أردوغان والجيش.. «الأمر لي»

تاريخ الإضافة الثلاثاء 9 آب 2011 - 5:46 ص    عدد الزيارات 936    التعليقات 0

        

أردوغان والجيش.. «الأمر لي»
«التنمية والعدالة» استطاع تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية حتى أضعفها فاستقال قادتها تعبيرا عن «العجز»
بيروت: ثائر عباس
على طاولة المجلس العسكري الذي انعقد بدءا من يوم الاثنين الماضي، كان المشهد معبرا للغاية. «الجنرال الإسلامي» رجب طيب أردوغان يترأس وحيدا اجتماع المجلس، ويداه فوق الطاولة، بينما أيدي الجنرالات الـ14 أعضاء المجلس تحتها. وكأنما يريد رئيس الحكومة الأكثر شعبية في تركيا منذ عام 1960 أن يقول «الأمر لي».

فرض أردوغان على أعضاء المجلس الأجواء الرمضانية، ألغيت استراحة الغذاء التقليدية، وأتى تتويج هذه الاجتماعات بدعوة إلى «إفطار» أقامه رئيس الدولة للمجلس الجديد، فبات «حراس العلمانية» الذين منعوا زوجة أردوغان من زيارة جرحى السفينة مرمرة في المستشفى العسكري بسبب حجابها، وبينهم من رفض مصافحتها بسبب هذا الحجاب - أسرى التقاليد التي طالما حاولوا منعها للحفاظ على «الجمهورية العلمانية» التي أناط بهم مؤسس الدولة مصطفى كمال أتاتورك حمايتها.

فقد أتت استقالة هيئة أركان الجيش التركي الأسبوع الماضي، لتشكل علامة فارقة في الحياة السياسية التركية، وتحديدا في ما يتعلق بعلاقة العسكر بالسياسة. وكأنما أراد الجيش أن يقوم بانتفاضته الأخيرة، هذه المرة تعبيرا عن عجزه عن خوض «المواجهة الأخيرة»، بعد أن كسب المواجهات السابقة أكثر من مرة. فهذه هي المرة الأولى التي يتواجه فيها الجيش والحكومة بشكل مباشر ولا تكون فيها المؤسسة العسكرية هي الفائز. فالمرة الأولى التي تجرأ فيها رئيس حكومة منتخب على مواجهة الجيش كانت نتيجتها إعدام رئيس الحكومة عدنان مندريس في عام 1960، الذي لم يشفع له أنه كان رئيس الحكومة الأكثر شعبية في تاريخ تركيا.

أما الآن، فهناك 10 في المائة من جنرالات الجيش قيد التوقيف الاحتياطي على ذمة قضية «التفكير في الانقلاب»، ويبدو أن الشارع التركي الذي يمجد بطبيعته الحياة العسكرية قد فقد اهتمامه بهذه المؤسسة، بينما العالم ميال أكثر إلى «الديمقراطية» بعد زوال التهديد الشيوعي الذي كانت تركيا إحدى أبرز دعائم مواجهته.

ورأى رئيس القسم العربي في وكالة «جيهان» التركية كمال البياتلي، أن خطوة الجيش هي تعبير عن «استنكار، لكنه تعبير ضعيف إلى درجة العجز». وأشار إلى أن الجيش تقلص دوره إلى حد كبير بشكل تدريجي منذ عام 2004، إذ قامت حكومة حزب «العدالة والتنمية» بتعديلات قلصت من نفوذ الجيش مستندة إلى شعبيتها التي ازدادت في انتخابات بعد أخرى حتى وصلت هذا العام إلى رقم قياسي في تاريخ تركيا.

وقلل البياتلي من أهمية خطوة الجنرالات باعتبارها «رمزية» أكثر منها عملية، لأن قادة الجيوش الثلاثة كان يفترض بهم أن يحالوا إلى التقاعد نهاية هذا الشهر لبلوغهم السن القانونية، بينما كان رئيس الأركان هو الاستثناء الوحيد لأنه كان متبقيا من ولايته القانونية سنتان.

