتال هناك، وهي في حقيقة الأمر لا تعترف بحصوله إلا ان ساحتي الفردوس والتحرير وسط العاصمة العراقية بغداد، تعلق فيهما على الأرصفة ملصقات تحمل صور مقاتلين قضوا في سوريا الى جانب صور شخصيات دينية شيعية، من دون ان تحدد في غالبيتها الجهات التي ينتمي اليها هؤلاء المقاتلون.. والعراقي فالح الخزعلي الذي فقد عينه اليمنى وأُصيب في ساقه أثناء مشاركته في معارك في سوريا، وهو كان مرشحاً للإنتخابات البرلمانية، لا يمانع رغم ذلك من العودة مرة جديدة للقتال في هذا البلد المجاور... وقال الخزعلي (39 عاماً) وهو أب لأربعة اطفال متحدثاً لوكالة «فرانس برس» في مدينة البصرة الجنوبية معرفاً عن نفسه انه «ابو مصطفى، بأنه كان قائد أول قوة تخرج من العراق لتحرير محيط السيدة زينب من التكفيريين»، في إشارة إلى الضريح الواقع جنوب شرق دمشق... وتجدر الإشارة إلى انه المرشح الشيعي للانتخابات النيابية عن لائحة «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، وهو يضيف بالقول: "دخلنا قبل سنة وثلاثة أشهر إلى سوريا في حرب استباقية للقضاء على التكفيريين.... ويرى الخزعلي أيضاً ان «أمننا الوطني كعراقيين يقتضي أن نذهب إلى هناك (سوريا) للدفاع عن المقدسات أولاً وللدفاع عن العراق ثانياً»... وقال مقاتل في بغداد عرف عن نفسه بإسم «ابو عمار»: «ذهبت مرتين (إلى سوريا)، الأولى بقيت فيها لمدة 47 يوماً وفي الثانية 36 يوماً»، مؤكداً: «أنا مستعد للذهاب من جديد في أول فرصة». وتابع: «هناك مئات المكاتب التابعة لتيارات شيعية في عموم العراق تستقبل المتطوعين للقتال في سوريا». وفي مدينة النجف (150 كيلومتر جنوب بغداد) التي تعتبر أحد أهم العتبات المقدسة لدى الشيعة في العالم حيث تضم ضريح الإمام علي بن أبي طالب، تشهد مقبرة «وادي السلام» الشهيرة مراسم دفن متواصلة لمقاتلين قضوا في سوريا. ويقول مهدي الاسدي وهو صاحب مكتب للدفن في المقبرة التي تعتبر أكبر مقبرة في العالم انه جرى تخصيص مساحة من «وادي السلام» لدفن «الشهداء الذين يقاتلون دفاعاً عن ضريح السيدة زينب». إن هذا الواقع وهذا السلوك السياسي والأمني الذي تمارسه الحكومة العراقية بزعامة المالكي دفع في المقابل قوى أخرى للذهاب إلى سوريا والقتال إلى جانب المعارضة السورية ضد نظام البعث الحاكم وضد من يؤيده من قوى سياسية ومجموعات قتالية محلية أو مرتزقة..؟؟ إذ تزخر المواقع الجهادية على الانترنت بأسماء وصور عراقيين سنّة أيضاً يقاتلون إلى جانب المجموعات الجهادية وعلى رأسها تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش)، التي تنتشر في أنحاء متفرقة من العراق ...
