ملف سوريا.. انطلاق «العدالة التصالحية»: ليس بالعفو وحده تُطوى المأساة...

تاريخ الإضافة الجمعة 6 أيار 2022 - 6:30 ص    عدد الزيارات 1131    التعليقات 0

        

تحت «جسر الرئيس»... أمّهات في انتظار الأمل...

الاخبار... محمود عبد اللطيف ...

دمشق | التجوّل بين المنتظرين في منطقة «جسر الرئيس»، والسير فيهم بسؤال عن سبب تجمّعهم في هذه المنطقة بالذات، سيأتيان بإجابات متنوّعة؛ فالبعض قرأ خبراً على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وآخرون سمعوا من جيرانهم أو أقاربهم بأن هذا المكان مخصّص لوصول الموقوفين، فيما قسم ثالث رأى صوراً لمفرَج عنهم وصلوا إلى هناك. حالةٌ لا تفعل الأنباء المتداولة إلّا مفاقمتها؛ إذ إن كلّ ما يتناهى إلى آذان المتجمّعين إمّا يدفعهم إلى مزيد من الانتظار في المكان عينه، أو الانتقال إلى مكان آخر، كما حدث حين ورود أنباء مجهولة المصدر عن وصول عدد من المُخلَى سراحهم إلى «ساحة المرجة»، ليتحرّك عدد كبير من المتجمّعين نحو هذه الساحة، ثمّ يعودوا إلى تحت «جسر الرئيس»، ولسان حالهم يقول: «ما في شي... طلعت إشاعة». وعلى رغم أن البيانات الصادرة عن وزارة العدل تفيد بأن المشمولين بالعفو يغادرون أماكن توقيفهم بشكل إفرادي، وأن لا نقل جماعياً لهم إلى أيّ نقطة، غير أن المنتظرين لا يجدون مبرّراً لمغادرة مكانهم؛ فإن لم يكن النقل الجماعي سيتمّ بطريقة رسمية بحسبهم، فغالبية خطوط النقل الداخلي في دمشق تلتقي تحت الجسر الذي يتوسّط العاصمة، علماً أن أيّاً من الخطوط القادمة من «عدرا - صيدنايا» لا يصل إلى هنا.

تقول «أم محمد»، المتحدّرة من ريف دير الزور والمقيمة حالياً في ريف دمشق، إنها تقاسمت مقعداً في الحديقة المجاورة لـ«جسر الرئيس» مع سيّدتَين أخريَين في انتظار أبنائهنّ. وتضيف في حديثها إلى «الأخبار»: «بصراحة، لا يوجد أمّ أو أيّ أحد من الحاضرين في هذا التجمّع سيقول إن مَن ينتظر خروجه من السجن مدان، كلّهم يقولون إن أبناءهم مظلومون، وهذا طبيعي جدّاً، فكلّ شخص يدافع عمّن يحبه ويخصّه، فما بالك بابن أو أب؟». وأيّاً يكن، فسيتمّ، بحسب مصادر «الأخبار»، «إطلاق سراح كلّ مَن يشمهلم العفو الرئاسي، الذي جاء واسعاً ليوقف البحث عن المطلوبين بتهم متضمّنة في المرسوم، من دون الحاجة إلى أن يقوموا بتسليم أنفسهم للجهات الحكومية كما جرت العادة في مراسيم العفو السابقة، حيث ستتكفّل الجهات ذات الاختصاص هذه المرّة بتنفيذ إجراءات كفّ البحث عمّن لا يوجد بحقهم ادّعاء شخصي». وتُبيّن المصادر أن «إجراءات تطبيق المرسوم تتمّ من خلال دراسة ملفّات الموقوفين تباعاً، ومن ثمّ مخاطبة السجون بإخلاء سبيل مَن يشملهم العفو، ليتمّ إطلاق سراحهم مباشرة، وما إن يغادر الموقوف باب السجن حتى يكون حرّاً في اختيار المكان الذي سيتّجه إليه»، مضيفةً أنه «لكون المرسوم جاء مفاجئاً وبدأ تطبيقه خلال أيّام عطلة، فإن الوصول إلى إحصائية دقيقة حول عدد مَن سيشملهم سيستغرق وقتاً، وما تمّ تنفيذه حتى الآن هو مراجعة عدد كبير من الملفّات وإطلاق مئات الموقوفين من عدّة محافظات».

