هل يستطيع الأسد القيام بإصلاحات تمس الجوهر؟

تاريخ الإضافة الإثنين 18 تموز 2011 - 7:41 ص    عدد الزيارات 931    التعليقات 0

        


 

هل يستطيع الأسد القيام بإصلاحات تمس الجوهر؟

بعد مرور أشهر على حركة الاحتجاج في سوريا وسقوط أكثر من ألف قتيل واعتقال وتشريد عشرات الآلاف، ما زال عدد من الدول، وعلى رأسها تركيا والولايات المتحدة، يعتقد بأن في إمكان النظام السوري اجتياز الأزمة التي تمر بها سوريا، وذلك عبر القيام بالاصلاحات السياسية التي يطالب بها المحتجون، وتأمين الانتقال الهادىء من نظام الحزب الواحد إلى نظام ديموقراطي يقوم على التعددية الحزبية، ويضمن الحريات السياسية والفردية، ويحقق المساواة، ويرعى انتخابات حرة تنتج تمثيلاً حقيقياً لمختلف فئات الشعب السوري.
 
السؤال الذي يطرح هل في إمكان نظام البعث القيام بمثل هذه الاصلاحات، من دون أن يكون ذلك بمثابة انتحار سياسي؟ وهل يستطيع الرئيس بشار الأسد تنفيذ ذلك في ظل توزان  القوى المحكم  الذي يتحكم بالمفاصل الأساسية للسلطة  منذ أكثر من 40 سنة؟
تقدم الدراسة، التي كتبها قبل أربعة أعوام سهيل بلحاج و إبرهاد كينل بعنوان: "هل هناك تغيرات سياسية داخلية حقيقة في سوريا؟"، والمنشورة في الكتاب المهم جداً عن سوريا بعنوان: "سوريا في الحاضر"* والذي تضمن دراسات جادة تناولت جوانب سياسية واجتماعية وثقافية في المجتمع السوري، بعض الاجابات عن هذه الأسئلة.  وقام واضعا الدراسة بتحليل التغييرات التي أقدم عليها بشارالأسد لدى وصوله الى الحكم ورصدا انعكاساتها على الحياة السياسية في سوريا.

الفارق ما بين  التغيير السياسي والاصلاحات
 
ينطلق الكاتبان في دراستهما من فرضية أساسية، هي إن الأنظمة التوليتارية تدافع عن بقائها في السلطة عبر قدرتها على مواجهة التغيرات التي تطرأ على البيئة التي تحكمها، إما من خلال التأقلم مع هذه التغيرات، أو بتغيير البيئة التي تحكمها بطريقة تتلاءم معها.  ويريا أن المدة الزمنية الطويلة لبقاء نظام البعث في الحكم في سوريا (أكثر من أربعين سنة) هي دليل الى قدرته على مواجهة التغيرات التي طرأت على بيئته ونجاحه في التأقلم معها. ومنذ البداية يميز المؤلفان ما بين مفهوم التغيير أي التعديلات السياسية، ومفهوم الاصلاح السياسي، فيشيران إلى أن التغيير يرتكز على اعادة "تنظيم وتبديل في بنية عمل مؤسسات الحكم وهيئاته، وتغيير قواعد اللعبة السياسية"، من دون تغيير أسسها ومرتكزاتها. وغالباً ما تكون هذه التغييرات  "جزئية ومحلية"، وهي لا تتطلب تخلياً عن المبادىء الأساسية للنظام، كما انها لا تشكل مرحلة انتقالية، والأهم أنها تختلف عن الاصلاحات. ولا تفترض هذه التغيرات الوصول إلى الديموقراطية، إنما تهدف بصورة خاصة، ووفق الكاتبين، الى "اعادة تصويب المسار السياسي للنظام غير التعددي وادخال التعديلات اللازمة لذلك".