هذا الوضع وهذا الدور الذي تلعبه الأحزاب الدينية والسياسية وهي ذات طابع ديني في معظمها، جعل من العراق ساحة صراع وميدان لإطلاق المواقف والشعارات وخدمة أهداف محاور إقليمية تسعى لتأسيس حضورها على حساب دماء أبناء وشعوب المنطقة.. لذلك كان انتقال الصراع المسلح إلى الداخل العراقي وتعميق جذوره وأسبابه، وإذا كانت الأسباب السياسية للصراع من الممكن ان يتم معالجتها والبحث عن نقاط مشتركة وحلول وسطية لتجاوزها إلا ان الأسباب الدينية للصراع السياسي والعسكري تجعل من الصعب تخطيها بسهولة.. وعلى هذا الأساس فقد حاول المالكي اتهام كل من يخالفه أو يعترض على سياساته في محافظة الأنبار بأنه متطرف او تابع لتنظيم (داعش) مما يسمح له باستعمال مفرط للقوة بحجة مواجهة إرهابيين وعناصر القاعدة...؟؟ وحاول أن يظهر أن الحرب الدائرة هناك والتي كان سببها عدم تفهمه أو استجابته لمطالب المواطنين ومعالجة مشاكلهم، بأنها حرب بين الحكومة التي يتزعمها وتنظيم داعش التابع لتنظيم القاعدة.... مع تجاهل كامل لقادة العشائر وممثليهم الدينيين..؟؟ صحيح ان تنظيم القاعدة موجود وفاعل وناشط في العراق منذ وجود القوات الأميركية إبان فترة الاحتلال.. ولكن الشعب العراقي استطاع الحد من زخمه ونشاطه وإضعاف قدرته على الحركة بعد انخراطه في العملية السياسية ومحاولة بناء مجتمع مدني وسياسي متعدد ومنفتح، ولكن إصرار البعض وعلى رأسهم نوري المالكي على إعطاء الطابع الطائفي البعد الأهم والأساس في رسم وتطبيع العلاقات مع المكونات العراقية الأخرى..قد اسس لرسم حدود طائفية ومذهبية لهذ العلاقات واعطى كل عملية سياسية سواء كانت انتخابية أو حتى خدماتية بعداً طائفياً .. وزاد المالكي من حدة هذا الواقع حين تم اتهام نائب الرئيس العراقي "طارق الهاشمي" بالارهاب.. دافعاً إياه لمغادرة البلاد، والعراق اليوم يفتقد لدوره وحتى لمن يشغل منصبه الشاغر.. إضافةً إلى استهداف المالكي لنائب رئيس الوزراء "صالح المطلك" وتوجيه اتهامات خطيرة للاخير بأنه "يدعم الارهاب ويتخابر مع السعودية ويتلقى أموالاً منها لتنفيذ مخططات ضد العملية السياسية".... ومؤخراً تعرض المطلك لمحاولة اغتيال مع القيادي في قائمته طلال الزوبعي، اتهم على أثرها المطلك قوات رئيس الوزراء نوري المالكي بالوقوف وراء محاولة الاغتيال هذه التي تعرض لها.. إذاً فالعلاقة بين مكونات الحكومة نفسها غير مستقرة ومحاولة اغتيال أو تصفية قادة سياسيين ورموز قوة سياسية معينة سوف يؤدي بالتأكيد إلى إطلاق شرارة الصراع وإشعال نار الحرب الأهلية المدمرة...
تقسيم العراق إلى أقاليم..بداية التفتيت...
أعلنت مجالس محافظات عراقية عدة عن تحويل محافظاتها إلى أقاليم مستقلة إدارياً واقتصادياً، وتباينت مواقف القوى السياسية بين الرفض التام وبين المتخوفة من أن تتحول هذه الأقاليم إلى كيانات طائفية تتناحر في ما بينها، وبين أحقية المحافظات بهذا الإجراء باعتباره حقاً مشروعًا نصّ عليه الدستور الدائم للبلاد. فيما يتوالى إعلان مجالس محافظات عراقية سنية في غرب العراق وشيعية في جنوبه مع الإشارة إلى استعدادها لتحويل محافظاتها هذه إلى أقاليم مستقلة إدارياً واقتصادياً، على غرار اقليم كردستان الكردي في شمال العراق.. كذلك فإن المخاوف تتصاعد من تحول هذه الأقاليم في النهاية إلى كيانات طائفية تثير نزاعات حتى بين هذه الأقاليم نفسها، في ظل وجود مناطق تتنازع على أحقيتها بها، مما يؤدي إلى إضعاف العراق، ثم تفتيته، ويجري كل هذا في وقتٍ تباينت فيه مواقف الكتل السياسية من هذه الخطوات بين الدعم والمعارضة والتحفظ. أضف إلى ذلك أن إقليم كردستان بما هو عليه اليوم يعتبره البعض نموذجاً يحتذى لتقسيم العراق إلى دويلات طائفية وعرقية .. وهذا ما توحي به طريقة إعلان الأقاليم وطبيعة تركيبتها السكانية سواءً كانت طائفية أو عرقية.. ولكن سياسة الحكومة المركزية وفقاً لاتهامات معارضيها تدفع بهذا الاتجاه حين تحاول تجاهل مطالب أقاليم محددة أو تحاول تعزيز وتطوير خدمات أقاليم على حساب أقاليم أخرى.. أو تتغاضى عن ممارسات ميليشيات مسلحة يؤدي سلوكها إلى تهجير مواطنين من منطقة عراقية على أخرى وهذا الفرز السكاني يساعد على تقسيم العراق ودفع أقاليمه للتعبير عن رغبتها في رعاية شؤونها بعيداً عن سلطة الحكومة المركزية.. وكان قد كشف النائب عن كتلة متحدون سليم الجبوري في حديث لـ"السومرية نيوز"، عن ان طرح فكرة الأقاليم كأحد الحلول للأزمة العراقية قد تم خلال اللقاء الذي حصل بين رئيس البرلمان أسامة النجيفي والرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، موضحاً أنها ليست وسيلة ضغط بل ترتبط برغبة سكان بعض المناطق. وقال الجبوري موضحا أن "الأقاليم هي واحدة من الحلول التي يمكن اللجوء لها في العراق إذا تعذرت الحلول الأخرى"...
