الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط (8): طريق البحرين الوعرة نحو الإصلاح

تاريخ الإضافة السبت 6 آب 2011 - 8:14 ص    عدد الزيارات 906    التعليقات 0

        

الاحتجاجات الشعبية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط (8): طريق البحرين الوعرة نحو الإصلاح

Middle East/North Africa Report N°11128 يوليو 2011

 

 

المخلص التنفيذي والتوصيات 

بعد موجة من أحداث العنف، تواجه البحرين خياراً حاسماً بين نشوء حالة مستوطنة من عدم الاستقرار والتقدم البطئ لكن المستمر نحو الإصلاح السياسي. يتمثل الخيار الأكثر عقلانية في إطلاق حوارٍ جديد وحقيقي يتم فيه تمثيل المعارضة السياسية بشكل عادل، والانتقال نحو إجراء تغييرات تُحوِّل البلاد في نهاية المطاف إلى ملكية دستورية. ومن أجل توفير بيئة يمكن فيها لمثل هذه المحادثات أن تنجح، ينبغي على النظام أن يتخذ خطوات فورية لمعالجة أزمة حقوق الإنسان، بما في ذلك إطلاق سراح الزعماء السياسيين الذين سجنوا للتعبير عن آرائهم بشكل سلمي، وعكس مسار الاستقطاب الطائفي المرعب الذي حدث حتى الآن. 

في شباط/فبراير وآذار/مارس 2011، جرت في البحرين احتجاجات شعبية سلمية تبعتها أعمال قمع وحشي ترك في أعقابه رصيداً محزناً: أكثر من 30 قتيلاً، معظمهم من المتظاهرين أو المارة؛ والحكم على الزعماء البارزين للمعارضة بأحكام سجن طويلة، بما في ذلك الحكم على ثمانية منهم بالسجن مدى الحياة، وزج مئات غيرهم في السجون؛ والتعذيب، وأربع وفيّات على الأقل خلال الاعتقال، ومحاكمات، بما فيها محاكمة كوادر طبية، في محاكم أمنية خاصة تفتقر إلى أبسط أشكال الإجراءات القانونية العادلة؛ وهدم وتخريب أكثر من 40 مسجداً شيعياً وغيرها من المنشآت الدينية؛ وتحويل الصحيفة المستقلة الرئيسية في البلاد إلى ناطق باسم النظام؛ وحملة ملاحقات ضد محتجين سابقين باتوا يواجهون الطرد من وظائفهم أو أسوأ من ذلك استناداً إلى القسم بيمين الولاء، وإحداث ضرر كبير باقتصاد البلاد؛ وترك البرلمان دون معارضة؛ وغير ذلك كثير. الأهم من ذلك على المدى البعيد، فإن أعمال العنف فاقمت من الاستقطاب الحاصل في المجتمع المقسّم أصلاً على أساس طائفي وبدّدت أية آمال في تحقيق الإصلاح السياسي، مما يطرح أسئلة جدية حول استقرار الجزيرة.

أعطى النظام – المتمثل في ملكية ترأسها أسرة آل خليفة السُنيّة – صبغة قانونية زائفة لأعمال القمع التي أطلقها وذلك بإصدار "قانون السلامة الوطنية"، وهو قانون طوارئ يسمح ببعض الانتهاكات لحقوق الإنسان الواردة أعلاه. ورمى نفسه تحت حماية جيرانه، المتمثلين في أعضاء مجلس التعاون الخليجي، بذريعة منع انتصار ما يصورونهم على أنهم عملاء إيرانيين، وهم المواطنون الشيعة في الجزيرة.

مع التصعيد الذي شهدته الأزمة في النصف الثاني من شباط/فبراير والنصف الأول من آذار/مارس، نشأت معركتان متوازيتان بين معسكرين متعارضين: ولي العهد الإصلاحي الذي رهن مستقبله السياسي على التواصل مع الشريحة البراغماتية من المعارضة (ذات الأغلبية الشيعية)، ما أغضب عناصر النظام الأكثر تشدداً، بما في ذلك عمّ الملك السبعيني، وهو أقدم رئيس وزراء غير منتخب في العالم. وبالمقابل، فإن أكبر جمعية مرخصة للمعارضة، الوفاق، خاطرت بخسارة قاعدتها الشعبية، بما في ذلك العديد من المحتجين الذين اجتمعوا في دوار اللؤلؤة وسط العاصمة المنامة، وذلك بالموافقة على الانخراط في محادثات غير رسمية وشبه سرية مع ولي العهد.