تعديلات الأسد لم تغير النظام الذي بناه والده
يقول الكاتبان أن الدستور السوري للعام 1973 يعكس في صورة كبيرة مركزية الدور الذي لعبه حافظ الأسد في حصر كل السطات في يده، بعد استبعاد  واقصاء كل منافسيه السياسيين، ومد اليد إلى الفئات الاجتماعية التي كانت، حتى ذلك الحين، مهمشة عن الحياة السياسية السورية. كما سعى الأسد الى الايحاء بوجود حياة حزبية وهمية عبر تأليفه جبهة الأحزاب التقدمية من الأحزب اليسارية والشيوعية المؤيدة لحزب البعث، والى استرضاء أحزاب اليمين وطبقة التجار واحتوائهم بواسطة قانون الانفتاح الاقتصادي، وأحكم سيطرته الكاملة على الجيش والأجهزة الأمنية المختلفة. وواجه الأسد (الأب) خلال سنوات حكمه غير محاولة معارضة، سواء من جانب المقربين منه أو من جانب المعارضة السنية، ونجح في التغلب عليها، وبثمن دموي كبير، كما حدث في قمع حوادث حماه العام 1982.
حمل بشار الأسد لدى صعوده الى الحكم خطاباً ركز فيه على أمرين: مركزية الدولة وأهمية احترام مؤسساتها، والضرورة القصوى للقيام باصلاحات اقتصادية ومعالجة مشكلة الفساد. يشير الكاتبان الى أن السنوات الأولى من حكم بشار تميزت بالاصلاحات الاقتصادية التي تجلت عبر السماح بفتح المصارف الخاصة، واعادة النظر في قانون صرف العملات، وتنظيم القطاع الخاص وكسر احتكار الدولة، وفتح المجال أمام المنافسة في بعض القطاعت الصناعية. ويخلص الكاتبان الى القول "وفق الخبراء في هذا المجال كانت هذه التغييرات جزئية وذات انعكاسات محدودة على الحياة السياسية في سوريا". أما بالنسبة الى التغيرات التي أدخلها الأسد الإبن على الحياة السياسية، ففي رأي الباحثين يمكن رصدها عبر نتائج الانتخابات التشريعة التي جرت السنة 2003، والتي دلت في صورة واضحة الى السيطرة الكاملة لحزب البعث على العملية الانتخابية برمّتها، سواء من حيث القوانين التي تنظم عملية تشكيل لوائح المرشحين للانتخابات التي يلعب الدور الأكبر فيها المحافظون المرتبطون مباشرة بالرئيس وبالقيادة المحلية لحزب البعث، أو من حيث تقسيم حزب البعث للدوائر الانتخابية، بما لا يفسح  في المجال أمام دخول مرشحين مستقلين  معترك الانتخابات إذا لم يكونوا موالين للنظام أو مرتبطين بحزب البعث الحاكم.
على صعيد الحكومة السورية، التي تجد نفسها في الأساس في موقع المنافسة مع قيادة حزب البعث الذي يشكل نوعاً من هيئة عليا للرقابة على أعمالها، كما أن رئيسها يجب أن يكون دائماً من الأعضاء البارزين في الهيئة المركزية للحزب، حاول بشار الأسد ادخال بعض التغييرات على هيكلية عملها من أجل تفعيله،  لكنه أصدر أيضاً السنة 2003 قراراً بتكليف الحزب عملية التخطيط والتوجيه والاشراف والمراقبة السياسية على عمل الحكومة. كذلك قام بتوزيع الحقائب الوزارية بحيث لا يهتم أي وزير بأكثر من حقيبة واحدة، وحرص على أن يكون رئيس الحكومة آنذاك ناجي العطري على علاقة وثيقة بقيادة حزب البعث.
وهنا ينبه الكاتبان الى أن توزيع المهمات وتقسيمها واحالتها على لجان وزارية فرعية يحول "الوزير الى مجرد حلقة من الحلقات المرتبطة بالآلية الدستوية"، وأي قرار يتخذه يدخل في متاهات اللجان، وعليه الانتظار طويلاً قبل أن يدخل حيز التنفيذ. ناهيك باستحالة اصدار أي قرار حكومي يمكن أن يمس بالمصالح الحيوية لأعمدة النظام الأساسية: الجيش والحزب والأجهزة الاستخباراتية، إلا من جانب الرئيس نفسه. إن مركزية منصب رئيس الجمهورية تجعله مصدر القرارت، وليس الحكومة التي تظل تابعة لإرادة الرئيس في كل شيء، حتى في القوانين والتشريعات، ولرقابة وتدخل حزب البعث من خلال لجنة المراقبة الحزبية، مما يهمش عملها وموقعها داخل المؤسسات الحاكمة في ظل السيطرة الكاملة للرئيس وللحزب عليها.

الجيش وأجهزة المخابرات نقاط قوة النظام السوري
اذا كان مجلس الشعب والحكومة في سوريا مؤسستين ضعيفتين وغير فاعاتين وتابعتين في صورة مطلقة للرئيس ولحزب البعث، فإن الجيش والأجهزة الاستخباراتية تشكل الدعامة التي تستند اليها سلطة الرئيس ونقاط قوته الأساسية، وهي التي تمسك بمفتاح الاستقرار الحقيقي للنظام في سوريا.
يشير الكاتبان إلى أن عديد الجيش السوري بلغ العام 2000 نحو 320000 جندي، مع تكلفة توازي 40 في المئة من الموازنة العامة، أي ما يقارب 800 مليون دولار.  ويشكل الجيش، مثل حزب البعث، الأداة لتأطير الشعب، ووفق الدستور السوري من مهمات الجيش الدفاع أيضاً عن النظام. وثمة صلة وثيقة بين الجيش والحزب، فنحو 16 ضابطاً في قيادة أركان الجيش هم أيضاً أعضاء في اللجنة المركزية لحزب البعث، ناهيك بأن وزيرالدفاع السوري يتولى أيضاً منصب رئيس اللجنة العسكرية للحزب.
أما على صعيد الأجهزة الأمنية فيتحدث الكاتبان عن أربعة كلها مرتبطة مباشرة برئيس الجمهورية، وهي الأمن السياسي، والأمن العام، والاستخبارات العسكرية، والاستخبارات التابعة لسلاح الجو. الى جانب هؤلاء هناك الحرس الجمهوري وهم فرقة من النخبة مهمتها المحافظة على أمن رئيس الجمهورية، وتتمتع بمكانة وامتيازات خاصة. ويبلغ عدد العاملين فيها نحو 200000 شخص. ويتم تحديد مهمة هذه الأجهزة بعيداً عن الأجهزة الحكومية، وتتوزع هذه المهمات بطريقة لا تجعل النظام أسيراً أو تحت سيطرة أي من هذه الأجهزة. وكل التعيينات والتبديلات التي تجري داخلها تهدف الى باقاء ميزان القوى لصالح الرئيس وللدفاع عن مصالحه.
  يقول الكاتبان أن الدفاع عن نظام بشار الأسد يشكل مصلحة أساسية بالنسبة لقيادة الجيش السوري والأجهزة الاستخبارية، لأنه أيضاَ يشكل دفاعاً  عن استمرار الامتيازات والمصالح الحيوية التي يؤمنها النظام لها. فبقاء هذه الأجهزة في السلطة مرهون ببقاء النظام ومصيره.