القوى السياسية الأساسية وتبايناتها:
إن القوى السياسية الأساسية في العراق يغيب عنها الحضور العلماني أو الطابع والانتماء الوطني الصرف لحساب تعاظم الروح الطائفية والمذهبية في أدبياتها والاعلان عن انتمائها أو حتى عن مشاريعها السياسية، كما أن التزام كل فريق بمواقف وتوجيهات مرجعيات دينية، يؤكد انها أصبحت أكثر تأثيراً على الوضع السياسي من الأحزاب السياسية نفسها، حتى ان هذه الأحزاب قد أصبحت تستجدي تأييد المرجعيات الدينية ومباركتها أو تطلب منها تأييد سياساتها وتشجيع المواطنين على الالتزام بها... فقد مثلت حكومة المالكي منذ استلامه للسلطة حالة انتعاش لرجال الدين، الذين باتوا يقدمون أنفسهم، حالياً، كمراجع في مدينة النجف، وهم من المنتظمين السابقين في حزب الدعوة. فمحمد كاظم الحائري، ظل حتى بداية الثمانينات، يمثل الولي الفقيه للحزب، إلى أن وقع خلاف معه حول هذا الدور، وظل هو مخلصاً للولي الفقيه في إيران، بينما كان له داخل العراق الحالي، نحو اثني عشر مكتباً، ومكتب رئيسي في النجف. كذلك عاد إلى العراق محمود هاشمي شاهرودي، وهو إيراني كان في حزب الدعوة، ثم تقلد منصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى في إيران، ويقدم نفسه اليوم، كمرجع ديني في النجف. وكذلك وجود محمد رضا الآصفي، الذي ظل رئيساً لحزب الدعوة، ثم لفرع منه، وما زال يؤمن بولاية الفقيه. وقد أصدر كاظم الحائري فتوى لقتل البعثيين، ثم فتوى تحرم انتخاب العلمانيين وتؤيد نوري المالكي. مثل هؤلاء «المراجع» دخل كمنافس للمرجعية التقليدية في النجف، التي لا تقر بفكرة ولاية الفقيه، وتحدث عنهم أحد علماء الدين العراقيين من الحلة، ووصف وجودهم ناقداً بعبارة "استيراد مراجع"... ولكن لا تزال مواقف المرجعية الدينية الحقيقية من نوري المالكي وحكومته، مواقف ناقدة. ومن يستمع إلى خطب الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ممثل المرجعة في كربلاء، تتضح له الصورة، ولا يصدق ما قاله نوري المالكي رداً على القيادات الشيعية المعترضة عليه، بأن المرجعية تحبه وتؤيده... ولكن مجرد استخدام هذه المظلة الدينية لتحفيز الناخب العراقي أو لاستمالته واكتساب تأييده تشكل منعطفاً خطيراً وتهديداً حقيقياً لاستقرار العراق وتعايش مكوناته.. وفي المقلب الآخر فإن تعاظم قوة تنظيم القاعدة في بلاد العراق والشام (داعش) على حساب الانتماء العشائري والوطني نتيجة ارتفاع منسوب المشاعر الدينية، سوف يقود أو ربما قد يكون قد قاد الجمهور في المناطق الأخرى نحو استلهام واقتباس المواقف نفسها.. وفي موقف وإعلان مشابه فقد دعا مجلس علماء العراق ناخبي "المكون السني" إلى اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي "مع مشروع الإقليم لخلاص أهل السنة في العراق من الظلم والتهميش والتمييز الطائفي". خلال الانتخابات التشريعية.. وحذّر المجلس في بيان من انتخاب من "وقف في صف الظالم واشتهر بالفساد". ودعا المجلس الذي يترأسه الشيخ عبدالعزيز العاني عقب اجتماع لأمانته العامة وفروعه في المحافظات العراقية أهل السنة إلى النفير العام "لنصرة المظلومين وإحداث التغيير" وجاء في البيان "في خضم الأحداث المتتالية والجرائم البشعة التي يتعرض لها أهل السنة في العراق من الاعتقال والاغتيال والتهجير وهدم المساجد وإحراقها وقتل علمائها ومصليها واغتصاب الأموال والأراضي والمساجد.. فضلاً عن قصف المدنيين وتهجير مئات الآلاف من أهلنا في الأنبار وديالى وحزام بغداد، كل ذلك وغيره من جرائم التطهير الطائفي الذي يهدف إلى سلخ العراق عن هويته التاريخية وتفكيك نسيجه الاجتماعي، أصبح من حق أهلنا أن يدافعوا عن أنفسهم بكل الوسائل الممكنة لإحداث التغيير ومحاربة الظلم والفساد". وأضاف "اجتمع مجلس علماء العراق بأمانته العامة وفروعه وقرر دعوة أهل السنة إلى النفير العام لنصرة المظلومين وإحداث التغيير من خلال المشاركة الفعالة في الانتخابات التشريعية المقبلة لإثبات هويتهم ووجودهم وتحصيل حقوقهم، ويؤكد على أن خيار الإنتخابات لا يتعارض مع أي خيار آخر يدافع عن الدين والعرض". وأضاف "على الناخب اختيار المرشح الذي ينطبق برنامجه الانتخابي مع مشروع الإقليم لخلاص أهل السنة في العراق من الظلم والتهميش والتمييز الطائفي، ونحذر من انتخاب من وقف في صف الظالم واشتهر بالفساد".
