العلاقات السعودية - السورية ... كرّ وفرّ بين «البراغماتية» و... «الخداع»

تاريخ الإضافة الإثنين 26 آذار 2012 - 6:46 ص    عدد الزيارات 823    التعليقات 0

        

 

لبنان ... فلسطين ... العراق و إيران «صواعق» مهدت لانفجارها
العلاقات السعودية - السورية ... كرّ وفرّ بين «البراغماتية» و... «الخداع»
بيروت - من ريتا فرج
«... النظام السوري فقد شرعيته وبات أشبه بسلطة احتلال، فلم يعد بإمكانه التذرع بالسيادة والقانون الدولي لمنع المجتمع الدولي من حماية شعبه الذي يتعرّض لمذابح يومية يندى لها الجبين، ولم يعد هناك سبيل للخروج من الأزمة إلاَّ بانتقال السلطة إما طوعاً أو كرهاً». عبارات معبّرة لوزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل اطلقها في مؤتمر أصدقاء سورية الذي انعقد في تونس وعكست بلوغ العلاقات بين الرياض ودمشق نقطة اللاعودة.
الموقف السعودي من الأزمة السورية ليس جديداً، اذ سبق للملك عبد الله بن عبد العزيز أن وجّه رسالة الى الشعب السوري في 8 أغسطس 2011 قال فيها: «ايها الأشقاء في سورية العروبة والاسلام، إن تداعيات الأحداث التي تمر بها الشقيقة سورية، والتي نتج عنها سقوط أعداد كبيرة من الشهداء الذين أريقت دماؤهم، وأعداد أخرى من الجرحى والمصابين، ويعلم الجميع أن كل عاقل عربي ومسلم أو غيرهم يدرك أن ذلك ليس من الدين، ولا من القيم، والأخلاق. فإراقة دماء الأبرياء لأي أسباب ومبررات كانت، لن تجد لها مدخلاً مطمئناً، يستطيع فيه العرب والمسلمون والعالم أجمع، أن يروا من خلالها بارقة أمل، إلا بتفعيل الحكمة لدى القيادة السورية، وتصدّيها لدورها التاريخي في مفترق طرقٍ الله أعلم أين تؤدي إليه».
هذا الواقع المستجدّ الذي رافق انفجار الثورة في سورية أعقب مرحلة من «الحذر الشديد» ميّزت العلاقات السعودية ـ السورية. فرغم الاتفاق على ملفات اقليمية عدة قبل العام 2005 وانتماء كل طرف الى معسكر دولي إبان «الحرب الباردة»، لم يصل التوتر بين محوريْ «الممانعة والاعتدال» الى هذا المستوى من الصدام الذي اندلع بسبب الأزمة السورية التي تكثر حولها السيناريوات، بعدما دخلت في عمق الصراع الدولي على المنطقة تحت شعار «الحرب الباردة» الخفية هذه المرة.
السعودية والتوازن الإقليمي
منذ دخول السعودية نادي الدول الإقليمية كقوة اقتصادية ومرجعية سياسية ودينية، وهي تسلك سياسة خارجية متوازنة سواء في مقاربتها لقضايا العرب أو في رسم توجهات دولية معتدلة. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، اتجهت المملكة الى توثيق العلاقات العربية - العربية رغم الألغام التي اعترضت شعار التضامن الذي أطلقه الملك عبد الله في قمة الرياض التي عقدت يومي 28 - 29 مارس 2007 وجدّده أكثر من مرة.
وفي موازاة عملها على بناء شبكة من العلاقات المتينة مع العرب والغرب، فان ما عزز الحضور الدولي للرياض هو البراغماتية التي ميّزت إدارتها للملفات المتداخلة عربياً ودولياً، وقد شكلت القضية الفلسطينية والصراع العربي - الاسرائيلي والأزمات اللبنانية المتكررة والملف العراقي بعد سقوط صدام حسين أحد أبرز الملفات التي تعاطت معها الرياض بدقة شديدة.
استندت المملكة على خطاب سياسي معتدل في السياسة الخارجية ولم تتخذ مواقف حادة من الغرب كما لم تتساهل في القضايا العربية الكبرى ولا سيما القضية الفلسطينية، إذ كان للقيادة السعودية دور تاريخي تم التعبير عنه في محطات مختلفة من أهمها انعقاد مؤتمر المصالحة الفلسطينية في 8 فبراير 2007. كما عملت على انتهاج سياسة خارجية وسطية تأخذ في الاعتبار عاملين: عدم التساهل في الحقوق العربية وتوثيق العلاقات مع واشنطن بدءاً من الرسالة التي بعثها الملك عبد العزيز الى الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت العام 1943.
