حكومة الظل الشبابيّة الثالثة

للسنة الثالثة على التوالي يتمّ تشكيل حكومة الظل الشبابيّة بما يبدو تصميماً واضحاً على متابعة فكرة وحلم من آمن دائماً بشباب لبنان ودوره، الشهيد جبران تويني. فبعد ثلاثة أيّام على استشهاده تبنّت الحكومة اللبنانيّة في 15/12/2005 مشروع حكومة الظل، وبدأت بعدها جمعيّة "نهار الشباب" بوضع الآليات العملانية للتطبيق. فتأسّست أوّل حكومة ظل في أواخر عام 2006.

تلعب هذه الحكومة دوراً مهماً في إشراك الشباب اللبناني في الحياة العامة عبر صلاحيّتي المراقبة والضغط (لوبيينغ). فمن أبرز صلاحيّاتها، بموجب نظامها الداخلي، مراقبة الحكومة الدستوريّة وتصويب أدائها ومراجعة قانونيّة أعمال وزارئها، كما واقتراح مشاريع قوانين جديدة (لوبيينغ) وملاحقة شكاوى الناس وإلقاء الضوء على الفساد ومكافحته.

وبعد إعداد الحكومة لبيانها الوزاري، قامت بإعلانه في 30 كانون الاوّل الفائت من تحت قبّة البرلمان اللبناني في ساحة النجمة بحضور النوّاب غسّان مخيبر، نبيل دو فريج وسيرج طور سركيسيان، وممثّل عن الرئيس نبيه برّي الدكتور رياض غنّام، وممثّل عن الوزير طلال أرسلان، السيّدة فاديا حلاّل، وممثّل عن النائب ستريدا جعجع، الاستاذ مارون مارون، بالاضافة إلى عدد من القضاة والإعلاميين ونشطاء في المجتمع المدني.

تضمّن البيان برنامجَ عمل واقعياً حدّد فيه كلّ وزير ظل الإطار الذي سيعمل عليه طوال فترة تولّيه مسؤوليّات العمل والمراقبة.

بدأت الجلسة بتلاوة النشيد الوطني اللبناني، أعقبته كلمة الزميل غسّان حجّار التي جاء فيها أنّ جمعيّة نهار الشباب تدعم للسنة الثالثة مشروع حكومة الظل الشبابيّة وترعاه. وقد آلت الجمعيّة على نفسها تقويم الأعمال في كل سنة، لمتابعة الناجح منها، وتحسين الأداء في المشاريع المتعثّرة، قبل أن تحكم عليها بالفشل. ولذا يتمّ الإصغاء إلى كل الانتقادات بهدف منح حكومة الظل مزيداً من الخبرة، ولإعطاء الجيل الجديد من وزراء الظل مجموع الانتقادات الاصلاحيّة للاستفادة منها. كلّ ذلك بهدف إنضاج المشروع في صيغته الثالثة وصيَغه المستقبليّة، في ظلّ تراكم الخبرات والعمل يتقدّم باستمرار. لقد عدنا إلى بيان الوزارة السابقة لنقارن بين الوعود، وما تحقّق منها، ووضعنا خطة عاجلة مع الأمانة العامة لإزالة العثرات من أمام الحكومة الثالثة. وشكر حجّار رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الذي يفتح أبواب المجلس لإعلان البيان منه، كما شكر رئيس الحكومة فؤاد السنيورة لدعمه المشروع منذ أن تبنّاه مع الشهيد جبران تويني، وشكر رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان الذي خصّ الشباب بفقرة خاصة في خطاب القسم.

بعدها ألقى أمين عام حكومة الظل الاستاذ عيّاد واكيم كلمة جاء فيها أنّه للمرّة الثالثة على التوالي تطل حكومة الظل الشبابيّة لتؤكّد أنّ الشباب بكل أطيافة وانتماءاته قادر على تحمّل مسؤوليّات كبيرة وتنفيذ خطوات راقية في الديمقراطيّة والعمل التنفيذي، من دون الدخول في الدهاليز السياسيّة. وهنّأ واكيم وزراء الظل الجدد آملاً أن تظل أفكار وأحلام جبران تويني مساحة حريّة وشفافيّة وتلاق.