ورأى البياتلي أن ما حدث «يعزز مكانة الحكومة»، متوقعا أن تليها خطوات أخرى تقوم بها الحكومة، مثل فتح ملف الإنفاق العسكري وإخضاعه إلى الرقابة في البرلمان، باعتبار أن إنفاق المؤسسة لا يزال حتى الساعة بعيدا عن الرقابة البرلمانية. أما الخطوة الثانية فهي - كما يتوقع البياتلي - ربط رئاسة الأركان بوزارة الدفاع بدلا من رئاسة الحكومة كما هو معمول حاليا، مشيرا إلى أن تأثيرات هذا الوضع كبيرة «بروتوكوليا».

وأشار البياتلي إلى أن خطوة المجلس العسكري الأخيرة بإبقاء وضع الجنرالات الموقوفين معلقا لمدة سنة دون إحالتهم إلى التقاعد قد يكون ناجما عن نجاح ضغوط الجنرالات، أو عن قيام الحكومة بهذه الخطوة لعدم إظهار رئيس الأركان الجديد بموقف «رجل الحكومة» أمام مؤسسته التي لا تزال تتمتع بنفوذ لا بأس به.

ويرى مدير تحرير صحيفة «حريات» مراد يتكين أن هذه الاستقالات تدل على «انقلاب تام في العلاقات بين السياسيين والعسكريين» خصوصا بعد صدور حكم بالإدانة الأسبوع الماضي بحق ستة جنرالات جدد متهمين بإنشاء مواقع إلكترونية للدعاية ضد الحكومة، بينهم قائد جيش بحر إيجة الذي لم يتقدم باستقالته. وتصف أصلي إيدين طاشباش، الكاتبة في صحيفة «ميللييت»، ما جرى بأنه كان يعني «تصفير» تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، على غرار سياسة تصفير المشاكل التي يتبعها الحزب الحاكم في العلاقات الخارجية. واعتبرت أن «الاستقالات لم تكن استعراضا للقوة، بل صرخة عجز»، مشيرة إلى أن الذي جرى هو جزء من التغيير الذي يطال الجمهورية التي أسسها أتاتورك، معتبرة أن صفحة الجمهورية الأولى التي أسسها أتاتورك في عام 1923 بنظام علماني وضمانة عسكرية قد طويت.

وكانت السلطات القضائية أوقفت نحو 250 عسكريا على ذمة قضية «المطرقة» التي تقول إنها عبارة عن مؤامرة تدارسها الجيش في ثكنة عسكرية في إسطنبول عام 2003 تقضي بإحداث تفجيرات في مساجد ثم انتشار عسكري فانقلاب يطيح الحكومة الإسلامية الوليدة (حكومة أردوغان الأولى). أما الجيش فيقول إنها خطة أعدت لمواجهة هجمات إرهابية افتراضية لا تتضمن إسقاط أي حكومة. وبين الموقوفين 41 جنرالا يخطط أردوغان لإحالتهم إلى التقاعد، وهو ما فشل الجنرال كوشانر وزملاؤه في إقناع أردوغان بالعودة عنه، وبقبول فكرة ترقية هؤلاء التي يستحقونها وفقا للأصول المعمول بها في المؤسسة العسكرية، فكان أن رموا باستقالاتهم بوجهه، وكان رد الأخير مفاجئا كما يقول مقربون من أردوغان، معتبرين أن الجيش كان يتوقع من أردوغان التفاوض والارتباك، فكان أن حول المأزق إلى فرصة للإطاحة بنفوذ العسكر نهائيا بقبوله الاستقالة (أو التقاعد) ثم تعيين قيادة جديدة موالية له، منهيا بذلك صفحة من الصراع مع الجيش الذي ينوي تحويله إلى «جيش محترف لا سياسة فيه».

