الطائفة الأرثوذكسية كيف كانت وكيف صارت؟

تاريخ الإضافة الإثنين 18 تموز 2011 - 7:39 ص    عدد الزيارات 948    التعليقات 0

        

الطائفة الأرثوذكسية كيف كانت وكيف صارت؟

الطائفة الأرثوذكسية المشرقية، أي المستقيمة الرأي، أو لِنَقُل الأصحّ ومنعاً لكل التباس، الكنيسة المسيحية في انطاكية وسائر المشرق لأنه لم تكن آنذاك المذاهب والبدَع قد تفتَّقت بعد في مطلع المسيحية، تمركزت أصلاً في شمال غرب سوريا على زمن البطاركة الأوائل وما زالت حتى اليوم تنتسب إلى انطاكية لفظاً فقط. ذلك إنّ المذاهب المشرقية المسيحية قد تعدَّدت الآن، كل منها مدّعياً انه يمثل بطريركية انطاكية التي لم يعد فيها وجود لأية بطريركية كما لم يعد فيها أيضاً من حضور فاعل للمسيحيين(...).

في مرحلة لاحقة وبسبب ظهور البدع المسيحية المشرقية وأيضاً بسبب حصول الفتح العربي، اصبحت بطريركية انطاكية وسائر المشرق شاغرة مدة طويلة إلى ان ظهر مار يوحنا مارون، وهو المؤسس الحقيقي للطائفة المارونية، وقد لجأ إلى لبنان مع أتباعه وسُمّي بطريركاً على انطاكية وسائر المشرق رغم ان البطريركية تمركزت في الواقع في كفرحي قضاء البترون، ثم انتقلت في ما بعد إلى أماكن عدة من لبنان، وبدأ معه ومع من جاء بعده من البطاركة الموارنة الكفاح الطويل والمستمر في سبيل نشوء ما أصبح في ما بعد يعرف، بعد زمانٍ وزمان، بالكيان اللبناني المميز.
أما بطاركة الطائفة الأرثوذكسية فكانوا، لقرونٍ وقرون وبعد وقوع الانفصالِ، يُعيّنون من اليونانيين، فاستبدلوا الصلاة التي كانت تقام اصلاً في اللغة السريانية باللغة اليونانية، وأول بطريرك أرثوذكسي عربي هو، على ما نعلم، البطريرك غريغوريوس حداد الذي عاش ما بين أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وكان مركزه في دمشق رغم انه سمّي كغيره بطريركاً على انطاكية وسائر المشرق.
2 - وفي زمن المماليك، ومن ثمّ خلال زمن الفتح العثماني، لم يكن المسيحيون في الشرق عموماً أو في لبنان يشعرون حقاً بالأمان، ولا سيما القسم منهم الذي كان يعيش في المدن الساحلية، أما القسم الذي لجأ إلى الجبال وتحصّن فيها فكانت أحواله أفضل نسبياً.
ولم يبدأ المسيحيون في الشرق من كل الطوائف يتحسَّسون حريتهم ووجودهم إلا في أواخر القرن الثامن عشر ، وتحديداً بعد سنة 1774، وهو تاريخ توقيع معاهدة Kutchuk Kaïnardji الشهيرة التي بموجبها فرضت امبراطورة روسيا، كاترين الكبيرة، الألمانية العرق والبروتستانية المذهب أصلاً، شروطاً قاسية جداً على السلطنة العثمانية، علماً انها اضطرت، هي، الى اعتناق المذهب الأرثوذكسي كي تتزوج القيصر.
وبموجب تلك المعاهدة التي وقعت اثر حربٍ دامت سنوات عدة انتصرت فيها روسيا على السلطنة العثمانية فانتزعت منها السهول الفسيحة الممتدة حتى بحر أزوف والبحر الأسود وحق الملاحة في هذين البحرين وحرية المرور في المضايق وحق حماية الأقليات المسيحية في السلطنة من كل الطوائف ولا سيما منها الطائفة الأرثوذكسية.

 

3 - العصر الذهبي للمسيحية في لبنان وأيضاً للطائفة الأرثوذكسية.