ثمّ تلت وزيرة العدل في حكومة الظل لين عمار البيان الوزاري، وقد تضمّن  قسمين، الأوّل تحت عنوان "في السياسة العامة" والثاني تحت عنوان "أولويّات العمل الحكومي".

في السياسة العامة شدّد البيان على: وضع قانون انتخابي جديد، بسط سيادة الدولة على كافة الاراضي اللبنانيّة، مواكبة ملف المفقودين اللبنانيين والمخفيين قسراً، حق عودة اللاجئين اللبنانيين إلى إسرائيل، الحياد الايجابي، مواكبة مسار المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان، ترسيم الحدود اللبنانيّة كافة، وتحرير باقي الاراضي اللبنانيّة المحتلّة، التأكيد على مبدأ فصل السلطات، الإلتزام بالمواثيق الدوليّة ولا سيّما منها شرعة حقوق الإنسان، السعي إلى العلمانيّة، سنّ قانون لبناني اختياري للأحوال الشخصيّة، حق المرأة في إعطاء الجنسيّة لأولادها، إقرار قانون المنافسة، تطوير معايير الإنتاج في القطاعات الإنتاجيّة، اتخاد الإجرءات الكفيلة بحماية لبنان من تأثيرات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، ترشيد القطاع العام وتحرير القطاعات الاستراتيجيّة، توفير شبكة أمان اجتماعيّة اقتصاديّة للشعب اللبناني، اعتماد مبدأ التنمية المستدامة، محاربة الفساد والرشوة ووقف الهدر، تطبيق اللامركزيّة الإداريّة والإنماء المتوازن في كافة المناطق.

في أولويّات العمل الحكومي نص النظام على الأعمال الداخلة في كل وزارة على حدة، والتي سيتابعها بشكل مباشر كل وزير ظل طيلة فترة توزيره، بالإضافة طبعاً إلى قضايا السياسة العامة سابقة الذكر. فتشكّل هذا القسم من عشرين بنداً تفرّع كل منها إلى نقاط معيّنة ارتأى كل وزير العمل والتركيز عليها بهدف تحقيقها.

بعد تلاوة البيان فُتح المجال لمناقشته، فحيّا النائب سيرج طور سركيسيان نشاط الشباب ورحّب ببعض الأفكار التي وردت في البيان كموضوع السلطة القضائيّة وموضوع البيئة.

من جهته طالب النائب نبيل دو فريج بإبقاء الاتصال بين وزراء الظل ونوّاب البرلمان الحاليين، وأكّد استعداده للتعاون مع وزراء الظل حاملي الحقائب الاقتصاديّة والزراعيّة.

وطالب النائب غسّان مخيبر بتفعيل دور المساءلة والمحاسبة، لا سيّما في ما خصّ التقصير الذي طال أعمال الحكومتين السابقتين. وأكّد على تفعيل دور حكومة الظل على صعيد المراقبة في مساءلة ومحاسبة الحكومة الحاليّة وعدم اقتصاره على العمل التشريعي (لوبيينغ). وشدّد مخيبر على ضرورة استمرار التعاون بين حكومة الظل واللجان النيابيّة المختلفة، كما هي الحال مع لجنة حقوق الإنسان التي دعت وزراء الظل لحضور مناقشات الخطة الوطنيّة لحقوق الإنسان. كما تمنّى مخيبر على حكومة الظل وضع مجموعة من المشاريع القابلة للتنفيذ، على غرار مراقبة آليّة تسجيل اللبنانيين في الخارج كمرحلة تحضيريّة وُضعت موضع التنفيذ لمشاركة هؤلاء في الانتخابات المقبلة، أو الضغط لمتابعة تحريك اقتراح القانون الموجود في مجلس النوّاب لتخفيض سن الاقتراع.

ممثّل الرئيس نبيه برّي مدير عام الجلسات واللجان في المجلس النيابي الدكتور رياض غنّام، هنّأ حكومة الظل الجديدة، وأوعز إليها بالتوجّه إلى أعضاء المجلس النيابي باقتراحات قوانين أو بمشاريع قوانين معجّلة مكرّرة، أي التي تقدّم إلى الهيئة العامة أثناء انعقاد الجلسة، لا سيّما أنّ الرئيس برّي يسهّل أمور كل اقتراحات القوانين تلك. واعتبر غنّام أنّ جميع النوّاب يتمنون الحصول على هكذا مشاريع كي يتبنوها ويقدموها كاقتراحات قوانين، وأنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لإيصال صوت حكومة الظل إلى التنفيذ.

