لبنان يعود إلى زمن "الإعاشات".. والأحزاب تستعرض "إنجازاتها البدائية" بتقنيات عالية...

تاريخ الإضافة الجمعة 9 نيسان 2021 - 9:03 م    عدد الزيارات 1666    التعليقات 0

        

لبنان يعود إلى زمن "الإعاشات".. والأحزاب تستعرض "إنجازاتها البدائية" بتقنيات عالية...

الحرة....حسين طليس – بيروت.... جميع الأحزاب السياسية في لبنان تنشط مؤخرا في عملية تحضير وتوزيع وتصوير الحصص الغذائية والمساعدات والإعاشات على جماهيرها....

لم تعكس صور ومشاهد الإعاشات والحصص الغذائية التي بثتها الأحزاب السياسية في لبنان خلال الأيام الماضية، رسالة الطمأنة والثقة التي أرادت إيصالها إلى الشعب اللبناني وجماهيرها خصوصا. بل انعكست بوجهين مختلفين، أحدهما كان منتشراً بوضوح على مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما لدى الجيل الشاب، بدا ساخرا مستهزئا بالاستعراض الحاصل، ، فيما الوجه الآخر حمله جيل أكبر كان خائفاً من رمزية "كراتين الإعاشات" التي خبرها في أحلك أيام الحروب والحصار والضائقة المعيشية والاقتصادية في تاريخ البلاد. بدون استثناء، تنشط جميع الأحزاب السياسية في لبنان مؤخراً في عملية تحضير وتوزيع وتصوير الحصص الغذائية والمساعدات والإعاشات على جماهيرها ومناطق نفوذها تحت شعار "مساعدة الناس" في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية. وصل التصوير حد الفن، وبلغت الحملات الإعلامية التي تروج لـ "عطاءات" الأحزاب ذروتها بإنتاج فيديوهات سينمائية عالية الجودة توثق "مساعدتها" للناس، إلى حد دفع اللبنانيين للتساؤل ما إذا كانوا على شفير معركة انتخابية انطلقت قبل عام من موعدها. كل حزب حسب إمكاناته وحجم انتشاره يعمل. وعلى التوقيت الطائفي للبلاد، نشطت الأحزاب المسيحية في فترات الصيام لدى الطوائف المسيحية وقبل عيد الفصح، فوزع التيار الوطني الحر في مناطق شعبيته كراتين إعاشات إضافة إلى مواد تنظيف وتعقيم، ومثله فعل حزب المردة والكتائب، والقوات اللبنانية التي تميزت بإصدار قسائم خبز وبنزين وزعتها على محازبيها وأنصارها، إضافة إلى إدارة منظومة دعم صحي للمواطنين في المناطق، كزحلة وبشري حيث سجل توزيع أدوية وتخفيض أسعار أدوية أخرى. كل ذلك وجد طريقه صوراً وإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي وتغطيات إخبارية لدى الوكالات. في المقابل، ومع بلوغ اللبنانيين اعتاب شهر رمضان، ازداد زخم "المساعدات" لدى القوى الإسلامية في البلاد، أحزاب وجمعيات تابعة لها والمؤسسات الطائفية والدينية، تنشط جميعها في التسويق لمساعداتها وحملاتها، حتى تخطت كل حدود المتوقعة.

حزب الله يستعرض "تفوقه"

فبينما اقتصر نشاط كل من الحزب الاشتراكي وحركة أمل وتيار المستقبل وشخصيات مدينة طرابلس وصيدا والبقاع على توزيع "الإعاشات الكلاسيكية" من حصص غذائية ومعونات صحية وتربوية ومحروقات، قفز حزب الله عن الجميع بإمكاناته التي تفوق باقي الأحزاب اللبنانية ليعلن عن إطلاق منظومة رعاية وخدمات اجتماعية تتخطى ما عجزت الحكومة اللبنانية، التي يشارك فيها حزب الله، عن فعله لدعم المواطنين وأمنهم الغذائي والصحي بعد عامين على الأزمة. فقد نشّط حزب الله مشروع "السَجَّاد" الذي يعمل عليه منذ بداية العام الماضي، وكان قد جربه بشكل محدود في عدد من المناطق صيف 2020، وأطلق في إطاره خلال الأيام الماضية عملية توزيع بطاقات دعم خاصة وافتتاح مراكز بيع مواد غذائية في مناطقه، إضافة إلى برنامج دعم صحي واجتماعي، إذ يقوم المشروع على توزيع بطاقات تؤمن لحامليها حسومات كبيرة على مشترياتهم الأساسية وموادهم الغذائية إضافة إلى الخدمات الصحية والتربوية ومشاريع تنموية وقد تشمل المحروقات في المرحلة المقبلة وغيرها من السلع الأساسية والخدمات التي ما عادت بمتناول اللبنانيين بتكلفتها الحالية المرتفعة. وتحت شعار "مع الناس" و"لن نجوع"، أطلق حزب الله حملة إعلامية وتسويقية لـ "إنجازاته" وصلت إلى حد التفنن الهندسي والفوتوغرافي في استعراض الحصص الغذائية والإعاشات ولصق الصور والأعلام وإنتاج الفيديوهات التي رأى كثير من المواطنين فيها إمعانا في الإذلال، وتبسيطا لمشاكل وحاجات الشعب اللبناني ومقومات صموده.

