لا يد لواشنطن في «الربيع العربي»...

تاريخ الإضافة السبت 24 تشرين الثاني 2018 - 5:29 ص    عدد الزيارات 1711    التعليقات 0

        

لا يد لواشنطن في «الربيع العربي»...

محرر القبس الإلكتروني ... ترجمة وإعداد محمد أمين –

المؤلف مايكل ماكفول... بروفيسور العلوم السياسية ومدير معهد فريمان سيوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد وباحث في مؤسسة هوفر. عمل في مجلس الأمن القومي في عهد أوباما ثم سفيرا للولايات المتحدة في موسكو. ألف وشارك في تأليف عدة كتب منها: «ثورة روسيا غير المكتملة». وهو محلل سياسي لمحطة «إن. بي. سي» ويكتب في «واشنطن بوست».

هذه الحقبة الجديدة من المواجهة بين روسيا والغرب لا تمثل عودة إلى الحرب الباردة تماماً، بل يمكن وصفها بالسلام الحار. فعلى العكس مما كان عليه الحال إبان الحرب الباردة، لم يعد الكرملين يروج لأيديولوجية لها جاذبية على نطاق عالمي. صحيح أن قوة روسيا تتنامى اقتصاديا وعسكريا، لكنها لم تستطع الوصول إلى وضع القوة العظمى كما كان عليه الاتحاد السوفيتي. كما أن العالم ليس منقسما بين اللونين الأزرق (الرأسمالي) والأحمر (الشيوعي)، ذلك الانقسام الذي كانت تدعمه التحالفات المتعارضة. فليس لروسيا سوى القليل من الحلفاء اليوم. ومع ذلك، فإن حقبة السلام الحار الحالية أحيت الذكريات المريرة للحرب الباردة في الوقت الذي أضافت أبعاداً جديدة الى المواجهة. لقد برز صراع ايديولوجي جديد بين روسيا والغرب ليس بين الشيوعية والرأسمالية، بل بين الديموقراطية والدكتاتورية. يقول الكاتب: مع بداية عام 2011 وفي وقت كنت أخطط لترك العمل الحكومي والعودة إلى جامعة ستانفورد، ظهر وبشكل غير متوقّع «مشروع» في إيميل كل مسؤول في إدارة الرئيس أوباما: كيف سنرد على أحداث الشرق الأوسط التي أصبحت تعرف بـ«الربيع العربي»؟..... وعلى العكس من مزاعم بوتين، لم تفعل الولايات المتحدة شيئاً لإطلاق شرارة «الربيع العربي»، فحين أشعل محمد البوعزيزي النار في مسيرة، احتجاجاً على السلطة التونسية وحين تتابعت التظاهرات في الشرق الأوسط، كان ذلك فعلاً مستغلاً ولم تساعد فيه الولايات المتحدة بأي شكل. وكباحث وناشط في مجال الدمقرطة، فوجئت بأحداث المنطقة وبدأت في البحث عن الأسباب. تونس لم تكن تهم المصالح الأميركية كثيراً، ولكن حين امتدت شرارة «الربيع العربي» إلى مصر، بدأ القلق يساور كبار المستشارين السياسيين الأميركيين، فلدى الولايات المتحدة كثير من المصالح مع مصر، لا سيما الحفاظ على السلام بين مصر وإسرائيل، ودفعت واشنطن خلال الفترة من عام 1979 – 2011 عشرات المليارات من الدولارات لمصر من أجل الحفاظ على استقرارها. وكانت مصر ثاني أكبر دولة (بعد إسرائيل) تحصل على المساعدات الأميركية. ولذلك، لم يكن بإمكان الولايات المتحدة أن تقف متفرّجة على الأحداث داخل مصر.