في حين دعا المحتجون في الأيام الأولى للانتفاضة بشكل أساسي للإصلاح السياسي الذي من شأنه أن يفضي إلى ملكية دستورية، فإنهم بدأوا وعلى نحو مضطرد بطرح المطلب الأكثر راديكالية والمتمثل في استبدال النظام بجمهورية ديمقراطية، وبدأوا بتوسيع حركتهم لتشمل سائر أنحاء العاصمة لتعزيز هذا المطلب. ومع شعور النظام بالتهديد، قام بردّ عنيف. وشكّل ذلك نهاية الحديث عن الحوار والإصلاح وأضعف الدعاة الرئيسيين للحوار. يبدو ولي العهد سلمان بن حمد مهشمّاً داخل العائلة المالكة، على الأقل في الوقت الراهن؛ في حين تصارع الوفاق للمحافظة على قاعدتها الشعبية في سعيها لإبقاء مطالب الإصلاح حيّة في حين يظل زعماء المعارضة في السجن ويستمر القمع.

وبضغوط من حلفائه الغربيين، خصوصاً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفي مسعاه للنهوض بعد الصدمة التي عانى منها الاقتصاد، رفع الملك حمد بن عيسى قانون الطوارئ في 1 حزيران/يونيو، ووافق على إجراء تحقيق دولي مستقل في أحداث شباط/فبراير وآذار/مارس وأمر بإطلاق "حوار للتوصل إلى إجماع وطني"، بدأ في 5 تموز/ يوليو. في حين تبدو هذه التطورات إيجابية في ظاهرها، فإن رفع حالة الطوارئ والشروع في حوار وطني يبدوان وكأنهما صُمِّما لتهدئة هؤلاء الحلفاء وليس لتغيير مقاربة النظام حيال مواطنيه أنفسهم.

لقد خفّت حدة القمع لكنه لم ينتهِ، ولم يتم التراجع عن أسوأ التجاوزات – أحكام السجن الطويلة على الجرائم السياسية، والطرد من العمل بسبب المشاركة في الاحتجاجات السلمية، وهدم المساجد. وتظل القوات الأجنبية موجودة على التراب البحريني، هذا مع احتمال استمرار الوجود العسكري لمجلس التعاون الخليجي لفترة طويلة وعلى مستوى ما. كما يبدو أن "الحوار من أجل إجماع وطني" لا يسعى لا للوصول إلى إجماع بين مجموعة شاملة تمثل سائر أطياف المجتمع ولا إلى الحوار الحقيقي بين المتخاصمين؛ وبدلاً من ذلك فقد كان حتى الآن مجرد تمرين شكلي. التطور الإيجابي الوحيد الذي ينطوي على احتمال إجراء تصحيح لهذا المسار يتمثل في الهيئة المستقلة، التي يرأسها الخبير الدولي في جرائم الحرب شريف بسيوني، لكن لا يُتوقَّع أن تكمل عملها حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر.

ثمة ما يدعو إلى الخوف من أن البحرين تتجه إلى مأزق سياسي طويل، يتعزز بالوجود الأمني المكثف والمدعوم بالقوات الأجنبية الذي تقاطعه بين الفينة والأخرى الاحتجاجات عندما تسمح الظروف بذلك. يمكن لتبعات هذا المأزق أن تكون مكلفة. لقد تعمقت الانقسامات بين السُنة والشيعة أكثر من أي وقت مضى؛ حيث أن العديد من الشيعة لديهم أحد أفراد أسرتهم أو أحد أصدقائهم بين الذين قُتلوا أو سُجنوا. إن قمع النظام للشيعة كمجموعة يُشيّد حدوداً فاصلة بين الطوائف؛ وبإغلاقه أي منفذ للمشاركة السياسية واستهداف حتى مجموعات المعارضة المعتدلة مثل الوفاق، فإنه يحضر الأرضية لانتفاضة محتملة في المستقبل. وفي هذا المناخ المتوتر، فإن أي استفزاز أو عمل عنيف من شأنه أن يؤدي إلى انفجار؛ وللأسف، فإن المتشددين في الطائفتين الشيعية والسُنية وكذلك داخل النظام يبدون وكأنهم يعدّون لمثل هذا الاحتمال.

