سورية.... للثورة نساؤها

تاريخ الإضافة الإثنين 22 تشرين الأول 2012 - 5:26 ص    عدد الزيارات 848    التعليقات 0

        

 

سورية.... للثورة نساؤها
بيروت ـ من ريتا فرج
للثورة السورية أصوات أنثوية هادرة وسط ضجيج ساحات الحرية المضرجة بالدماء. نساء سوريات كثيرات شاركن في الثورة كأمهات وناشطات وحقوقيات وفنانات وكاتبات وطالبات.
لم يكن دور المرأة السورية يقتصر على المشاركة الميدانية في التظاهرات التي بدأت أواسط شهر مارس 2011، فقد عملت في المجال الإغاثي بعدما وصل عنف النظام السوري الى مستوى غير مسبوق. ثمة نساء مجهولات لا نعرف عنهن الكثير، يفضلن العمل الثوري في منطقة الظلّ.
دخلت النساء السوريات معترك الثورة منذ اليوم الأول لاندلاع حركة الاحتجاج في دمشق لمساندة أطفال درعا الذين رسموا على جدران بلدتهم بشائر الحرية. وقد ساهمن في «الربيع الدمشقي» كل واحدة على طريقتها بـ الكتابة والاحتجاج الميداني والنشاط الاغاثي ودعم الثوار.
العديد من الناشطات السوريات لهن تاريخ نضالي طويل من أمثال منتهى الأطرش وسهير الأتاسي وسيرين خوري وناهد البدوية وغيرهن، وهناك وجوه نسائية مجهولة لا تسلط وسائل الاعلام الضوء عليها ربما لغياب المادة الإعلامية أو لأسباب أخرى.
ومن دون الدخول في عملية التصنيف، تفتح «الراي» ملف «وجوه نسائية في الثورة السورية».
منتهى الأطرش... ... أمّ الثورة السورية
أعلنت منتهى الأطرش (1938)، ابنة المناضل الوطني سلطان باشا الأطرش قائد الثورة السورية الكبرى ضد الانتداب الفرنسي العام 1925، وقوفها منذ البداية الى جانب «الثوار» كما تصفهم.
الصحافية والمتحدثة الرسمية باسم المنظمة السورية لحقوق الانسان «سواسية» تخرجت من كلية الآداب في جامعة القاهرة في 1967، عام النكبة. يصف البعض منتهى بـ «أم الثورة السورية». هي الآن في العقد السابع من عمرها، الا ان التقدم في العمر لم يمنع ثائرة جبل العرب من مساندة الثورة، وقد شاركت في مجالس العزاء في درعا حداداً على أطفالها الذين قتلوا واقتلعت أظافرهم.
تشربت منتهى عن السيدة تركية الأطرش (1890)، عقيلة الزعيم سلطان باشا الأطرش، حس الانتماء الوطني والمقاومة، اذ كان لوالدتها دور كبير خلال الثورة السورية الكبرى، فقد تحملت كل أعباء الزعامة والثورة والتشرّد والنفي والمطاردة. «الراي» أجرت عدداً من المقابلات مع ابنة جبل العرب وجهت فيها أكثر من رسالة شكر الى رئيس جبهة النضال الوطني اللبناني الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على بعض مواقفه التي أطلقها، وخصوصاً حين دعا «دروز جبل العرب» الى «الإحجام عن المشاركة مع الشرطة أو الفرق العسكرية التي تقوم بعمليات القمع ضد الشعب السوري»، فردّت الأطرش عليه وقالت: «موقف الاستاذ وليد جيد جداً لكنه متأخر»، فردّ عليها جنبلاط قائلاً: «أتوجّه الى المناضلة منتهى الأطرش ومن خلالها الى الناشطات والناشطين السوريين بتحية كبيرة على نضالهم السياسي السلمي لتحصيل حقوقهم الوطنية المشروعة، وأعتذر عن التأخر في اللحاق بركب التغيير، متمنياً انتهاء هذه الأزمة في سورية في أسرع وقت لتخرج أمامنا سورية جديدة حرة، ديموقراطية متنوعة».
واتهمت الأطرش عبر «الراي» رئيس تيار «التوحيد اللبناني» وئام وهاب بتوزيع السلاح على «فقراء الدروز» في جبل العرب وبدفع المال لهم، داعية جنبلاط الى وضع حد لتصرفات «هذا الشخص السيئ». وقد ردّ وهاب مرّتين على الأطرش، الأولى في بيان صدر عن أمانة الإعلام في حزبه والثانية «بالصوت والصورة» خلال مقابلة مع تلفزيون «الدنيا»، وفي المرتين نفى الوزير السابق كلام الناطقة باسم «سواسية» مهاجماً اياها بعنف. وجاء في البيان الأول: «يبدو أن الآنسة منتهى الأطرش لم تعد تجد أي دور لها الا اتهام أبناء جلدتها بتسلح مزعوم». اما عبر «الدنيا» فتوجّه الى الاطرش قائلاً: «أعتقد أنّ والدكِ سلطان باشا الأطرش، من تحت ترابه، لا يقبل بما تتفوّهين به من قلّة ضمير، فضميري لا يسمح لي بتسليح أي سوري لقتل أخيه السوري، واتهامك لي بتسليح أبناء السويداء كاذب، وقد سمحتُ لنفسي بالردّ عليكِ، رغم أنني لا أردّ على التافهين أمثالك، فاعلمي أنّ كرامة الناس ليست ملكاً لكِ».
دعت الأطرش الرئيس بشار الأسد الى التنحي وقالت له: «قلتُ له من قبل في حديث أم أو أخت كبرى لابنها، إن الشباب لهم مطالب، أعط لهم أذنك واستمع لهم، تَحاور معهم. ولكنني الآن ومع كل ذلك الدم المراق لا يسعني إلا أن أقول له تنحّ يا دكتور بشار أفضل لك ولسورية، احقن دماء شعبك الذي لوّث ثوبك، وتنازَل عن السلطة الآن مرفوع الرأس. وأذكّره كيف أن أبي سلطان الأطرش، كقائد للثورة السورية الكبرى لم يبحث عن كرسي، رغم أنه عُرضت عليه مناصب عليا، ولكنه كان يفضل دائماً أن يكون من الشعب ولم يرد إلا مصلحة البلاد».
الأطرش، التي لم تكتفِ بمطالبة الأسد بالتنحي بل آمنت بسقوط «الابد السوري» عاجلاً أم آجلاً، كان أول ظهور علني لها في بداية الحركة الاحتجاجية حيث توجهت إلى درعا مع وفد لدعم انتفاضة الأهالي، وشاركت في مجالس العزاء التي كانت تقام على أرواح الضحايا الذين سقطوا خلال الحركة الاحتجاجية.
سيرين خوري... ... مسيحية تترافع عن «الإخوان»
سيرين خوري، ناشطة حقوقية شاركت في اعتصام 16 مارس 2011 للمطالبة بالإفراج عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي. لم يكن نشاطها السياسي والحقوقي وليد اللحظة الثورية في سورية، فتجربة المحامية الشابة تعود الى العام 2002 حــــين تولت الدفاع عن سجناء الرأي، بمن فيهم الإخوان المسلمون والشيوعيون.
وتقول خوري عن هذه التجربة: «لقد ترافعتُ أمام محكمة أمن الدولة السيئة الصيت والسمعة، فهي محكمة استثنائية بالأصل، ولكننا اضطررنا للوقوف أمامها، كونها محكمة حقيقية في ظروف طارئة أول من دافعتُ عنه وكان حدثاً آنذاك، وهو الطفل الحدث مصعب الحريري، لأن جميع المحامين يأبون الدفاع عنه. ولدى سؤالي له عن التهمة الموجهة إليه، أجاب «إخوان مسلمين»، قلت أنا سأدافع عنك. وعندما خرجتُ من المحكمة كنت أضحك، أنا علمانية وأهلي مسيحيون».
خلال فترة التوقيف في سجن دوما للنساء بسبب اعتصام 16 مارس، لم يُسمح للناشطة الحقوقية ورفيقاتها ربا اللبواني، دانة ابراهيم الجوابر، فهيمة صالح اوسي، نسرين خالد حسن، وفاء محمد اللحام، سهير جمال الأتاسي، ناهد بدوية، ليلى اللبواني، صبا حسن الاتصال بأهاليهم أو حتى بتكليف محامٍ.