انطلاق «العدالة التصالحية»: ليس بالعفو وحده تُطوى المأساة

الاخبار... بلال سليطين الجمعة 6 أيار 2022

وضعت دمشق عنواناً تقليدياً وهو «العفو»، ضمن «المصالحة»، لكن من دون حوار محلّي

يتشابه العفو الرئاسي الصادر في سوريا قبل أيام، والذي يعدّ الأشمل منذ اندلاع الحرب في البلاد، مع العفو الجزائري الصادر عام 1999، ضمن قانون «الوئام المدني»، الذي شكّل بداية نهاية «العشرية السوداء». على أنه خلافاً لـ«خطّة المصالحة» في الجزائر، والتي كانت واضحةً وعلنيةً، وترافقت مع مشروع سياسي، يبدو الأمر، في الحالة السورية، وكأنّه خطوات مهمّة، لكن منفصلة، لا تزال تحتاج إلى مظلّة جامعة وهويّة واضحة، تُقدَّم من خلالها للمواطنين، على قاعدة «كلّنا خاسرون، لكنّنا نربح معاً»

دمشق | في العام 1992، اندلعت حرب طاحنة في الجزائر على خلفيّة أزمة سياسية كان طرفاها الجيش بما يمثّله من «حُكم العسكر» من جهة، و«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» من جهة أخرى. ودارت بين الطرفين معارك خلّفت مئات آلاف الضحايا والمعتقلين والمختطفين على جانبَي الحرب. كما امتدّ الصراع إلى معظم الأراضي الجزائرية، في سيناريو مشابه جزئياً لِمَا حدث في سوريا، سواءً على شكل حرب عصابات أو تفجيرات أو اغتيالات، بينما كان الشمال الجزائري نقطة التجمّع الأكبر لمسلّحي «الجماعة الإسلامية». وبالرغم من أن الضحايا من الطرفَين كانوا يسقطون كلّ يوم خلال «العشرية السوداء» أو «المأساة الوطنية»، كما اصطُلح على تسميتها لاحقاً، إلّا أن المفاوضات استمرّت تقريباً طوال سنوات الحرب العشر، وكان العهد الذهبي للحوار بعد العام 1994، مع تولّي الرئيس الجديد، اليمين زروال، الحُكم، حيث حاور قيادات «الجبهة»، القابعين في السجون، وعقد معهم اتفاقات أفضت إلى إخلاء سبيلهم، وساهمت في تقسيم الجبهة إلى جزء مؤيّد للحوار، وآخر رافض له. وبالنظر إلى التجربة السورية، فإن حالة التفاوض بالنسبة لدمشق كانت مختلفة إلى حدّ كبير؛ فالبُعد الرئيسي لها كان عسكرياً بهدف التوصّل إلى تسويات، ولربّما مثّل ذلك رؤية سورية خاصّة في التعامل مع كلّ منطقة بخصوصيّتها، فوقع التفاوض غالباً على إلقاء السلاح أو الترحيل إلى الشمال، الذي أصبح اليوم يشبه كثيراً بل ويتفوّق على الشمال الجزائري في تسعينيات القرن الماضي.

سرديّات الصراع

لم يكن من السهل على الجزائريين الموالين للطرفين، التخلّص بسهولة من السرديّات التي تمّ تبنّيها خلال الصراع حول الآخر الذي تمّت شيطنته تماماً. فالعسكر الذين رفضوا نتائج الانتخابات البرلمانية التي أفضت إلى فوز الإسلاميين، تبنّوا سرديات مواجهة عملاء ومرتزقة ومتآمرين، وأنهم هم حماة الوطن والجمهورية، أمّا الإسلاميون فطرحوا أنفسهم كحماة للدين، وخصومهم كمجموعة سَلبت إرادة الشعب وعادت الإسلام. في المقابل، تقاطعت السردية السورية الحكومية مع السردية العسكرية الجزائرية، في كثير من مفرداتها، وكذلك سردية المعارضة، والتي هي عملياً عدّة سرديات، بعضها يقول بالثورة والحرية والديموقراطية، وآخر يقول بالجهاد والنصرة وإقامة الحُكم الإسلامي، وهذه الأخيرة هي الغالبة على المشهد السوري المعارض.