إن المزيد من القمع والعنف لن يؤدي إلى حل لهذه المعادلة السياسية المعقّدة أو تفكيك هذا الوضع القابل للانفجار. البديل الأفضل هو أن يجد الطرفان مساراً نحو الحوار والتسوية بين الطائفتين بشكل يمهد الطريق لإقامة ملكية دستورية تعامل رعاياها كمواطنين يتمتعون بحقوق سياسية كاملة. وكخطوة أولى، على النظام أن يتخذ سلسلة من إجراءات بناء الثقة، بما في ذلك إطلاق سراح أولئك الذين اعتقلوا لمشاركتهم في الاحتجاجات السلمية، ووضع حدٍ لوصم الطائفة الشيعية والتوقف عن هدم أو إلحاق الأذى بالمساجد وأماكن العبادة الشيعية.

بدعم من السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، فإن النظام لا يفكّر بالقيام بمثل هذه الإجراءات في غياب تضافر الضغوط. بعض هذه الضغوط ستكون موجودة على أي حال. لقد بات النظام يشعر أصلاً بالتكلفة الاقتصادية المتصاعدة بعد تقلّص الاستثمارات، كما أن الشركات عانت من انخفاض أرباحها، وبدأت المصارف بالتفكير بنقل عملياتها إلى أماكن أخرى، وتم إلغاء بعض الفعاليات الرئيسية، مثل سباق الغراند بري للفورميولا ون. إلاّ أن هذه الضغوط وحدها ليست كفيلة بتحقيق تغيير، حيث يبدو أن النظام يعتقد أن بوسعه البقاء اقتصادياً طالما ظلت أسعار النفط مرتفعة، وطالما استمرت السعودية بتقديم الدعم المالي.

وإذا لم تبد العائلة المالكة مرونة، فإن من المحتمل جداً أن تواجه ضغوطاً تتمثل في تجدد الاحتجاجات من قبل أولئك الذين تعرضوا للتمييز الاقتصادي والتهميش السياسي، ومعظمهم من السكان الشيعة الذين يشكلون أغلبية في البلاد. وقد يكون لذلك نتائج فعّالة فقط إذا تمكّن قادة المعارضة من إقناع أتباعهم وغيرهم من المحتجين بالاستمرار باللجوء إلى الوسائل السلمية.

وأخيراً، فإن للدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة دوراً محورياً تلعبه. ستحسن واشنطن، التي تمتلك أصولاً ومصالح هائلة في الخليج، بما في ذلك في البحرين، صنعاً بمضاعفة جهودها، بالتنسيق مع حلفاء مؤثرين مثل المملكة المتحدة، لإقناع النظام بتخفيف قبضته وإجراء إصلاحات ذات معنى. إذا فشلت مثل هذه الخطوات، وأبدت أسرة آل خليفة عدم استجابة لهذه التوسّلات، فإن على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لاتخاذ إجراءات أكثر دراماتيكية، بما في ذلك تقليص دعمها العسكري. كما أن على المعارضة، من جهتها، أن تسعى لطمأنة الأسرة الحاكمة، والطائفة السُنية التي تؤيدها إلى حد بعيد، بأنها تسعى لتوسيع الحقوق السياسية، وليس للإطاحة بالملكية، وأنها تقبل بالتنازلات التي قدمها ولي العهد في أواسط آذار/مارس كنقطة بداية للمفاوضات. 

التوصيات

إلى الحكومة البحرينية:

1.  توفير البيئة الملائمة للشروع في حوار مباشر يُفضي إلى إصلاحات سياسية ذات معنى، بما في ذلك من خلال:

أ. إطلاق سراح جميع أولئك الذين اعتقلوا للتعبير السلمي عن آرائهم، بمن فيهم أولئك الذين صدرت أحكام بحقهم، خصوصاً قادة المعارضة؛

ب. وضع حد للمحاكمات من قبل المحاكم الأمنية الخاصة وإعادة محاكمة أولئك الذين حكم عليهم من قبل مثل هذه المحاكم في محاكم جنائية عادية؛

ج. التوقف عن هدم المساجد الشيعية لأي سبب كان وتوفير التراخيص اللازمة لتنظيم عملية بنائها؛

د. إعادة أولئك الذين تم طردهم من وظائفهم للمشاركة في الاحتجاجات السلمية، والذين غابوا عن عملهم خلال أصعب مراحل الأزمة أو لأسباب أخرى ترتبط بأحداث شباط/فبراير أو آذار/مارس.