الرياض ودمشق... المدّ والجزر
تميّزت العلاقات السعودية - السورية بعد وصول الرئيس حافظ الأسد الى السلطة بطابع متوازن رغم انضمام كل طرف الى معكسر إبان الحرب الباردة. التفاوت الايديولوجي بين الدولتين وتناقُض بعض المصالح لم يؤديا الى قطع التحالف وإن كان ظاهرياً. وتحت عناوين التضامن العربي والبعد القومي، حاولت الدولتان نسج المصالح المشتركة بحدّها الأدنى في ظروف حتّمت التمايز العلني أحياناً.
ولم تتأثر علاقة السعودية بتغيُّر النظام السوري لا في زمن الحكم الملكي الهاشمي في بغداد ولا في زمن الوحدة السورية - المصرية. وقد أدركت المملكة أهمية دور دمشق في المعادلات والتسويات الاقليمية، ولذا حرصتْ على دعم استقلالية النظام السوري، لكن دمشق ابتعدت عن الرياض في ملفات مختلفة، والتقت معها في جبهة مصرية - سعودية - سورية مضادّة لحلف بغداد الذي تأسس العام 1955 للوقوف في وجه المد الشيوعي، ثم ابتعدا في الستينات من القرن الماضي عندما دشنّ الحكم السوري تحالفه مع الاتحاد السوفياتي.
في عهد الرئيس حافظ الأسد، توطّدت العلاقات بين البلدين حول العديد من القضايا ومن بينها تحرير الكويت، والالتزام بالقضية الفلسطينية، رغم ان «الصاعق» اللبناني اي الحرب الأهلية كان أضفى مزيداً من التباين بينهم، ولا سيما في ضوء دور «الإطفائي» الذي لعبته الرياض خلال حرب السنتين التي امتدّت بين عامي 1975 - 1976 إذ أثمرت مساعيها في قمة الرياض عن تشكيل قوات الردع العربية قبل ان تتطوّر الامور لاحقاً مع خروج العرب ودخول الجيش السوري لبنان العام 1976 ليتجدّد «التفويض» العربي - الدولي لسورية في لبنان بفعل الاجتياح العراقي للكويت ما مكّن دمشق من الانفراد في تطبيق «النسخة السورية» من اتفاق الطائف.
بعد إنهيار المنظومة الشيوعية وسيطرة النظام العالمي الأحادي، بقيت العلاقات السعودية - السورية، محكومة بالجو القومي والعروبي رغم الخلاف السياسي حول بعض الأزمات لعلّ أهمّها: الأزمة اللبنانية. وعشيّة رحيل الرئيس حافظ الأسد العام 2000 والتحولات الدولية التي أعقبت هجمات نيويورك في الـ 2001 ثم صدور القرار 1559 (في سبتمبر 2004) المتضمن الانسحاب السوري من لبنان، وما تلاه من انعكاسات عقب إغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 فبراير 2005، شهدت العلاقات توتراً متصاعداً، وجاءت زيارة الأمير (آنذاك) عبد الله بن عبد العزيز لدمشق في مايو 2005 حيث طالب بالانسحاب الفوري والكامل للجيش السوري من لبنان لتُدخل مزيداً من التشنج على العلاقة بين البلدين.
«الصاعق» اللبناني
عمّقت تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد إثر العدوان الاسرائيلي على لبنان في 12 يوليو 2006 حدة الشرخ بين دمشق والرياض، بعدما وصف الأسد القادة العرب بأنهم «أشباه رجال»، غامزاً من قناة الموقف السعودي المندد بـ «المغامرات غير المحسوبة» في إشارة لدور «حزب الله» في التسبب بالحرب بعد أسره جنديين إسرائيليين وما ترتب على هذه العملية من حرب مدمرة على لبنان.
وجاءت حرب الـ 2006 لتضيف مادة خلافية جديدة الى العناوين الساخنة التي كانت تطبع العلاقة السعودية - السورية من البوابة اللبنانية التي انفتحت على أزمة طويلة منذ العام 2005، حيث لم ينجح الأسد الابن في الحفاظ على سياسة مداراة الحساسية السعودية وإبقاء جسور التواصل مع الرياض في ما يتعلق بقضايا المنطقة على ما كان يفعل والده الراحل.