تساؤلات

لقد فاجأت الانتفاضات الشعبية وسرعة انتشارها في معظم أرجاء المنطقة، كبار مسؤولي إدارة أوباما. لكن من الخطأ اتهام الإدارة بأنها لم تبحث احتمال حدوث تغييرات سياسية في الشرق الأوسط قبل انطلاق أحداث «الربيع العربي». فقبل عام واحد، أطلق زملائي سامانتا باور ودينيس روس وغيل سميث وبراديب رامامامورتي مجموعة نقاش سياسية تحت عنوان «دراسة رئاسية» للبحث في هذه الإمكانية، وقد طرحت الدراسة مجموعة من التساؤلات، مثل: ما مدى احتمال حدوث تغييرات سياسية في الشرط الأوسط؟ وماذا تعني مثل هذه التغييرات المحتملة بالنسبة الى المصالح القومية للولايات المتحدة؟ وكيف يمكن لنا التأثير في مثل هذه الأحداث، إذا أمكننا ذلك؟ وشاركت في هذه اللقاءات ليس باعتباري خبيراً في الشؤون الروسية، بل كأكاديمي ومتخصص في التحوّلات الديموقراطية.

نتائج كارثية

بذل فريق أوباما جهداً كبيراً لفهم أحداث «الربيع العربي». وبالنسبة إلى كثير من أركان الإدارة كانت الثورة الإيرانية النموذج الذي يجري القياس عليه لفهم الأحداث في مصر بالدرجة الأولى. فمثل شاه إيران – كان حسني مبارك حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة لعقود عدة، وظل عناصر الإسلام الراديكالي يهدّدون بإسقاط نظام مبارك تماماً، كما فعل الإسلاميون الراديكاليون في إيران عام 1979، أو هكذا افترض الأميركيون. فإذا نجح المتطرفون في مصر فإن النتائج ستكون كارثية على مصالحنا فيها، كما حدث حين سقوط شاه إيران، وتسلّم الأصوليون السلطة وإقامة الجمهورية الإسلامية، وسيكون تكراراً لما حدث في إيران في نهاية السبعينات. وتحت مقارنة أوباما بالرئيس كارتر الذي كان ضعيفاً وأكثر تركيزاً على حقوق الإنسان وليس قلقاً بما يكفي على المصالح القومية للولايات المتحدة. ولتفادي مصير كارتر، كان يتعيّن على أوباما الوقوف إلى جانب مبارك. وكانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس يؤيدان هذه الرؤية، وقررا ضرورة دعم مبارك وعدم تكرار خطأ كارتر. وكنت أخشى – مثل كلينتون – من التحديات التي ستواجهنا خلال الفترة ما بين سقوط نظام الحكم الفردي وتعزيز نظام حكم ديموقراطي، وعارضت التحليلات التي ذهبت بضرورة دعم حكم مبارك لاعتقادي أن ذلك سيؤدي إلى المزيد من إراقة الدماء.

مشروع جديد

اعتبر كثيرون من أركان إدارة أوباما أن الربيع العربي هو ازمة ضخمة لسنا بحاجة لها وتصرفنا عن مسائل أهم مثل آسيا والبرنامج النووي الإيراني وحتى إصلاح العلاقات مع روسيا. لكني شخصياً، وجدت أن أحداث الربيع العربي تدعو إلى البهجة، حيث إن هناك أناساً ينظمون صفوفهم للمطالبة بشكل سلمي بالقضاء على الفساد وإنهاء الحكم السلطوي. واعتقدت أن بوسع الولايات المتحدة دفع هذه الأحداث بالاتجاه الصحيح، ففي حين تعثرت عملية اصلاح العلاقات مع موسكو، فقد اعطاني الربيع العربي مشروعاً جديداً أنخرط فيه. ومع الوقت، بدأت أشعر أن الرئيس أوباما بدأ يتخذ موقفاً مشابهاً لموقفي، وبدأ يحيل لممارسة الضغط على مبارك للتنحي. ولم يكن الجميع في الإدارة يوافق على هذا النهج، ولكن وزير الدفاع روبرت غيتس لعب في النهاية الدور الحاسم في اقناع الجيش باطاحة مبارك، لكنه ظل متشككاً في استراتيجيتنا، نحن بعض أركان الإدارة، وكذا كلينتون، وعلى مستويات ادنى من الإدارة، كان الرأي السائد لمصلحة الحفاظ على الوضع السائد في مصر، وبأن المظاهرات ستخبو ونعود للعمل مع مبارك، وكان بعض كبار المسؤولين يضغطون باتجاه دعم مبارك لأنه سوف يساعدنا في عملية السلام الشرق أوسطية، وكأن هناك وجود لمثل هذه العملية.