بدأ مع انشاء ما سُمّي متصرفية جبل لبنان، على اثر الحرب الأهلية التي نشبت فيه حتى سنة 1860، اذ نال الجبل استقلالاً ادارياً، محدوداً، وعُيِّن حاكم عثماني عليه، دُعيَ المتصرف، لكنه مسيحي من طوائف الأقليات كاللاتين والأرمن، وأُنشئَ أيضاً فيه مجلس ادارة من اثني عشر عضواً يمثّلون طوائفه التاريخية المختلفة، وكان بمثابة مجلس النواب. على ان الحكم في لبنان كان خاضعاً لنفوذ قناصل الدول الأوروبية التي اختارت كل منها طائفة لحمايتها، فروسيا كانت تحمي الأرثوذكسيين، وفرنسا تحمي الموارنة وانكلترا الدروز الخ...
والحقبة تلك من الزمن التي وصفناها بأنها كانت باكورة العصر الذهبي للمسيحيين على العموم ومنهم طبعاً الأرثوذكس، والتي انتهت بنهاية الحرب العالمية، حلّ محلها في الواقع اثر انتصار الحلفاء، ما هو أفضل منها سنة 1920، ومن ثم ما هو أفضل وأفضل سنة 1943، اذ نال لبنان استقلاله التام والناجز للمرة الأولى في تاريخه الطويل، حيث نستطيع ان نقول إن العصر الذهبي المشار اليه امتدّ في الحقيقة، متطوّراً متبلوراً، حتى سنة 1982، بفضل الوجود الدائم، بما خصَّ الطائفة الأرثوذكسية لبعض ممثّليها الذين كانوا من المتبوعين حقاً وليسوا من التابعين.وسوف نعرض مع شيء من التفصيل لبعض ممثلي الطائفة الأرثوذكسية البارزين في تلك الحقبة من الزمن المبتدئة من عهد المتصرفية حتى سنة 1982 وكان لبنان قد نال استقلاله التام منذ سنة 1943:
أ- في عهد المتصرفية كان الأرثوذكسي الذي يمثل الكورة في مجلس ادارة المتصرفية، هو الشيخ جرجس أبو قبلان العازار، وكان زعيم تكتُّل يضم بعض أعضاء مجلس الادارة، منهم بنوع خاص العضو الماروني عن البترون المرحوم سعدالله بك الحويّك، شقيق البطريرك، وعضو زحلة عن الروم الكاثوليك المرحوم يوسف بك البريدي. ويشير السفير عادل اسماعيل في بعض ما كتبه في مجموعته نقلاً عن محفوظات وزارة الخارجية الفرنسية إلى ان الشيخ جرجس كان مهاباً ويخشاه الكل بسبب قوة شخصيته الفذّة.
وقد انتُخِب الشيخ جرجس عضواً في مجلس ادارة المتصرفية أربع دورات متتالية، كل دورة تدوم ست سنوات إلى ان توفّاه الله سنة 1908 عن عمر يناهز الثامنة والخمسين، وهو في طريقه من بعبدا إلى أميون بعدما حوَّل على أحد المطاعم في ضبيه حيث أكل وشرب وأخذ قيلولةً للراحة، فأصيب بانفجار صاعق في الدماغ وقضى نحبَهُ، ونُقِل إلى أميون حيث ووريَ الثرى، وأُقيم له تمثال من البرونز في الساحة قرب بيته، أُزيح الستار عنه بحضور البطريرك عريضه لكنه سُرِق في اثناء الهجوم على أميون سنة 1976.
ويُروى عنه انه، اذ عزل له المتصرف ابنه فؤاد، وهو موظف في المتصرفية، تضامن على الأثر مجلس الادارة مع الشيخ جرجس وعزل "فؤاد" ابن المتصرف الذي كان يشغل وظيفة ادارية في مجلس الادارة، وقيل آنذاك في الصحف تعليقاً: "فؤاد بفؤاد".
وفي ما بعد، نشبت الحرب العالمية الأولى، وانتُخِب عضواً في مجلس الادارة، ممثلاً الكورة، الأرثوذكسي الدكتور زخور العازار، وهو ابن عم الشيخ جرجس، ويُروى عنه انه، اذ تهجَّم المتصرف على مجلس الادارة، ناعتاً اياه بأنه "مجلس بغو"، أي فِجّ وغير ناضج، انتفض الدكتور زخور في وجهه قائلاً له: "لو لم يكن مجلس ادارة في لبنان، لما كان هنالك من متصرفية جبل لبنان، ولو لم تكن المتصرفية لما كنت انتَ المتصرف، بل ربما كنتَ حمّال باشي في اسطنبول".