ظروف توقيف المحامية كانت سيئة جداً، وتقول خوري عنها: «تمّ وضعنا في الفرع، وأعطيَت كل منّا غطاءين لكنّها كانت ليلة باردة جداً». وتضيف: «في سجن دوما للنساء كان الوضع سيئاً جداً، تمّ حشر عشر سيدات في غرفة واحدة، ولم يكن فيها سوى ثلاثة أسرّة، فنمتُ على فرشة على الأرض تقاسمتُها مع زميلاتي، لأكتشف في الصباح أنّ المجارير كانت تمشي تحتنا».
الاّ أنّ هذه المحامية لم تستطع منذ ستة أشهر الذهاب إلى القصر العدلي لمزاولة عملها، كونها مطلوبة لفرع الأمن العسكري. أمّا تهمتها فتبدو مضحكة مبكية. وتقول عنها خوري: «وضعي كالطفل الذي يقولون له معاقَب، فيشرع في التفكير على ماذا وماذا؟! وقد تكون مقابلتي لوفد لجنة الجامعة العربية، أو دفاعي عن أطباء من التنسيقيات يقفان وراء ذلك».
تعرضت خوري كغيرها من الناشطات السوريات للتضييق والملاحقة من السلطات الأمنية، ورغم ذلك لم تكفّ عن نقل صوت الثورة السورية، وهي تعتبر نفسها جزءاً من الحراك الثوري وتقول: «أنا جزء من هذه الثورة، وسنقلع أشواكنا بأيدينا، وستكون لدينا سلطة قضائية عادلة، ولن نتوانى عن متابعة كل المسؤولين عن قضايا القتل والنهب والفساد، وسنحاول أن نبني سورية جديدة حديثة، حيــــث لكـــــل السوريين مكان فيها».
ودعت الناشطة السورية النظام إلى وقف القصف الوحشي وعدم قتل السوريين، وناشدت المعارضة في الداخل والخارج إلى «التوقف عن حجز الكراسي، والعمل من أجل إيقاف حمّام الدم، ليستحقوا تمثيل الشعب السوري»، كما أنها وجهت رسالة الى المجتمع الدولي قالت فيها «أنّى لكم أن يصحو ضميركم، فكفاكم متاجرة بدماء السوريين».
سهير الأتاسي.. ... «سِيدي وقحة كتير»!!!
سهير الأتاسي من مواليد دمشق العام 1971، ناشطة سورية حقوقية، من مدينة حمص. تنتمي الى عائلة آل الأتاسي العريقة التي قدّمت للمجتمع السوري عدداً كبيراً من الشخصيات من علماء الدين والقضاة والشعراء والأدباء والوزراء، والسلك العسكري.
والد سهير، الدكتور جمال الأتاسي (1922- 2000) من المفكرين القوميين وشارك مع صلاح البيطار وميشيل عفلق في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي العام 1947، كما شغل منصب وزير في احدى الحكومات السورية، وتولّى مركز الأمين العام للاتحاد الاشتراكي المعارض. وكان حامل لواء المعارضة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد حتى وفاته.
سهير الأتاسي، التي تخرّجت من قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب في جامعة دمشق وعملت في ميدان الأدب والفنون والثقافة وتأثرت بفكر والدها وتشـبعت بطروحاته الديموقراطية، آمنت بالحوار وضرورته للخروج بالبلاد من أزمتها الراهنة، وكانت أحرص ما تكون على تنفيذ وصية والدها بأن يبقى منزله من بعده منارة للفكر والديموقراطية ومنتدى لجميع ألوان الطيف المدني والأهلي والسـياسي في سورية وذلك رغم ما كلفها ذلك من تضحيات وعلى جميع المسـتويات.
عرفت بدعوتها إلى حوار وطني مع حزب البعث والشيوعيين والإخوان المسلمين وغيرهم من نشطاء المجتمع المدني، وتولت رئاسة منتدى جمال الأتاسي للحوار الذي تأسس العام 2001 بعد وفاة الاسد الأب وكان ذلك بالتزامن مع مرحلة «ربيع دمشق» التي شهدت حراكاً سياسياً مدنياً واسعاً
أغلق منتدى الأتاسي العام 2005 بسبب إلقاء الناشط الحقوقي علي العبد الله كلمة فيه أرسلها المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في سورية صدر الدين البيانوني. وقبل إغلاق المنتدى صرحت سهير لوسائل اعلام عربية وأجنبية أن الرئيس بشار الاسد «خائن لشعبه ووجوده في السلطة غير شرعي من الأصل».
اعتقلتها السلطات السورية في 16 مارس 2011 بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية حيث أشادت في حديث تلفزيوني بتلك الاحتجاجات، كما تم استدعاؤها إلى مقر أمن الدولة السوري ثلاث مرات للضغط عليها لإغلاق مجموعتها الحوارية على موقع فايسبوك. وجرت مصادرة بطاقتها الشخصية وتهديدها بالسجن سنتين ونصف السنة، بحسب ما روته لصحفيين وحقوقيين، ورفضت الاتاسي بعد ذلك طلب استدعاء للمرة الرابعة إلى أمن الدولة وطالبتهم بإعادة بطاقة هويتها أو اعتقالها إن أرادوا إحضارها قسراً.
سهير، الناشطة الحقوقية عضو مؤسّس في الهيئة العامة للثورة السورية، وعضو رئيسي في لجان التنسيق المحلية، وهي تضطلع بدور قيادي رائد وناشط منذ اندلاع الثورة السورية، وانخرطت إلى جانب المحامية الناشطة في مجال حقوق الإنسان رزان زيتونة.
شاركت سهير في 2 فبراير 2011 مع مجموعة من الناشطين في اعتصام لدعم الثورة المصرية في دمشق، وذلك قبل أن تصل بشائر الربيع العربي الى بلادها، وقد كتبت عن تجربتها في الاعتصام مقالاً تحت عنوان «حماة الديار عليكم سلام.. أبت أن تذلّ النفوس الكرام» حيث روت تفاصيل تعرض «البلطجية» للتجمع السلمي، وكيف أنها ذهبت مع مجموعة من أصدقائها الى قسم الشرطة لتقديم شكوى بحق «البلطجية» وما جرى: «دخل البعض منا إلى قسم الشرطة.. أخذوا هوياتنا.. سألونا نحن: «من هم؟؟».. أجبناهم أنهم كانوا يشاهدون كل شيء وهم يعرفون من هم.. بالتأكيد يعرفون من هم.. وكنا قد انتبهنا أنه عندما حاول شرطي الاقتراب مما يحصل قال له أحدهم: «نحن أمن.. ابتعد».. فابتعد... عندها قلت اننا نريد أن نقدم شكوى من شقّين: الشق الأول أن عناصر الأمن أرسل «زعران» من أجل التعرّض لنا في الشارع وإنهاء الاعتصام السلمي التضامني بهذه الطريقة. والشق الثاني أن الشرطة تفرّجت وصمتت.. صاروا يغيبون ويعودون، ثم طلبوا من البقية الخروج من الغرفة على أساس أنهم يريدون الحديث معي وأخذ إفادتي. وبعد مرور بعض الوقت (تقريباً النصف ساعة وربما أقل) دخل رجل بملابس مدنية ومعه اثنان آخران، رفض التعريف عن نفسه وأغلق عليّ باب الغرفة وبدأ بالشتائم. سمعت كلمات بعمري لم أسمع بها. اتهمني بأن لي «مواقع مخترقة من إسرائيل» وأنني «حشرة» و«جرثومة» وأعمل ضد البلد. تهجّم عليّ لأنني كنت أجيبه عن كل كلمة. هجم على وجهي ووضع رجله فوق الطاولة. وعندما تهجّم على وجهي بيده ضربتها، فقام بصفعي صفعة قوية على خدي الأيسر واستمر بالشتائم بل وزاد بها. تحدث مع أحدهم وقال له: «سيدي... وقِحة كتير» ثم أقفل الخط. فتح الشنطة بعنف وأخذ منها الموبايل والكاميرا. قال انني موقوفة، وأخرج الموبايل والكاميرا إلى خارج الغرفة. عاد وهدّد تهديده الأخير بأن «أتوقّع من اللحظة وبأي وقت أن يأتي أحدهم ليقتلني وأنا أقف في الشارع ليريح الوطن من جرثومة مثلي». ثم غادر هو ومَن معه. بعد قليل، فتحوا الباب وطلبوا مني الخروج. شاهدتُ علامات الأسف في عيون أحد ضباط الشرطة ولكنه مغلوبٌ على أمره. التقيتُ بالأصدقاء، أتى رئيس قسم الشرطة، أعاد إلينا الهويات وأعاد إليّ الموبايل والكاميرا بعد أن مسحوا منها الصور».