ممثّل النائب ستريدا جعجع الاستاذ مارون مارون، رأى أنّ مجرّد حمل هذه الحكومة لفكر ونهج ومبادئ الشهيد جبران تويني، يجلها تمُنح الثقة على هذا الأساس. وثمّن مارون البرامج المتطوّرة والعلميّة والحضاريّة لحكومة الظل متمنياً لها كل التوفيق.

في المقابل ذكّر أمين عام حكومة الظل ببعض إنجازات الحكومة الثانية، منها مشروع تفعيل مديريّة حماية المستهلك حيث تمّ تدريب 1059 شخصاً سيوظّف 150 منهم. وأيضاً مشروع إعادة تدوير الورق بالاتفاق مع 500 شركة لبنانيّة، مما يوفّر قطع الشجر، والبداية ستكون مع الحكومة اللبنانيّة. وأكّد واكيم أنّ الحكومة سعت لدى النوّاب الذين وقّعوا عريضة خفض سنّ الاقتراع، إلا أنّهم لم يلتزموا بذلك أمام المجلس النيابي. وبشأن الموقف من المقاومة ودورها في تحرير الاراضي اللبنانيّة، قال واكيم إنّ المقاومة أدّت دورها، وعلى السلطات الشرعيّة تحرير البلاد. وبالنسبة للماليّة العامة والهدر ودور المجالس فيه، لفت واكيم إلى أنّ في كل المجالس المستقلّة، من مجلس الجنوب ومجلس الإنماء والإعمار وصندوق المهجّرين، تنعدم المراقبة ولا تُعرف طريقة الصرف فيها. ولكن يجب ألا تُستبدل بوزارة تصميم، التي تمثّل عودة إلى الوراء، إنّما بتشكيل هيئة تنسيق مشتركة بين الوزارات المعنيّة بالإعمار.

كما اعتبر المنسّق العام للحكومة ووزير الأمن القومي صالح حديفة في معرض الرد على بعض الأسئلة التي وجّهت إلى الحكومة، أنّ صلاحيّات حكومة الظل لا ينص عليها القانون إنّما ترتبط بعمل وتحقيق أهداف هذه الاخيرة. وأشار إلى أنّ كل وزراء الظل الحاليين هم في طور تحضير ملفّاتهم بشكل متكامل، لا سيّما وأنّ هذا الشهر يعتبر أوّل شهر عمل لهم.

ويتمّ حالياً تحديد مواعيد مع الوزراء الحاليين ، طالبًا من الجميع، سياسيين وإعلاميين ومجتمع مدني، التعاون مع حكومة الظل لتحقيق أكبر قدر من الأهداف التي وضعتها.

وزيرة الخارجيّة والانتشار ونائبة المنسّق العام رومي نصر، رأت أنّ البيان الوزاري تضمّن كل ما هو ممكن التحقيق. وبرأيها، لو أراد وزراء الظل تضمين البيان الوزاري كل ما هو مطروح من استراتيجيّة دفاعيّة وغيره، لاستطاعوا، إلا أنّه كان ليبقى حبراً على ورق. لذا كان الخيار هو الفصل بين العام أو "الكليشيه" وبين الممكن تحقيقه، لا سيّما خلال فترة قصيرة نسبياً. كما شدّدت نصر على أهميّة دور حكومة الظل في الرقابة والمحاسبة، وإن لم تكن عبر الطرق التقليديّة المتّبعة، وإنّما عبر اللوبيينغ والضغوطات. فوزراء الظل حاضرون ويراقبون ويعرفون حقوقهم وواجباتهم ويعرفون حقوق وواجبات الوزراء الحاليين في حكومة الرئيس السنيورة.

وعن دورها كنائب لمنسّق عام الحكومة، قالت نصر إنّ المنسّق العام يرأس الجلسات ويمثّل بعض الوزراء إذا تمّت دعوتهم إلى مؤتمرات وحفلات وغيرها، ونائبه يحلّ مكانه في حال تغيّبه. وكذلك يتولّى التنسيق بشأن المواضيع السياسيّة المطروحة على جدول أعمال حكومة الظل، والتي تتمّ مناقشتها كل نهار سبت خلال جلسة انعقاد حكومة الظل.