إنهاء الحرب في غزة

تاريخ الإضافة السبت 10 كانون الثاني 2009 - 4:36 م    عدد الزيارات 1763    التعليقات 0

        

مع مرور كل يوم إضافي، تأمل إسرائيل بأن تضعف قدرة حماس العسكرية أكثر فأكثر، وأن تقلّل من خطر الصواريخ. في حين تعتمد حماس على رفع مكانتها في الداخل وإقليمياً. ولا سبيل لإنهاء هذا الوضع إلا عبر تدخل دولي عاجل لأطراف تحظى بثقة طرفي النزاع، قبل أن ترتفع الخسائر البشرية والسياسيّة أو قبل أن يتحوّل الإجتياح البري – كان قد بدأ عند نشر هذا المقال- الى مغامرة غير واضحة الأفق أو محدّدة النتائج، بالإضافة الى الخسائر البشرية التي ستجرّها.

من وجهة نظر حماس، كان تمديد فترة الهدنة يروقها ولكن فقط في حال تمّ تغيير هذا الترتيب، فقد مكّنها الهدوء النسبي من زيادة قوتها وشلّ أعدائها المتوقعين. ولكن الحصار لم يُرفع أبداً. وازداد موقف قادة حماس صعوبةً لأنهم بدوا وكأنهم يريدون الهدنة لحمايتهم الشخصية على حساب أزمة الشعب. ومع اقتراب موعد انتهاء الهدنة، ارتفع عدد الصواريخ التي تُطلق، كرسالة غير ذكيّة بأنّ حماس قد تستخدم العنف لإجبار إسرائيل على فتح المعابر. وقد صدمت حملة إسرائيل الجويّة الإنتقامية، في أيامها الأولى، مقاتلي "كتائب القسام" في حركة حماس لناحية توقيتها، شدّتها وكثافتها. ولكنّها لم تكن مباغتة بالنسبة لهم.

وعوضاً عن ذلك، تأمل الحركة الإسلاميّة أن تجني منفعة سياسيّة من الخسائر الماديّة؛ فهي تعلم أنّها لا تضاهي إسرائيل من الناحية العسكريّة، ولكن باستطاعتها أن تدّعي الإنتصار لصمودها في وجه هذا العدوان غير المسبوق، ولعل هذا سيكون كافياً بالنسبة لحركة تتغذّى بالشهادة وصورة الصمود. فمكانة حماس في الداخل وفي المنطقة، التي هزّتها بشكلٍ ما التكتيكات القاسية التي اعتمدتها للإستيلاء على قطاع غزّة وظهورها بمظهر اللامبالاة حيال الوحدة الوطنية، قد تتخطّى قدرتها العسكرية الفعلية بأشواط، في حين أنّ صورة أعدائها في الداخل، أي الرئيس محمود عبّاس، والسلطة الفلسطينية التي تتخّذ من رام الله مقراً لها وحركة فتح، في خطر. فالإجتياح البري كان متوقعّاً، حتى أنّ بعض الجهات في حماس كانت ترجو حصوله، فهم يعتقدون أنّ حرب العصابات من منزل لآخر أفضل لهم. وعندما ستخرج حماس من الحكم، يدّعي البعض أنّها تتطلّع للعودة الى الكفاح المسلّح الخالص، والذي لا تشوبه شائبة الحكم.

من وجهة نظر إسرائيل، كانت فترة الهدوء التي استمرت ستة أشهر محط ترحيب لو لم تكن مشوبة بقلق دائم؛ إذ استغلتها حماس لجمع ترسانة عسكرية أكثر قدرة وذات مدى أطول، في حين بقي العريف الإسرائيلي جيلاد شاليط أسيراً منذ العام 2006، واستمر إطلاق الصواريخ بشكل متقطّع. باستطاعة إسرائيل احتمال كافة هذه الأمور، ما عدا مسألة تكثيف الإعتداءات مباشرة قبل انتهاء الهدنة وبعدها. فحينها شعر حتى أكثر المعارضين لمسألة التصعيد بضرورة القيام بتحرّك كبير.

