سؤال الربيع الإيراني.. وأطياف المعارضة الإيرانية

تاريخ الإضافة الأحد 28 تشرين الأول 2012 - 11:48 ص    عدد الزيارات 740    التعليقات 0

        

 

سؤال الربيع الإيراني.. وأطياف المعارضة الإيرانية
مركز العربية للدراسات السياسية
اليوم 25 أكتوبر عام 2012 يوم عرفة بانتظار عيد الأضحي غداً لعام 1433 هجرية هناك تنشأ أول قناة معارضة إيرانية في لندن سمّت نفسها بالتحرر وهي تتمتع بالاستقلال عن تيار معين، ولكن تسعى أن تعبر عن مختلف أطياف المعارضة الإيرانية، التي تعرض لها وتعرف بها هذه الدراسة، التي أعدها الأستاذ محمد عباس ناجي الخبير في الشؤون الإيرانية، والتي تطرح سؤال الربيع الإيراني وممكناته خاصة بعد وضوح تأثيرات العقوبات على الاقتصاد الإيراني الذي تراجعت قيمة عملته لحد غير مسبوق منذ 20 عاماً! وخرجت احتجاجات توقعها الكثيرون إرهاصات ربيع إيراني قد يتأخر قليلاً، ويراهن عليه الكثيرون داخل إيران قبل خارجها!
وتتسم خريطة قوى المعارضة الإيرانية بحالة فريدة من التشابك والتعقيد لاعتبارات عديدة: أولها أن حدود التمايز فيما بين هذه القوي ضيقة، للدرجة التي تنتج في بعض الأحيان نوعاً من الارتباك والخلط. فعلي سبيل المثال، أُطلق مصطلح "المعارضة" على القوى التي أيدت المرشحين مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين نافسا الرئيس محمود أحمدي نجاد في انتخابات الدورة العاشرة لرئاسة الجمهورية التي أجريت عام 2009، والتي تسببت في أزمة سياسية حادة مازالت إيران تعاني منها حتى الآن، رغم أن هذه القوى مازالت تؤمن بنظام الجمهورية الإسلامية، لكنها تختلف معه في بعض القضايا وعلى رأسها الصلاحيات الممنوحة لولاية الفقيه وفقاً للدستور، بما يعني أنها أقرب إلى "المعارضة من داخل النظام" تمييزاً لها عن قوى المعارضة الأساسية التي ترفض النظام من الأساس وتسعى إلى تغييره سواء بأدوات سلمية مثل حركة "حرية إيران"، أو بأدوات عنيفة مثل منظمة "مجاهدي خلق".
وثانيها، أنه إلى جانب "المعارضة السياسية" التي تتأسس علي التباين في التعاطي مع قضايا مثل الديمقراطية والحريات والإصلاح السياسي، كانت هناك أيضا، وما زالت، "معارضة دينية"، تنبع من رفض العديد من كبار آيات الله للصلاحيات المطلقة التي يحظي بها الولي الفقيه وفقا للدستور، وللمؤهلات الدينية للمرشد الأعلي للجمهورية علي خامنئي. ووفقا لبعض الأدبيات، فإن معظم آيات الله العظمي يرفضون نظرية ولاية الفقيه[i]، بل إن آية الله حسين علي منتظري، نائب الخميني السابق الذي كان من المتوقع أن يخلفه في منصبه قبل أن يعفيه الأخير منه في مارس 1989 ( أي قبل وفاة الخميني بثلاثة شهور فقط)، تحول من مؤيد لها إلي أحد أكبر معارضي صلاحياتها المطلقة، والتي لا يحتاج نفيها، في رؤيته، إلي تأكيد، ما أدي إلي تحديد إقامته حتي عام 2003 أي قبل وفاته بستة أعوام. وكاد إعفاء منتظري من منصبه أن يحدث أزمة فيما يتعلق باختيار خليفة للخميني، إلا أن مجلس الخبراء تدخل، بجهود من هاشمي رفسنجاني، لرفع الدرجة الدينية لعلي خامنئي (المرشد الحالي) إلي آية الله، حتي يتمكن من خلافة الخميني في منصبه، وهو ما لاقي رفضا من جانب بعض كبار رجال الدين[ii].
