لبنان: نظام انتخابي جديد

تاريخ الإضافة الثلاثاء 2 آب 2011 - 2:05 م    عدد الزيارات 929    التعليقات 0

        

http://assafir.com/Images/Logo.gif

السفير، 2 آب 2011

الإصلاح الانتخابي بين النسبية مع التفضيل والصوت الفردي القابل للتجيير المحدود

عبد الله بوحبيب وشارل سابا

تعهّدت الحكومة في بيانها الوزاري بتقديم مشروع قانون جديد للإنتخابات النيابية، مؤكدة ضمنيّاً بأن النظام الإنتخابي المعتمد حاليّاً لا يلبّي مقتضيات تطوير الحياة السياسية في لبنان. وبينما طرح البيان الوزاري النظام النسبي دون تحديد مواصفاته، نرجو أن يشمل البحث كل أشكال النسبيّة وما يحقق نتائجها كنظام «الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود» الذي يؤدّي مفاعيل النظام النسبي في تمثيل الفئات الرئيسية كافة في البلد

ويرتكز النظام النسبي على انتخاب لائحة مقفلة في دائرة متعددة المقاعد، فتفوز اللائحة بعدد من المقاعد نسبة لعدد الأصوات التي نالتها (تعتمد معظم الدول نسبة دنيا يتحتّم على اللوائح عبورها كي تتمثّل ). ويجري ترتيب المرشّحين في اللائحة بناءً على انتخابات تمهيدية في كل الأحزاب. وبالنسبة إلى النتائج، إذا كان عدد مقاعد دائرة ما عشرة، وحصلت اللائحة «أ» على 30 في المئة من المقترعين واللائحة «ب» على 50 في المئة واللائحة «ج» على 20 في المئة، يفوز حسب الترتيب الناتج عن الإنتخابات التمهيدية، الأعضاء الخمسة الأوائل من اللائحة «ب»، والثلاثة الأوائل من اللائحة «أ»، والإثنين الأولين من اللائحة «ج».

وتستبدل بعض الدول كسويسرا، الإنتخابات التمهيدية بالصوت التفضيلي بحيث تقع عملية ترتيب المرشحين الفائزين من كل لائحة على عاتق الناخب الذي يشير في ورقة الإقتراع إلى مرشّحه المفضّل في اللائحة التي اختارها. وبعد جمع أصوات كل مرشح، يتم ترتيب المرشحين المتفوقين في كل لائحة على حدة وفق تسلسل عدد الاصوات التي نالها المرشحون المتفوقون من الأعلى الى الأدنى، ليجري بعدها تحديد المرشّحين الفائزين بناء على معياري حصة اللائحة من المقاعد وترتيب المرشحين بالصوت التفضيلي.

وفي لبنان حيث تضعف البنية الحزبية وتُوزّع المقاعد على أساس طائفي ومذهبي، يصعب إمكان إجراء انتخابات تمهيدية، وتتفق بالتالي الإقتراحات المختلفة على النظام النسبي مع التفضيل ولكنّها تختلف على طريقة الفرز واحتساب النتائج وحجم الدوائر التي تتراوح بين لبنان دائرة واحدة والمحافظات والدوائر المتوسطة.

أما نظام «الصوت الواحد للشخص الواحد» (one person one vote)، فيقضي بأن يدلي الناخب بصوت واحد لمرشّح واحد في دائرة فرديّة أو متعدّدة المقاعد. ويفوز بالتالي المرشحون الذين يجمعون أكبر عدد من الأصوات. وفي لبنان حيث يختلف عدد المقاعد بين الدوائر إذا تم اعتماد القضاء دائرة انتخابية (من 2 في دوائر بشرّي والبترون وصيدا إلى عشرة في دائرتي بيروت الثالثة وبعلبك - الهرمل)، يمكن تعديل النظام ليصبح «الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود»، بحيث يقترع الناخب:

1ـ لمرشّح واحد في الدوائر التي تضم ما بين مقعد وثلاثة مقاعد ضمناً.

2ـ لمرشّحين على الأكثر في الدوائر التي تضمّ ما بين أربعة وستة مقاعد ضمناً.