في عام 1950، خرج رئيس الحكومة التركية آنذاك عدنان مندريس على «طاعة» الجيش التركي. ظن مندريس أن الثقة التي نالها بفوزه الساحق في الانتخابات التشريعية، سوف تحميه من بطش «المؤسسة العلمانية». لكن الجيش الذي «تفرج» على مندريس وهو يتخلص من قيود العلمانية بإعادة السماح بإطلاق الأذان باللغة العربية وقراءة القرآن بهذه اللغة التي منعت بالكامل في تركيا منذ «ثورة أتاتورك». ثم تجرأ فأعاد التعليم الديني إلى المدارس الرسمية، وافتتح مدارس دينية في تركيا التي كان جيشها متحفزا لحماية علمانيتها، فكان أن انقض على مندريس وحكومته فجر الـ17 من مايو (أيار) عام 1960، بعد أن نفد صبره حيال «تطاول» نواب حزب مندريس على قائد الثورة الراحل، فكان أن استقال رئيس الأركان جمال جورسيل إحتجاجا، واعتكف في منزله، قبل أن يظهر رئيسا للانقلاب العسكري الذي أطاح رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية والوزراء ورجال أعمال وأساتذة جامعيين مؤيدين. على عجل، نصبت محكمة عسكرية وجدت مندريس مذنبا بتهمة التخطيط لإقامة «دولة إسلامية». وفي اليوم التالي، كان حكم الإعدام منفذا به وببعض رفاقه، بينما نال رئيس الجمهورية حكما مخففا، كونه من رفاق أتاتورك فألقي السجن لـ25 عاما.

بعدها أعاد العسكر الحكم إلى الحزب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، وبقي الحزب في الحكم حتى عام 1969، عندما حصل حزب «العدالة» على 46.8% من الأصوات وبالتالي شكل الحكومة برئاسة سليمان ديميريل وبعض الأحزاب الصغيرة. ومع انتشار الإضرابات في أنقرة وإسطنبول للمطالبة بالإصلاح والقضاء على الفساد وسط مظاهرات للتيارات اليسارية، فكان أن أنذر الجيش الحكومة في مارس (آذار) 1971، مطالبا إياها بضرورة السيطرة على الأوضاع بقوات الشرطة لأن الدولة في مهب الريح. إلا أن ديميريل رفض الإنذار فأعلن الجيش إقالة الحكومة ورئيسها وتشكيل حكومة جديدة من مدنيين، واستمر الحال مع الأحكام العرفية حتى عام 1973 حين أجريت انتخابات حصل فيها حزب الشعب الجمهوري على أغلبية المقاعد مرة جديدة. ومع فشل الحزب الجمهوري في قيادة البلاد، كان الانقلاب الثالث في 11 سبتمبر (أيلول) 1980. قام الجيش برئاسة الجنرال كنعان إيفيرين بانقلاب أدى إلى إسقاط الحكومة وإعلان الأحكام العرفية بالبلاد كلها وحل البرلمان وحل الدستور وإسقاطه ليتم إعلان حكم عسكري امتد إلى عام 1983 حين تم البدء في تفعيل الدستور الجديد الذي أسسه الانقلابيون مرسخا سطوة الجيش على الدولة كلها وعلمانية الدولة.

وكان إيفيرين وجه في عام 1979 إنذارا مماثلا إلى كل الأحزاب السياسية ومنها أحزاب حكومة ديميريل الائتلافية (حزب العدالة، مع حزب السلامة الديني، والعمل القومي) الذين تولوا الحكم بعد استقالة بولند أجاويد إثر هزيمة لحزب الشعب في الانتخابات الفرعية. وكان مضمون الإنذار مرتبط مرة جديدة بالتمدد الإسلامي واليساري.

أما في عام 1997، فقد كان العدو هذه المرة إسلاميا، نجم الدين أربكان نجح في انتخابات 1996 بقيادة حزب «الرفاه» ليشكل مع حزب «الطريق القويم» من اليمين الوسط حكومة ائتلافية. أثارت تحركات أربكان وإسلاميته حفيظة الجيش الذي قام بما يسمى «اختبار الثقة» معه، فأرسل إليه مذكرة بطلبات لمنع الانتشار الديني السياسي من جوانب العبادات والتعليم في البلاد إلا أنه رفضها فقام الجيش بنشر دباباته في شوارع العاصمة في الـ30 من يونيو (حزيران) ليفهم أربكان الرسالة ويقدم استقالته على عجل. وقد تمت محاكمة أربكان ومنعه القضاء من مزاولة السياسة لخمس سنوات، كما تم منع الحجاب نهائيا بمؤسسات الدولة كلها واعتباره جريمة يعاقب عليها القانون إذا «ارتكبته» إحدى النساء الرسميات كعضوات البرلمان.