وثالثها، أن العديد من قوي المعارضة الإيرانية الحالية، كانت، في بداية الثورة، جزءا من القوي السياسية التي شاركت إلي جانب رجال الدين في الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي، حيث ضم الخميني بعض كوادرها في المجلس الثوري الذي شكله من منفاه في باريس مثل مهدي بازرجان زعيم حركة حرية إيران الذي كلف بتشكيل الحكومة الانتقالية الأولي، بعد نجاح الثورة. ورابعها، أن المعارضة الإيرانية لا تتبني أدوات واحدة في مواجهاتها مع النظام، إذ تتنوع هذه الأدوات مابين أدوات سلمية مثل الحركة الخضراء وحركة حرية إيران، وأدوات عنيفة كما هو الحال مع منظمة مجاهدين خلق وبعض المنظمات التي تنتمي للأقليات الموجودة علي الحدود مع الدول الأخري. وخامسها، أن بعض الحركات التي تبنت توجهات معارضة لم تترجم في شكل مؤسسي تقليدي رغم ما أحدثته من جدل سياسي وثقافي بارز داخل المجتمع الإيراني في بعض الأحيان.
وبناءً علي الاعتبارات السابقة، تحاول هذه الدراسة، قدر الإمكان، وضع خريطة لحركات المعارضة الإيرانية، وذلك علي النحو التالي:
أولا: القوي التي تتبني أدوات سلمية
1-      الحركة الخضراء
تأسست الحركة الخضراء، غير الرسمية، عقب الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2009، والتي أسفرت عن فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، ويقودها كل من رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي ورئيس مجلس الشوري الأسبق مهدي كروبي وهما المرشحان الخاسران في الانتخابات واللذان يرفضان حتي الآن الاعتراف بشرعية فوز أحمدي نجاد، وينددان بانحياز المرشد الأعلي علي خامنئي لصالح الأخير. ورغم أن هذه الحركة ما زالت تؤمن بنظام الجمهورية الإسلامية، إلا أنها تدعو إلي إجراء تغييرات في بنية هذا النظام لاسيما ما يتعلق بفرض رقابة علي صلاحيات الولي الفقيه وتفعيل المكون الجمهوري لنظام الجمهورية الإسلامية على حساب المكون الإسلامي وهو ما يضعها في فئة "المعارضة من داخل النظام". وقد تعرضت الحركة لقيود شديدة من جانب السلطات، وحاولت إعادة تفعيل نشاطها في فبراير 2011، عندما استغلت تأييد النظام الإيراني للثورتين التونسية والمصرية، وسعت إلي تنظيم مظاهرة دعم للثورتين، وهو ما دفع السلطات في النهاية إلي فرض الإقامة الجبرية علي كل من موسوي وكروبي.
ويعتبر الشباب أحد أهم الفئات الاجتماعية التي شاركت في الحركة، حيث ساهموا في تنظيم مظاهرات الحركة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، كما قاموا بتأسيس مواقع علي الإنترنت لكشف القمع الذي تمارسه السلطات بحق المتظاهرين، وشكلوا النسبة الأكبر من المتظاهرين في شوارع وميادين المحافظات الرئيسية في إيران. وقد مثلت ندي أغا سلطاني الناشطة الشابة (27 عاما)• التي قتلت علي أيدي ميليشيات تابعة للنظام نموذجا للشباب الإيراني الذي يطمح في إجراء تغيير في بنية النظام السياسي الإيراني، وفي الانفتاح علي العالم الخارجي، وتحولت إلي رمز للحركة الخضراء، بعد أن انتشرت صور مقتلها علي مواقع الإنترنت وساهمت في تأليب الرأي العام العالمي ضد النظام الإيراني.
