مواقف وسياسات حزب الله تضع لبنان بين نارين

تاريخ الإضافة الأحد 9 حزيران 2013 - 6:24 م    عدد الزيارات 792    التعليقات 0

        

 

محمود عبدالقادر
الواقع اللبناني اليوم يعيش أياماً عصيبة، حيث تتفاقم الأزمات التي يعاني منها الشعب اللبناني بكافة أطيافه، وتتفاعل التباينات بين القوى السياسية اللبنانية حول الرؤية المستقبلية للكيان اللبناني، وحول طبيعة علاقته بالمحاور الإقليمية والدولية وبالدول المحيطة به، وحتى فيما يتعلق بنموذج العلاقة بين أطيافه المتنوعة في الداخل من حيث الشكل والأسلوب..!! هل الكيان اللبناني هو نهائي وخارج إطار التجاذبات المحيطة ولا يخضع لقرار المرجعيات الرئيسية للأطياف اللبنانية المختلفة، أم هو ساحة صراع تتنافس فيها وعليها القوى الإقليمية والدوليه لتظهير مواقفها للعالم، وإظهار قدرتها على إشعال نار الحرب الطائفية والمذهبية في الداخل اللبناني والتهديد بنشرها في دول الجوار، وحتى على إشعال نار حرب إقليمية إذا امكن، أو في ان يكون لبنان قاعدة ومنطلق لقوى ومجموعات قادرة على تخريب الاستقرار في العالم العربي والغربي وتهديد سلمه الأهلي وعيشه المشترك وتخريب اقتصاده ومؤسساته.. كما جرى في بعض الدول على يد عناصر أومجموعات لبنانية تحظى برعاية داخلية وتوجيهات إقليمية (تدخل حزب الله في البحرين واليمن والسعودية والعراق واخيراً سوريا)...؟؟؟
بداية هذا الأمر كانت عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري حين اندلعت ازمة لبنان الحقيقية والوجودية إذا صح التعبير، فقد بدا مذاك أن الاغتيال كان يهدف لتثبيت معادلة أن القوة والقدرة والإمكانية على الإلغاء الجسدي والتهميش السياسي والترهيب الأمني هي الفاعلة على الساحة، وان هذا القرار قد تم اتخاذه وهو السلاح الأمضى في يد هذه المجموعات، أو بالأحرى اتباع هذا المحور.. المرتبط بإيران.. وعلى هذا الأساس كان ما شهدناه طوال ثماني سنوات عجاف وطويلة ، وما زلنا نعيشها إلى الأن، من مسلسل الإستهداف الإجرامي الذي طال شخصيات ورموز وطنية وسياسية وإعلامية ومواطنين أبرياء.. ومن ضغوطات وتهديدات أدت إلى خروج قيادات سياسية خارج لبنان لمنعها من تأدية دورها او في ان تكون إلى جانب جمهورها وأبناء وطنها..أو تكثيف الضغط عليها لتنكفيء عن الحياة السياسية ولمنعها من الحركة والانتقال تحت تأثير حرب التخوين والاتهام والاستهداف النفسي قبل الجسدي.. كما تفاقم هذا النهج والسلوك ليطال البنية والنسيج الاجتماعي للكيان اللبناني برمته، عبر تعزيز الروح الطائفية والمذهبية، وتخويف المكونات اللبنانية من بعضها البعض ووضع حواجز نفسية تمنعها من اللقاء والتعاون والتحاور والتناصح والتعايش، كما لو انها تعيش في كانتونات طائفية ومربعات أمنية، وصولاً لوضع قانون انتخابي يقسم الوطن وأبنائه ليس بحسب الطائفة فقط بل بحسب المذهب أيضاً.. وتم الترويج لهذا القانون، على انه أنسب قانون انتخابي على الإطلاق بل هو الأصلح والأمثل..لتحصيل الحقوق ومنع الهيمنة..؟؟