إن مواقف من هذا النوع وعلى مستوى الفريقين الأساسيين في العراق قد يؤدي إلى ان يؤجج الصراع ويسير به نحو حربٍ أهلية مدمرة طمعاً بالبقاء في السلطة أو بالمحافظة عليها"... كما إن ما ورد سواء من مواقف المرجعيات الشيعية أو السنية يهدد استقلال العراق وبقائه دولة واحدة موحدة ويشكل هذا خسارة حقيقية لمرحلة هامة من تاريخ العراق، وضياع فرصة تاريخية كان من الممكن من خلالها بناء دولة العراق على أسسٍ جديدة بعيداً عن الديكتاتورية والتفرد والتجاهل والمحاصصة الطائفية والمذهبية واستغلال الدين للتمسك بالسلطة والهيمنة عليها..
الميليشيات الطائفية والمذهبية:
كشفت الحرب السورية عن وجود تنظيمات شيعية عراقية تقاتل في سوريا إلى جانب القوات النظامية السورية.. وهي تابعة أو تخضع لأحزاب سياسية عراقية، مما أعطى هذه الأحزاب الصفة الطائفية المذهبية وأكد استمرار دورها في العراق كما في سوريا والصراع المسلح الذي يدور في العراق اليوم في محافظة الأنبار وعددٍ آخر من المحافظات ان هذه الميليشيات جزء أساسي من هذه المعركة بحسب اتهامات عشائر الأنبار وبعض القادة السياسيين المعارضين لحكومة المالكي.. ويعد «لواء أبو الفضل العباس» أبرز الميليشيات التي تقاتل في سوريا. وكان اللواء ظهر على الساحة السورية مع حلول شتاء عام 2012 وفي منطقة السيدة زينب المتاخمة للعاصمة دمشق في شكل فرقة عسكرية عالية التنظيم والتدريب، متمتعة بتسليح حديث ونوعي على مستوى الأفراد مما يجعلها شديدة الفعالية في حرب المدن والشوارع. فضلاً عن ذلك، يتمتع اللواء بهيكلية وقيادة عسكرية واضحة، وهو على تنسيق تام مع ماكينة الجيش السوري النظامي. وغالبية المقاتلين في صفوف اللواء هم من العراقيين وينتمون إلى فصائل شيعية مقاتلة في بلادهم مثل «عصائب أهل الحق» و«جيش المهدي». ومع أن هناك ألوية أخرى مثل «ذو الفقار» و«عمار بن ياسر» و«كتائب سيد الشهداء» و«أسد الله الغالب»، إلا أن «لواء أبو الفضل العباس» هو الأكثر تأثيراً. وبالنسبة للحكومة العراقية فإنها بالرغم من أنها أعلنت مراراً أن أحداث سوريا سوف تؤثر على العراق بشكل مباشر، معلنة في الوقت نفسه تمسكها بسياسة عدم التدخل في سوريا، وإبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد وكذلك مع المعارضة. لكن قوى غربية اتهمت بغداد بغض الطرف عن مساعدات خارجية للأسد، منها استخدام وعبور طائرات إيرانية في المجال الجوي العراقي لنقل أسلحة إلى سوريا. لكن بغداد تنفي تلك الاتهامات وتنفي السماح لمقاتلين شيعة بالسفر إلى سوريا بحرية أو تقديم أي دعم لهم... ولكن الواقع يكشف عدم مصداقية الحكومة العراقية خاصةً عندما يتم تشييع قتلى عراقيين وسط مظاهر مسلحة في وسط بغداد والنجف وكربلاء..؟؟؟ وعلى الرغم من تكرار النفي الرسمي العراقي بشأن إرسال مقاتلين من العراق للقتال إلى جانب نظام الأسد في الحرب الدائرة منذ سنوات فإن جهات عراقية غير رسمية تعترف إما بتشجيع من يذهب إلى هناك بحجة الدفاع عن المراقد الشيعية المقدسة، وإما أنها ترى أنها جزء من تكليف شرعي لا يحتاج إلى موافقة الحكومات...؟؟
الوضع الأمني المتردي ومعدلات القتل المرتفعة:
طبقاً للتقارير العالمية والذي نشرته صحيفة "الشرق الأوسط"، فإن الأعوام الأخيرة كانت الأسوأ في تاريخ العنف في العراق، وتحديداً عام 2013، الذي كان أسوأ عام في تاريخ العنف بالعراق مند عام 1985 أيام الحرب العراقية - الإيرانية. فخلال شهر واحد هو يوليو/تموز، فإن حصيلة أعمال العنف في العراق بلغت 3383 قتيلاً وجريحاً، وهي الحصيلة الأكثر دموية في البلاد منذ أكثر من خمس سنوات. وقال القائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جيورجي بوستين في بيان له إن «1057 عراقياً قتلوا وأصيب 2326 آخرون خلال أعمال الإرهاب والعنف في شهر يوليو»، مشيراً إلى أن «عدد القتلى من المدنيين بلغ 928 وجرح 2109، فيما قتل 129 عنصراً أمنياً وجرح أكثر من 217 آخرين». وأوضح بوستين: «ما زالت تأثيرات الإرهاب على المدنيين بمعدلات عالية»، لافتاً إلى «وصول عدد القتلى من المدنيين إلى 4.137 وجرح أكثر من 9.865 منذ بداية عام 2013». وتابع بوستين أن «البلاد لم تشهد مثل هذه الأرقام العالية منذ خمس سنوات، عندما تسبب الاهتياج الأعمى للنزاع الطائفي بجروح عميقة في هذه البلاد قبل هدوئه في النهاية»، داعياً «القادة السياسيين في العراق إلى اتخاذ إجراءات فورية وحاسمة لإيقاف نزف الدم، والحيلولة دون عودة تلك الأيام المظلمة مرة أخرى». ولفت بوستين إلى أن «العاصمة بغداد كانت الأكثر تضرراً من بين المحافظات في حصيلة شهر يوليو بوقوع 957 قتيلاً وجريحاً من المدنيين، منهم 238 قتيلا و719 جريحاً، تتبعها محافظات صلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك والأنبار حيث بلغت أعداد الضحايا المئات، ثم تتبعها محافظات بابل والبصرة وواسط، حيث تصل أعداد ضحاياها إلى العشرات». إحصائية الأمم المتحدة هذه تضع معدلاً لأعمال القتل بنسب تجاوزت 400 قتيل شهرياً، وهو عدد يثبت فشل خطط الحكومة الأمنية في مقابل نجاح كبير للمنظمات الإرهابية...
الفساد المالي وسياسة الهدر في العراق:
جعل نوري المالكي ولايته الأولى، كياناً خاصاً به و"بائتلاف دولة القانون" الذي شكله برئاسته. كان شعار الائتلاف في البداية، فرض القانون. وبدا أن هذا التوجه استجابة فعلية لما يتطلع إليه العراقيون، وما كانوا ينتظرونه من الحكومة الجديدة. لكن حكومة المالكي، لم تتقدم خطوة واحدة في اتجاه فرض القانون، والحد من انتشار الفساد والرشوة والمحسوبية. بل سمح المالكي لنفسه، بيع عقارات الدولة لعناصر من حزبه، وتسبب في فضيحة مدوية، وقف البرلمان، ممثلاً بهيئة النزاهة، ضدها. فقد بيعت جامعة البكر، وهي جامعة عسكرية أقيمت عام 1973 لتخريج الكوادر العسكرية، وشيدت على مساحة نحو ستة آلاف متر مربع، في منطقة حيوية جداً، حيث وصل سعر المتر فيها إلى ألفين وخمسمائة دولار. وقد تقدم أحد رجال الدين المقربين من المالكي لشرائها بسعر تسعين دولارً للمتر المربع، مع البناء المشيد على الأرض، على أن يتم دفع المبلغ تقسيطاً على عشر سنوات. ومع اعتراض الوقف الشيعي عليها، واعتراض محكمة التمييز، سُجلت بإسم عضو حزب الدعوة، وتحولت إلى اسم جامعة الإمام الصادق، وأصبح المشتري رئيس أمنائها، ويستخدمها اليوم للدراسة الخاصة، أي برسوم مادية. وبالإضافة إلى العقارات التي هيمن عليها أقارب نوري المالكي وأنسباؤه في المنطقة الخضراء، جرت الهيمنة على مطار المثنى الذي تحول إلى عقار لحزب المالكي. ومطار المثنى كان المطار القديم وسط بغداد، قبل أن يُبنى مطار بغداد الدولي. وقد عين المالكي نجله مسؤولا عن عقارات المنطقة الخضراء. إلى جانب هذا فقد انتشرت رائحة الفساد والسمسرة مع صفقات معامل انتاج الكهرباء وشراء الأسلحة وكافة المشاريع التي قام المالكي بتلزيمها..