عودة إلى "البدائية"

بالشكل والمضمون، طرح اللبنانيون تساؤلات حول المشهد الذي بدأ يتطبع لديهم، أسبابه وأهداف الأحزاب من خلفها، هل هو حضور في غياب الدولة يؤسس لزوالها، فتحل الأحزاب مباشرة مكانها؟ أم أنها استقطاب شعبي تستغل فيه الأحزاب الحاجة المعيشية لتستعيد ولاءاتها وقواعدها الشعبية والانتخابية التي فقدتها بعد ثورة 17 أكتوبر تحتاجها العام المقبل في الانتخابات النيابية؟ وبين هذه الآراء هناك من يرى أن الأحزاب مجبورة ومضطرة لتقديم هذه المساعدات والمساهمة في صمود الناس كي لا ينفجر غضبهم بوجه الأحزاب نفسها. الموضوع مركب، بحسب ما يرى الباحث السياسي والأستاذ الجامعي علي مراد، الذي يشير في حديث لـ "الحرة" إلى أن "الأحزاب في مرحلة معينة كانت قادرة قبل الانهيار المالي ان تؤمن نوعاً من الدعم المالي المباشر لمحازبيها وأنصارها، وتقدم الخدمات المختلفة لجمهورها، بشكل يمكنها من الحصول على ولائهم ولاسيما الطبقات الأكثر فقرا، إذ فقدت الأحزاب قدرتها على تشغيل منظومتها وشبكتها الزبائنية التي كانت مستندة بشكل أساسي على الدولة وعائداتها ووظائفها، لكنها باتت اليوم مضطر للعودة إلى الشكل البدائي من تقديم المساعدات العينية لمناصريها وبشكل مباشر. من جهته يرى الناشط في مجموعة "عامّية 17 تشرين" شادي حنوش في مشهد الإعاشات هذا، "جزءا من المشهد العام لتحلل الدولة في لبنان. فهذه الأحزاب سبق أن فصلت الدولة على قياسها، وأدخلت زبائنيتها في الدولة، ولما كانت أحزاب فاسدة خلقت دولة فاسدة. ويضيف "هذه المنظومة الحاكمة قامت على مدى عقود برشوة الناس من أجل شراء سكوتهم عن فضائحها وتقصيرها في تطوير البلد وبنيته التحتية وخدماته، طبعا تحاول اليوم الاستمرار بأسلوب الرشوة، ولكن انخفضت الرشوة مع الأزمة الاقتصادية، وبدلاً من بيوت وسيارات وسهرات وسفرات ورواتب ووظائف، باتت اليوم على قياس حاجة الناس إلى الزيت والسكر والطعام".

ليس بالطعام وحده..