2- جبهة المشاركة الإسلامية ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية
ساهمت نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة في دفع العديد من القوي السياسية المنضوية تحت لواء التيار الإصلاحي إلي الاقتراب تدريجيا من الخطاب العام لحركات المعارضة، مثل جبهة المشاركة الإسلامية ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، اللتين كانتا تمثلان اليسار الليبرالي في التيار الإصلاحي، وتعتبرا أن الصلاحيات الواسعة التي يحظي بها الولي الفقيه يمكن أن تؤدي إلي إساءة استخدام السلطة، وتبديا أهمية خاصة للحقوق الدستورية، والحريات المدنية، وحاكمية الشعب كأساس للشرعية السياسية. وقد أثارت توجهات كوادر هاتين القوتين جدلا واسعا داخل المجتمع الإيراني في بعض المراحل، مثلما حدث عام 2002 عندما هاجم المفكر والكاتب الإيراني الدكتور هاشم أغاجرى عضو منظمة مجاهدى الثورة الإسلامية مسألة "التقليد الأعمى لرجال الدين"، قائلا أن "الناس ليس قرودا ليكتفوا بالتقليد"، مشبها الحوزة بالكنيسة في العصور الوسطي، حيث قامت بوضع هيراركية خاصة بها لترسيخ نفوذها وسلطاتها السياسية التي تجعلها فوق النقد والرقابة[iv]. وعلى أثر ذلك، واجه أغاجرى حملة شديدة العنف من جانب رجال الدين، حيث حكم عليه بالإعدام، واتهم بالردة وبالإساءة إلى التعاليم الدينية المقدسة والتشهير بالنظام الإسلامي ونشر معلومات مغلوطة لإحداث بلبلة لدى الرأي العام. وقد أثار هذا الحكم موجة من التظاهرات العارمة داخل إيران، ودعت شخصيات إيرانية من كافة التوجهات السياسية المرشد الأعلى للجمهورية على خامنئى إلى التدخل لإسقاط حكم الإعدام، وهو ما حدث فعلا إذ طالب المرشد القضاء بإعادة النظر في الحكم، وتم إلغاء حكم الإعدام في يونيو 2004، وأعيدت محاكمة أغاجري، حيث حكم عليه بالسجن خمسة أعوام.
3- حركة حرية إيران
تأسست الحركة علي أثر الانشقاق الذي حدث عام 1961 داخل الجبهة الوطنية، وتزعمه مهدى بازرجان. وقبل قيام الثورة بفترة قصيرة اعترفت الحركة بسلطة الخميني كقائد للقوي التي شاركت في إنجاح الثورة[vi]، لكنها اختلفت معه حول بعض القضايا مثل طبيعة النظام الجديد بعد قيام الثورة، وولاية الفقيه. وقد تولي زعيمها مهدي بازرجان رئاسة الحكومة الانتقالية الأولي، إلا أنه عاني من تدخل "المؤسسات الموازية" كاللجان الثورية وحزب الجمهورية الإسلامية، التي كانت أشبه بـ"حكومة ظل"، وهو ما اضطره في النهاية إلي تقديم استقالته.
ونتيجة معارضة الحركة، التي تقترب في بعض مواقفها من التيار الإصلاحي، لولاية الفقيه، فرضت السلطات قيودا شديدة عليها. وقد كان للحركة حضور مميز خلال الأزمة السياسية الأخيرة التي أعقبت الانتخابات الرئاسية عام 2009، حيث رفضت نتائج الانتخابات واعتبرتها دليلا على "توتاليتارية" نظام الجمهورية الإسلامية الذي تحول، في رؤيتها، إلى نظام استبدادي يمتلك جهاز شرطة سرية شديد الفعالية لكنه فاسد.
وعقب اندلاع الثورة العربية، وجه أمينها العام السابق الدكتور إبراهيم يزدي رسالة إلي زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، بعد فوز حزبه بأغلبية مقاعد البرلمان في الانتخابات التي أجريت في أكتوبر 2011، دعاه فيها إلى أن "يستوعب إسلاميو تونس الدروس والعبر من تجربتي إيران والجزائر"، وأن "يحترموا التعددية في المجتمع التونسي"، مؤكدا على "ضرورة التسامح والتساهل في التعاطي مع الأحزاب التونسية الأخرى والسماح لها بالمشاركة في عملية البناء والتنمية في تونس". وقد دفعت هذه الرسالة محكمة الثورة الإيرانية ووزارة الاستخبارات إلي استدعاء يزدي للتحقيق معه في مضمونها وأهدافها.
وقد أجبرت الضغوط الشديدة التي تعرضت لها الحركة أعضاءها علي وقف نشاطها.
4- حزب توده
تأسس حزب توده الشيوعي عام 1941، ورغم خلفيته الأيديولوجية فقد أيد الثورة الإسلامية عام 1979، كما دعم وبدون قيد أو شرط قيام الجمهورية الإسلامية علي عكس بعض القوي السياسية الأخري التي اعترضت علي تكريس المكون الإسلامي للنظام الجديد، ويفسر ذلك بأن الحزب كان يستهدف تقوية قاعدته الشعبية من خلال التعاطى بإيجابية مع مسألة الاستفتاء علي دستور الجمهورية الإسلامية الذي عارضته قوي كثيرة[ix]، إلا أن العلاقات ساءت بعد ذلك بين الحزب والنظام الجديد الذي اتهم بعض أعضاءه بالتخابر لصالح الاتحاد السوفييتي، وحكم علي العديد منهم بالإعدام في عام 1988م.