وأتى انهيار النظام الشيوعي في الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة ليضعف من أهمية الجيش التركي في نظر الغرب، الذي تسامح مع حكومة إسلامية «متطورة» برئاسة رجب طيب أردوغان - «الثعلب» الذي استفاد إلى أبعد الحدود من الرغبة التركية في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. تسلح أردوغان بـ«معايير كوبنهاغن» ليواجه الجيش، مطلقا سلسلة إصلاحات قانونية ودستورية. فطرح في بدايات عام 2003 حزما قانونية جديدة متوافقة مع «معايير كوبنهاغن» بهدف إعادة هيكلة المؤسسات. ومثلت 7 حزم قانونية صادق عليها البرلمان في 30/7/2003 نقطة التحول الأقوى في العلاقة بين العسكريين والمدنيين داخل مجلس الأمن القومي وأمانته العامة، فقلص صلاحياتهما إلى حد كبير، ملغيا هيمنة المؤسسة العسكرية على بنية مجلس الأمن القومي، ومقلصا سلطات المجلس التنفيذية. وعمل على زيادة عدد الأعضاء المدنيين في المجلس، محولا مجلس الأمن القومي وأمانته العامة إلى جهاز استشاري وإفقاده إلى حد كبير وضعيته التنفيذية. كما تم تغيير صفة قرارات المجلس من كونها توصيات يدفع بها إلى مجلس الوزراء إلى قرارات يعلن بها مجلس الوزراء. كما سحب من الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي حقها في الحصول على المعلومات والوثائق السرية بكل درجاتها عند طلبها من الوزارات والمؤسسات العامة والهيئات ورجال القانون. وتم أيضا تعديل المادة رقم 30 من قانون الجهاز المحاسبي التي كانت تعفي الكوادر العسكرية من الخضوع للرقابة المالية.

كما تم إجراء تعديل دستوري آخر في مايو (أيار) 2004 فتم إلغاء عضوية الجنرال العسكري داخل مجلس إدارة المجلس الأعلى للتعليم. وتعديل دستوري آخر في أغسطس (آب) 2004 ألغى عضوية الجنرال العسكري داخل اتحاد الإذاعة والتلفزيون. وشملت التعديلات الدستورية والقانونية أيضا السماح برفع الدعاوى القضائية لاستجواب ومقاضاة الجنرالات القدامى بشأن قضايا الفساد، وإلزام العسكريين بالإدلاء بالتصريحات الإعلامية فقط في المجالات التي تتناول الشأن العسكري والأمني، وتحت إشراف السلطة المدنية أيضا، وكذلك تم إلغاء إمكانية محاكمة المدنيين داخل المحاكم العسكرية.

وأتى التعديل الأخير في عام 2010 ليسمح بمقاضاة العسكريين أمام المحاكم المدنية، وتحديدا أولئك الذي قاموا بانقلاب عام 1982 متضمنا رسالة مفادها أنه «لم يعد مسموحا بقيام انقلاب كل 10 سنوات». واستطاع أردوغان أن يخترق المؤسسة العسكرية لأول مرة ليجد من بين ضباطها من يمكن التفاهم معه، ليخلص إلى القول: «إن أي شخص في هذه البلاد يمكن أن يمارس السياسة، الجنود والقضاة، لكنهم لا يمكن أن يقوموا بذلك من دون أن يخلعوا بذتهم الرسمية. فليستقيلوا وليمارسوا السياسة كيفما شاءوا».

أما وقد استقالت قيادة الأركان بأكملها، فذلك معناه أن الأخيرة لم تعد قادرة على الانقلابات، إلا إذا وجد عشق كوشانر من يذهب إليه في منزله من العسكريين ويقنعه بترؤس انقلاب جديد على غرار ما حصل مع الجنرال جمال جورسيل في عام 1960. وعندها حديث آخر...

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,214,208

عدد الزوار: 6,940,770

المتواجدون الآن: 123