أما الاهداف فتبقى غير واضحة؛ إذ لا مجال لتحقيق نجاح عسكري بالإعتماد على القوّة الجويّة فحسب، أما إنهاء العملية فكان ليشكّل نصراً سياسيّاً لحماس على الرغم من الدمار الشامل الذي لحق بها. إذاً في حين كان يمكن تفادي الإجتياح البري، فما أن بدات العملية حتى أصبحت بالفعل قدراً محتوماً. فخلافاً لحرب 2006 في لبنان، يمكن لإسرائيل أن تمضي بهذه الحرب بعيداً، فحماس، على خلاف "حزب الله" لا تملك بعداً استراتيجيّاً ولا قدرة على إعادة مد نفسها بالذخائر، إذ لديها القليل من الحلفاء. وباستطاعة إسرائيل أن تسيطر على غزة وان تقتل أو تأسر معظم قادتها العسكريين والسياسيين، ولكن مع توسّع الاحتمالات تبرز مخاطر التساوي في القوة لعدم وجود مخرج منطقي. فقد تبدأ إسرائيل باحتلال مناطق في شمال غزة للتخلص من خطر الصواريخ القصيرة المدى، ولكن تبقى مسألة الصواريخ الطويلة المدى. قد تتمكّن إسرائيل عبر العمليات البرية المكثفة من التخلّص من العديد من الصواريخ ومطلقيها، ولكن بدون الدخول العميق والثابت الى المناطق ذات الكثافة السكانية لا يمكن لإسرائيل وقف حماس عن إطلاق الصواريخ.
يزداد أكثر فاكثر احتمال حصول تدخّل قوي يخرج حماس نهائياً من الحكم، ولكن يبقى السؤال: من سيتولى الحكم بعدها بعد إنهاء إسرائيل لاحتلالها؟ وكيف باستطاعة السلطة الفلسطينية التي نزلت أسهمها أن تمسك بالسلطة؟ فحتى إن هي أعلنت نصراً عسكرياً ساحقاً فهو لن يكون بالنصر السياسي المهم أو طويل الأمد.

إنّ القتال الذي بدأ كشد حبال لتحديد شروط هدنة جديدة تحوّل الى معركة تدور حول مفاهيم الردع وتوازن القوة، بدون وجود مخرج سهل لها. مبدئياً، تريد إسرائيل وقفاً لإطلاق النار، ولكن فقط بعد تركيع حماس، وتجريدها من قدراتها طويلة الأمد وتخليصها من أي وهم بحصول قتال بين قوتين متساويتين يتمتع فيها إطلاق الصواريخ بالقدرة نفسها على الردع التي تشكّلها الغارات الجويّة، وهي كلها أهداف تحتاج الى وقت طويل لتحقيقها. وكذلك لحماس مصلحة في وقف إطلاق النار، ولكن فقط في مقابل فتح المعابر. وفي هذه الأثناء، تعتبر حماس كل يوم من أيام الصراع بمثابة شهادة لأوراق اعتماد مقاومتها، وهكذا سيرى الطرفان العنيدان فائدة أكثر لهما في المضي بهذه المواجهة العنيفة بدل الظهور بمظهر الاستسلام.

إذاً يبقى دور المجتمع الدولي. قد يأتي الدافع لإنهاء مثل هذه الحرب غير المتكافئة عبر طريقين: الطريق الأوّل هو أن يلحق كل طرف أكبر قدر من الأذى بالطرف الآخر، أو أن يتدخّل المجتمع الدولي بشكل جازم لحل النزاع، حيث يبدو أنّ بعض اللاعبين الدوليين قد تعلّموا درساً مفيداً من الحرب في لبنان، فاليوم هناك المزيد من النشاط الذي يبذله الإتحاد الأوروبي، والدول الأوروبية منفردة مثل، فرنسا التي تسعى الى تجديد دورها المركزي في الشرق الأوسط، واللاعبين الإقليميين المهمين مثل تركيا، البلد الذي أصبح تدخلّه الأهم نظراً لانعدام الثقة بين حركة حماس والوسيط التقليدي مصر. فحتى القاهرة دعت حماس للمحادثات في الخامس من كانون الثاني.

على الرغم من ذلك، وكما كانت الحال قبل سنتين، تبرز النهاية السريعة وغير المشروطة للقتال في وجه الحجة بأنّ من شأن ذلك أن يخلّف مقوّمات وعناصر سبق أن أشعلت القتال. هذا صحيح، إذ يجب سد الفجوات التي تظهر في الهدنة المنتهية. ولكن، بصرف النظر عن جهود واشنطن غير المساعدة والمحفوفة بالمخاطر للتهدئة، يجب أن تكون المهمّة الأكثر إلحاحاً هي وقف القتال، إذ سبق لغياب الوساطة الفعالة أن ساهم في التصعيد من وقف غير مُجدٍ لإطلاق النار الى إطلاق للصواريخ طويلة الأمد والقصف الجوي الكثيف، ولاحقاً الى حصول عدوان بري. فلحماية المدنيين، والحد من الضرر السياسي (المتمثّل بالإستقطاب الإقليمي، والنزعة الى التطرّف، والمزيد من تقليل أهمية "المعتدلين" أو "عملية السلام") وتجنّب كارثة أخرى (متمثّلة بالموت الجماعي في الحرب المدنية في غزة، وضرب صواريخ حماس لمنشآت حيويّة في إسرائيل)، لكل ذلك تبرز الحاجة الى طرفٍ ثالث يقوم بالضغط على الجانبين لوقف العمل العسكري على الفور.