3ـ لثلاثة مرشحين على الأكثر في الدوائر التي تضمّ ما بين 7 و10 مقاعد ضمناً.

ويفوز المرشّحون الذين ينالون العدد الأكبر من الأصوات حسب التوزيع الطائفي وحسب القانون المتّبع حالياً.

ويشترك «النظام النسبي مع التفضيل» و«نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود» في تحقيق مبدأ التضمينية وطمأنة الطوائف والأقليات وفرز كتل نيابية ميثاقية، فيما يمتاز «نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود» بتأمين حسن التمثيل، وسهولة آلية الفرز والتطبيق، وتخفيف تأثير المال والإعلام والإعلان، واحترام القضاء كدائرة انتخابية، وتأمين استمرارية طريقة الإقتراع والفرز.

1ـ التضمينية: يتساوى النظامان في إشراك كل الفئات الرئيسية التي يتكوّن منها المجتمع في السلطة، وحصر التنافس والخلافات داخل المؤسسات الدستورية، نظراً إلى أن لنظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود ما للنظام النسبي من إتاحة الفرصة للقوى السياسية كافة التمثّل في مجلس النوّاب نسبة لحجمها التمثيلي في الدوائر. فأي قوى سياسية، مهما بلغت قدراتها التجييرية في دائرة ما، أعجز من أن تحصد كل مقاعد هذه الدائرة، ومحتّم عليها أن تتقاسم المقاعد مع سائر القوى المشكّلة لنسيج الدائرة.

2ـ طمأنة الطوائف: يخفّف النظامان من الكباش الطائفي والمذهبي في الدوائر المختلطة، نظراً إلى عدم إمكان إقصاء الطرف الراجح للطرف الأقل عدداً، مما يحول دون تهميش الأقليات وتغييب تمثيل قواها السياسية عن مجلس النوّاب ويطمئنها إلى وجودها ومشاركتها في السلطة.

3ـ كتل نيابية ميثاقيّة: يقضي النظامان على احتكار التمثيل المذهبي في مجلس النوّاب كما هي الحال اليوم عند المذاهب الإسلامية، ويسمحان بالتالي بتكوين كتل مؤاتية لقيام أكثرية ميثاقية حاكمة وأقلّية ميثاقية معارضة، دون شعور الطوائف والمذاهب مداورة بالغبن والإحباط.

4ـ الصوت غير الطائفي: يتوقّع أن يختار معظم الناخبين المرشّح المفضّل من طائفتهم أو مذهبهم أو إثنيتهم في كلا النظامين. إلا أن نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود يتيح للناخبين اختيار مرشّح أو أكثر من طائفة مختلفة عن طائفتهم في الدوائر التي تضم 4 مقاعد وما فوق، مما يساهم في التوعية الوطنية ويكون ذلك خيارياً للناخبين.

5ـ حسن التمثيل: يقلّل نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود من فاعليات البلوكات الإنتخابية الصمّاء، فيحسّن تمثيلية النواب ويدفع المرشح إلى التواصل المباشر مع الناخب ويعزّز فرص وصول وجوه جديدة وكفؤة إلى البرلمان. وبحصر الخيار بين مقعد واحد وثلاثة (حسب الدائرة)، لم يعد الناخب مجبراً على انتخاب مرشحين لا يعرفهم أو لا يستحسنهم، مما يجعل الخيار أكثر صوابية والنائب أكثر تمثيلاً. في المقابل، يختار الزعيم أو الزعماء في النظام

النسبي مع التفضيل المرشّحين في الدائرة الإنتخابية كما هي الحال في القانون الحالي، وعلى الناخب أن يقوم بالتفضيل بين المرشّحين المفروضين عليه، دون أن يشارك في صنع اللائحة المقفلة في انتخابات تمهيديّة. لذلك يعجز النظام النسبي مع التفضيل عن تحقيق غاية حسن التمثيل لإيصال أكثر المرشّحين حيثية وكفاءة إلى الندوة البرلمانية. ورغم الاحتمال الضعيف بتحسين تمثيلية النواب ومستواهم، يحتمل أن يعيد النظام النسبي اعتماد معيار الولاء والثروة وليس الحيثية والكفاءة لاختيار أعضاء اللوائح.