بعد اعتقال سهير لمدة شهر مع عشر ناشطات بينهم سيرين خوري في 16 مارس 2011 أطلق سراحها، فلجأت بعدها إلى الاختباء لمدة ثمانية أشهر، حيث كانت تتنقل من بيت إلى بيت في دمشق قبل أن يتم تهريبها في شهر نوفمبر 2011 إلى باريس.
الاتاسي على اتصال دائم مع النشطاء خلال وجودها في سورية، وبعد سفرها الى باريس، فهي تتواصل معهم في شكل دائم بواسطة «سكايب»، وتقول: «نعلم أنه إذا انتهت المقاومة السلمية، فإن الثورة تخسر بينما يكسب النظام»، ما يعني أنها منذ البداية تخوفت من جرّ الثورة السورية الى حيث لا يريد الثوار، فحذرت من عسكرة الاحتجاج في ظل الحرب التصعيدية التي يشنها النظام ما أدى الى نشوء معارضة عسكرية يمثل الجيش السوري الحر أحد أهم أقطابها. كما رفضت حديث البعض عن إعطاء صبغة سنية للثورة السورية وقالت: «النظام يعمل دون كلل أو ملل على تقسيم الناس على أسس طائفية، لكنني أرفض الفكرة القائلة إن هذه الثورة ثورة سنية أو إسلامية، إنها ثورة من أجل الحرية. ومن الطبيعي أن تكون غالبية المشاركين في الثورة من السنّة، إذا أخذنا في الاعتبار التكوين الديموغرافي للبلد».
رزان زيتونة.... الثائرة «المتخفية»
رزان زيتونة (29 أبريل 1977 ) ناشطة حقوقية سورية، تخرجت في كلية الحقوق في جامعة دمشق العام 1999، وكتبت مجموعة من المقالات في عدد من المواقع الالكترونية.
عملت رزان في الدفاع عن معتقلي الرأي عبر «الجمعية السورية لحقوق الإنسان» ولها مساهمات صحافية في قضايا الإسلام السياسي، وجرائم الشرف، والحريّات في سورية.
شاركت رزان، تلميذة شيخ الحقوقيين السوريين هيثم المالح، في الثورة منذ انطلاقها في شهر مارس 2011. ولا أحد يعرف مكان وجودها بعدما توارت عن الأنظار بسبب اعتقال السلطات الأمنية أي شخص يحادث وسائل الإعلام الأجنبية.
تدير زيتونة موقع «رابط معلومات حقوق الإنسان السورية»، وفي 6 أكتوبر 2011 حازت على جائزة «آنا بوليتكوفيسكايا» من الجمعية البريطانية (RAW in War) لإرسالها عبر الإنترنت تقارير عن انتهاكات حقوق الانسان في سورية. وفي 27 أكتوبر من العام نفسه حصلت من البرلمان الأوروبي مع أربعة مواطنين عرب آخرين على جائزة «ساخاروف» لحرية التعبير.
أواخر شهر ديسمبر الماضي حصلت على جائزة «مؤسسة ابن رشد للفكر الحر» لعام 2012 في برلين، كتتويج لنضالها السلمي والميداني في الحراك السوري وكواحدة من نشطاء الربيع العربي دون سنّ الأربعين، وقد ضمت لجنة التحكيم كلاً من: التونسي توفيق بن بريك، والفلسطيني عارف حجاوي، واللبنانية جيزيل خوري، والمصرية ميرال الطحاوي والسورية سمر يزبك. وجاء في بيان الجائزة بأن الناشطة «تمثل أنموذجاً لجيل الشباب السوري الثائر الذي يخاطر بحريته الشخصية وأمنه وحياته في سبيل تحقيق التغيير والانتقال من دولة الاستبداد إلى دولة المواطنين المدنية الديموقراطية مهما كانت الأثمان، وهي تعتبر كذلك مثالاً لنساء سورية اللواتي يقفن في صفوف المقاومة الأولى ويشاركن في النضال ضد نظام الاستبداد». وكان قد فاز في الجائزة منذ دورتها الأولى العام 1998 مفكرون كبار منهم الفلسطينيان عزمي بشارة وعصام عبد الهادي والجزائري محمد أركون والمغربي محمد عابد الجابري والسودانية فاطمة أحمد إبراهيم، ومن تونس المخرج السينمائي نوري بوزيد والصحافية سهام بن سدرين والمفكرون المصريون محمود أمين العالم وصنع الله إبراهيم ونصر حامد أبو زيد وسمير أمين.
زيتونة عضو مؤسس في لجان التنسيق المحلية، الموقع الذي يقوم بتوثيق انتهاكات النظام السوري لحقوق الإنسان ويعد دوره رئيسياً في تنظيم عمل اللجان. بقيت رزان المحامية المطارَدة من أجهزة الأمن السورية على اتصال مباشر مع العالم الخارجي، وأرسلت تقارير عن الانتهاكات التي تسجلها يومياً. من مخبئها فضحت ممارسات النظام، ومن أجل إسكاتها اعتُقل شقيق زوجها ومن ثم زوجها.
يقول البعض ان رزان المتخفية لم تر نور الشمس منذ شهور، وفي الليل تقوم بجولات صغيرة، لتشتري ما تحتاج اليه. لا شيء يمنعها عن متابعة نضالها بعد أن «سقط جدار الخوف واستفاق الشعب ليطالب بكرامته، فليس لدى السوريين ما يخسرونه وأقل ما يمكنني فعله هو نقل صرخة ثورتهم»، كما تقول.
حين اندلعت الثورة، تفاجأت بجرأة السوريين «ظننتُ أن شعبنا لن يتحرك أبداً بسبب تقييده وتكميمه، حتى تقوقع على نفسه في شكل من اللامبالاة، حتى أنا كنت مقتنعة أن عملي كناشطة لن يغيّر شيئاً أبداً، إلا أن الثورة التونسية ومن ثم المصرية أعادت إلينا الأمل».
اعتُقلت رزان مرات عدة قبل انفجار الثورة السورية، وفي احدى المقابلات تصف ما تعرضت له من تعذيب نفسي في مركز المخابرات حيث تقول «إن الدخول إلى أحد مكاتب المخابرات كالدخول إلى قبر، لا تعرف أبداً إن كنت ستخرج حياً».
تزوجت رزان من وائل الحمادة الناشط السياسي في العام 2004 حيث قضت مع زوجها فترة شهر العسل في التحقيق بمجزرة القامشلي التي ارتكبها النظام بحق الأكراد. ومنذ اعتقال زوجها امتنعت عن المشاركة في التظاهرات، حيث تمضي يومها وجزءاً من الليل أمام الكمبيوتر، وتعمل على تسجيل الانتهاكات التي يرتكبها النظام.
في مقالة تحت عنوان «ساحة الحريّة... فنحن هناك ضربنا الموعد» كتبت رزان تقول: «عندما سقط النظام التونسي، كان يوم فرحة عظيمة، تبادلنا التهاني، أصدقاء ونشطاء، رقصنا واحتفلنا حتى الصباح، عندما سقط النظام المصري، أحسست بنفسي أسقط معه. انفجرت باكية ودخلت في حالة حداد، غضب أناني لا يمكن تبريره بشيء من المنطق. صفحات المواقع الاجتماعية تحوّلت إلى ثورات افتراضية، وحمّى الاجتماعات واللقاءات والترتيبات أصبحت تصيبني بالدوار، وفي الوقت نفسه كان خطاب السوريين تجاه بعضهم خلال تلك الفترة، وكثير من غير السوريين تجاهنا، مزيجاً من اللوم واللؤم والتبخيس، ولم أكن بحاجة لمزيد من الإحساس بالقهر، وكأن لسان حال غضبي يقول: يُفترض أنه دورنا! أحس الآن بشيء من الخجل من تلك المشاعر تدفعني إلى الابتسام وخفض نظري».
أرادت رزان الحفاظ على سلمية الثورة لكن هذا الرهان سقط بعد استدراج النظام الثورة باتجاه العسكرة والصراع المسلح. الثائرة المتوارية أعلنت منذ فترة عن هواجسها «من خطاب بعض قوى الثورة المتأسلم على حساب خطاب المدنية والحداثة والتعددية» كما تقول.
بسمة قضماني... ... لسان المجلس الوطني ... وخارجه
بسمة قضماني (29 ابريل العام 1958) باحثة في مجال العلوم السياسية وأستاذة العلاقات الدولية في جامعة باريس، هاجرت مع أسرتها بعد سجن والدها الذي كان يعمل في وزارة الشؤون الخارجية، وتنقلت بين لبنان وبريطانيا، ثم سافرت للدراسة في فرنسا حيث حازت على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد العلوم السياسية Sciences - Po.