اختارت دمشق «العدالة التصالحية» للانتقال إلى ما بعد الحرب من دون إعلان رسمي

وبالعودة إلى التجربة الجزائرية، وتحديداً العام 1999، فقد تركت الحرب ندوباً عميقة في الجسد الجزائري، تطلّبت مداواتها بدء الرئيس الجزائري آنذاك، عبد العزيز بوتفليقة، حواراً مع «الجبهة الإسلامية»، نتج منه عفو عن «الذين ارتكبوا جرائم إرهابية لم تسفر عن موت أحد»، وهذا التحديد يشبه كثيراً العفو الذي صدر في سوريا أخيراً. لكن بخلاف سوريا التي وضعت عنواناً تقليدياً لخطوتها الرسمية الجديدة نحو الحلّ، وهو «العفو» الذي انضوى تحت العنوان الأكبر: «المصالحة»، وجاء من دون حوار محلّي، فإن الجزائر سمّت مشروعها للحلّ الشامل «قانون الوئام المدني»، الذي تضمّن الإعفاء من المتابعات الأمنية والقضائية، وتخفيف العقوبات، وساهم في دفع الكثيرين من الجبهة إلى تسليم أسلحتهم، والانخراط في المصالحة الوطنية، التي سعت قيادة الجزائر لخلق بيئة مؤاتية لها، عبر خطابات ألقاها بوتفليقة في مختلف أرجاء البلاد، وقدّم خلالها الخطّة في سياق المصالحة الوطنية، وإنقاذ البلاد من أزماتها. وهكذا، طُرح المشروع للاستفتاء في العام 1999، ونال موافقة قرابة 98%.

ما بعد الحرب

يبدو أن سوريا اختارت طريق الانتقال إلى ما بعد الحرب، من دون إعلان رسمي، عبر ما يسمّى بـ«العدالة التصالحية»، وهو ما كان الخيار الجزائري أيضاً. إلّا أن «قانون الوئام» القديم، المتقدّم جدّاً على قانون العفو السوري الجديد، والذي صنعته فعلياً السلطة المنتصرة في الجزائر، لم يُكتب له النجاح الكامل، بسبب عدم شموله حلولاً لمشكلات جوهرية خلّفتها الحرب. ولذا، لم تجد الجزائر بُدّاً من البحث عن بدائل لإنقاذ البلاد من حالة الفوضى، وإعادة علاقة الدولة مع جيرانها والمجتمع الدولي، وتقليص دور العسكر في الحياة السياسية. وانطلاقاً من ذلك، كان «ميثاق السلم والمصالحة»، الذي أُعلن عنه عام 2005، وشكّل مخرجاً مناسباً لأزمات جزائرية داخلية، تشهد سوريا مثيلاً لمعظمها اليوم. وبموجب الميثاق، ترسّخت نظرية «الجميع خاسرون»، وَتثبّت توصيف «المأساة الوطنية» على الأزمة الجزائرية في أدبيات الدولة، وهو ما ساهم في تخفيف الضرر النفسي والمعنوي لدى كلّ أطراف الصراع، خصوصاً بعدما جرى فرض قيود صارمة على تناول فترة الحرب، وعوقِب بالحبس مَن يكتب تاريخها. وعلى رغم أن تلك القيود لا تزال مثار جدل إلى اليوم، إلّا أنها أوجدت حلولاً لقضايا تعاني منها دمشق حالياً كالمخطوفين والمغيّبين والمعتقلين، وأتاحت جبر الضرر عن الضحايا، والعفو، ومساعدة العائدين من القتال على الاندماج بالمجتمع، والأطفال المولودين من دون تسجيل رسمي، وغيرها من إجراءات «العدالة التصالحية»، التي أفضت في نهاية الأمر إلى استقرار الجزائر، وتجاوز دوّامة العنف، ووقف الأعمال الانتقامية. مع ذلك، يَنظر البعض إلى الاتفاق بعين ناقدة، كونه أنهى الحرب من دون إجراء قراءة أو مراجعة لها، وأتاح الإفلات من العقاب لكلّ المجرمين الذين شاركوا فيها وارتكبوا الفظائع. إلّا أن آخرين يرون فيه مساراً ناجحاً لإيقاف العنف. وبالمقارنة بين التجربة الجزائرية، وتلك التي تُصنع اليوم في سوريا، يَظهر أن «خطّة المصالحة» في الجزائر كانت واضحةً وعلنيةً، وترافقت مع مشروع سياسي. بينما في الحالة السورية، يبدو الأمر وكأنه خطوات مهمّة، لكن منفصلة، لا تزال تحتاج إلى مظلّة جامعة وهوية واضحة، تُقدَّم من خلالها للمواطنين. ولا تجيب التجربة الجزائرية على سؤال كيف يكون الحلّ في سوريا؛ فلكلّ بلد خصوصياته وظروفه، لكنّها بالتأكيد تعطي مؤشّرات عامة حول الفرق بين مفهوميَن لما بعد الحرب: «رابح وخاسر»، و«كلّنا خاسرون، لكنّنا نربح معاً».