5- مكتب تعزيز الوحدة
وهو أكبر تنظيم طلابي في إيران، وقد تأسس عام 1979، وتطور خطابه السياسي من دعم الثورة إلي التركيز علي الحقوق والحريات العامة في إطار النظام الإسلامي، ولعب دورا مهما فى وصول الإصلاحيين إلى رئاسة الجمهورية فى عام 1997، رغم القيود الشديدة التي تعرض لها بسبب دعوته إلى إلغاء ولاية الفقيه وإقامة نظام ديمقراطى لا يخضع لسيطرة رجال الدين، وإلغاء دور مجلس صيانة الدستور فيما يتعلق بالنظر فى أهلية المرشحين للانتخابات المختلفة. وقد قادت هذه الرؤية الليبرالية المكتب إلى رفض نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2009، ودفعته إلى التقارب مع قوى اليسار الليبرالى ممثلة فى جبهة المشاركة الإسلامية ومنظمة مجاهدى الثورة الإسلامية، وبدا ذلك جليا فى البيان الذى أصدره المكتب والذى ندد فيه بالقمع الذى مارسته السلطات خلال المظاهرات التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات، ودعا إلى إلغاء نتائج الانتخابات، وقال أن "السلطة الحاكمة أكملت فى الانتخابات الأخير مشروع دفن ما تبقى من النظام الجمهورى (الدستورى) فى القبر"[xi].
6- حركات غير مؤسسية
ظهرت بعض الحركات الأخري التي قادها مجموعة من المثقفين، وإن لم تتخذ شكلا مؤسسيا، مثل:
أ‌-حركة "مدرسة كيان الفكرية" التي قادها المفكر الليبرالي عبد الكريم سروش الذي وضعته مجلة "Foreign Policy" الأمريكية ضمن أهم مائة مفكر عالمي في تصنيفها السنوي عامي 2009 و2010، حيث جاء في المرتبتين الخامسة والأربعين، والأربعين علي التوالي، والذي اعتبر أن ثمة دعامتين للدولة الإسلامية: الأولي، الترابط بين الإيمان والحرية. والثانية، الحق في الاجتهاد انطلاقا من المساواة التي يحظي بها الجميع أمام الله. وعلي ضوء ذلك يري أن الرقابة الصارمة التي تفرضها الحكومة الدينية علي المحكومين لا تنتهك حرياتهم فحسب، بل تصادر حقهم في تفسير النص باعتبار أن شرعيتها مستمدة من الله.
ب‌- حركة "إيران فردا" وهي اسم المجلة الشهرية التي أصدرها عزت الله سحابي، وتبنت أفكارا يسارية إسلامية قريبة من حركة حرية إيران التي كان سحابي أحد أعضائها، وقد انتهج موقفا معارضا لولاية الفقيه سجن علي أثره عدم مرات بعد قيام الثورة.
وقد توفي في 31 مايو/ايار 2011، وشهدت جنازته مواجهات بين المشيعين والشرطة توفت خلالها ابنته هالة الناشطة السياسية المعروفة.
7- حركات شبابية
أسس الشباب الإيراني بعض التنظيمات والمنتديات التي أولت أهمية خاصة لقضايا الحريات والديمقراطية والإصلاح السياسي، مثل حركة الطلبة من أجل الحرية والمساواة التي تأسست عام 2006، بهدف تكوين شبكة تواصل بين الطلاب، وجبهة الطلاب المتحدة التي تأسست عام 1996، وتبنت توجهات علمانية قريبة من الإصلاحيين. كما انضم الشباب إلي العديد من منظمات المجتمع المدني التي ركزت علي قضية الحريات وحقوق الإنسان مثل حملة المليون توقيع لتغيير القوانين التمييزية ضد المرأة، ولجنة الدفاع عن السجناء السياسيين، ولجنة موثقي انتهاكات حقوق الإنسان[xv]، والتي كشفت حالات عديدة من الانتهاكات التي وقعت خلال المظاهرات التي أعقبت الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية في عام 2009.