"يوزعون المعلبات مثل حصص القطط، أعادوا الناس إلى زمن المعلبات"، يقول حنوش لموقع "الحرة"، ويسأل "من قال إن الناس تريد أن تأكل معلبات عام 2021؟ من قال ان الناس تريد زيوتا مكررة؟ إن كنا نعيش في حرب فليخبرونا، حينها نعمد إلى انتهاج اقتصاد حرب والتأقلم معه". "اعتقاد هذه المنظومة وأحزابها أن مشكلة الناس بتأمين طعامها اعتقاد خاطئ، هم الناس اليوم ليس بعلبة طعام أو ربطة معكرونة وكيس سكر، ولن تكتفي بها"، يضيف حنوش، "من يريد غداً شراء ملابس لنفسه ولأطفاله ماذا سيفعل؟ من ستتعطل لديه أدوات كهربائية وصحية وقطع السيارات وكل تفاصيل ومصاريف الحياة اليومية، ماذا ستفعل له كرتونة الإعاشة؟"...... "هذه الأحزاب سرقت الدولة وأتت اليوم لتقول للناس (أنا أطعمكم)، إن أطعمتهم اليوم وغدا وبعد غد ماذا يحل هذا؟ هناك واقع في لبنان يقول إن البلد أفلس وهناك سلاح حزب الله، بمعنى آخر هناك دولة مفلسة ودولة على هامش الدولة، ما الحل؟ الناس جالسة في منازلها منذ سنتين لا تعيش حياتها الاجتماعية الطبيعية ولا تستهلك حاجاتها وفق ما تطلبه الحياة الطبيعية، لكن بالنسبة إلى مستقبل اللبنانيين هل يكفي أن يأكلوا؟ الا يحق لهم الطموح بالسفر والتعليم والعمل والتطور؟" يسأل حنوش. ويتابع "قبل أن يطلقوا الاستقطاب الشعبي والانتخابي بوعود جديدة، حزب الله قال إنه ذاهب إلى الدول المجاورة ليقلب المعادلات ويغير الوقائع، عاد بعد 10 سنوات إلى لبنان بكرتونة إعاشة وزيت قلي؟ هذه هي غنائم حروبه التي عاد بها لجماهيره؟ هذا هو التغيير الاستراتيجي؟ وكل الأحزاب اللبنانية مثله أيضاً، تعيش على نظرية المؤامرة والتخويف من خطر الآخر منذ عشرات السنين، ثم تبيع الناس انتصارات وهمية، وكانوا جميعا حلفاء حزب الله وخصومه يتغطون ببعضهم البعض، منظومة الفساد تحمي منظومة السلاح والعكس".

"انتصارات كرتونية"

"ليس الإعاشات فقط، حتى الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية التي تقدمها الأحزاب، دائما ما كانت شكلاً من أشكال المظلة الاجتماعية و"التضامن الاجتماعي" الذي كان موجودا دائماً في لبنان، وشكل أداة بارزة من أدوات الاستزلام السياسي وتحصيل الولاء في لبنان ولاسيما في فترات الانتخابات،" بحسب مدير تحرير "المرصد العمالي" الصحفي أسعد سمور. يؤكد سمور لموقع "الحرة" أن "هذا السلوك لدى الأحزاب لطالما كرس مبدأ أن في لبنان طوائف، وعلاقة الناس بالدولة تمر عبر الطائفة، حتى على صعيد التقديمات والخدمات، ما يدفع الناس للدفاع عن طوائفها لكونها مصدر هذه التقديمات لاسيما خلال الأزمات، وبالتالي ما نراه اليوم ليس حديثاً أو جديداً على المجتمع اللبناني. لكن الغريب، بحسب سمور، هو تصوير هذا الأمر وكأنه انتصارات وإنجازات تحققها الأحزاب أمام جمهورها، ويظهر ذلك في الشعارات التي تطلقها كـ "لن نجوع" مثلاً للقول أن الحزب الفلاني أو الطائفة الفلانية أو الزعيم الفلاني لن يسمحوا للجوع بالوصول إلى جمهورهم، و"بالطبع كل ذلك استخفاف بعقول الناس، فهذه الأحزاب موجودة في السلطة من عشرات السنوات ولم تقدم أي انجاز أو مشروع يصب في سبيل الأمن الاجتماعي للناس، بل على العكس ضربوها وأوقفوا فعاليتها لكي يفعّلوا نظام الرشى الخاص بهم وشراء الأصوات والولاءات من خلال التقديمات". وفي ظل انعدام الإنجازات "والانتصارات" لدى جميع الأحزاب، تسعى وفق سمور، إلى تصوير كرتونة الإعاشة وغالون الزيت كانتصار يؤكد على أن هذه الأحزاب ملتزمة بطوائفها. ولكي يصلوا إلى هذا المستوى من الترويج فإن ذلك يعبر عن مدى انفصال القواعد الشعبية عن هذه الأحزاب، فيما هم في الواقع يحاولون وضح مستحضرات تجميل على جثة ميت. من ناحيته يرى مراد أن "هذا المسار إن دل على شيء فهو يدل على عدم قدرة على الأحزاب حتى بعد الثورة وخلال الأزمة أن تغير من مقاربتها لعلاقتها مع الناس، حيث لا تزال تقوم على نظرة التبعية والزبائنية، وبالتالي هي عاجزة حتى عن توزيع أكل ومساعدات على الناس دون أن تقوم بإذلالهم عبر استغلال فقرهم وجوعهم لتحقيق مكاسب شعبية وانتخابية".