وصفة غربيّة للاقتصاد السوري: تعافٍ... بالحدّ الأدنى...

الاخبار... زياد غصن .... مع أن جوهر العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، يستهدف أساساً منع إطلاق أيّ عملية لإعادة إعمار البلد الذي دمّرته حرب دخلت عامها الثاني عشر، إلّا أن ذلك لم يمنع تداول مصطلح «التعافي الاقتصادي» أخيراً في الأروقة الغربية، بل واستخدامه في تبرير بعض الإجراءات الاستثنائية لصالح دمشق. على أن عراضة هذا المصطلح لا تحجب حقيقة كونه مجرّد تغطية للحدّ الاقتصادي الأدنى المطلوب إرساؤه سورياً، «بشكل يؤدّي إلى استقرار اجتماعي وسياسي ويتجنّب الفوضى»، وفق ما يرى خبراء.... برز، في خلال الأشهر القليلة الماضية، مصطلح «التعافي الاقتصادي» في ثنايا الخطاب السياسي لبعض الدول الغربية، المتعلّق بالأزمة السورية، لا بل إن الإجراءات الأميركية المتّخذة قبل بضعة أشهر، والمتّصلة بتخفيف عقوبات قانون «قيصر» عن نشاط بعض المنظّمات غير الحكومية، جرى تبريرها بالعنوان نفسه، في إطار ما بات يُعرف بسياسة «الخطوة مقابل خطوة» بين واشنطن وموسكو، في حين ورد ذكر هذا المصطلح أيضاً في بعض اجتماعات المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون. وأثار كلّ ذلك تساؤلات في شأن المغزى من الحديث عن «التعافي»، في وقت ترفض فيه الحكومات الغربية المشاركة أو السماح لشركاتها ومؤسّساتها بالانخراط في أيّ نقاش حول عملية إعادة الإعمار المنتظَرة، وما إذا كان الحديث المُشار إليه متشابهاً بين جميع الجهات التي تسوّقه، ومن بينها الحكومة السورية التي رفعت لواءه قبل عدّة سنوات، وبقي، لأسباب مختلفة، مجرّد شعار سياسي أكثر من كونه عملية اقتصادية.

المُستهدف هو الحدّ الأدنى

ليس مصطلح «التعافي الاقتصادي» جديداً على الساحة الدولية، ولا سيما خلال السنوات الأخيرة التي شهدت أزمات دولية عديدة، كان أهمّها التأثيرات العميقة لفيروس «كورونا» على اقتصادات الدول وحركة التجارة الدولية، فضلاً عن الحروب والنزاعات الداخلية والإقليمية، إذ حضر ذلك المصطلح كمرادف أساسي لجهود ما بعد تلك الحروب والأزمات. وبحسب ما يَذكر أستاذ القانون العام في كلية الحقوق في جامعة دمشق، عصام التكروري، فإن الفترة التي تلي الحروب الداخلية، ولا سيّما المركّبة منها كما هو الحال في سوريا، تعتمد آلية تعافٍ تقوم على أربع روافع وهي:

- خدمات الاستجابة للطوارئ والحاجات الأساسية.