تجربتها العلمية الرئيسية ارتكزت على دراسة المجتمعات العربية والعلاقات الاستراتيجية لدول الشرق الأوسط والصراعات الاقليمية. كما تَركّز الجزء الأكبر من نشاطها في الكتابة عن القضية الفلسطينية والدفاع عنها، ولها كتابات ومقالات عدة حول الصراع العربي ـ الاسرائيلي والسياسات الخارجية للدول العربية والعلاقة بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية في مصر والبلدان الاسلامية.
أنشأت قضماني وأدارت قسم دراسات الشرق الأوسط في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية لمدة 17 عاماً (IFRI)، وقد قضت سبع سنوات في القاهرة كرئيسة برنامج التعاون الدولي لدى مؤسسة فورد الاميركية حيث كان نشاطها الرئيسي في دعم وتطوير نشاطات مراكز الأبحاث العربية ومنظمات المجتمع المدني.
في العام 2005 انتقلت لتؤسس مبادرة الإصلاح العربي، وهي شبكة من مراكز الأبحاث العربية تعمل على التحول الديموقراطي في العالم العربي. وفي أغسطس 2011 شاركت في تأسيس المجلس الوطني السوري وأصبحت المتحدثة الرسمية باسم المجلس، الى أن استقالت منه في شهر أغسطس 2012.
لم تكن بسمة قضماني سابقاً في صفوف معارضي النظام السوري، وقد ظهر اسمها بعد تأسيس المجلس الوطني، وهذه المسألة لا تشكل حرجاً بالنسبة لها «صحيح أن لا تاريخ نضالياً لي، وأنا لا أدّعي أنني مناضلة أصلاً، فأنا ابنة سجين سياسي معارض، وأعمل في الاطار السياسي والأبحاث والتوصيات والتحليل والتأثير على القرار السياسي، ولم أشارك في حياتي في اجتماعات للمعارضة، وقلما شاركت في تظاهرات إلا في ما يتعلق بالقضايا الكبيرة».
قضماني، التي تُعتبر من الشخصيات القريبة الى الادارة الفرنسية فهي مقربة من شخصيات مرموقة فيها، كانت من المشاركين الأساسيين في اجتماعات شخصيات ومجموعات المعارضة السورية في صيف العام 2011 التي أدّت إلى تشكيل المجلس الوطني في شهر أكتوبر. انتُخِبَت ناطقةً باسم اللجنة التنفيذية في المجلس، إلا أنها استقالت من هذا الأخير، في 28 أغسطس 2012، متّهمةً إيّاه بفقدان الصدقية والفشل في تحقيق مهمّته. لكنها تنوي متابعة عملها والاستمرار في دعم الثورة السورية.
فدوى سليمان..... العلوية في الثورة العابرة للطوائف
فدوى سليمان (صافيتا ـ 1970) ناشطة وممثلة، تخرّجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق وأجرت دورة إخراج مسرحي في فرنسا، وشاركت في العديد من الأعمال المسرحية والإذاعية والثمثيلية.
سليمان، الممثلة الثائرة المنتمية الى الطائفة العلوية، أصبحت احدى أهم الوجوه النسائية التي شاركت في الثورة السورية، وقادت تظاهرات عدة في مدينة حمص، وكان شعارها الدائم الوحدة الوطنية والابتعاد عن الطائفية.
الثائرة العلوية، لا تنتمي الى أي طائفة بل تنتمي فقط الى الشعب السوري، هذا ما أكدت عليه في اكثر من مقابلة: «انتمائي الى الشعب السوري وليس الى الطائفة العلوية فالديكتاتورية لا دين لها ولا طائفة... شعبنا وريث المدنية والحضارة وثورته ستنجح رغم التآمر».
في سجلّ فدوى سليمان أعمال مسرحية وتلفزيونية وسينمائية، وكانت آخر وقفة مسرحية لها في دمشق العام 2008، من خلال مونودراما للكاتبة البوسنية ليديا شيرمان هوداك تحمل اسم «صوت ماريا» عن الحرب والاغتصاب والحمل من الأعداء، ومصير ذلك المولود الذي ما هو إلا جزء من جسدها، وهو في الوقت ذاته «رجس» من الأعداء.
بعد نشاطها الثوري والميداني في ساحة الثورة، تعرضت فدوى سليمان الى التهديد من النظام السوري، فرحلت الى باريس، ومن مدينة الحرية في فرنسا دعت الفنانين السوريين للخروج عن صمتهم القاتل ودعم الثوار، ووجهت سؤالاً «إذا لم يكن الفنان حراً فماذا بإمكانه أن يقدم؟».
الحرية عند فدوى ديدن الابداع والفن والحياة «وإلاّ ما معنى أن يكون الإنسان مبدعاً في زمن القهر والقحط، أي زمن الأبد السوري، الذي ثار عليه السوريون بعد أكثر من أربعة عقود، وهم الذين تحولوا بفعل الاستبداد كائنات يسكنها الخوف حتى في عزلتها».
زمن فدوى مع الثورة التي أطلقها أطفال درعا ونساؤها في شهر مارس 2011 هو زمن كل السوريين، والثورة عندها عابرة للطوائف، ولطالما دعت الى الوحدة ونبذ الطائفية.
ما إن أطلت بشائر الثورة حتى تنفست فدوى الصعداء. منذ زمن انتظرت مع المنتظرين لحظة الضوء: «في طفولتي كنت أحلم بأن يسترجع الشعب كرامته، وجاء اليوم لأخرج وأعبّر عن صوتي».
لا تنتمي سليمان الى أي تكتل سياسي معارض في الداخل والخارج، هي ابنة الثوار، ابنة الميدان، أي أولئك الذين يسميهم المفكر السوري اليساري صادق جلال العظم «مشاة الثورة». لا تحبذ لقب «العلوية الثائرة» الذي أطلقه السوريون الثوريون عليها، فهي كما تقول تنتمي «الى الانسان في داخل كل طائفة أو دين»، وتعتزّ بهويتها الوطنية لا بانتمائها الديني.
يوم 21 مارس 2011 تاريخ حصار درعا، قررت فدوى الخروج على ثورتها الصامتة التي رافقتها منذ طفولتها، آنذاك خرجت في شوارع دمشق، مدينة الياسمين، ولكن همساً وفي شكل سري. ومن ثم شاركت في مسيرة نسائية صامتة تطالب بسحب الدبابات من درعا الجريحة، وكانت بذلك أول فنانة سورية تشارك في التظاهرات. وبعد رحلة الخروج المنتظر شكلت الفنانة تنسيقية نساء الثورة، والتي كانت تعمل مع بقية التنسيقيات في سورية، وقالت في احدى المقابلات «كنت أعمل مع ناشطين وناشطات، وبدأنا عدة تظاهرات في أحياء دمشق والقابون والقدم، ثم بعدها انسحبت وبدأت أعمل منفردة بصوتي الشخصي والحر، خرجنا للقابون في 17 يوليو حيث أقمنا قسَم السلمية.. وكنت دائماً أحاول العمل دون الإعلان عن ذلك لأن طريقي طويل، وكنت أعلم أن النظام لن يسقط بسهولة».
مشاركة الفنانة السورية في التظاهرات لم تكن من منطلق هذا «الحلم الطفولي» الذي راودها فحسب، بل أرادت توجيه رسائل عدة «فما جعلني أظهر على الملأ هو إيماني أنه لا بد أن يكون هناك مثقفون وأناس من كل الطوائف لكشف ادعاء النظام بأن الثورة سلفية أو إسلامية... وللكشف عن أنها ثورة لكل السوريين الحالمين بزوال الديكتاتورية وحكم الحزب الواحد واسترجاع الحريات والحقوق وبناء الدولة المدنية الديموقراطية».
من دمشق، انتقلتْ فدوى الى حمص وكان ذلك في شهر نوفمبر 2011، اذ حاولت وأد الفتنة التي أعدّ لها النظام «بعدما علمتُ أن النظام يعدّ لفتنة طائفية في حمص انتقلتُ رغم رفض أصدقائي لخوفهم على حياتي.. وبقيت في حمص حتى 10 يناير 2012. ثم أصرّ الثوار على إخراجي منها بعدما أصبحتُ مستهدفة شخصياً، وكان الأمر مؤلماً وقاسياً ولم أرضَ بالتخلي عنهم، لكن تحت وطأة اصرارهم خرجت نحو ريف دمشق. أمّن لي الثوار منزلاً في ريف دمشق، وكنت أعمل من هناك على تقديم المساعدات للنازحين من حمص الى ريف دمشق، ثم علم النظام بوجودي، وكل مكان أسكن فيه كان يدهم بيوته فأهرب من حي إلى آخر، وأتى الناشطون وقالوا لي: أصبحتِ خطراً علينا وعلى نفسك ونحن نفاخر ونؤمن بك، وساعَدوني على الخروج الى الأردن، وتوجهت بعدها الى السفارة الفرنسية التي قدمت لي كل التسهيلات، ورغم أنه ليس لي أوراق ثبوتية ولا جوازات لديّ أنا وزوجي، فإنهم في السفارة كانوا يدركون أن حياتي كانت في خطر».