ب- أما في عهد الانتداب، وبعدما أعلن الجنرال غورو في أول ايلول 1920 استقلال دولة لبنان الكبير وضُمَّت اليه الأقضية الأربعة، فقد جرى انتخاب أول رئيس جمهورية للبنان وكان الأرثوذكسي شارل دباس. ورغم انه كان صديق الفرنسيين، وزوجته فرنسية، ولكن، اذ علَّق المفوض السامي الفرنسي الدستور اللبناني، وهو المنتدب على لبنان بموجب قرار صادر عن عصبة الأمم في جنيف آنذاك، كان للرئيس دباس الشجاعة بأن يستقيل من منصبه العالي احتجاجاً، مدفوعاً إلى ذلك بحسِّه الوطني العميق.
ومن بعد، صار تعيين الاستاذ بترو طراد رئيس دولة لفترة غير طويلة، وهو ابن عائلة أرثوذكسية عريقة، وقد تدرّجت في مكتبه ابنة شقيقه المحامية الأولى في لبنان السيدة نينا طراد، كما تدرّج أيضاً فيه الاستاذ شارل حلو الذي تزوجها وصار سنة 1964 رئيساً للجمهورية.
ولاحقاً في عهد الرئيس اميل اده، ودائماً في ظل الانتداب، كان من يمثل الطائفة الأرثوذكسية في النيابة أو في الحكومة المحامي اللامع المرحوم حبيب أبو شهلا الذي كان له ثقله السياسي أينما كان نظراً الى حدّة ذكائه ولباقته وظرفه وسرعة خاطره.
ج- وفي عهد الاستقلال الكامل وعلى زمن الرئيس الشيخ بشارة الخوري بقي حبيب ابو شهلا الممثل الأبرز للطائفة الأرثوذكسية، إلى درجة انه لُقِّب شعبياً مستشار الدولة الأعلى المُلِمّ بكل القضايا، وقد صار انتخابه مرة لفترة رئيساً لمجلس النواب خلافاً للعرف. وفي ما بعد، وتحديداً سنة 1951، برز أرثوذكسياً الصحافي غسان جبران تويني، وكان آنذاك في مطلع نشأته وانتُخِب نائباً عن الشوف باسم المعارضة نظراً الى مقالاته الجريئة في "النهار" التي كانت تلاقي استحساناً لدى الرأي العام، وأعيد انتخابه نائباً عن بيروت سنة 1953 في عهد الرئيس كميل شمعون، وما زال حتى اليوم يلعب دوره جيداً في الحياة السياسية، أطال الله عمره. وسنة 1957 لمع اسم الفيلسوف المشهود له الأرثوذكسي الدكتور شارل مالك، ذو الأخلاق الرفيعة، وهو ابن بطرَّام الكورة البارّ وكان يمثل لبنان لدى الأمم المتحدة، وقد شارك في تنظيم شرعة حقوق الانسان، فعُيِّن وزيراً للخارجة ثم انتُخِب نائباً عن الكورة. ومثَّل أيضاً المتن في تلك السنة في النيابة والحكومة، الأرثوذكسي الدكتور البير مخيبر المعروف باستقامته وجرأته ووطنيته، وهو من القلائل الذي ظلّ يمثل منطقته حتى وفاته من غير ان يحيد عن خطه السياسي الوطني القويم قيد أنملة رغم المصاعب والظروف التي عاكسته.
واذ وصل سنة 1958 إلى سدّة الرئاسة الجنرال فؤاد شهاب بعدما اهتزّ لبنان حتى أعماقه بالأحداث الدامية التي وقعت فيه آنذاك، واهتزّت أيضاً وحدته الوطنية، طلب الرئيس فؤاد شهاب إلى أعوانه والأجهزة التي تعمل تحت إمرته ان يبحثوا له عن أرثوذكسي فهيم، رصين، مستقيم، يتّصف بالأخلاق العالية فأجمعت الأبحاث على أنه المحامي الاستاذ فؤاد بطرس الذي كان قبلاً قاضياً لدى المحاكم المختلطة، فعيّنه الرئيس شهاب وزيراً، ولم يكن له من سابق معرفة به، ثم طلب منه ان يترشّح ليكون نائباً عن بيروت، ففاز في الانتخاب في دورتين متتاليتين.
واذ عمل الرجلان معاً وتوطّدت عرى الصداقة بينهما، تنقّل الاستاذ بطرس في جميع الوزارات تقريباً، ولا سيما وزارة الخارجية، طابعاً فيها دائماً شخصيته المميزة، وقد ظلَّ وزيراً طوال عهد الرئيس شهاب وقسم من عهد الرئيس حلو، ثم عاد وزيراً طوال عهد الرئيس سركيس حتى سنة 1982، طابعاً في كل العهود نظرته الصحيحة، ومن بعد، وإن انكفأ رسمياً عن السياسة، إلا انه ظلّ يستشار حتى اليوم في الأمور المحرجة. ونكاد ان نقول ان من بعد الاستاذ بطرس خفت كلياً الوهج الأرثوذكسي لولا بعض الاستثناءات القليلة العابرة.

 

عضو المجلس الدستوري سابقاً

سليم العازار*      

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,629,553

عدد الزوار: 6,904,766

المتواجدون الآن: 96