6ـ آلية التطبيق والفرز: يتطلّب النظام النسبي مع التفضيل أن يختار الناخب اللائحة المناسبة وينتقي منها مرشّحه المفضّل، مما يعقّد آلية الفرز خصوصاً أن المقاعد توزّع على الطوائف والمذاهب بعد إعطاء كل لائحة حصتها من المقاعد. ويحتاج هذا النظام أيضاً إلى توعية المواطنين وإرشادهم وإعادة تأهيل رؤساء الأقلام. في المقابل، تسهل عملية الفرز في نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود، إذ لا يتغير أسلوب الفرز المتبع حالياً.

7ـ المال: يحافظ نظام النسبية مع التفضيل على قدرة تأثير المال في الانتخابات لأن الماكينات الإنتخابية ستبقي بحاجة الى مال انتخابي وفير لتأمين أكبر نسبة من الأصوات لصالح اللائحة، وإدخال أكبر عدد من أعضائها إلى المجلس النيابي. في المقابل، يقلل نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود من تأثير عامل المال في الإنتخابات، خصوصاً أن معيار الإنتخابات في هذه الحالة هو التواصل الفردي وليس شراء «البلوكات الإنتخابية»، مما يرفع كلفة الرشوة في حال أراد المرشح القيام بها. إضافة إلى ذلك، أظهرت التجارب الإنتخابية اللبنانية أن المبالغ الكبرى من المال في الإنتخابات تذهب لـ«شراء» مقعد في لائحة زعيم، أكثر منه لشراء أصوات الناخبين.

8ـ الإعلام والإعلان: يبقي النظام النسبي مع التفضيل الحاجة إلى حملات إعلانية وإعلامية كبيرة ومكلفة من أجل الوصول إلى الشرائح الناخبة كافة في دوائر كبيرة، مما يخرق عمليّاً مبدأ تكافؤ الفرص الإعلانية والإعلامية المفروض توافره في الإنتخابات. في المقابل، لا يتطلب نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود حملات إعلامية بسبب صغر الدائرة ومعرفة الناخب لمرشّحه المفضّل - أو مرشحيه المفضّلين - عن كثب وهو على تواصل دائم معه، وهذا ما يقلّل من جدوى استغلال الإعلام والإعلان من قبل البعض المقتدر للقيام بحملات إعلانية ضخمة تؤثر على الناخب.

9ـ احترام القضاء كدائرة انتخابية: يرجّح النظام النسبي مع التفضيل تمثيل الأقضية التي تضم عدداً أكبر من الناخبين، على حساب الأقضية الأقل عدداً في الدائرة ذاتها، نظراً إلى أن حجم الدوائر في الإقتراحات النسبية المقدّمة يتراوح بين الدوائر المتوسطة والمحافظة، وصولاً إلى لبنان دائرة واحدة، فيما المقاعد لم تعد محدّدة بالأقضية. في المقابل، يعتمد نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود الدوائر المعمول بها حاليّاً، فيحترم الخصوصية التاريخية للقضاء كعامل مؤسس في الهويّة الإدارية والنيابية.

10ـ الاستمرارية: ينفصل النظام النسبي مع التفضيل عن الثقافة الانتخابية اللبنانية المتّبعة منذ القرن التاسع عشر، فيما يؤمّن نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود استمرارية نظام الإقتراع الأكثري في الدوائر المتعدّدة الذي اعتاده اللبنانيون وبنوا ثقافتهم الإنتخابية على أساسه.

بالخلاصة، وأخذاً بالحسبان المشهد السياسي الراهن، يجدر تكرار القول إن أبرز ميزة لنظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود إنه يحسّن تمثيلية النواب وتواصلهم مع ناخبيهم على غرار الدائرة الفرديّة، كما يؤمّن، بآلية بسيطة ودون تعقيد، الآثار الإيجابية للنظام النسبي على أداء النظام السياسي، حيث لا يبقى ممكناً فوز كتلة من

الناخبين تُمثّل أكثرية بسيطة بكل مقاعد دائرة ما، فيما تُقصى كتل أخرى تمثّل أقلّية كبيرة. إضافة إلى ذلك، يخفّض الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود من أهمّية المال والإعلان والإعلام في الانتخابات النيابية ولا يستدعي إرشاد الناخب وتثقيفه في عمليتي التطبيق والفرز.