وقد شكل الصاعق اللبناني بهذا المعنى المحطة الأخطر في تأزم العلاقات، بفعل رؤيتين متناقضتين: القيادة السورية لا تسمح بأن يكون لبنان ممراً أو مستقراً لأي خطر عليها، والسعودية نتيجة بُعدها الجغرافي وخروجها من دائرة الصراع العربي - الاسرائيلي، بصرف النظر عن المبادرة العربية التي أطلقها الأمير عبد الله بن العزيز في قمة بيروت، تحاول مقاربة المسألة اللبنانية من زاوية مختلفة.
ثلاث نقاط أسست للتوتر بين الرياض ودمشق:
أولاً: الاختلاف في مقاربة السياسات الدولية: فالسعودية المنضوية تحت لواء «دول الاعتدال» تسعى الى تحقيق نوع من التوازن الاقليمي على أكثر من جبهة، وسورية المنضوية تحت لواء «دول الممانعة» وعلى رأسها ايران تسعى الى دعم المحور الايراني - السوري - العراقي - اللبناني ما يعني زيادة القلق السني الخليجي من «هلال شيعي» لطالما حذر منه الملك الاردني عبد الله الثاني عشية أول انتخابات عراقية بعد الاحتلال الاميركي.
ثانياً: التناقض الجوهري حول دور إيران في المنطقة: سورية حسمت خيارها في بناء تحالف استراتيجي مع الجمهورية الاسلامية، والسعودية تتخوف من النفوذ الايراني تحديداً بعد الانسحاب الاميركي من العراق.
ثالثاً: التناقض في تسوية القضية الفلسطينية: في الوقت الذي تتجه المملكة الى تسوية الخلافات الفلسطينية - الفلسطينية كما حدث في قمة مكة والتأكيد على المبادرة العربية للسلام، يتجه النظام السوري الى دعم حركات المقاومة والى استنزاف الجبهتين الفلسطينية واللبنانية تحت شعار الممانعة. وبمعنى أدق تعطي السعودية الأولوية «لخيار السلام» وتؤيد مسار الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولا سيما بعد سيطرة «حماس» على قطاع غزة (يونيو 2007)، التي جاءت بعد توقيع اتفاق مكة بين حركة فتح وحماس (فبراير 2007) برعاية من الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز نفسه، وهو الأمر الذي أغضب السعودية وجعلها تبحث عن البصمة الإيرانية في خطوة «حماس»، وعن التفهم السوري.
الحوار المأزوم ومحاولات الترميم
بعد نحو ثلاث سنوات على التوتر بين دمشق والرياض على خلفية ملفات لبنان وفلسطين وايران، أسست القمة الرباعية التي عقدت في الرياض يوم 11/3/ 2009 بين مصر وسورية والسعودية والكويت، لاجتماع ايجابي أعاد للعلاقات السعودية - السورية الى مسارها الصحيح. وجاء في البيان الصادر عن القمة «أنها أتت تنفيذاً لارادة جماعية من قادة الدول الأربع لتنقية الأجواء العربية، وتحقيق المصالحة، استكمالاً لما بدأ في قمة الكويت في 20 يناير 2009، من دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لطيّ صفحة الماضي، وتجاوز الخلافات لمصلحة الأمة العربية. ويعتبر القادة أن اجتماعهم يمثل بداية لمرحلة جديدة في العلاقات، تسعى فيها الدول الأربع لخدمة القضايا العربية، بالتعاون فيما بينهم، والعمل الجاد والمتواصل لما فيه خير الدول العربية، والاتفاق على منهج موحد للسياسات العربية، في مواجهة القضايا الأساسية التي تواجه الأمة العربية وفي مقدمها القضية الفلسطينية».