المالكي يضرب العلاقات مع السعودية ودول الجوار:
بدل ان يهتم المالكي بمعالجة مشاكله الداخلية وبناء علاقات الثقة بينه وبين مكونات الشعب العراقي والبيئات السياسية المؤيدة والمنافسة له، اتخذ منحى آخر بأن أصبح يتهم دول الجوار وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بالتسبب بالمشاكل الأمنية في العراق، وبتمويل المجموعات المتطرفة والعشائر المسلحة وبتقويض استقرار العراق وتعطيل العملية السياسية..وقد أكد هذا الاتهام في أكثر من تصريح.. وأكثر من مناسبة.. وفي حين اتخذت المملكة العربية السعودية قراراً هاماً وحازماً بتجريم مشاركة أي مواطن سعودي في أية عمليات حربية خارج البلاد وداخلها، لم يتصرف المالكي على هذا النحو مع المجموعات العراقية التي تقاتل في سوريا وغيرها.. هذا وقد أكدت المملكة العربية السعودية وحتى كافة دول الخليج ومجلس التعاون الخليجي على وقوفها مع وحدة العراق أرضاً وشعباً وإدانتها لكافة العمليات الإرهابية التي تصيب العراق والمواطنين العراقيين.. إلا ان المالكي لا يزال يشير بالاتهامات نحو دول الخليج.. وبشكلٍ خاص للمملكة.. وهذا ما قد يسيء لعلاقات الاخوة بين العراق ودول الجوار ويضيف إلى أزمات الشعب العراقي الداخلية أزمة خارجية ويبعده عن إخوانه العرب، ولا يخفى هنا التأثير الإيراني على بعض المواقف التي يطلقها المالكي سواء على مستوى السياسات الداخلية أو حتى تلك الخارجية.. وهنا لا بد من الإشارة إلى إن مشكلات العراق وأزماته الحقيقية، لخصها مؤخراً الباحث الأميركي إريك ديفس الباحث وأستاذ العلوم السياسية في جامعة روجرز الأميركية، والمدير السابق لمركز دراسات الشرق الأوسط في الجامعة، بعد أن زار مدينة النجف (160 كلم جنوب بغداد) التي هي مركز كبار رجال الدين الشيعة والحوزة العلمية. حيث يقول: (إن التفكير السياسي لدى غالبية السياسيين العراقيين يفتقر لمشاريع استراتيجية بعيدة المدى. ويقول ديفس إن «اتحاد الأدباء والكتاب في النجف الأشرف استضافني لإلقاء محاضرة عنوانها.. "عراق ما بعد 2003، وهل تتوفر رؤية عامة للدولة؟ وكيف السبيل لبلوغها"، مبيناً أن الوضع في العراق بحاجة إلى المزيد من الدراسة والبحث. ويتابع قائلاً: "إن هناك صعوبات كثيرة تعترض ظهور رؤية عامة للدولة في العراق ولعل من أبرزها إهمال الوسائل التي تدعم الوعي التاريخي للشعب من جهة وحدته الوطنية، منوهاً إلى أنه كذلك من الصعوبات الافتقار لمشاريع استراتيجية بعيدة المدى في ذهنية التفكير السياسي لدى غالبية السياسيين العراقيين".. ويكشف الباحث الأميركي حقيقة مهمة تعترض نشوء الدولة في العراق وهي قلة وندرة الاهتمام الكافي بالتوجيه إلى الشباب العراقي ببرامج بعيدة المدى تعيد لديهم الشعور الوطني والتركيز على الهوية الوطنية الجامعة والتي تتجاوز الهويات الفرعية والدينية والقومية والمذهبية)... إذاً فإن الوضع السياسي في العراق يعيق بناء الدولة بسبب نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي يقوم عليه النظام السياسي في العراق في قترة ما بعد عام 2003، لذلك فإن هذه العملية وطبقاً للسياسيين والمحللين لم تنتج حتى الآن نظام دولة برؤية مؤسساتية قادرة على تخطي الأزمات المحتملة.