2.  الشروع في حوار حقيقي وموسع مع المعارضة يشارك فيه قادة جميع الجماعات السياسية (بمن فيهم أولئك الموجودين حالياً في السجن)، سواء كانت هذه الجماعات مرخّصة أو غير مرخّصة، بهدف التوصّل لاتفاق على إصلاحات سياسية ذات معنى، استناداً إلى النقاط السبع التي وافق عليها ولي العهد في 13 آذار/مارس.

3.  النأي بنفسها عن الخطاب الطائفي، ومنع المسؤولين الحكوميين والقنوات الإخبارية الحكومية من استعمال مثل هذا الخطاب وثني المواطنين عن استعماله.

4.  وضع حد للتمييز الطائفي في التعيين في الوظائف الحكومية، بما في ذلك في الأجهزة الأمنية، والجيش والحرس الوطني، وكذلك في السلك الدبلوماسي والمناصب الحكومية الرفيعة.

5.  تمكين لجنة التحقيق التي يرأسها بسيوني من الوصول إلى كل ما تريد الوصول إليه، ونشر نتائج تحقيقها حال اكتماله وتنفيذ توصياتها.

6.  إخضاع أعضاء قوات الأمن الذين يتبين أنهم انتهكوا القانون أو ارتكبوا انتهاكات لحقوق الإنسان في تعاملهم مع الاحتجاجات الشعبية للمساءلة.

إلى مجموعات المعارضة البحرينية:

7.  إبقاء الاحتجاجات سلمية والامتناع عن الخطاب التحريضي.

8.  المشاركة في الحوار مع النظام، على افتراض أنه حقيقي، وكذلك مع الجمعيات السياسة غير الشيعية مثل تجمع الوحدة الوطنية، بهدف التوصل إلى اتفاق على إصلاحات سياسية ذات معنى.

9.  القول صراحة بأنها تسعى إلى توسيع الحقوق السياسية وليس للإطاحة بالملكية والقبول بالتنازلات التي قدمها ولي العهد في أواسط آذار/مارس كنقطة بداية للمفاوضات.

إلى النشطاء الشباب:

10.  إبقاء الاحتجاجات سلمية والامتناع عن الخطاب التحريضي.

إلى أعضاء مجلس التعاون الخليجي:

11.  سحب القوات المنتشرة في البحرين في أقرب وقت ممكن، وإلى أن يتم ذلك، إبعادها عن لعب أي دور في الأعمال الشرطية الداخلية.

12.  الإصرار على التزام البحرين بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

13.  الامتناع عن استعمال الخطاب الطائفي التحريضي.

إلى حكومة الولايات المتحدة والحكومات الغربية الأخرى:

14.  الضغط على البحرين للالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان وانتقاد الحكومة علناً على انتهاكاتها لهذه الحقوق، بما في ذلك الاعتقالات العشوائية، ومنع المعتقلين من التواصل مع ذويهم، والتعذيب، والاستعمال المفرط للقوة وقمع حرية التعبير والتجمع السلمي.

15.  الضغط على البحرين لإطلاق سراح أي شخص اعتقل فقط لعلاقته بالاحتجاجات المنادية بالديمقراطية والمعادية للحكومة، دون قيد أو شرط، ما لم يكن هناك أدلة على مسؤوليتهم عن ارتكاب جرائم جنائية ينص عليها القانون.

16.  تشجيع الحكومة والمعارضة على حدٍ سواء على الانخراط في حوار مباشر وحقيقي بهدف التوصل إلى اتفاق على إصلاحات ذات معنى في إطار الملكية الدستورية.

17.  تعليق المساعدة الأمنية، بما في ذلك المبيعات التجارية للمعدات العسكرية والشرطية، إلى أن تضع الحكومة حداً لانتهاكات حقوق الإنسان وتتخذ إجراءات حقيقية نحو حوار سياسي ذي معنى.

إلى الحكومة الإيرانية:

18.  النأي بنفسها علناً عن الخطاب الطائفي ومنع المسؤولين الحكوميين والقنوات الإخبارية الحكومية من اللجوء إلى مثل هذا الخطاب. 

المنامة / واشنطن / بروكسل، 28 تموز/يوليو 2011

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,364,611

عدد الزوار: 6,888,820

المتواجدون الآن: 81