 
ثانيا: القوي التي تتبني أداوت عنيفة
1-      منظمة مجاهدي خلق
تعبر حركة "مجاهدى خلق" عن القسم الثاني الذي لجأ إلي العنف في مواجهاته مع الدولة، وهي أقرب إلي تنظيم إسلامي يساري انسلخ عن حركة حرية إيران عام 1965، بعد الخلاف حول وسائل تحقيق أهداف الحركة، وقد شاركت إلي جانب رجال الدين والليبراليين في الثورة علي الشاه وساهمت في تعبئة الشارع ضده، لكن بعد نجاح الثورة تصاعدت حدة الخلافات بين الحركة ورجال الدين الذين سيطروا علي الحكم، خصوصا بعد وقوف الحركة إلي جانب أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية، ضد محاولات تقييد سلطاته، ومن هنا تحولت الحركة من حليف إلي خصم، وبدأت في نقل نشاطها إلي خارج إيران[xvi]، وفي تنفيذ عمليات ضد قيادات الصف الأول من النظام الجديد. وقد وفر العراق في عهد صدام حسين مقرا للحركة كنوع من الضغط علي إيران. إلا أنه عقب الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، سعت القوات الأمريكية إلي مصادرة أسلحة عناصر الحركة[xvii]، ونتيجة للتقارب الملحوظ بين إيران والحكومة العراقية الحالية بقيادة نوري المالكي، بدأت الأولي في إقناع الثانية بضرورة طرد عناصر الحركة من أراضيها، وهو ما انعكس في إعلان السلطات العراقية، عام 2007، عن أن وجود الحركة أصبح غير مرغوب فيه داخل العراق[xviii]، بل إن القوات الحكومية العراقية، قامت باقتحام معسكر "أشرف" الذي يقيم فيه أنصار المنظمة، في نهاية يوليو 2009، ما خلف عددا غير قليل من القتلى والجرحى[xix]. إلا أنه تم التوصل في النهاية إلي اتفاق بين الأمم المتحدة والحكومة العراقية لنقل عناصر الحركة من معسكر "أشرف" إلي معسكر "ليبرتي" الذي كان مقرا لقاعدة أمريكية سابقة بالقرب من العاصمة العراقية بغداد.
وقد كانت الحركة رقما مهما في الصراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 1997، وكمحاولة من إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون لتحسين العلاقات مع إيران في عهد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، وضعت الخارجية الأمريكية الحركة علي قائمة المنظمات الراعية للإرهاب، لكنها قررت في أكتوبر 2012 رفع اسم الحركة من القائمة بعد أن منحت المحكمة العليا مهلة للإدارة الأمريكية أربعة أشهر لاتخاذ قرار في هذا الشأن، بالتوافق مع نقل معظم عناصرها إلي معسكر ليبرتي بالقرب من بغداد.
ثالثا: منظمات تنتمي للأقليات الإيرانية
تتسم إيران بأنها دولة متعددة القوميات، حيث يصل عددها إلي ستة هي: الفارسية، والعربية، والكردية، والبلوشية، والتركمانية، والآذرية، معظمها موجود علي الحدود مع الدول الأخري. وقد أنتجت السياسة التي تعاملت بها الدولة مع الأقليات توترات وأزمات عديدة، ساهمت في النهاية في ظهور حركات قومية معارضة معظمها يتبني الدعوة إلي إقامة حكم ذاتي أو حق تقرير المصير، لكن العديد منها اتجه إلي استخدام العنف في التعامل مع الدولة مثل منظمة جند الله البلوشية وحركة الحياة الحرة "بيجاك" الكردية.
ففي المناطق الغربية التي يقطنها الأكراد، ظهرت منظمات عديدة مثل:
1- منظمة الحياة الحرة "بيجاك" الكردية، التي تأسست عام 2003 وتتخذ من جبل قنديل عند المثلث الحدودي المشترك بين إيران وتركيا والعراق مقرا لقيادتها، وتطالب بالحكم الذاتي في المناطق الكردية، وقد دخلت في مواجهات عسكرية عديدة مع السلطات الإيرانية، كان أهمها الهجوم الذي نفذته في أبريل 2011، علي موقع تابع لقوات "الباسيج" ما أسفر عن مقتل تسعة من عناصر الأخيرة، الأمر الذي دفع إيران إلي قصف مناطق بكردستان[xxi]. وعلي خلفية الضغوط التي أنتجتها الهجمات الإيرانية المتكررة علي مواقع المنظمة، أعلنت الأخيرة استعدادها لوقف إطلاق النار، إلا أن إيران رفضت ذلك، بل إن الأخيرة حاولت تسلم زعيم المنظمة عبد الرحمن حاجي أحمدي الذي اعتقلته السلطات الألمانية في مارس 2011، لكن ألمانيا رفضت ذلك وسرعان ما أفرجت عنه.