كذلك ونتيجة هذا الواقع المرير، الذي حدث نتيجة سياسة الهيمنة والاقصاء والاستفراد وتعطيل العملية الديمقراطية، عقب انقلاب القمصان السود وتأليف حكومة حزب الله الذي لا يفقه بل لا يرى أهمية الاستقرار السياسي والأمني لخدمة النمو الإقتصادي والمالي والاجتماعي وتأمين فرص العمل، مما أدى إلى تعرض الاقتصاد اللبناني لنكسة كبيرة نتيجة فصل لبنان وشعبه عن محيطه العربي والإساءة لهذه العلاقات، وإلى توقف لبنان عن تأدية دوره المالي المميز إلا بحدود ضيقة في المنطقة عبر قطاعه المصرفي، فغابت السياحة وانقطع التواصل البشري العربي والغربي مع لبنان، وتم التشكيك باستقرار لبنان السياسي والأمني تمهيداً لاضعافه اقتصاديا، وأخر هذه النتائج كانت طلب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين وقطر ودول مجلس التعاون الخليجي برمتها وأخيراً الولايات المتحدة الأميركية من رعاياهم تجنب السفر إلى لبنان... فتراجع الاقتصاد اللبناني إلى معدل ومستويات خطيرة، وانعدمت الثقة بالمغتربين اللبنانيين في الخارج وخاصةً في دول الخليج نتيجة تورط بعضهم بدافع التحريض الديني والمذهبي في خدمة محور إيران الذي يسعى لضرب استقرار لبنان ومعظم الدول العربية..
وتم بعد ذلك تضخيم ترسانة السلاح لدى هذا الفريق (حزب الله) بشكل غير مسبوق، وبطريقة تتجاوز قدرته على الاستيعاب، إذ ان ما بات يملكه اليوم من إمكانات عسكرية لم يعد سلاح مقاومة بل هو سلاح هيمنة على الدولة ومؤسساتها وحتى على أجهزتها الأمنية والعسكرية.. ولما لم يكن هذا كافياً بالنسبة لهذا الفريق، كان لا بد من تفريغ هذه المؤسسات الأمنية من قياداتها وإداراتها عقاباً لبعض الشخصيات القيادية لعدم تعاونها او إعلان إذعانها لهذا المحور، وحتى تصبح هذه المؤسسات مستقبلاً لقمة سائغة لها او على الأقل لمنعها من تأدية دورها وإضعاف معنويات عديدها وعناصرها حالياً ومستقبلاً.. ومن ثم جاء اللعب على وتر المذهبية والطائفية ضمن هذه المؤسسات بحيث يتعمق الانقسام بين أفرادها وتنعدم ثقتهم ببعضهم البعض..فيتعطل دورها وتنكفيء عن تأدية مهامها مخافة انقسامها وتشرذمها..كما يقوم بالتصريح بعضهم بين الحين والأخر..
ولا شك في أن شرط نجاح هذا المشروع يتطلب تعطيل المؤسسات الشرعية لاعادة انتاج سلطة بديلة.. فكان التلاعب على وتر طبيعة ونوعية وشرعية قوانين الانتخابات النيابية المطروحة وصولاً لتاجيل هذه الانتخابات وإلغاء دور المجلس النيابي، تمهيداً لاعتباره كانه غير موجود بعد انتهاء مدته.. وجاءت استقالة الحكومة الميقاتية بهدف جعل السلطة التنفيذية هي الأخرى عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية وهامة خلال فترة تصريف الأعمال بناءً على القانون.. مما يعني تعطيل السلطة التنفيذية اليوم، والتشريعية في المستقبل القريب، وهذا يؤدي بالتالي لاضعاف دور رئيس الجمهورية حامي الدستور، لغياب الأجهزة الحكومية الدستورية المكملة لدوره وتأدية واجبه الدستوري، ومن ثم يأتي تعطيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد عام من الأن..؟؟