ألقت فدوى مونولوغات تلهب الحماسة أمام عدسات الكاميرا ودعت الى استمرار التظاهرات السلمية في أرجاء سورية حتى يرحل الرئيس بشار الأسد. وفي إحدى الرسائل المصورة في نوفمبر 2011 ذكرت أن قوات الأمن تمشط أحياء حمص بحثاً عنها، وتضرب المواطنين لإرغامهم على الكشف عن مخبئها.
رفضت «عسكرة الثورة السورية» انطلاقاً من إيمانها بجدوى خيار اللاعنف الثوري، وربما قد تكون أًصيبت بخيبة أمل وخصوصاً بعدما اعتبرت أن سورية الثورة وصلت الى طريق مسدود نتيجة إجهاض الحل السياسي. وفي تصريح لها على احدى القنوات الفرنسية قالت: «يؤسفني أن أقول ان سورية وصلت الى طريق مسدود نتيجة عدم الحل السياسي، وصلت الثورة في سورية لأن تكون مسلحة، وهذا ليس برغبة حقيقية من الناس، ولكن كردّ فعل على العنف الممارَس من النظام، الا انه إذا حملنا السلاح لنسقط نظاماً ديكتاتورياً فلن تكون هناك ديموقراطية، ومَن يُسقط النظام بالسلاح لن يجلب لنا الديموقراطية، وإنما المزيد من الدماء».
حملت سليمان معها الى فرنسا «أمل الشعب السوري وألمه» كما تقول، ووجهت رسالة الى «أهل الساحل» أصحاب الشرف والعزة، وتقصد أبناء طائفتها من العلويين، حيث دعتهم الى الانخراط في الثورة، ومما جاء في رسالتها: «النظام الديكتاتوري في سورية هو الذي استغل فقر أهل الساحل وأقنعهم بالانتساب إلى الجيش بحجة أنه الوسيلة لتأمين حياة كريمة، غير أنه استخدمهم لحماية آل الأسد فقط، فإن كان أهل الساحل اليوم مع آلة القتل فسيأتي يوم يُقتلون فيه... هذا النظام يستخدم أبناءكم لمواجهة إخوتهم السوريين العزل فيقتلوا ويُقتلوا ورد الفعل على ما يحدث سيكون بقتلكم، فهل هذه سورية التي تريدونها؟ نحن مَن يحمي السلم الأهلي، الشعوب هي التي تحميه».
بين الثائرة العلوية وجمهور المتظاهرين لغة مشتركة وتأثير متبادل، وحين سُئِلتْ مرة عن الأثر الذي يتركه وجودها في التظاهرات على الناس قالت: «هناك تأثير متبادل بيني وبين الناس لأنهم لمسوا الحب في روحي ورفض العنف ورفض كل أشكال السياسات القائمة على المصالح... التفوا حولي والتففت حولهم وصرنا واحداً، يستجيبون لي وأستجيب لألمهم وحاجتهم للسلام ولشخص ينقل صوتهم إلى العالم... عندما أظهر في التظاهرات يلتفون حولي بكل حب، وأمانيهم لي بالسلامة والحماية تسبق قلوبهم الخائفة على حياتي وسلامتي لأنني أصبحت رمزاً لقلوبهم ويهتفون باسمي ويصلون لله ليحميني ويرددون ما أهتف به».
لعبة الظهور والتخفي رافقت سليمان التي «اختفت» عن الأنظار لفترة، وباشرت نشاطاً سرياً، حتى ظهرت في حمص منذ نوفمير 2011. بعدها انتشرت على اليوتيوب والقنوات الفضائية أشرطة مصورة عنها حيث تصدّرت المتظاهرين في الخالدية وبابا عمرو، ووجهت نداءات الى كل السوريين ومن بينهم تجار مدينة حلب، للمشاركة في الثورة السلمية.
وسرعان ما تحولت فدوى أحد أهم الرموز النسائية في الثورة السورية، لكن عائلتها لم تكن راضية عن رغبتها الجامحة في تحطيم كل حواجز الأبد السوري. عائلة فدوى تبرأت منها ومن على قناة «الدنيا» السورية، لكن تعبير الثائرة العلوية كان أقوى، اذ قررت حينها قصّ شعرها الطويل، كما لو أنها أرادت إزالة كل الفوارق الجنسانية (قص شعر النساء عادة عنفية تمارَس ضد المعتقلات في العديد من أماكن الاعتقال) وقالت: «من المهم أن تعلموا، إذا ارغموني على الاعتراف على قناة «الدنيا»، فتلك علامة على أنني اعتُقلت وأُرغمت على ما قلت، فلا تصدّقوا أي كلمة. ولا تصدّقوا أبناء عائلتي او اصدقائي الذين ستجبرهم ألوان التعذيب على القول إنني فاسدة وخائنة، هذه هي طريقة بشار الاسد».
فدوى الثائرة كتبت في أحد الأيام على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك: «لست صنماً، ولا علوية ولا سنية. فالشعب السوري يُسقط الأصنام في بلده. لديَّ حبيب كبقية الناس. أصوم وأصلّي، لكن على طريقتي...».
سمر يزبك الروائية الثائرة.. ... سأندس في نوم القتلة
سمر يزبك كاتبة وصحافية وناشطة سورية وُلدت في مدينة جبلة السورية العام 1970. كتبت روايات وقصصاً وحلقات تلفزيونية وأفلاماً وثائقية، ومن بين أهم أعمالها «الصلصال» و«تقاطع النيران» و«رائحة القرفة» و«مفردات امرأة» و«امرأة في الظل» و«سماء واطئة» الذي نال افضل سيناريو من الأمم المتحدة.
الروائية العلوية التي خرجت عن صمتها لم تكن بعيدة عن الثورة، فقد بكّرت في استحضار المشهد الثوري في ذاكرتها وقررت مشاركة الناس في احتجاجهم. وتأججت روح الانتفاضة عندها حين رأت صورة ذاك الشاب من أبناء درعا الذي وضع في براد القتلى وهو حيّ ولما أخرجوا جثته، وجدوه قد كتب بدمه: «وضعوني هنا وأنا حيّ، سلامي لأمي».
سمر القادمة من جيل الخوف والثورة وجهت رسالة في 2 أغسطس 2011 الى أبناء طائفتها وشجعت العلويين على الثورة وقالت لهم: «... لم يعد هناك من مجال للوقوف في شكل حيادي تجاه ما يفعله النظام المستبدّ بكم، قراكم الفقيرة، ورجالكم الذين تحولوا إلى مرتزقة، ومثقفوكم الذي قضوا عمراً في سجون النظام، النظام المتمثل بعائلة طاغية تجعل منكم درعاً بشرياً لها، وتستمر في جبروتها وطغيانها، وتحرفكم عن مسار الحق الذي طالما سعيتم في الأرض، وتشردتم وذقتم عذابات لا هول لها من أجله... لا تصدقوا الجلاد فيما يقوله، الطاغية واحد في التاريخ، يغير شكله، ولكن روحه تبقى، وقد خدعكم هذا الطاغية بلبوس الدين، وهو منه بريء، يدا الطاغية مغمستان بدماء أخوتكم في الوطن، بدماء السوريين، هو روح الطاغية...».
لم تكن الثورة عند سمر نتاج اللحظة الاحتجاجيّة التي بدأت مع أطفال درعا، اذ لطالما عُرف عنها زعزعة «التابوهات» عبر رواياتها وخصوصاً «الصلصال» التي تروي فيها دور المؤسسة العسكرية في المجتمعات العقائدية والشمولية.
بعدما تمكّنت من مغادرة سورية واللجوء الى فرنسا بسبب تعرُّضها للتهديد من النظام، روت سمر التي تمّ اعتقالها مع مجموعة من الناشطات وأفرج عنها لاحقاً، قصصاً عمّا يتعرض له المتظاهرون من تعذيب في المعتقلات، وقالت: «في السجن شاهدتُ أجساداً ملقاة على الأرض مثل الحيوانات، وجوه الشباب يغطيها الدم، وأنوفهم مكسرة أما عيونهم فكانت متورمة وأحياناً مقتلعة. كنت خائفة مما شاهدت وما زلت خائفة الى الآن. الثورة لن تتوقف، الناس لن يقبلوا بعد اليوم ان تحكمهم عصابة تسفك الدماء حتى تبقى في السلطة».