2- حزب عصبة الكادحين الثوريين الإيراني الكردي المعارض (كومالا)، الذي نشأ عام 1967، بهدف الانفصال عن إيران في عهد الشاه، وقد واصل تبني السياسة نفسها في عهد الثورة، الأمر الذي أدخله في مواجهات عديدة مع السلطات الإيرانية التي اعتبرته منظمة غير شرعية.
3- الحزب الديمقراطي في كردستان إيران (حدكا)، الذي تأسس عام 1945، وقد اغتيل زعيمه عبد الرحمن قاسملو في فيينا عام 1989، خلال مفاوضات جرت بين مسئولين إيرانيين وبعض فصائل المعارضة الإيرانية، كما اغتيل خلفه صادق شرفكندي في مطعم ميكونوس ببرلين عام 1992، وأصدر القضاء الألماني مذكرة عام 1997 أشار فيها إلي أن هذه الحادثة وغيرها من تدبير السلطات الإيرانية.
وقد وقع الحزب الديمقراطي في كردستان إيران وحزب عصبة الكادحين علي اتفاقية استراتيجية بينهما، في 25 أغسطس 2012، نصت علي ضرورة إقامة نظام ديمقراطي فيدرالي على أساس قومي جغرافي، باعتباره الحل الأمثل للقضية الكردية في إيران، وعلي فصل الدين عن الدولة، وتأمين حقوق المرأة، وحماية الحريات العامة، وأكدت علي أنه من دون سقوط النظام الإيراني لن تتمكن مكونات الشعب الإيراني، ومنها المكون الكردي، من الحصول علي حقوقها.
أما في المناطق التي تقطنها الأقلية البلوشية في الجنوب والجنوب الشرقي، فظهرت منظمات عديدة أبرزها:
1-      تنظيم "جند الله" السني، الذي تأسس عام 2002 علي يد عبد المالك ريجي، والذي تتهمه السلطات بالمسئولية عن بعض عمليات العنف التي وقعت في محافظة سيستان بلوشستان التي تقطنها أغلبية سنية، وقد نجحت السلطات في اعتقال زعيم التنظيم عبد المالك ريجي وقامت بإعدامه في يونيو 2010.
2- بعض المنظمات الأخري مثل الجبهة المتحدة لبلوشستان إيران، وحزب الشعب البلوشي، والمنظمة الديمقراطية لشعب بلوشستان، والمجلس الوطني البلوشي.
وفي مناطق الأحواز في الجنوب والجنوب الغربي من إيران، ظهرت علي الساحة بعض المنظمات أهمها:
1-      حزب التضامن الديمقراطي الأحوازي، الذي تأسس عام 2003، ويعتبر أول تنظيم يتبني فكرة النضال السلمي في مواجهة الدولة، والتنسيق مع القوميات الإيرانية الأخري، وهو المنظمة العربية الوحيدة التي تشارك في مؤتمر شعوب إيران الفيدرالية، الذي يضم 18 تنظيما يمثل القوميات الإيرانية، كما أنه يمثل العرب الأحواز في المنظمة الأممية للشعوب بلا تمثيل. وقد دعا الحزب المنظمات التي تنتمي للقوميات الإيرانية الأخري، للمشاركة في مؤتمره الثالث الذي عقده بلندن في 22 سبتمبر 2012، والذي أكد فيه علي ضرورة إسقاط النظام الإيراني وتأسيس نظام فيدرالي بديل.
2- الجبهة الديمقراطية الشعبية للشعب العربي الأحوازي التي تـأسست في عام 1990، وتسعي إلي جمع الأحواز في إطار جبهوي للمطالبة بحق تقرير المصير حتي تحقيق الاستقلال.
3- بعض المنظمات الأخري مثل الحركة الثورية الديمقراطية التي تأسست عام 1980 وتتبني قضية الحكم الذاتي، واللجنة الثقافية الأحوازية التي نشأت عام 1982، وجبهة تحرير خوزستان، والجبهة العربية لتحرير الأحواز.
أما في المناطق التي تقطنها الأقلية الآذرية في الشمال والشمال الغربي، فقد برز علي الساحة الحزب الديمقراطي الفيدرالي لأذربيجان، وفي مناطق التركمان في الشمال والشمال الشرقي ظهرت منظمة الدفاع عن حقوق الشعب التركماني[xxvii].