مع عودة الحوار بين الرياض ودمشق، زار الملك عبد الله بن عبد العزيز دمشق في 7 أكتوبر 2009، الزيارة التاريخية التي أعقبها توجُّه العاهل السعودي والرئيس السوري في طائرة واحدة الى بيروت، أتت عقب القمة الثلاثية التي عقدت بين العاهل السعودي والرئيس السابق حسني مبارك والرئيس الأسد والتي حتمتها المواقف المتباينة في مقاربة المرحلة الجديدة في لبنان بعد اتفاق الدوحة الذي أعقب احداث 7 مايو 2008 وبعد الانتخابات النيابية التي فازت فيها قوى 14 آذار في يونيو 2009. وقد سعى الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال زيارته لدمشق الى لملمة الشمل العربي وإعادة الرونق للعلاقات السعودية - السورية من البوابة اللبنانية. وآنذاك كان لبنان مشغولاً بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري. وكان لافتاً عدم صدور بيان مشترك عن قمة عبد الله - الأسد، فكان هناك بيانان بصيغتين لا تخلوان من بعض الاختلاف، فالبيان السوري أسقط في ما يخص العراق عبارة «عدم التدخل في الشؤون الداخلية» التي جاءت في البيان السعودي الذي عممته وكالة الأنباء السعودية. وتجاهل البيان السوري أي اشارة للأوضاع في اليمن، أما التباين بالنسبة للموضوع اللبناني فقد اتضح في كيفية تصنيف «الوحدة الوطنية»، إذ طالب البيان السعودي بـ «أهمية التوصل الى كل ما من شأنه وحدة لبنان واستقراره من خلال تعزيز التوافق بين الأشقاء في لبنان والاسراع في تشكيل حكومة وحدة وطنية» في حين أن البيان السوري «أكد أهمية البحث بين اللبنانيين عن نقاط التلاقي التي تخدم مصلحة لبنان من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية باعتبارها حجر أساس لاستقرار لبنان وتعزيز وحدته وقوته ومنعته».
الامتداد السوري للرافد العراقي
الترميم السعودي للتصدع في العلاقات السعودية - السورية لم «يصمد» طويلاً، اذ كان الملف العراقي احد «الألغام» التي «فجّرته»، بعدما طرحت الرياض اسم أياد علاوي كرئيس للحكومة العراقية في اعقاب الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لكن رئاسة نوري المالكي للحكومة التي تألفت بعد مخاض طويل، دفعت الى طرح سيناريوات مختلفة بينها أن ايران عارضت علاوي وطلبت من حليفها السوري دعم المالكي وتالياً نقض التفاهم الذي كان تم بين دمشق والرياض على مساندة علاوي. الى ذلك سعت المملكة التي لها تأثير في أوساط العراقيين السنّة، الى إعادة الدور للطائفة السنية بعد التعملق الشيعي الواضح منذ الاحتلال الاميركي للعراق.
ونظراً لأهمية الدور السوري والسعودي في العراق، نشر «معهد السلام الأميركي» العام 2010 دراسة تحت عنوان «العراق: دول الجوار وإدارة أوباما منظور سوري - سعودي» وأعدّت الدراسة مجموعة من الخبراء، كمحاولة لإلقاء الضوء على تلك القضايا المشتركة بين العراق ودول الجوار، فضلاً عن الوقوف على أسباب تعديل مواقف واشنطن من تلك القضايا.
واشارت الدراسة إلى أن سورية تنظر الى العراق باعتباره أحد العناصر المكونة للمنطقة التي تعج بالأزمات، وترى أن مسألة الانقسامات العرقية والطائفية في العراق، فضلاً عن صعود الحركات الإسلامية المتطرفة تمثل خطراً بالغاً على سورية على أساس إمكان انتقالها إليها عن طريق ما يسمى بالتدفق الانتشاري Spill over، باعتبار سورية هي الأخرى تتسم بالتعددية الطائفية.
وفي ما يتعلق بالموقف السعودي من الغزو الأميركي للعراق، أكدت الدراسة أن السعودية قد صُدمت وأصيبت باستياء شديد من الموقف الأميركي بسبب تجاهل نصائحها، بحيث أشارت الدراسة إلى أن إدارة بوش لم تكن على استعداد أن يقدم لها أي طرف مهما كان ما يجب أن تفعله في العراق، كما أنها لم تكن راغبة في عقد أي شراكة فيما يتعلق بالأمور الحيوية في العراق. وفي هذا الإطار وصفت مختلف الأوساط السعودية الإدارة الأميركية بأنها تتعامل مع المسألة العراقية بصورة منفردة بعيدة عن مصالح دول الجوار، وذلك رغم التداخل الشديد بينها وبين الأزمات الأخرى التي تعانيها المنطقة.
ومن هذا المنطلق، وصفت الدراسة ما قامت به الولايات المتحدة لجهة منع السعودية من المشاركة في عراق ما بعد صدام حسين بأنه تهور كبير، الأمر الذي أعطى الفرصة لزيادة النفوذ الإيراني في العراق كنتيجة للفراغ السياسي الذي خلفته حالة الحرب.