لم تكتفِ سمر بالكتابة كفعل أنثوي ثوري، وخلال إقامتها في فرنسا قامت بإنشاء منظمة تهتم بالنساء السوريات، «سوريات من أجل التنمية الإنسانية»، مقرها باريس، حيث تتعاون مع عدة أشخاص من داخل سورية وخارجها، لتوثيق الانتهاكات ضد النساء أثناء الثورة، من اغتصاب وقتل واعتقال، وكذلك تقوم المنظمة بدعم مشاريع اقتصادية صغيرة للنساء داخل سورية كما تهتم بإبداع الكاتبة السورية أثناء الثورة.
يزبك، التي ألقت محاضرات عدة في فرنسا وبعض الدول الأوروبية كشاهدة، أشارت أكثر من مرة الى هذا التحول الجذري الذي أحدثته الثورة في نصوصها، ومن بين النصوص المهمة التي كتبتها مقالة تحت عنوان «سأندسّ في نوم القتلة» وجاء فيها: «أسألهم: هل حدقتم في عيونهم، حين اقترب الرصاص من صدروهم؟ لمحتم ثقب الحياة؟ قبل أن تصير سماء دمشق كحلية، حدقوا قليلاً في دوائر ناعمة حمراء حول جباههم وبطونهم، حيث تستقر نوافذ أعيننا. دمشق مثل كل المدن تصبح أكثر جمالاً في الليل، مثل امرأة بعد الحب، لكنها اليوم أبقت لونها الكحلي ميالاً لبنفسجي باهت، كي نلمح عيون القتلة وهم ينتشرون في الشوارع ولا نراهم بوضوح. مَن يقتل مِن وراء الأسطح والأبنية؟ قاتل جبان هو؟ القاتل جبان، وكيف يمكن أن يكون شجاعاً، فهو سلفاً مجرّدٌ من شرطه الأخلاقي. أغادر البيت، باتجاه ساحات المدينة، باتجاه الجوامع. الآن في منتصف الظهيرة، يجب أن أعرف شوارع المدينة، شارعاً شارعاً، وساحة ساحة، لا أصدق إلا عيني، حتى الحق كان في الصباح رجلاً أحمق لا يجيد الحب، وكان يمشي أمامي باستهزاء، كيف يمكن الحديث عن الحق، والناس تختبئ في بيوتها؟ ساحات المدينة خالية من ناسها، ربما لأن اليوم عطلة، لكن الجميع يختبئ في خوفه اليوم... الجامع مغلق، لم يتسن لي الدخول. قالوا، هناك مصلون في الداخل، وبقيت جالسة أدخن بهدوء أراقب، ومن ثم انصرفت. كانت الحشود الحاملة لصور الرئيس كبيرة، ورجال الأمن يزرعون المكان، وكأن هؤلاء الناس نبعوا من الأرض. فجأة صرت أرى في الشوارع أشكالاً غريبة لم ألمحها من قبل. رجال ضخام، صدورهم عريضة منفوخة، يرتدون ثياباً سوداء بأكمام قصيرة تكشف عن العضلات المفتولة بالوشوم فوقها، وبرؤوس حليقة، ويحدقون في كل شيء. يحدقون ويمشون وأيديهم تهتز على الجانبين ويحركون هواء ثقيلاً. أشكال تبعث على الرعب، أين كان هؤلاء من هذه المدينة قبلاً؟ أين عاشوا؟ وكيف ظهروا اليوم؟».
وتتابع سمر سردها للبانوراما الدمشقية التي عاشتها قبل مغادرة سورية: «فجأة انشقت الأرض عن رجال غريبين، وبدأت تضرب الناس. المجموعة الصغيرة، هـلعت، وصرخت: خاين اللي بيقتل شعبو، وكنت أنظر في وجوههم. لم يفعلوا شيئاً، يتلقون الضرب والإهانات ويختفون واحداً إثر واحد. يأخذهم الرجال الذين ولدتهم الشوارع فجأة. رجال بخواتم ضخمة ونفس العضلات المنفوخة والعيون المجهدة، والجلد المتشقق، يصنعون سداً بشرياً يرمون أنفسهم على المتظاهرين، ويضربونهم، يوقعونهم أرضاً ويدوسونهم. رجال آخرون يلتقطون الناس ويأخذونهم بعيداً. يخفونهم، رأيتهم يفتحون أحد المحلات التجارية، يرمون امرأة في داخله، ثم يغلقون بابه الحديدي خلفها ويتجهون نحو امرأة أخرى».
فازت يزبك بجائزة «بنتر الأدبية» للعام 2012؟ والتي تُمنح إحياءً لذكرى الكاتب الشهير هارولد بنتر، مناصفة مع الشاعرة البريطانية البارزة كارول آن دافي. ومُنحت الجائزة للكاتبة المعارضة عن كتابها «امرأة وسط نيران متقاطعة» والذي يستند إلى مذكرات احتفظت بها خلال المراحل الأولى للثورة السورية. وهو يسرد تفاصيل حول كيف أن آراءها الصريحة والجريئة ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد أدت إلى تعرضها للاضطهاد، وقرارها بالفرار من سورية برفقة ابنتها الصغيرة.
مي سكاف.. ... ممثلة ثائرة برتبة مواطِنة معارِضة
مي سكاف (13 أبريل 1969) ممثلة وناشطة سورية، في بداية الثورة أعلنت رفْضها لنظام القمع عبر مشاركتها في تظاهرة سلميّة مع عدد من المثقفين، وعلى إثرها اعتُقلت وأُطلق سراحها بعد ذلك بأيام.
درست مي في جامعة دمشق قسم الأدب الفرنسي، وبدأت موهبتها في التمثيل بالتبلور حين شاركت زملاءها طلبة الجامعة في تقديم أعمال مسرحية في المركز الثقافي الفرنسي، وقد لفتت اهتمام المخرج السينمائي ماهر كدو الذي اختارها لبطولة فيلمه «صهيل الجهات»، كان ذلك العام 1991 فتألقت من جديد في هذا الفيلم مما شجع المخرج السينمائي عبد اللطيف عبد الحميد على اختيارها لفيلمه «صعود المطر».
بدأت ظهورها التلفزيوني تحت إدارة المخرج نبيل المالح الذي اختارها لمسلسله السينمائي «اسرار الشاشة». وبعد دورها في مسلسل «البواسل» مع المخرج نجدت انزور، شاركت في مسلسل «بيت العيلة»، وغيره وصولاً الى «عمر الفاروق».
تواجه مي دعوى قضائية من النيابة العامة في دمشق بتهمة التحريض على القتل، وهذه الدعوى أعقبت مشاركتها في تظاهرات تطالب بإسقاط النظام، ما دفع «تجمع فناني ومبدعي سورية من أجل الحرية» المعارض الى إصدار بيان تضامني مع الفنانة. ويشار الى أن هذا التجمع ظهر مطلع سنة 2012، وأُعلن عن تأسيسه في تونس على هامش مهرجان «أيام قرطاج المسرحية»، ووقّع بيانه التأسيسي تسعون فناناً، من بينهم فدوى سليمان وسميح شقير ومي سكاف وفارس الحلو وأسامة محمد وهيثم حقي ويوسف عبدلكي ومنير الشعراني ويم مشهدي ورزام حجازي وغسان جباعي ولويز عبد الكريم وبشار زرقان وآخرون.
تُعد مي التي اشتهرت بدورها في مسلسل «العبابيد»، من أبرز الفنانين السوريين المؤيدين للثورة، وقادت مجموعة من الفنانين والمثقفين في تظاهرات قبل أن تغادر سورية لاحقاً. وفي موقف لافت طالبت الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بردّ التبرعات التي قدمتها لبعض النازحين اللبنانيين خلال العدوان الاسرائيلي على لبنان العام 2006 وقالت: «في حرب يوليو جمعت لاخوتنا اللبنانيين يلي بالضاحية.. تقريباً 100 ألف ليرة وجبتلون على اسمي براد (مشان يشربو مي باردة) وتلفزيون ودش مشان يتابعوا الأخبار وما ينقطعوا عن أهليون. ونزلت يومين عالأسواق مشان اشتري بواط وبيجامات للأطفال.. بدي أبعت للسيد حسن نصرالله... إنو أنا بعتذر... يرجّع شبيحتو عن سورية... أو يرجّعلي ديناتي». هذا ما كتبته الممثلة السورية على صفحتها على الفايسبوك، في تعبير عما اعتبرته تدخلاً من «حزب الله» في دعم النظام السوري، و«إرساله شبيحة الى سورية». وفي اتصال مع احدى الفضائيات العربية قالت: «ليس من الضروري أن يعيد الأمين العام لحزب الله تبرعاتي لي بالذات، بل يمكنه أن يتبرع بها للاجئين السوريين الهاربين في لبنان من النظام». وأضافت «لم نر أحداً من حزب الله يقوم بواجبه تجاه لاجئينا في لبنان، كما قمنا نحن بواجبنا نحو إخوتنا اللبنانيين، لذلك أرجو أن يقدم حزب الله تبرعاتي للسوريين في لبنان».