وبالإضافة إلي هذه القوي، فإن هناك جماعات محسوبة علي أنصار النظام الملكي السابق، يصل عددها، وفقا لبعض الأدبيات إلي 40 حركة معارضة، تدعو إلي إعادة النظام الملكي وإقامة ملكية دستورية في إيران، إلا أن معظمها لا يتبني أدوات عنيفة وغير مؤثر ولا يمثل رقما مهما علي الساحة السياسية الإيرانية، لاسيما أن وجودها في الخارج، خصوصا في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، قلص إلي حد ما من قدرتها علي الارتباط بما يموج داخل إيران من تطورات سياسية واجتماعية مستمرة.
رابعا: المعارضة الدينية
لم تحظ نظرية ولاية الفقيه بتأييد واسع من جانب كبار رجال الدين، فقد سلم أكثرهم بالدور السياسي الذي قام به الخميني في إنجاح الثورة وقيادة القوي السياسية المختلفة أيديولوجيا التي شاركت فيها، لكن ذلك لم يدفعهم إلي تأييد نظرية ولاية الفقيه المطلقة، بل إن بعض كبار آيات الله، مثل شريعتمداري وكلبايكاني أكدوا أن ولاية الفقيه المطلقة لا أساس لها في الفكر الشيعي، وقد واجهوا متاعب عديدة بسبب ذلك، حيث وضع آية الله شريعتمدارى رهن الإقامة الجبرية، وتم تهميش آخرين أمثال كل من آية الله كلبايكانى وآية الله نجف أبادى، رغم أن الأخير لم يرفض ولاية الفقيه بشكل مطلق بل حاول انتهاج موقف وسط، قائم على أن مفهوم ولاية الفقيه من شأنه المساعدة على التوفيق بين مفاهيم الشريعة الإلهية والضبط الدينى وبين مفاهيم الأكثرية الشعبية والتمثيل الأكثرى، حيث يرى أن المفهوم ينطوى على عقد اجتماعى ضمنى بين قضاة الشرع والجماهير.
وبعد وفاة الخميني عارض العديد من آيات الله تولي علي خامنئي منصب الولي الفقيه، لكن المعارضة تزايدت بسبب الطريقة التي مارس بها المرشد الأعلي صلاحياته، وهو ما بدا جليا تحديدا بعد الأزمة السياسية التي أنتجتها انتخابات رئاسة الجمهورية التي أجريت في عام 2009، حيث عارض بعض كبار آيات الله، مثل بيات زنجاني ومكارم شيرازي ويوسف صانعي ووحيد خراساني، الانحياز الواضح من جانب خامنئي إلي الرئيس أحمدي نجاد، وأصدر العديد منهم بيانات تندد بالقمع الذي مارسته السلطات الحاكمة تجاه المتظاهرين، بل إن يوسف صانعي أعلن صراحة قبل الانتخابات أنه يتمني عدم فوز أحمدي نجاد، فيما تطرق البعض الآخر من جديد إلي التشكيك في ولاية الفقيه المطلقة، حيث رفض آية الله بيات زنجاني المزاعم التي تتحدث عن أن إنكار ولاية الفقيه يعد بمثابة كفر بالإسلام.
خاتمة: إيران.. إلي أين؟
واجهت المعارضة الإيرانية اتهامات بالمسئولية عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران في الوقت الحالي، بسبب الانخفاض الحاد في سعر صرف الريال الإيراني، والذي وصل في بداية شهر أكتوبر الحالي إلي أكثر من 37.000 ريال للدولار الواحد، حيث اتهم الرئيس أحمدي نجاد المعارضة بشن حرب نفسية تستهدف إضعاف الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية القادمة في يونيو 2013.
لكن هذه الاتهامات تبدو مبالغة ولا تتسامح مع المعطيات الموجودة علي الأرض التي تؤكد علي أمرين: أولهما، أن المسئولية عن تصاعد حدة هذه الأزمة تقع في المقام الأول علي عاتق الحكومة التي لم تستطع مواجهة الانخفاض المتسارع للعملة الوطنية عبر الأدوات التي استخدمتها مثل تبني ما يسمي بـ"أسعار الصرف المتعددة"، أو تحديد سعر صرف للعملة لا يتوافق مع سعر السوق، وهو ما رفض الصرافون الالتزام به، بل إن هذه السياسة أعطت انطباعا بأن هناك نقصا في العملة الأجنبية ما أدي إلي المسارعة بشراء الدولار ومن ثم ارتفاع سعره.