(1) تحدّد تركيا الحاجز الأدنى من الأصوات لتمثيل الأحزاب في مجلس النوّاب بـ 10 في المئة على صعيد البلاد، وبالتالي، تجيّر أصوات الأحزاب التي لم تستطع عبور هذا الحاجز النسبي على صعيد كل تركيا إلى الحزب الذي حل أولاً في الدائرة. ووضعت النخبة الكمالية هذا النظام يوم كانت ممسكة بزمام السلطة، فضمن لها أكثرية نيابية في البرلمان وحال دون وصول الأحزاب الراديكالية الكردية إلى مجلس النواب، غير أنه في العام 2002، وعلى أثر الأزمة الإقتصادية التي ضربت البلاد، استطاع حزب العدالة والتنمية ذو التوجّه الإسلامي أن يحل الأوّل في الإنتخابات بنحو ثلث المقترعين، لكنّ إعطاء أصوات الأحزاب (يسارية بمعظمها) التي لم تستطع تخطّي حاجز الـ 10 في المئة في مجمل تركيا إلى كل حزب حل أولاً في الدوائر، جعل من حزب العدالة والتنمية يتحكّم بالأكثرية النيابية المطلقة حتى يومنا هذا.

)مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية(

 

 

 

النهار، 14 تموز 2011

نظام انتخابي جديد للبنان يضمن حسن التمثيل والاستقرار بقلم عبدالله بوحبيب وشارل سابا

جدّدت الحكومة الجديدة التأكيد كما سابقاتها، أن النظام الإنتخابي المعتمد حاليّاً لا يلبّي مقتضيات تطوير الحياة السياسية في لبنان، والتزمت في بيانها الوزاري اعتماد نظام جديد في غضون السنة المقبلة. فما هي موجبات هذا التغيير؟ وما هو النظام الأفضل والأكثر قابلية للتطبيق في لبنان؟

تطرح الإنتفاضات في الدول العربيّة التي تضم في تركيبتها الإجتماعية تنوّعاً إثنيّاً وطائفيّاً وقبليّاً، إشكالية احترام التعدّدية والحقوق السياسية للأقليات في إطار الدولة الديموقراطية، وخصوصاً في ظل غياب فكرة الدولة المدنية ومبدأ مساواة المواطنين أمام القانون. وبدافع هذه الإشكاليّة، يقدّم البعض النظام السياسي اللبناني بروحيّته القائمة على الشركة المتوازنة في الحكم بين مكوّنات الوطن الواحد، كنموذج يمكن الإحتذاء به، فيما يحذّر الإصلاحيون منه خوفاً من الفوضى التي يتخبّط بها لبنان.

إنّ التجربة العملية للنظام السياسي اللبناني منذ استقلال العام 1943 وحتى اليوم، وخصوصاً بعد العام 2005، أظهرت أن موجبات التوافق الدائم بين ممثلي الطوائف والمذاهب وشركتهم في صنع القرار عوّقت معظم الأحيان سير