في موقف آخر أوضحت سكاف في مقال لها نُشر على بعض مواقع الالكترونية أنها ترفض مبدأ «استقرار البلاد» الذي يحرم الآخرين من المعارضة والتعبير عن آرائهم. كما انتقدت عودة انتشار صور الرئيس السوري بشار الأسد بكثرة في الأماكن العامة وعلى زجاج السيارات، معتبرة أنها وسيلة لترهيب وتخويف الآخرين وليست تعبيراً عن الحب والولاء. وتساءلت مي التي وصفت نفسها بـ«مواطنة معارضة» عن أي استقرار يجرى الحديث و«هناك دماء سورية تنزف... واعتقالات لشباب يحاولون أن ينقلوا وجهة نظرهم ويمارسون حقاً من حقوق الإنسان الحر... عُزّل إلا من رأي معارض... وهناك أفراد عسكريون من شعبنا الحر يُستشهدون».
وعبّرت في مقالتها عن غضبها من سياسة «التخوين» التي اتبعها بعض المثقفين والإعلاميين والفنانين ضد من يخالفهم في الرأي: «آه من ثقافة التخوين... لو كنت سلطة لخوّنت التخوين... ثقافة عمياء... متوترة وموتورة وقد جلبت الدم... أيعقل أن هذا الوطن لا يتسع لنا كلنا... نحن وارثو الحضارة.. دم السوريين غال... رخص الدم لأن الحراك ما كان متكافئاً... لا قانونياً... أليس الأجدى بنا أن نرفض السكون ونبدّله بحراك وطني نساهم فيه جميعاً؟». واعتبرت أن المعارضة هي «فعل وطني»، وبالتالي «يجب أن تتفهم القيادة هذا المفهوم وترفعه من تحت الأرض إلى بقعة الضوء... الشمس طهر والعتمة عفن. أنا أختلف مع الدين، ولكنني لا ألغيه... لا أستطيع إلغاءه... إنه موجود... شئت أنا أم أبيت... الحياة تعددية وتنوع».
... «دعوا الشمس تدخل قلوبنا» في هذه المقالة دعت «المواطنة السورية المعارضة»، كما تفضل أن تلقّب نفسها، الى اجراء اصلاح سياسي حقيقي، واعتبرت المعارضة فعلاً وطنياً وقالت: «لا بديل عن إجراء إصلاح سياسي حقيقي... المعارضة فعل وطني... الديموقراطية السياسية لا تقل أهمية عن الديموقراطية الاجتماعية التي ينعم بها هذا الوطن السوري.. أجل سورية وطن لكل أبنائه، حر وحر وحر.. افتحوا له الأبواب... قانونياً... ومسلكياً... وافِقوا على حزب للمعارضة.. بل أحزاب للمعارضة... فبكل مدينة إثنية واعتقاد... وبكل شارع رأي ورأي... افخروا أنتم بسوريتكم ولكن دعوا السوريين يفخرون بسوريتهم كما يحلمون... الحياة اختلاف والاستقرار موت... ارفعوا الشعارات التي تنادي بالموت لسوريتي... ودعونا كلنا نفخر بسوريتنا... إنها سورية العظيمة... سورية ليست سورية الأسد... الأسد مواطن سوري عظيم... لا تفقدني عظمتي يا سيدي.. لا تفقد السوريين.. كل السوريين.. أكراداً وآشوريين.. مسلمين ومسيحيين وكفار.. أكراداً وشراكس... يساريين ويمينيين.. لا تفقد سوريتنا عظمتها... كي نبني سورية، واحدة وحرة واشتراكية. ولكن ماذا أقول وقد سال دم».
ريما فليحان ابنة «جبل العرب».. ... «أرشيف» الانتهاكات
ريما فليحان ناشطة وكاتبة سورية من جبل العرب، ولدت في مدينة حلب العام 1975، تحمل إجازة في الحقوق، وتعمل في مجال النشاط الاجتماعي والدراسات الميدانية.
القاصة وكاتبة السيناريو طرقت في بداياتها باب القصة القصيرة، ثم اتجهت لكتابة المسلسلات الدرامية. هي صاحبة مسلسل «قلوب صغيرة» ومؤلفة روايات «مذكرات حبة القمح» و«الشرنقة» التي لا تعارض النظام بالحرف والكلمة فحسب وإنما عبر المشاركة الميدانية في التظاهرات.
شاركت ريما في تظاهرة في دمشق يوم 13 يونيو 2011، وعلى إثرها اعتُقلت مع مجموعة من المتظاهرين. وفور خروجها من سورية ودخولها الأردن في 27 سبتمبر 2011، طالبت بإسقاط النظام السوري على قاعدة «لا حوار مع سلطة تقتل شعبها».
رفضت الناطقة باسم لجان التنسيق المحلية السورية الادعاءات التي تقول إن الأقليات في سورية تدافع عن النظام، إذ تعتبر نفسها من الأكثرية الشعبية ذات التوجه العربي.
تزايُد نشاط ريما في الثورة دفع الاجهزة الأمنية الى البحث عنها لاعتقالها، وقد صدر بحقها قرار يمنعها من السفر، فهربت الى الاردن بعد رحلة شاقة، وخلال وجودها في العاصمة الأردنية تطور نشاطها السياسي وشاركت في عدد من المؤتمرات التي عقدها المجلس الوطني السوري قبل أن تعلن انسحابها منه.
أعلنت فليحان إضرابها عن الطعام يوم 28 أغسطس الماضي وقد أصرت على الاعتصام أمام مبنى الأمم المتحدة في عمان برفقة مجموعة من الناشطين السوريين وذلك تضامناً مع الشعب السوري واستنكاراً لما يتعرض له من مجازر، وقد رفعت لوحة كبيرة كتبت عليها «مضربة عن الطعام حتى يتحرك العالم»
تعتبر ريما أن «المثقف جزء من النسيج المجتمعي، ولا يمكن ان يكون معزولاً عنه». وخلال الحصار الذي تعرضت له مدينة درعا التي انطلقت منها شرارة الثورة السورية أصدرت بياناً عرف بـ «بيان الحليب» ناشدت فيه الحكومة السورية السماح بإدخال الحليب لأطفال درعا، عبر أي جهة كانت. ووصل عدد التواقيع على البيان الذي ارسل لوزارة الصحة الى 1400 توقيع. وقد وقعت مجموعة من الفنانات والفنانين السوريين عليه بينهم منى واصف وريم علي ولويز عبد الكريم وكاريس بشار.
في احدى المقابلات التي أجريت معها قالت فليحان: «عندما تولى بشار الحكم، توقعنا منه التعددية السياسية والاصلاح، لكن ذلك لم يحدث والفساد استمرّ، وكذلك البيروقراطية والفقر، وتدخلات الفروع الامنية. لم نشعر بالتغيير، لم يفتح الباب امام التعددية السياسية، يريد بشار ان يبقى مثل ابيه، وان يحكم ابنه ابنائي».