وثانيهما، أن التداعيات السلبية التي أنتجها انخفاض سعر صرف الريال، خصوصا ارتفاع معدل التضخم، لم تمس الإصلاحيين أو المعارضة وحدها، بل طالت كل فئات الشعب الإيراني، خصوصا أصحاب الدخول الثابتة والمحدودة الذين يمثلون ما يقرب من 90% من الشعب، بما يعني أن الاضطرابات والإضرابات التي شهدتها إيران في الآونة الأخيرة علي ضوء أزمة انخفاض سعر صرف الريال، تمثل تحركا عاما من الشارع الإيراني للتعبير عن الاستياء من فشل الحكومة في التعامل مع الأزمة، أي أنها احتجاجات عابرة للأيديولوجيات والاستقطابات السياسية الموجودة علي الساحة.
لكن رغم التداعيات السلبية العديدة لهذه الأزمة الاقتصادية، فإنها علي الأرجح، لن تتسبب، علي المدي القريب، في اندلاع ثورة جديدة في إيران، لاعتبارات عديدة: أولها، أن إيران ما زال لديها القدرة، ولو مرحليا، علي تقليص حدة الأزمة، بسبب ما تمتلكه من احتياطي من النقد الأجنبي يتجاوز، حسب بعض التقديرات الدولية، حاجز المائة مليار دولار. وثانيها، أن حركات المعارضة لا تستطيع الانطلاق من الأزمة الاقتصادية لتفعيل نشاطها مرة أخري وتجديد الأزمة السياسية التي أنتجتها الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لاسيما أن السياسة المتشددة التي تبناها النظام في التعامل معها نجحت إلي حد ما في تفتيت أركانها وإضعافها، بل إنها دفعت بعض مؤيديها إلي العودة من جديد إلي عباءة النظام، مثل رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، والرئيس السابق محمد خاتمي. وثالثها، أن المؤسسة العسكرية تبقي متغيرا مهما في ترجيح احتمالات تحول الأزمة الاقتصادية الحالية إلي ثورة ضد النظام الإيراني، وبالطبع فإن شبكة المصالح الواسعة التي تمتلكها هذه المؤسسة، خصوصا قسمها الراديكالي الذي يتمثل في الحرس الثوري، تدفعها دوما إلي قمع أية مظاهرات أو تحركات معادية للنظام، مثلما حدث في أزمة عام 2009، لاسيما أنها تعتبرها تهديدا قويا لمصالحها ونفوذها داخل النظام.
لكن رغم ذلك، فإن أسباب الثورة تبقي قائمة لكنها مؤجلة، لأسباب ثلاثة: أولها، انسداد الأفق السياسي في إيران بعد استبعاد التيار الإصلاحي من السلطة وتكريس هيمنة التيار المحافظ الذي بدأ يتعرض للانقسام إلي أكثر من جناح سياسي. وثانيها، تطلع الشباب الإيراني• إلي الانفتاح علي الخارج، وتزايد طموحه في إمكانية إجراء تغييرات رئيسية داخل النظام. وثالثها، تصاعد حدة الاستياء الشعبي نتيجة الضغوط الاقتصادية المتزايدة، حيث ارتفع معدل التضخم إلي حوالي 25% ومعدل البطالة إلي ما يقرب من 20%، وخسرت العملة الوطنية أكثر من ثلثي قيمتها منذ يونيو 2011، بالتزامن مع تزايد الانتقادات الموجهة للنظام بسبب استخدامه عائدات النفط لتنفيذ أجندة خارجية علي غرار تقديم مساعدات مالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهو ما بدا جليا في المظاهرات التي شهدتها العديد من المدن الإيرانية والتي رفعت شعار "لا سوريا ولا لبنان.. روحي فداء إيران". وهنا يمكن أن تمارس الطبقة الوسطي دورا مهما في ضبط إيقاع أية احتجاجات أو ثورة محتملة ضد النظام، ليس فقط لأنها تضررت بدرجة كبيرة من السياسات الاقتصادية للحكومة، وتبنت مواقف معارضة للنظام فيما يتعلق بقضايا الحريات والحقوق السياسية والاجتماعية، بل لأنها اقتربت، إلي حد ما، من الخطاب السياسي الذي يتبناه الإصلاحيون، وربما بعض حركات المعارضة، بكل ما يعنيه ذلك من أنها سوف تكون رقما مهما في أية تحركات لفرض تغييرات رئيسية داخل إيران في المستقبل.  

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,783,845

عدد الزوار: 6,965,878

المتواجدون الآن: 58