عمل المؤسسات وولّدت مراراً فراغاً وشواغر من أعلى الهرم في السلطة التنفيذية، وصولاً إلى الوظائف الإدارية، مما أدّى إلى ظواهر متكرّرة لتفكّك الدولة وتهديد السلم الأهلي والإقتصاد الوطني وتعريض حياة المواطنين وأرزاقهم للخطر. ويظهر في هذا السياق المساهمة الاساسية للنظام الإنتخابي المتّبع (الإنتخاب الأكثري في الدوائر المتعدّدة المقعد) حالياً في تشكيل أحاديات طائفية ومذهبيّة في التمثيل النيابي تحول دون تكوين أكثرية ومعارضة نيابيتين تضمّ في صفوفهما ممثّلين عن مختلف الطوائف والمذاهب، بما يسهّل آلية اتخاذ القرار ويعزّز المحاسبة، ويضمن تداول السلطة ومشاركة كل الفئات فيها. بناءً على ما تقدّم، اعتبرت الحكومات المتتالية منذ العام 2005 وتحت ضغط الفئات اللبنانية كافة وخصوصاً المجتمع المدني، أن تغيير النظام الإنتخابي هو الإصلاح السياسي الأبرز الواجب إدخاله في النظام السياسي اللبناني حاليّاً كي يصبح أكثر تضمينية وأقلّ شللاً في الوقت ذاته. ولتحقيق هذا الإصلاح الجدّي، تراوح الخيارات البديلة المطروحة بين الدائرة الفردية واقتراع اللائحة بالنسبية. وتُتَّبع الدائرة الفردية في معظم الديموقراطيات الغربيّة، وتضمن حسن تمثيل المواطنين كأفراد، وتعبّر عن توجهاتهم وخياراتهم وتؤمّن ديمومة تواصلهم مع نوابهم، غير أنه يصعب اعتمادها في لبنان نظراً للتوزيع الطائفي للمقاعد النيابية. أما النظام النسبي المتّبع في دول تعدّدية وفيديراليّة عدّة، فينحصر إمكان تطبيقه في لبنان في النظام النسبي مع التفضيل، نظراً إلى ضعف الأحزاب وعدم إمكان إجراء انتخابات تمهيديّة. ومن المقترحات أيضاً، نظام مختلط يجمع الإقتراع الأكثري في دوائر صغيرة لاختيار قسم من النواب، مع الإقتراع النسبي في دوائر متوسطة أو كبيرة لاختيار القسم الآخر، إضافة إلى نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود الذي يشكّل الوجه المعدّل للصوت الفردي غير القابل للتجيير (one man one vote) ويجمع حسنات نظامي الدائرة الفرديّة والنسبي مع التفضيل.

الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود

في ظل تعقيدات الكوتا الطائفية في لبنان والثقافة الانتخابية اللبنانية القائمة تاريخياً على نظام مبسّط، قد يكون من المستحسن السير بنظام انتخابي يحافظ على استمرارية جزء من النظام الحالي، وخصوصاً لجهة القضاء كدائرة انتخابية وبساطة الإقتراع الأكثري. ويتمثّل هذا النظام بالصوت الفردي القابل للتجيير المحدود.

ويقضي هذا النظام أساساً بأن يدلي الناخب بصوت واحد لمرشّح واحد في دائرة صغيرة. أما تطبيقه في لبنان، فيمكن أن تُعتمد فيه الدوائر المعمول بها حاليّاً، فيحترم الخصوصية التاريخية للقضاء كعامل مؤسس في الهويّة الإدارية والنيابية. وتكون طريقة الفرز ذاتها، أي أن يفوز المرشّح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات بين المرشحين على المقعد ذاته في طائفته. ففي جبيل مثلاً، حيث يوجد مقعدان للموارنة وواحد للشيعة، ينتخب المواطن مرشّحاً واحداً. وعند الفرز يفوز المرشحان المارونيان والمرشّح الشيعي الذين فازوا بأكبر عدد من الأصوات. ويحافظ هذا النظام على استمرارية النظام الحالي لجهّة الإقتراع الأكثري في دوائر متعدّدة المقاعد لكنّه يحدّ من مساوئه.

ونظراً إلى اختلاف أحجام الدوائر المعتمدة عموماً على القضاء، يمكن أن يعدّل النظام ليصبح الصوت الفردي فيه قابلاً للتجيير المحدود في بعض الدوائر، فيكون على الشكل الآتي:

■ الدوائر التي تضم ما بين مقعد وثلاثة مقاعد ضمناً: صوت واحد لناخب واحد.

■ الدوائر التي تضمّ ما بين أربعة وسبعة مقاعد ضمناً: صوتان لناخب واحد.

■ الدوائر التي تضمّ ما بين 8 و10 مقاعد ضمناً: ثلاثة أصوات لناخب واحد.

■ وبالنسبة إلى بيروت، يمكن أن تبقى ثلاث دوائر على غرار ما هو معمول به في قانون الإنتخابات الحالي، فتتبع دوائرها القواعد ذاتها المعتمدة في سائر الدوائر. ويجوز أن تكون دائرة واحدة، فتضم 19 مقعداً، ويصبح الإنتخاب فيها على أساس خمسة أصوات لناخب واحد. ويسمح هذا الأمر بتمثيل عادل وصحيح لبيروت التعدّدية.