ولم يكتف هذا الفريق من القيام بكل هذا، بل وضع لبنان امام خيار الانغماس في الأزمة السورية.. وهذا ما حصل ومعركة مدينة القصير السورية وقتلى حزب الله شاهد على هذا التورط والتدخل ..ومثال على ذلك أيضاً الوزير السابق وئام وهاب الذي يسعى لاعطاء الصراع في سوريا طابعاً دينياً مستعدياً الدروز على إخوانهم في الوطن، ويساهم في إلقاء التصريحات والخطب التحريضية وشتم مفتي السعودية والشيخ القرضاوي والقوى السلفية ونشر الأخبار الملفقة، وتوزيع السلاح على أبناء الطائفة الدرزية (السويداء) وكان اخر ما جرى من هذا الأمر هو القتال بين قريتين متجاورتين في سهل حوران..واستكمل المسلسل كما أسلفنا بانخراط فريق حزب الله المباشر في هذه الحرب وتشييع قتلاه على انهم شهداء الواجب الجهادي دون قدرة او إمكانية من مؤسسات الدولة اللبنانية وأجهزتها على التحقيق بأسباب القتل ودوافعه ومنع أي مواطن لبناني من القتال في سوريا برعاية حزبية وقرار حزبي...واستخدم حزب الله شعار مواجهة القوى التكفيرية (في إشارة مبطنة للطائفة السنية في سوريا ولبنان).. وتورط كذلك وزير الخارجية اللبنانية في اتخاذ مواقف سياسية في المحافل العربية مؤيدة لنظام بشار الأسد بما يخالف الاجماع العربي..مما يضع لبنان في مواجهة مع أشقائه العرب ويؤدي إلى عزله عن محيطه القومي والإسلامي، ويجعله رهينة السياسة الإيرانية، وفي حالة عداء مع الشعب السوري في المستقبل القريب بعد سقوط هذا النظام الذي أصبح وشيكاً..
وكذلك لا ينفك ولا يتوقف هذا الفريق أبداً عن التهويل بفتح حرب إقليمية مع إسرائيل على خلفيات وتحت اسباب مختلفة ولكنها بالتأكيد ليست أسباب موضوعية تستدعي حرباً أو انها اتخذت على انها قراراً لبنانياً، إذ لا يمكن ولا يستطيع أن يتحمل لبنان وشعبه وجيشه دفع فواتير هذه الحرب السياسية والأمنية والإعلامية وتداعياتها الإجتماعية ونتائجها الاقتصادية.. وإذا كان هذا الفريق يقوم بالتهويل أو بالتلويح لإسرائيل والمجتمع الدولي بالحرب فقط لخدمة الراعي الإيراني ولمساعدة النظام السوري، إلا أن إسرائيل وهي الراغبة في تدمير هذا الوجود المسلح للقيام باستغلال اوسع لثروات البحر الأبيض المتوسط مع الدول المجاورة، وهي قد باشرت بالفعل، فإنها قد تتخذ من أي خطأ او سوء تقدير او ممارسة غير محسوبة يقوم بها هذا الفريق، ذريعة للتدخل وضرب لبنان بكل قوة.. وهذا ما يخشاه كل لبناني عاقل وحر.. وكذلك كافة أصحاب المسؤولية في هذه الدولة غير المرتبطين بسلوك وسياسات اصحاب هذا المحور...
لذلك فإن لبنان واللبنانيين اليوم بين نارين...
-          إما الإكتواء بنار الحرب الأهلية او على الأقل تفاقم حالة عدم الثقة التي تتزايد بين بعضهم البعض.. نتيجة التحريض المنهجي الذي يقوم به حزب الله عبر المنابر الدينية، ضد كافة مكونات الوطن.. التي لا توافقه الرأي ولا تخضع لنفوذه.. او تقبل بهيمنته..وحتى الشيعية منها.. واخرها ما جرى امام السفارة الإيرانية في بيروت..واستمرار مسلسله الإعلامي في اتهام الطائفة السنية باحتضان التكفيريين والمتشددين والمتطرفين.. وكان حزب الله يمثل الفكر العلماني واليساري..؟؟ وليس ربيب مشروع ولاية الفقيه الديني الشمولي التكفيري..؟؟ الذي ترعاه إيران وشبكاتها التجسسية والتخريبية المنتشرة في كل بلاد العالم العربي والإسلامي وحتى الغربي منها..