لحظة تاريخية

بعد يومين تنحى مبارك ورحب أوباما بهذا التطور ووصفه باللحظة التاريخية وبأن أصوات المصريين التي ارتفعت وجدت من يستمع لها أخيراً. بالطبع، كان الفضل الأكبر في استقالة مبارك لمتظاهري ميدان التحرير، ولكن إدارة اوباما ساعدت في ذلك من طرف خفي من خلال التعاون مع عناصر رفيعة في الجيش المصري لحثهم على الضغط على مبارك للاستقالة. لقد ذكرني المشهد بما حدث في روسيا عام 1991. لقد تأثرت بذلك المشهد كثيرا وأسعدتني الكثير من الرسائل التي وردت من ميدان التحرير تشيد بموقف اوباما المساند للمتظاهرين. لقد كانت لحظة تاريخية نادرة. لقد احتفل أركان إدارة اوباما لاسيما الفريق المسؤول عن مصر في مجلس الأمن القومي الأميركي. واجتمعنا لمشاهدة الاحتفالات في ميدان التحرير واحتفلنا معهم. ولكن فرحتنا لم تدم طويلاً.

انقسامات

فالأنظمة السلطوية لا تتحول إلى ديموقراطية بسهولة، وكما قال اوباما في يوم تنحي مبارك، انه «فعل ذلك استجابة لنداء الشعب وتعطشه للتغيير. ولكن ذلك ليس النهاية لانتقال السلطة، بل البداية، وأنا واثق بأن أياما صعبة بانتظارنا، وأن هناك الكثير من الأسئلة التي لم تجد الإجابات عليها بعد». وأن على المصريين التصدي للمشكلات، وكنت أعتقد أن علينا مسؤولية مساعدتهم والتعبير عن التزامنا الراسخ بالتحول الديموقراطي. لكننا في الواقع، لم نفعل الكثير لمساعدتهم. أعتقد أننا يجب ألا نخجل من مصارحة أصدقائنا في مصر بأننا ندعم التحول الديموقراطي السلمي، فنحن لسنا حياديين في ذلك، بل لنا مصلحة في تعزيز الديموقراطية. كنا نعتقد أن التسرع في اجراء المفاوضات سيصب في مصلحة الإخوان المسلمين أو الحزب الوطني الديموقراطي، القوتين الأكثر تنظيما في مصر. تلقينا تقارير عن محاولات توحيد قوى الثورة والناشطين الديموقراطيين بل وحتى الإسلاميين، لكننا كنا ندرك مدى صعوبة ذلك، فقد رأينا فشل القوى الليبرالية في التوحد في روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وكنا نعلم أن هذه الانقسامات تضر كثيرا بالديموقراطية.

فترة انتقالية

كنت من المطالبين بتعيين رئيس انتقالي بدل المجلس العسكري ليدير المرحلة الانتقالية الى أن يتم انتخاب رئيس جديد، وكان في بالي الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي، وكنت اعتقد ان المصريين بحاجة الى فترة انتقالية لترتيب أمورهم. وناقشت حكومتنا مثل هذه القضايا مع المشير حسين طنطاوي، الذي كان على اتصال مستمر مع وزير الدفاع غيتس، كما اتصل به مستشار الأمن القومي توم ديلون للتحذير من سرعة اجراء الانتخابات. ولسوء الحظ، قرر المجلس العسكري اجراء استفتاء شعبي في التاسع من مارس، حيث أيد 77 في المئة من المصريين التغييرات الدستورية التي مهدت الطريق لانتخابات سريعة للبرلمان والرئاسة. وقد أيدت حركة الإخوان المسلمين الاستفتاء، بينما عارضته المجموعات الليبرالية على اعتبار ان التسرع لن يتيح الفرصة للأحزاب كي تنظم صفوفها.