ويجمع نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود حسنات النظامين الأكثر اتباعاً في الدول الديموقراطية، أي الدائرة الفردية والنظام النسبي مع التفضيل، في نظام واحد. فهو يعزّز القدرة التمثيلية للنواب ويسمح بتمثيل نسبي في مجلس النوّاب في آن واحد. فيدفع المرشح من ناحية أولى إلى التواصل المباشر مع الناخب وإلى وصول نواب بقدرات مميّزة، مما يضطرّ الأحزاب إلى تحسين مواصفات مرشّحيهم في كل المناطق، من أجل تعزيز فرصها في دخول مجلس النوّاب بكتل وازنة. ومن ناحية أخرى يشبه هذا النظام النسبية فلا يبقى ممكناً من ناحية ثانية فوز كتلة من الناخبين تُمثّل أكثرية بسيطة بكل مقاعد الدائرة، فيما تُقصى كتل أخرى تمثّل أقلّية كبيرة. وبنتيجة ذلك، يقضي المشروع المقترح على احتكار التمثيل المذهبي في مجلس النوّاب كما هو الحال اليوم. ويمكن حينئذ قيام كتلتين ميثاقيتين وبأكثرية تحكم وأقلّية تعارض.

إلى ذلك، يسمح هذا الطرح عمليّاً للبنانيين بانتخاب نوّابهم المفضلين، كما يعتبر المفتاح الأمثل لفتح باب النقاش حول إلغاء الطائفية من النصوص بعد إزالتها من النفوس، لأن فيه لن تشعر أي طائفة أنها مغبونة وخصوصاً أن الإقتراح يسمح للناخبين بتغليب الشعور الفردي على الشعور الجماعي في اختيارهم لممثليهم. ويساهم هذا النظام أيضاً في تثبيت العيش المشترك، ويحدّ من نقل قيد الناخبين الذين يشكّلون أقلّية طائفيّة أو مذهبيّة في بعض الدوائر إلى مناطق أكثر صفاء طائفيّاً ومذهبيّاً، كما يقلّل من جدوى عمليات نقل النفوس الإصطناعي والتجنيس المبطّن وغير الشرعي الهادفة إلى الإخلال بالموازين الديموغرافية لأغراض انتخابية.

ومن حسنات هذا الإقتراح أيضاً أنّه يتضمّن دينامية هادفة إلى ترجيح الخطاب الوطني مع الوقت عبر دفعه المرشّحين إلى محاولة استمالة الناخبين من مختلف الطوائف في الدائرة من أجل إظهار تمثيليتهم الوطنية، مما قد يدفع المرشحين إلى الابتعاد عن اللغة الطائفية ويصبح المجال متاحاً للناخبين امام اختيار المرشحين الذين يريدونهم بمعزل عن الإنتماء الطائفي، وتتعزز فرص العلمانيين والمعتدلين في إيصال مرشّحين بمعزل عن إرادة الكتل الطائفية.

كذلك، يحرّر نظام الصوت الفردي القابل للتجيير المحدود القوى السياسيّة من الحاجة إلى التمويل الخارجي كما حدث في انتخابات العام 2009. فارتفاع كلفة الإنتخابات على القوى السياسية تفقدها حرية حركتها وتجعل من التنافس السياسي المحلّي أكثر ارتباطاً بالصراعات الخارجيّة فيمسي استقلال لبنان وسيادته وحريته أكثر عرضة للتهديد. كذلك، يعتبر هذا النظام سهلاً للتطبيق وليس معقّداً على غرار النظام النسبي مع التفضيل، ويوفّر جهداً وكلفةً على المرشّحين والإدارة الإنتخابية.

 

■ يطرح "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية" هذا الموضوع في مؤتمره السابع الذي يعقده السبت 16 تموز في قاعة محاضراته في سن الفيل بعنوان "بحثاً عن نظام انتخابي يضمن حسن التمثيل والإستقرار"، وتشارك فيه مجموعة من الشخصيات السياسية والخبراء.

(مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية)

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,683,760

عدد الزوار: 6,908,385

المتواجدون الآن: 110