وشكّل الخلاف السعودي - السوري بشأن العراق امتداداً لمقاربة كل منهما للوضع في «بلاد ما بين النهرين»، فالرياض تعاملت مع الوضع الجديد بحكم أن الاحتلال الأميركي أمر واقع، في حين رفضت سورية «الغزو» ورأت فيه مقدمة لمشروع يستهدف قوى الممانعة في المنطقة، وقد أيّدت دمشق حق العراقيين في المقاومة. ولكن توسع النفوذ الايراني في العراق زاد من قلق السعودية فاعتبرت أن هذا النفوذ يرتكز على دور سلبي وهو بمثابة التدخل في شؤون بلد عربي، وقد تقاطع الموقف السعودي مع تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين طهران ودمشق حيث اعتبرت الرياض أن هذا التحالف جاء على حساب مصلحة العرب القومية، وأنه يستبطن توجهاً إيرانياً شيعياً يريد السيطرة على المنطقة، وأن سورية نفسها واقعة تحت هذا الضغط الإيراني بسبب كثافة الوجود الإيراني في سورية في مرحلة حكم الرئيس بشار الأسد.
وهذا النفوذ وسّع الشرخ بين الرياض ودمشق على عدة جبهات، الى ان «طفح الكأس» بعد «انقلاب» دمشق على اتفاق الدوحة وإقصاء سعد الحريري عن الرئاسة الثالثة في يناير 2011 بعد إجهاض ما عُرف بـ «مبادرة السين سين» اي سورية - السعودية التي سعت الى التفاهم على تسوية تتصل باستيعاب ارتدادات المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والقرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهي التسوية التي كشف الحريري خطوطها العريضة تحت عنوان «مؤتمر المصالحة والمسامحة» الذي كان يجري الاعداد لعقده في الرياض.
وجاءت هذه «الانقلابات» وغيرها لتدفع بعض الأطراف السعودية النافذة الى القول ان سورية تمارس «الخداع السياسي مع المملكة ولا يمكن الوثوق بها».
التباين والحصاد
إذا أردنا أن نرسم خريطة التباين بين السعودية وسورية على مستوى الخسائر والنتائج، يمكن تسجيل أكثر من نقطة:
- الانسحاب السوري من لبنان في ابريل 2005 أدى الى تصاعد النفوذ الايراني مقابل محاولة الرياض احتواء الأزمات اللبنانية عبر النهج الوسطي والسعي الى إعادة دمشق الى الحاضنة العربية، تحديداً بعد القمة الرباعية التي عقدت في الرياض بين مصر وسورية والسعودية والكويت، لكن دمشق حسمت خيارها بالوقوف الى جانب ايران ولم تستجب لمحاولات الترميم التي بادرتها اليها الرياض.
- تصاعد الدور الايراني في العراق وسورية مقابل سعي السعودية الى تعزيز حضورها لدى سنّة العراق بعد الصحوة السياسية الشيعية.
- من الناحية السياسية والاستراتيجية أصبحت سورية موطئاً لنشر النفوذ الإيراني، من العراق إلى لبنان الى فلسطين الى البحرين واليمن.
- تراجُع التكليف الأميركي للدور السوري في المنطقة عمّا كان عليه في مرحلة الرئيس الراحل حافظ الأسد.
- سعي الرياض الى جذب سنّة العراق إثر التغلغل الايراني بعد الاحتلال الاميركي.
- تصاعد الحديث عن وجود صراع سني - شيعي بقيادة ايرانية - سعودية ما أدى الى ضمور القضايا العربية القومية.
وفي انتظار ما ستؤول اليه «الثورة السورية» يبدو أن العلاقات السعودية - السورية وصلت الى نقطة اللاعودة. ولعل وصف وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل النظام السوري بـ «سلطة الاحتلال» يعبّر عن حجم الافتراق بين البلدين الذي فجرته أزمات دورية متتالية من لبنان الى فلسطين ومن العراق الى ايران، مع فارق أساسي أن سورية الأسد تحولت ساحة للصراع الدولي بعدما كانت أحد أطراف هذا الصراع زمن التكليف الأميركي و «التسامّح» السعودي....

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,560,208

عدد الزوار: 6,955,145

المتواجدون الآن: 75