شعبية طاغية

لقد كانت الكفة تميل لمصلحة الإخوان المسلمين على حساب المتظاهرين الليبراليين في ميدان التحرير. اقترحت قانونا انتخابيا كالقانون المطبق في المغرب، والذي يمنع الحزب الأكبر من الاستئثار بعدد كبير من المقاعد في البرلمان، وخشيت من أن قانون الدوائر الانتخابية كما هو في الولايات المتحدة سيكون في مصلحة الإخوان المسلمين. ذات الشعبية الطاغية بسبب ما تقدمه منذ سنوات طويلة، من خدمات مجتمعية، في حين لم يكن أحد يعرف معظم الشخصيات الليبرالية. لقد كانت لدينا الكثير من الأفكار، لكن المصريين – في الحكم وفي المعارضة – كانت لديهم أفكارهم كذلك. فمثلا، فكرة قيام مفاوضات بين الحكم والمتظاهرين لم تلق قبولا من الجيش، كما لم تلق حماسا من المتظاهرين. فالجيش المصري هيمن على السياسة منذ عقود طويلة، ولم تتغير معادلة القوة إلا قليلا بين الجيش وقوى المجتمع المدني، بعد الثورة. لقد جرت محاولات لتنظيم مفاوضات بين الجانبين لكنها فشلت لأن الجيش لم يعتد على التحدث مباشرة الى المجتمع المدني، كما ان المعارضة لم تكن موحدة، الأمر الذي جعل من الصعب التوصل الى اتفاق بشأن هوية من يمثل قوى الثورة في المفاوضات مع الجيش.

إحباط الرئيس

كما لوحظت حالة من عدم الارتياح في أوساط حكومتنا تجاه تدخلنا في عملية انتقال السلطة في مصر. ولم يكن الجميع متفقا مع طرحي المتمثل بالانخراط النشط في مصر، قائلين بضرورة احترام سيادة مصر وان نترك للشعب المصري أن يقرر مصيره بنفسه. وتعجبت من هؤلاء الذين ينحازون الآن لسيادة مصر، لماذا لاذوا بالصمت على مدى سنوات من الدعم الأميركي للحكم الفردي في مصر. فنحن لم نكن محايدين آنذاك، ولذلك كررت موقفي في الاجتماعات الحكومية، أننا حين نقدم الأفكار حول الديموقراطية، فنحن لسنا امبرياليين، بل نقدم النصح لأناس يطلبونه. وشعرت أن إدارة اوباما كانت بحاجة الى الارشاد حول أفضل السبل لمساعدة المصريين. كان الرئيس يشعر بالاحباط من النصائح التي تلقاها من المحافظين الذين يحتلون مراكز عليا في إدارته، بعد أن سقط نظام مبارك. وبعد ثورة غضب الرئيس وخروجه من غرفة الاجتماعات سمعت أصواتا تنتقد الشباب الثوريين الذين استأثروا على اذان الرئيس.

وبالإضافة الى نصيحتي لحكومتنا أن تنخرط اكثر في التعاون مع الجيش المصري، دعوت إلى مزيد من الحوار مع زعماء المعارضة، مع ان الاتصالات معهم كانت صعبة. وكانت حكومتنا تتمتع بالقليل من المصداقية في انتظار هؤلاء النشطاء الديموقراطيين. فعلى مدى عقود كنا ندعم خصومهم، فلماذا يستمعون لنا الآن؟ فضلا عن شعورهم بأنهم انتصروا.

الإخوان.. المشكلة أم الحل؟

وناقشنا مسألة ما إذا كان حوارنا مع المعارضة المصرية سيشمل الإخوان المسلمين أم لا. وهل هم المشكلة؟ أم انهم جزء من الحل؟ وذكرني ذلك بالخلاف حول ما إذا كان الحوار الأميركي يجب ان يشمل الحزب الشيوعي في روسيا لدى انهيار الاتحاد السوفيتي أم لا. وفي النهاية، بدأت سفارتنا تستقبل مبعوثين من الإخوان المسلمين، لكننا لم نكن نعلم الكثير بعضنا عن بعض، الأمر الذي جعل الحوار حول الانتقال الديموقراطي، صعباً، ولم تكن لدينا الكثير من الاتصالات مع «السلف» الأكثر تطرّفاً من «الإخوان». ومع تراجع اهتمام المصريين بالتعاون معنا، بدأت أحس أن الاذرع المختصة بالشرق الأوسط في الحكومة الأميركية أصبحت أقل حماسةً للتعاطي معي، لم أكن خبيراً في شؤون الشرق الأوسط، فلماذا أحضر اجتماعات اللجنة ذات الصلة بـ «الربيع العربي»؟ لقد لمست إحجاماً كبيراً داخل الإدارة، عن تقديم النصح للمصريين في مجال التحوّل الديموقراطي، وبالتالي عدم الحاجة إلى خبرتي. فأنا كنت من مؤيدي الانتقال الديموقراطي للسلطة وضد التدخل العسكري.