باختصار، نحن بحاجة الى التوصّل الى نتيجة ديبلوماسية على غرار ما حصل في لبنان، ولكن بدون اعتماد جدول زمني مطوّل كما في لبنان.

ولكي يكون قابلاً للإستمرار، يجب أن يلي وقف إطلاق النار مباشرة خطوات تعالج "المخاوف الأساسية" لكل من الطرفين، هي:

· وقف غير محدّد لإطلاق النار، بمقتضاه:

- توقف حماس إطلاق الصواريخ نهائياً، وتبعد المقاتلين المسلحين 500 متراً عن حدود إسرائيل، وتقوم بإرغام المنظمات المسلّحة الأخرى على الإلتزام بذلك.

-  وبالمقابل، توقف إسرائيل كافة اعتداءتها العسكرية، وتسحب جيوشها من غزة.

· القيام بجهود حقيقيّة لوقف تهريب السلاح الى غزة، تقودها مصر بالتنسيق مع لاعبين إقليميين ودوليين.

· إرسال قوّة مراقبة متعدّدة الجنسيات للتحقّق من الإلتزام بوقف إطلاق النار، وللعمل كصلة وصل بين الجانبين، ونزع فتيل الأزمات التي يمكن أن تقع. وباستطاعة بلدان مثل فرنسا وتركيا وقطر، والمنظمات مثل الأمم المتحدة أن تلعب دوراً مهماً في هذا المجال.

· فتح معابر غزة الى إسرائيل ومصر، بالإضافة الى:

-   عودة وجود الإتحاد الأوروبي في معبر رفح وامتداده الى معابر غزة الى إسرائيل.

- التنسيق بين سلطة حماس والسلطة الفلسطينية التي تأخذ من رام الله مقراً لها، عند المعابر.

وهذه النقطة الأخيرة- التي تعبّر عن دور حماس- هي بالطبع العقدة، والمعضلة غير المحلولة التي تفسّر بشكل كبير بروز المأساة بالشكل الذي برزت فيه. فقصّة حماس على مدى السنتين الماضيتين كانت قصة فشل جماعي، فشل لحماس التي فوّتت فرصة التصرّف كلاعب سياسي مسؤول، وفشل لإسرائيل التي التزمت سياسة قصيرة البصر لعزل غزة والسعي لإضعاف حماس وهي سياسة لم تساعدها ولا هي أذتهم، وفشل للسلطة الفلسطينية التي رفضت الإعتراف بنتائج الفوز الانتخابي للإسلاميين، وسعت الى إلغائه فانتهت بالظهور كزعيمة لجزء معيّن من المجتمع الفلسطيني ضد الجزء الآخر، وفشل للمجتمع الدولي ومن ضمنه العديد من اللاعبين الإقليميين الذي طلبوا من حماس التحوّل من منظمّة عسكرية الى منظمّة سياسيّة بدون إعطائها الحوافز الكافية للقيام بهذا التحوّل، والذين اعترفوا بفائدة الوحدة الفلسطينية بعد أن أمضوا سنوات في إعاقتها.

يجب تغيير هذا الوضع، إذ لا سبيل لتحقيق الهدوء الدائم عبر تجاهل حماس ومواطنيها ولا عبر التوهّم بأن حماس ستقبل بعد هزيمتها بما لم تقبل به حتى الآن. أما المصالحة الفلسطينيّة فهي أولويّة عاجلة أكثر من أي وقتٍ سابق ولكنّها أيضاً أصعب من أي وقتٍ سابق، وكذلك الأمر بالنسبة لقبول الإسلاميين ببعض القوانين والموجبات الدولية. وفي هذه الأثناء، سيكون على حماس إذا لم تتخّذ إسرائيل الخطوة الخطرة في إقصائها عن الحكم، أن تلعب دوراً سياسيّاً وأمنياً في غزة وعند المعابر. وقد يعني هذا "نصراً" لحماس، ولكن هذه هي النتيجة الحتمية للحصار الإقتصادي العنيد. وبمساعدة ذلك على وقف إطلاق الصواريخ و إيجاد نظام حدودي أكثر استقراراً، قد يكون هذا انتصاراً مهماً بالنسبة لإسرائيل أيضاً، وللشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بشكل أساس.

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,058,981

عدد الزوار: 6,750,556

المتواجدون الآن: 108