الانتخابات العراقية الحالية تعتبر مفصلية
الصراع بين الكتل الشيعية خلال الانتخابات العراقية الحالية على أشده خاصةً وان هذه الكتل هي التي لها حق تسمية رئيس الوزراء المكلف بناءً على نتائج هذه الانتخابات.. وتعتبر هذه الانتخابات الاولى التي تجري بعد الانسحاب الأميركي الكامل من العراق.. لذا فالعراق يقف اليوم على مفترق طرق، فإما أن يتجه الى الهدوء والاستقرارن ويؤكد على مفهوم التداول السلمي للسلطة، أو أن يتجه نحو الانحدار سريعًا باتجاه المجهول، خاصةً وأن أغلب أقطاب العملية السياسية يحمّلون المالكي مسؤولية تدهور الأوضاع العامة في البلاد، وهو رأي ليس سياسي فقط يطلقه معارضي المالكي، ولكن قد وافق عليه أحد أقطاب المرجعية الشيعية العليا في النجف الأشرف، حيث أفتى المرجع الشيعي بشير النجفي وهو أحد المراجع الأربعة الكبار الى جانب المرجع الأعلى آية الله السيد علي السيستاني وآية الله الشيخ اسحاق الفياض وآية الله السيد محمد سعيد الحكيم، بحرمة انتخاب المالكي مرة أخرى، ودعا إلى دعم لائحة عمار الحكيم، وهو ما أثار غضباً في أوساط رئيس الوزراء العراقي مما اضطر المرجع السيستاني الى نفي توجيه بعض ممثليه بالترويج لكتلة المواطن، وكتل أخرى باسم المرجعية بحجة الوسطية والاعتدال السياسي، معربًا عن استنكاره من يدّعي تمثيله ويروج لقائمة محددة. في أول خلاف من نوعه يقع بين كبار المراجع يطفو الى العلن مما يدلّل على حساسية المرحلة الراهنة ومصيرها.... وتتنافس الكتل الشيعية الثلاث البارزة في محافظات الوسط والجنوب وهي "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي و"المواطن" بزعامة السيد عمار الحكيم، و"الأحرار" المدعومة من السيد مقتدى الصدر، على تصدّر نتائج الانتخابات وفقاً لتأثيرها في الساحة الشيعية حيث بذل قادة الكتل الثلاث خلال الأسابيع الأخيرة جهوداً مضنية لجذب الناخبين. ففي حين يظهر ائتلاف دولة القانون في تلك المحافظات محاطاً بعدد من الكتل الانتخابية التي تضع صور زعيمه المالكي، إلى جانب مرشحيها فإن قوائم المواطن والأحرار تنافسه وسط تذمر الأهالي من سوء إدارة الحكومة وضعف الخدمات وتضاعف الأزمات التي تزيد من هموم العراقيين... ويعتقد المحللون، أنه مهما كانت نتائج الإنتخابات البرلمانية القادمة، فإن كتلة المالكي (دولة القانون) لن يكون بمقدورها فرض مرشحها (نوري المالكي) على التحالف الشيعي، خصوصاً أن هناك إتجاهاً حاسماً لدى التيار الصدري والمجلس الأعلى (حزب عمار الحكيم)، وهما أقوى المنافسين لحزب الدعوة، بأن يكون رئيس الوزراء القادم من صفوفهما أو يتم التوافق عليه، بشرط أن لا يكون من حزب الدعوة أو مؤيديه، وهو أمر يلقى تأييدا من أكبر كتلة سنية (المتحدون) بزعامة رئيس البرلمان الحالي أسامة النجيفي، بالإضافة الى الأكراد الذين ما يزالون على خلاف دائم مع المالكي، والذي يصفونه بالدكتاتور في تصريحاتهم.
وفي الوسط السني، تتنافس قوائم عدة في غرب وشمال العراق أبرزها «متّحدون» بزعامة رئيس البرلمان أسامة النجيفي، و"العربية" بزعامة صالح المطلك، و"الوطنية" بزعامة أياد علاوي، و"كرامة" بزعامة الشيخ خميس الخنجر، وجميعها منشقة عن القائمة الأم سابقاً "العراقية" في ظل أوضاع أمنية وسياسية مضطربة تنعكس حولها الحرب في الأنبار والشكاوى التي يبثها الشارع السني من طريقة تعامل حكومة المالكي معه، وبالتالي فإن أصوات الناخبين السنة ستتوزّع على تلك القوائم، إضافة الى قوائم أخرى جديدة قد تساهم في تغيير واقعهم الصعب، لكن فتوى أصدرها المرجع السني البارز الشيخ عبد الملك السعدي بـتحريم المشاركة في الانتخابات بسبب التزوير والضغط الذي مورس في التصويت الخاص قد يؤدي إلى عزوف بعض الناخبين السنة عن المشاركة.