الاصلاحات ما بين الأمس واليوم
تُظهر القراءة المتأنية لدراسة بلحاج وكلينل أن كل بحث في الاصلاحات  السياسية اليوم في سوريا معناه نسف المداميك التي قام عليها هذا النظام، والذي لا يمكن أن تستوي سلطته من دونها. فاحتكار رئيس الجمهورية كل السلطات التنفيذية، واحتكار حزب البعث العمل السياسي والرسالة السياسية، هما في اساس الدستور للعام 1973. وفي رأيهما أن حافظ الأسد بنى نظاماً على "قياسه" ويتمحور حول شخصه، وكل التغييرات التي ادخلت في السنوات الأخيرة على الدستور لا تستطيع أن تكسر احتكار الرئيس والحزب لكل السطات في الدولة، والأهم انها لم تؤدِ الى تغيير سياسي حقيقي في ظل الهيمنة الكاملة لقيادة حزب البعث ولضابط الجيش والأجهزة على كل مقدرات الدولة واستمرار التهميش الكبير لدور مجلس الشعب وللدور الإجرائي للحكومة. إن كل ما فعله نظام بشار الأسد هو نوع من "التأقلم الناجح"، حتى لو لم يكن مضبوطاً مئة في المئة مع التبدلات الطارئة على المجتمع السوري.
يخلص قارىء الدارسة الى نتيجة مؤداها أن استجابة بشار الأسد اليوم للمطالبة بالاصلاح التي يرفعها المحتجون ويلح عليها المجتمع الغربي هي عملياً الغاء احتكار رئيس الجمهورية للسلطة التنفيذية وتقليص دور الأجهزة الاستخباراتية، وتحجيم المكانة التي يحتلها حزب البعث في الحياة السياسية. فالمطلوب حالياً من بشار الأسد أن يستخدم الهيئتين التشريعة عبر مجلس الشعب والتنفيذية عبر الحكومة، اللتين عانتا طوال حكم عائلة الأسد من التهميش، وكانتا مجرد أداة طيعة في يد الرئيس والحزب ولا تملك صلاحيات حقيقية ولا قدرة سياسية فاعلة على الأرض، نظراً الى ضعف تمثيلها للقواعد الشعبية، من أجل قطع رأس الحزب الأجهزة الأمنية التي تملك كل مقومات القوة.
في ظل موازين القوى السياسية الحالية في الحياة السياسية في سوريا تبدو هذه الاصلاحات أشبه بعملية "اغتيال" يقوم بها النظام لنفسه وبطريقة دستورية. وهذا طلب مستحيل ومن الصعب جداً ان يقدر الأسد على تلبيته وهو في المقابل كل ما يعرضه حتى الآن تعديلات تجميلية لا تتناول أسس النظام ولا تمس صلاحيات الرئيس أو الحزب أو الأجهزة العسكرية والأمنية ورقابتها على الحياة السياسية. وهو يعلم أن الاصلاح المطلوب منه سيدمر الدعائم الأساسية التي قام عليها النظام ويقضى من غير رجعة على نظام البعث في سوريا، ويعرض سلطته وشخصه لغضب وثورة جميع الطبقات المستفيدة من حكم عائلة الأسد طوال هذه السنوات، والتي ما زالت تمثل ثقلاً وازناً ومقرراً في الصراع الضاري الدائر اليوم بين حركة المعارضة في سوريا وبين النظام والفئات المستفيدة منه.
       
[email protected]

* La Syrie au Present: Reflets d’une Societe”: sous la direction de Baudouin Dupert, Zouhair Ghazzal, Youssef Gourbage, Mohammed Al- Dbiyat, Actes Sud 2007. "
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,223,156

عدد الزوار: 6,941,091

المتواجدون الآن: 128