-         أو القبول بالانخراط في أتون نار حرب إقليمية مدمرة مع إسرائيل لا طاقة للبنان واللبنانيين بها..وبديل إشعال هذه النار هو الإذعان لمشروع إيران في المنطقة، والخضوع لربيبها واداتها في لبنان ألا وهو حزب الله..
من هنا فإن لبنان المحطم والعاجز، لا يجب ان يترك وحيداً ليواجه قدره ومصيره، وهو بأمس الحاجة لدعم إخوانه العرب وعلى كافة المستويات للخروج من هذه الأزمة الخطيرة، ولمتابعة دوره في ان يكون واحة سلام ومحبة وتلاقي بين الأديان والرسالات ومنارة ديمقراطية وحريات إعلامية في هذا الشرق الذي بدا يسير في اتجاه رفض العنف ونبذ التفرقة والسعي لتطوير عيشه المشترك وسلمه الأهلي وتفعيل إداراته الاقتصادية..  لا ان يبقى في حالة حرب وصراع لخدمة طموحات سياسية ومحاور إقليمية ودولية..
كما ان مواجهة هذا الفريق يجب أو تتطلب دعم وتعزيز قدرات القوى اللبنانية الأخرى على الساحة اللبنانية، لأي جهةٍ انتمت وعلى رأسها قوى الطائفة السنية وقواها الحية لأن سقوطها يعني سقوط الكيان والاستقرار وانتقال الصراع من لبنان إلى دولة عربية اخرى...وحزب الله يقود لبنان والمنطقة دون شك نحو المواجه فعمليات الخطف والقتل وفرض الخوات والاتاوات على اللبنانين والمقيمين تتواصل والإساءة للإخوة السوريين النازحين لا تتوقف.. والساحة السنية تعتبر رأس حربة المواجهة دون شك بقواها الإسلامية وتياراتها السياسية المتعددة والتي يعوزها التنظيم والتمحيص أيضاً بعدما دخل او أدخل عليها من قبل بعض المرتبطين بإيران او من النفعيين ما أساء إليها وشوّه صورتها.. لذا فإن مواجهة هذا المشروع الخطير الذي تقوده إيران.. يتطلب دعم القوى الإسلامية.. ومن القوى التي يركن إليها في لبنان اليوم من القوى السلفية التي يرأسها الشيخ داعي الإسلام الشهال كبير مشايخ السلفية في لبنان، رغم محاولات البعض زرع مسميات وقوى أخرى هشة وشكلية لتفكيك تلاحم الساحة السنية الإسلامية والسلفية على وجه التحديد.. إلى جانب ما يمثله وتمثله القوى السياسية السنية الأخرى من حضور في المؤسسات الرسمية وعلى الساحة الشعبية والتي يجب أيضاً رعايتها وحمايتها لضمان ثقة أبناء الطائفة واللبنانيين جميعاً باستقرار وطنهم  بدعمٍ من أشقائهم العرب وإخوانهم في كل مكان... إن دعم أبناء الطائفة السنية وقواها الحية في كافة الميادين وبكل الإمكانيات المتاحة هو السبيل الوحيد لمواجهة ومعادلة الهجمة الشرسة التي يقودها محور إيران على لبنان وسوريا ودول المنطقة العربية وخاصةً الخليجية منها..ولحماية لبنان بكل فئاته ومكوناته دون استثناء... وللخروج من نفق التجاذبات والصراعات والشقاقات التي يسعى محور إيران وعبر منظومة حزب الله السياسية والأمنية والعسكرية إلى إدخال لبنان فيها بين الحين والآخر للإمساك بالوطن ...وبثروات المنطقة المستقبلية من نفط وغاز في مياه البحر المتوسط..؟؟

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,017,227

عدد الزوار: 6,975,388

المتواجدون الآن: 85