- الإصلاح السياسي والإداري.

- إنجاز عملية المصالحة التامة.

- التعافي الاقتصادي

ويلفت التكروري، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «هذه الروافع الأربع شهدناها تتحقّق في دولة جنوب أفريقيا، عندما نضجت الإرادة الدولية لوضع حدّ للصراع الدموي ما بين البيض والسود بداية عام 1990، وكذلك شهدناها في لبنان بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1989». من جهته، يميّز رئيس جمعية العلوم الاقتصادية في اللاذقية، سنان علي ديب، بين «العافية والتعافي الاقتصادي، وهما مصطلحان متضادّان، يمثّلان ظاهرتَين لطالما سمع بهما الباحثون والمختصّون بمستويات مختلفة، ما بين الاقتصاد العالمي الكلّي عبر مؤشّرات ومقاييس، وبين اقتصادات بلدان بحدّ ذاتها وكذلك في قطاعات متنوّعة. وأقرب وأكبر مثال حالة الاقتصاد العالمي في أعقاب انتشار فيروس كورونا، وما أدّى إليه من ركود وانكماش».

تقتصر إجراءات «التعافي» المنشود غربياً، على تمويل بعض المشروعات المحدودة أو تسهيل إنجازها

ويتيح تعريف «التعافي الاقتصادي»، توقّع الغاية من طرحه على الساحة السورية حالياً، في وقت لم يتبلور فيه بعد حلّ للأزمة المستمرّة منذ عام 2011. ويشير الباحث الاقتصادي، زكي محشي، في هذا السياق، إلى أن «التعافي الاقتصادي بالتعريف المبسّط، هو خروج اقتصاد دولة ما من حالة الركود الاقتصادي، التي سبّبتها أزمة أو حزمة من الأزمات، والبدء بتحقيق معدّلات نموّ إيجابية تعيد الناتج المحلّي الإجمالي إلى ما كان عليه قبل الأزمة»، مبيّناً أن «التعافي يأخذ أشكالاً مختلفة، منها التعافي السريع، أي العودة إلى معدّلات الناتج السابقة في فترة زمنية قصيرة نسبياً، والتعافي البطيء أي الحاجة إلى فترة زمنية طويلة نسبياً للعودة إلى هذه المعدّلات». ويضيف، في حديثه إلى «الأخبار»، أن «هناك أيضاً التعافي عند الحدّ الأدنى، وهو أسوأ أشكال التعافي، بحيث لا يتمكّن الاقتصاد من العودة إلى معدّلات الناتج السابقة حتى بعد سنوات من انتهاء الأزمة نتيجة الخلل البنيوي الذي أصابه، وعادة ما يرتبط هذا الشكل بالاقتصادات التي تتعرّض للحروب والنزاعات الطويلة الأجل مثل ما حدث في سوريا». ويبدو أن الشكل الأخير هو المستهدَف سورياً من قِبَل الخارج، حيث تقتصر الإجراءات هنا على تمويل أو تسهيل إنجاز بعض المشروعات المحدودة، والمعنيّة بتوفير جزء من الخدمات العامّة للسكان، سواءً في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وهذا ما أظهرته بوضوح التصريحات الأميركية تعقيباً على الاستثناءات التي أقرّتها واشنطن على قانون «قيصر»، أو في المناطق الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلّحة في الشمال والشرق. وتالياً، فإن مصلحة السوريين تبدو ضئيلة، خصوصاً أنه ينبغي، بحسب محشي، «التمييز بين التعافي الاقتصادي والتنمية التضمينية أو الشاملة، إذ إن مصطلح التعافي يعبّر فقط عن العودة (أو الاتجاه نحو العودة) إلى معدّلات الناتج السابقة، بغضّ النظر عن توزيع الناتج وأثره على الحالة المعيشية للسكّان، بعكس المنظور التنموي التضميني أو الشامل، والذي يتضمّن إلى جانب البُعد الاقتصادي بعداً اجتماعياً ومؤسّساتياً».

