الأزمة اللبنانية من الشرفة السعودية

تاريخ الإضافة الجمعة 8 حزيران 2012 - 5:58 ص    عدد الزيارات 1049    التعليقات 0

        

الأزمة اللبنانية من الشرفة السعودية
(1978 – 1990)
بقلم طارق زياده

 

قرأت بشغف بالغ المجلدات الثلاثة التي وضعها الصديق النسيب السفير ظافر الحسن والصادرة عن "دار النهار"(*) عن معايشته الشخصية للأزمة اللبنانية عندما كان يشغل منصب سفير لبنان في المملكة العربية السعودية في المدة من سنة 1978 الى سنة 1990.

تقع هذه المجلدات مجتمعة في 2096 صفحة من الحجم الكبير. وهي عبارة عن مذكرات ديبلوماسية معززة بالبرقيات والبيانات الرسمية والتصريحات الصحافية، بالاضافة الى مقتطفات مهمة من المفكرة اليومية للسفير، رصدت كل تطورات الأزمة اللبنانية المتفجرة وقتها بشكل شبه يومي. وعكست بصورة مفصلة خبايا ودقائق المواقف العربية والدولية تجاه تلك الأزمة وخاصة الموقفين اللبناني والسعودي. وذكّرت بالأحداث الدامية والملتهبة التي عاشها لبنان في ذلك المنعطف التاريخي في ثمانينات القرن الماضي.
أتاحت الشرفة السعودية للسفير المتميز ان يكون على مقربة ومبعدة من الأحداث، مما حوله مراقباً نافذ البصيرة، يعايش الحدث دون ان يكون واقعاً تحت ثقله المادي في ما لو كان يعيش وقتها في لبنان المثخن بجراحاته. تحليله العقلاني للأمور وصدق نظره ودقة منهجه وواسع إطلاعه ومتابعته الحثيثة لمجرى الأمور، واحتكاكه اليومي مع المسؤولين السعوديين، على أعلى المستويات، ومع سفراء الدول العربية والاجنبية في جدة ثم في الرياض، ومع الصداقات التي حاكها بصبر وأمانة، كل ذلك جعل منه الشخص المناسب، في الوقت المناسب، ليمثل شخص السفير المدرك لجليل مهمته، مستفيداً من مؤهلات أخلاقية وعلمية شخصية ومن ثقافة واسعة ومن أدب جم وذوق مرهف ومن معرفة باللغات واطلاع شامل على الفلسفة والفكر والعلوم الحقوقية والسياسية.
كنت قد اجتمعت بالسفير الحسن في قريته بتوراتيج من اعمال الكوره، لما كان ينتظر قبول اعتماده لدى المملكة وقد تأخر ذلك نسبياً، مما أدخل بعض القلق الى نفسه، فرويت له قصة احد اسلافه في السعودية السفير حسين الجسر الذي كانت المملكة ترفض ان يستبدله لبنان بآخر، بعد ان حاز على ثقتها التامة، بحيث كان يروي لي شقيقه المرحوم النقيب عدنان الجسر، ان المملكة كانت تكلفه بأن يضع جوابها على المذكرات اللبنانية ذاتها لفرط إعجابها بحكمته وأردفتُ بأنه لا بد ان تكون المملكة تتحرى عنه وانها عندما تكتشف ثراء شخصه فإنها ستوافق على اعتماده، وتنبأت له بأن الصعوبة ستكون بتعلق اركان المملكة به وبعدم السماح بتغييره، وهذا ما حصل فعلاً إذ امضى السفير الحسن زهاء عشر سنوات في مركزه ذاك.
من الصعوبة بمكان تلخيص الاجزاء الثلاثة وما تضمنته من تفاصيل دقيقة تحتاج الى صبر طويل لمتابعتها، ولكنها بالنتيجة تشي بموقف المملكة التقليدي تجاه لبنان وهو خط مستمر لم تحد عنه، وهو موقف يتسم بالتحفظ الذي طبع الديبلوماسية السعودية، بحيث انها كانت تعمد دائماً الى دفع حكومات عربية اخرى لأخذ المبادرات التي ترغب بها، واقفة وراء الستار، داعمة، وعينها على الخلافات العربية ولاسيما بين سوريا والعراق وقتها، ومهتمة الى ابعد الحدود بمرامي السياسة الايرانية، بعد الثورة الخمينية، تجاه البلاد العربية وعلى الأخص في الخليج، كل ذلك مع تفصيل مواقف الدول العربية والدول الغربية والاتحاد السوفياتي والصين، ومع إطلالة على مؤتمرات القمم العربية والاسلامية وبياناتها، خاصة انه أتيح للسفير الحسن ان يترأس معظم الوفود الى مؤتمر وزراء خارجية الدول الاسلامية وأكثرها انعقد في جدة.
لفتتني بشكل خاص المقتطفات التي نزعها الكاتب من مفكرته اليومية الخاصة لأنها كانت تتعدى التحفظ الديبلوماسي للمذكرات والبرقيات والبيانات والتصريحات الصحافية، وتعكس بصراحة حقيقة المواقف وتشتمل على أسرار لا نجدها في الوثائق الديبلوماسية، وكنت اتمنى لو توسّع السفير الحسن بايراد ما احتوت عليه مفكرته اليومية، مع اختصار وتلخيص البيانات والمفكرات الديبلوماسية والتصريحات الصحافية، التي أوردها حرفياً، مما أثقل المجلدات، ولو أنني أعرف ان هذا لا يتلاءم مع دقة مزاج السفير الحسن التي لا يحيد عنها.
بالوسع القول ان هذه المجلدات الثلاثة، وهي أجزاء من عشرة مجلدات تنشر تباعاً، تشكل دروساً في الديبلوماسية لسفير ناجح وأمين عام لوزارة الخارجية، تصلح ان تُعلم في المعاهد الديبلوماسية وفي وزارات الخارجية، في لبنان والدول العربية، للديبلوماسيين الناشئين، كما يمكن الاستفادة القصوى منها، كمرجع تاريخي، في كليات العلوم السياسية لمعرفة كيف تدار الأزمات الدولية المستعصية، كالأزمة اللبنانية حينها، وفي الوقت ذاته تشكل مرجعاً ليوميات تلك الأزمة كما عاشها السفير من شرفة البلد المعتمد فيه.
حاز السفير الحسن على ثقة المسؤولين اللبنانيين والسعوديين، ليس لنفوذ سياسي شخصي يتمتع به، وإنما لتميزه وتألقه وحكمته وثقافته وأدبه وابتعاده عن سفاسف الأمور ودنايا المطالب.
مجلدات صيغت بلغة عربية دقيقة، دون إمعان في الفصاحة، لم نعثر فيها الا على القليل من الأخطاء المطبعية، ننصح بمطالعتها لكل مهتم، إذ انها أضافت الى المكتبة اللبنانية والعربية لُبنة جعلت منها سِفراً ديبلوماسياً راقياً.

(*) السفير ظافر الحسن – الديبلوماسية اللبنانية، معايشة شخصية (الأزمة اللبنانية من الشرفة السعودية 1978 – 1990) – "دار النهار" – بيروت – 2012.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,774,428

عدد الزوار: 6,965,407

المتواجدون الآن: 78