وفي الوسط الكردي، تنحصر المنافسة بين قوائم "الحزب الديموقراطي الكردستاني" بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة الرئيس العراقي جلال الطالباني" وحركة "التغيير" بزعامة نيشروان مصطفى، فضلاً عن قوائم إسلامية صغيرة، وما يجمع عليه الأكراد يتلخّص بحسم قضية المناطق المتنازع عليها ومستقبل كركوك والعلاقة بين الإقليم والمركز والصلاحيات الدستورية.
وتحاول قوائم انتخابية مثل لائحة "العراق" بزعامة رجل الأعمال فاضل الدباس، ولائحة "التحالف المدني الديموقراطي" بزعامة السياسي علي الرفيعي، توفير موطئ قدم لها في الانتخابات حيث تراهن على الناخب العلماني أو الليبرالي الذي سئم من سطوة رجال الدين حيث تأمل تلك القوائم بأن يكون لها صوت في البرلمان الجديد بعد غياب لدورة تشريعية كاملة أمدها أربع سنوات..... 
مستقبل العراق:
إن مستقبل العراق على المحك أمام ما تسببت به سياسات نوري المالكي من مشاكل داخلية وخارجية طوال ما يقرب من ثماني سنوات وهو يطمح لولاية ثالثة يرى خصومه انها تؤدي إلى تعقيد الأمور والتسبب بمزيد من الأزمات والصراعات، لذلك يجب إعادة انتاج علاقات تواصل بين المكونات السياسية والعرقية والدينية العراقية والبحث في عمق الأزمة العراقية وكشف أسبابها ومسبباتها.. ومعالجتها بموضوعية بعيداً عن التأثير الخارجي أو بروح التشفي والانتقام واللجوء إلى الصراع المسلح.. ولقد أشار السيد مقتدى الصدر بوضوح إلى مسؤولية المالكي عن هذه الأزمة الخطيرة وعن دور سياساته المتطرفة في تأجيج الصراع وجعله يأخذ منحى طائفياً ومذهبياً، في حين ان التواصل بين السيد عمار الحكيم والسيد مقتدى الصدر مع سائر مكونات العراق التي ذكرنا قد تفتح كوة في جدار هذه الأزمة، وتسمح بإعادة انتاج مشروع الدولة العراقية الذي لا يقوم على المحاصصة والنظرة الطائفية والمذهبية وباعتماد الكفاءة معيار وإبعاد الحزبيين والمقربين عن دائرة مواقع المسؤولية لصالح الكفاءة.. كما يجب إعادة النظر بواقع محافظات العراق الغربية والشمالية بشكلٍ خاص وسائر المحافظات الأخرى لتهيئة أجواء التنمية والتطوير الاقتصادي وإيجاد فرص العمل للشباب العراقي وتحسين شروط التعليم ومستواه ورفع كفاءة الإدارة وإنهاء حالة الفساد المستشري ووقف الهدر في المال العام واستغلاله في تمويل أو رعاية مشاريع حزبية أو حروب خارجية أو دعم مجموعات طائفية أو مذهبية..
إن استقرار العراق مهم جداً بالنسبة للشعب العراقي كما هو لدول الجوار التي تعتبر العراق جزءاً أساسياً من جغرافيتها ونسيجها الاجتماعي وأي ضرر أو تشظي يصيب المجتمع العراقي بسبب انتشار الروح الطائفية أو الصراعات الداخلية قد ينعكس سلباً على دول الجوار والعلاج المناسب لا يكون بقمع المحتجين أو بتجاهل مطالبهم بل بمعالجة جذور الأزمة وأسبابها حتى لا تتكرر أو تؤدي إلى ما لا يرغبه ويريده كل حريص على استقرار المنطقة وأبنائها.. لذلك يجب ان يكون الحل بالنظر في إبعاد رموز هذه الأزمة، وهو من مسؤولية الشعب العراقي الذي تقع عليه مهمة الاختيار في الانتخابات المرتقبة.
ومجلة أصفار التي تتابع هذا الحدث المهم والمؤثر في العراق كانت قد أصبحت قيد الطبع قبل صدور نتائج هذه الانتخابات للتعليق عليها والإضاءة على تداعيات نتائجها. لذلك فإن تقييم نتائج هذه الانتخابات سوف يكون بعون الله في العدد المقبل إن شاء الله..
 
 
 
 
 
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,346,998

عدد الزوار: 6,987,882

المتواجدون الآن: 71