المصلحة واحدة

مؤشّران يجعلان من الحديث الخارجي عن «التعافي» محلّ تشكيك: الأوّل هو الدور السلبي الذي لعبته دول كثيرة في مسار الأزمة السورية؛ والثاني التجارب الدولية السابقة المماثلة من أفغانستان والعراق إلى لبنان، حيث فشل «التعافي الاقتصادي» في تحقيق تطلّعات الشعوب، وتحوَّل إلى مجرّد شعار لترسيخ رواسب الحرب ومغانمها. ولهذا، يعتقد التكروري أن «التصريحات التي يدلي بها مسؤولون أجانب حول إمكانية حدوث تعافٍ في الاقتصاد السوري نتيجة إجراء يسمح لمنظّمات غير حكومية بالعمل في سوريا، أو يرفع بعض الأشخاص أو الشركات من قوائم الحظر، هي تصريحات تحت مستوى الكلام، لأن الدول التي ينتمي إليها أولئك المسؤولون، وخصوصاً الأميركيين منهم، هي المسؤولة بنفسها بشكل مباشر عن الاعتلال الحاصل في الاقتصاد السوري وفي الوضع المعيشي الصعب للمواطن؛ فالولايات المتحدة هي قوّة احتلال عسكري، وتمارس عملية النهب الاقتصادي الممنهج لخيرات شرق الفرات، وتدعم الإرهاب بكلّ صنوفه، وهي رأس الحربة في التدابير الاقتصادية القهرية الأحادية الجانب المفروضة على سوريا». وهذا ما يذهب إليه أيضاً محشي، ويعمّمه على جميع الأطراف المؤثّرة في الأزمة السورية، و«المهتمّة فقط بمصالحها واستثماراتها الريعية في سوريا، وبالتالي تسعى في أحسن الأحوال إلى تحقيق التعافي عند الحدّ الأدنى، وبشكل يؤدّي إلى استقرار اجتماعي وسياسي ويتجنّب الفوضى». ويشدّد على أن «المساعدات والدعم الخارجي مطلوبان وأساسيان لتحقيق التعافي وخروج سوريا من الكارثة، إلّا أن السوريين وحدهم هم مَن يحدّدون طبيعة هذه المساعدات، فإمّا أن تكون قائمة على علاقات ومصالح خاصة، وتديرها القلّة من أصحاب الأعمال لتحافظ على التعافي بحدوده الدنيا، وإمّا أن تكون مُوجَّهة وتنموية تشرف عليها مؤسّسات مؤهَّلة. وبالتالي، فإن حدود المصطلح لدى الأطراف الخارجية تتوسّع في حال أثبت السوريون قدرتهم على بناء مؤسّسات عادلة وفعّالة وقادرة على إدارة التعافي بشفافية». وكان مصطلح «التعافي» الذي وجد طريقه إلى الخطاب الحكومي منذ عام 2014، بقي بلا برامج وسياسات تنفيذية، بدليل التدهور الكبير في الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ومع ذلك، لا يستطيع أحد، كما يرى التكروري، «أن ينكر أنه ما زال بإمكان الحكومة السورية اتّخاذ جملة من التدابير الاقتصادية التي تستطيع أن تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد الداخلي من خلال برامج حقيقية لدعم القطاعَين الصناعي والزراعي، وكسر حلقات الاحتكار على المستوى التجاري، والابتعاد عن سياسة الارتجال والتجريب لدى مقاربة الشأن المعيشي للمواطن السوري»، إذ إن مقوّمات التعافي، بحسب ديب، متوفّرة، «لكن ما نجده من سياسات انعكست تأثيراتها على المؤشّرات الاقتصادية الرئيسة في البلاد كالتضخّم الفظيع، وزيادة البطالة، وغير ذلك، هو دليل على الحاجة إلى تغيير تلك السياسات والبرامج، بحيث يتمّ استثمار الموارد الوطنية بشكل صحيح، بعيداً عن العقوبات والاحتلال وسرقة الثروات».

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,644,054

عدد الزوار: 6,906,189

المتواجدون الآن: 106