لم تكن فليحان ناشطة ميدانية فحسب بل لها دور كبير في توثيق الانتهاكات التي يتعرّض لها السوريون. وتحت عنوان «المرأة السورية في ثورة الحرية وجود وروح ورؤية» ألقت كلمة في البرلمان الأوروبي يوم 11 يونيو 2012 جاء فيها: «باسمي وباسم المرأة السورية وباسم لجان التنسيق المحلية في سورية وكل من خرج الى الشارع من اجل حريته اشكر كل الدول والشعوب التي تقف الى جانب الشعب السوري في نضاله من اجل انسانية اكثر عدالة واكثر أخلاقية. أمس قتل ما يزيد على اربعين سورياً في حماة وحدها على يد النظام... وخلال عام وشهر من بداية الثورة اكثر من 12000 سوري بينهم نساء وأطفال قضوا نتيجة الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بحق الشعب الذي خرج من اجل كرامته... آلاف المعتقلين، عشرات الالاف من اللاجئين الذين فقدوا منازلهم لتصبح الخيم امانهم الوحيد من البرد والمستقبل المجهول، بالإضافة الى الاف المعتقلات والمعتقلين القابعين تحت سياط الجلادين ووسائل تعذيبهم في أقبية المخابرات في كل مكان. في بلدي يجمع الاباء أشلاء اطفالهم الممزّقة علّهم يتمكنون من ضمة اضافية بعد أن مزقت القنابل الخارجة من الدبابات دفء الاسر وأمان المنازل. في بلدي يُقتل الصحافيون وكل من يحاول نقل الألم الآتي من دمائنا وعذاباتنا أمام نظام لا يرحم. نظام قرر ان يمضي بالقتل حتى آخر سوري بينما قررنا كشعب ان نمضي حتى نصل الى حريتنا المولودة كشمس جديدة بعد ليل طويل. إنها حالة من الانعتاق والانطلاق نحو الشمس. في تلك اللحظة تنهمر الدموع ويرتجف الجسد ونتوحد مع كل الاخرين المحيطين بنا في المكان لنصبح كياناً واحداً. تلك هي الحالة التي شعرت بها حين اكتشفت صوتي للمرة الاولى طالبة الحرية في التظاهرة نزلت فيها الى الشارع كما فعل كل السوريين الذين حطموا حواجز الخوف الرهيبة والمبنية عبر اربعين عاماً من الظلم والقمع على ايدي المخابرات ونظام لا يرحم احداً. حالة رافقت نزولي الى شوارع دمشق وصراخي للحرية. وهي الحالة التي جعلتني اكثر انخراطاً بالثورة منذ بدايتها التي استمرت الى ان فارقتُ وطني الغالي مرغمة بعد ملاحقة أجهزة المخابرات لي لأصبح لاجئة في بلدان الجوار بتاريخ 27 /9/ 2011 ليصبح الوطن حلماً والعودة هاجساً».
ناهد بدوية..... «شيء خطير في درعا»
ناهد بدوية ناشطة سياسية سورية اعتُقلت أربع سنوات بتهمة الانتساب لحزب العمل الشيوعي، وأيدت الثورة السورية منذ انطلاقها. هي زوجة المفكر الفلسطيني سلامة كيلة الذي اعتقلته القوات الأمنية السورية في نهاية شهر أبريل الماضي ونفته الى الاردن بسبب مواقفه المؤدية للثورة.
ناهد مهندسة مدنية، تعمل في هيئة تحرير نشرة «البديل» لمناهضي العولمة، وعضو مجلس إدارة في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديموقراطي الذي أغلقه النظام السوري العام 2005.
شاركت في تظاهرة سلمية أمام وزارة الداخلية في دمشق يوم 16 مارس 2011 للافراج عن المعتقلين السياسيين، وبسبب هذه الوقفة السلمية تم تحويلها إلى القضاء في تاريخ 17 /3/ 2011. وبعد استجوابها بتهمة «النيل من هيبة الدولة وتعكير صفو العلاقة بين عناصر الأمة» صدرت بحقها مذكرة توقيف وإيداع وتم الإفراج عنها في 30 /3/ 2011 بكفالة مالية.
بدأت قصة ناهد مع أطفال درعا، وهي روت ما حصل معها حين كانت في السجن بعد اعتقالها في 16 مارس: «بكيت للمرة الأولى بعد خروجي عندما سمعت قصة درعا بعد اسبوعين من بدايتها. في سجن دوما ومن القناة التلفزيونية السورية الأولى استنتجنا ان هناك شيئاً خطيراً حصل في درعا وأن الناس خرجوا الى الشارع وان هناك أسلحة في الجامع العمري وبعض القتلى، وتم التركيز على أن درعا منطقة حدودية وعلى المؤامرات الخارجية التي تستهدف الصمود والممانعة. وكنا نعكس كل الكلام التلفزيوني الرسمي حتى نلامس بعضاً من حقيقة ما يحصل وكنا نظن أننا استطعنا استنتاج بعض من الحقيقة. الصدمة الكبيرة كانت عندما خرجت وسمعت القصة الحقيقية وبكيت بحرْقة. إذن لم تكن الشرارة الأولى في درعا برنامجاً من أجل التغيير الديموقراطي الذي نحلم به، ولا مطالبة بالحرية والعيش بكرامة ولا من أجل ان نخرج من هذا الكهف، كهف الحرب الباردة البائدة، ونلحق بالحداثة كما نتحرق جميعاً. كانت الشرارة الأولى إذاً، مطلباً أقل من ذلك بكثير، كان مطلبا بخروج أطفال من السجن. أطفال؟؟ في السجن؟؟ لم أصدق، كيف؟؟؟ أطفال يلعبون ويخرْبشون على الحائط؟؟ ساقوهم الى السجن؟؟ الأنكى من ذلك أن أهاليهم وعشائرهم لم ينزلوا الى الشارع مباشرة للمطالبة بهم ولكنهم، وحسب التقليد الحالي السوري، طرقوا أبواب المسؤولين للتوسط من أجل أطفالهم، فكان الردّ بالاهانات والتهديد والاستفزاز الصريح!!! كيف يمكنهم فعل ذلك؟؟ صدقاً لم أفهم لماذا. هل كانوا يدفعونهم دفعاً للنزول الى الشارع؟؟ هل ملوا من كثرة التحضيرات لاحتمالات انتقال الثورة الى سورية ولم يحصل ذلك؟؟ هل وجدوا ان الالاف من العناصر التي جهزوها للقمع منذ أوائل فبراير تأخذ رواتبها من دون أن تفعل شيئاً وقد حان الوقت كي تحلل أجرها؟؟؟ وفي محاولة للفهم كل يوم، أسمع أغنية سميح شقير «يا حيف» وأقبله من بين عينيه، «يا حيف» كلمة اعتاد أهل درعا توجيهها للأخ حين يخطئ بحق أخيه».
رثت ناهد عميد الصحافة اللبنانية غسان تويني الذي توفي في لحظة الملحمة السورية، كما لو أنها أرادت إطالة عمره كي يشهد على ساحات الحرية: «غسان تويني، ليس غريباً أن نرثيك في عمق التراجيديا - المقتلة السورية الحالية، فأنت من شُبهت بأبطال التراجيديا الاغريقية، وقد كنا جزءاً من مآسيك الكثيرة الخاصة والعامة. كما ليس غريبا أن نرثيك في عمق الفرحة ـ الثورة السورية الحالية، وأنت أحد خطاطي ذاكرتنا الديموقراطية، وعملاق صحافتنا العربية. كنت أستاذنا في حرية الصحافة والرأي، وجزءاً من ذاكرتنا الثقافية ورمزاً للانفتاح وتجدُّد الأفكار. تلك الذاكرة الديموقراطية التي يحاول أن يمحوها المستبدّ، تماماً كما يحاول أن يقتل المستقبل بقتل أطفالنا. فالذاكرة والمستقبل ألدّ أعداء الاستبداد، لأنهما يعملان باستمرار، بحكم طبيعتهما، على تحطيم عملية تأبيد اللحظة - السلطة الراهنة. لذلك أُعذرنا لم يكن موتك مواتياً لنا، فموتك فقدان لذاكرة تهتف معنا في ساحات الحرية. من أول كتاب من مؤلفاتك، كنا نصرخ معك «اتركوا شعبي يعيش»، و«قبل أن يدهمنا اليأس» حاولنا معك «نزهة العقل» وقمنا معك بقراءة ثانية في «القومية العربية» ولم نتورط في «الحوار مع الاستبداد» فعندنا ليست «الجمهورية في إجازة» بل في حالة موت سريري منذ عار الوراثة. وفي النهاية أحزن معك لأننا حلمنا بأن تكون «البرج ساحة الحرية وبوابة المشرق» فهذا احتمال تم اغتياله، ولم تكن تقوى عليه بيروت الرقيقة أمام سنابك الظلمة. نرثيك أيها المثقف الانسان الحر وندعوك إلى الاحتفاء معنا بـ «سورية ساحة الحرية وبوابة المشرق». نعم ندعوك، لأننا لن ندعك تموت. فموتك غير مؤاتٍ لنا».
وتعقيباً على التفجير الذي وقع في مدينة حلب في شهر فبراير 2012 والذي أودى بحياة 25 شخصاً بالاضافة الى سقوط 175 جريحاً، عبّرت الناشطة السورية عن غضبها من وقاحة الإعلام السوري عند عرضه لصور الضحايا حيث كتبت:
«لم يعد الغضب فحسب ما ينتابني
صار غثيان غثيان غثيان
يحملون الأمعاء البشرية ويهزّوها أمام التلفزيون
أظنّ أني اكتشفت الآن الطريقة الذي سيسقط النظام بها
سوف يغرق بالمياه الحامضة التي تخرج من أجوافنا».

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,771,938

عدد الزوار: 6,965,269

المتواجدون الآن: 62