شراء الوقت.. بالمعلّبات

"المشكلة في هذه المساعدات انها تأتي في سياق شراء الوقت، الذي يحكم عمل الطبقة السياسية حالياً في لبنان على جميع المستويات"، يقول مراد، "شراء الوقت من خلال الفشل في تشكيل الحكومة، وعدم الاستجابة لمطالب الشارع، وعدم القيام بالإصلاحات المطلوبة، لتأتي هذه المساعدات أيضاً في الإطار نفسه الذي يراهن على أن هذا النوع من التقديمات يؤخر نزول الناس إلى الشارع". ويستشهد مراد بتغيير الأحزاب لسياسة دعمها ووجهة مساعداتها، "من عادة الأحزاب أن تساعد مناصريها والمحسوبين عليها وذلك وفق الحسابات الانتخابية، لكنها اليوم وبعد الانهيار الاقتصادي باتت معنية بمساعدة الجميع من أجل تغطية أكبر شريحة ممكنة من الناس من مؤيديها ومن هم على ضفافها، بهدف تأجيل انفجار الغضب، ولكن في جميع الأحوال هذه الإجراءات التي تتخذها الأحزاب لا تغير بجوهر المشكلة ولا يمكن لكراتين مواد غذائية أن تعوض للشعب عن الانهيار الكبير الذي تسببت فيه هذه السلطة وأحزابها". "إن عدت إلى إرادة الناس لا أحد سيقول لك إنه راض عن هذه الإعاشات وعن هذا الواقع"، يؤكد حنوش، "الشعب اللبناني ليس شعباً جائعا ولديه كرامته التي يدفعونه اليوم للتخلي عنها مقابل هذه الإعاشات، ولكنه شعب مثقف ومتابع ومطلع وسبق له أن عاش البحبوحة وتنعم بها من جيبه، لا يمكن ان يقبل بالعودة إلى كوابيس الماضي".

نموذج فاشل... ومرعب

مشاهد الإعاشات وتوزيع الأطعمة والخبز أعادت إلى أذهان اللبنانيين كابوساً تاريخياً عاشوه خلال الثمانينيات من القرن الماضي، تحديدا خلال الحرب الأهلية (1986 إلى 1992)، فكانت مشهدية مخيفة أكثر مما كانت مطمئنة، بحسب ما يشدد حنوش، "الناس عادت للتفكير بالشمعة و"اللوكس" للإضاءة البدائية في المنازل، هذه المشاهد لا تريدها الناس وفي الوقت نفسه الأفق مسدود، الناس تريد استعادة أموالها لتصرف منها كما تريد وكما خططت". "الأحزاب اللبنانية اليوم تقرأ من كتاب عمره 40 عاماً،" بحسب حنوش، "كان يمكن أن تصح هذه المراهنات على المساعدات والإعاشات من قبل، في زمن الحرب وقبل التكنولوجيا والإنترنت ووسائل التواصل والاتصال، لكن اليوم الشعب اللبناني انفتح على العالم وشاهد ما فيه وعاش جزءا كبيرا منه، وبالتالي إعادته إلى الوراء وإلى زمن كرتونة الإعاشة وحصة غذائية، يمثل اذلالا للناس وليس مساعدة لهم". منطق الإعاشة ليس نموذجاً فعالاً، وإنما هو من أكثر أشكال الدعم بدائية ورأينا فشله عبر التاريخ، يقول سمور، "في العام 1919 في ظل المجاعة التي أصابت لبنان، قامت السلطنة العثمانية باعتماد نظام الإعاشة وفشل حينها في حل الأزمة او حتى وقف المجاعة، اليوم وفي ظل أزمة اقتصادية بهذا الحجم تشبه استحقاق المجاعة باعتراف منظمة الغذاء العالمية، لا يأتي الحل بالإعاشات". بدوره يستذكر حنوش "حتى في الثمانينيات حين كان البلد مفلسا بسبب الحرب، اندفعت الأحزاب نحو تقديم الخدمات الاجتماعية ونظام الإعاشات والحصص الغذائية لتحل بديلا عن الدولة، لكنها فشلت في ذلك حينها ولم تكمل، رغم الدعم الخارجي الهائل الذي كان يصب حينها في لبنان ولجميع الأطراف لم تكن تكفي حاجة البلد. تستطيع أن تطعم الناس يوما و٢ و٣ ولكن هل تستطيع العيش أشهر وسنوات على كيس الأرز والمربى والمعكرونة والزيت؟".

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,152,159

عدد الزوار: 6,757,409

المتواجدون الآن: 140