تشكّك

دافعت عن ثورات «الربيع العربي» داخل إدارة أوباما، وقلت ان الديموقراطية في العالم العربي تصبّ في مصلحة الولايات المتحدة، ولكن بعض مسؤولي الإدارة ظلوا لعدة أشهر من «الربيع العربي» متشككين، في حين إن الرئيس أوباما كان إلى جانب مؤيدي «الربيع العربي» والداعين الى انخراط أميركي في الاصلاح الديموقراطي في الشرق الأوسط، وفي مقابلة مع محطة تلفزيونية روسية، وضع الرئيس أوباما «الربيع العربي» من بين أهم الأحداث التي وقعت في عصره، الى جانب حركة الحقوق المدنية وانتهاء الحرب الباردة واطلاق سراح نيلسون مانديلا. لقد فهم أوباما أهمية «الربيع العربي»، وكان يرغب في أن يكون جزءاً منه. بعد سقوط مبارك أراد أوباما أن يلقي خطاباً آخر في القاهرة، بحيث ينقل رؤيته للشرق الأوسط إلى العالم وإلى الشعب الأميركي، ورأيت في ذلك فرصة لايضاح السياسة الأميركية تجاه «الربيع العربي». وقال في خطاب ألقاه بمقر وزارة الخارجية الأميركية في التاسع عشر من مايو 2011 أن الشعوب العربية هي التي تقود عملية الإصلاح، وليس الولايات المتحدة، لكننا ندعم هذه الجهود بقوة.

فرصة ضائعة

وبالفعل، لم تكن الولايات المتحدة في موقف حيادي ازاء المعركة التي كانت تدور بين السلطويين والديموقراطيين في تونس ومصر وليبيا وسوريا، واليمن. وبالنظر إلى الوراء، ما زلت أعتقد انه كان بوسعنا ان نفعل ما هو أفضل لتحسين امكانيات الارتقاء الديموقراطي في مصر، كان ينبغي إدارة الفترة الانتقالية بشكل جيد وعدم التسرّع في إجراء الانتخابات وإعطاء المجموعات الأقل تنظيماً المزيد من الوقت لتنظيم صفوفها، وربما كان اعتماد قانون القوائم النسبية أفضل من كبح تقدّم الاخوان المسلمين والسلفيين. ولو أجمع الليبراليون على دعم مرشح رئاسي واحد لكانت أمامه فرصة قوية للوصول إلى دورة انتخابية ثانية وبالتالي، فرصة أفضل لهزيمة مرشّح «الاخوان» محمد مرسي، فقد حقّق مرسي النجاح بنسبة %51.7 في الجولة الثانية أمام أحمد شفيق. لقد أضعنا فرصة كبيرة.

موقف سلبي

ومن ثم اتخذنا موقفاً سلبياً حين تحرّك الجيش المصري واستولى على السلطة في يونيو 2013، وهي الخطوة التي شكّلت نكسة لآفاق الديموقراطية لسنوات. في ذلك الوقت، كانت شعبية الإخوان والسلف في تراجع، وكان من شأن إجراء جولة جديدة من انتخابات حقيقية ونزيهة أن يُفضي إلى تغيير سلمي في السلطة. محمد مرسي لم يكن ديموقراطياً، لقد كانت لدينا وسائل للتأثير في دفعه باتجاه ديموقراطي، لكننا لم نفعل، لقد نفضنا أيدينا من مصر في الوقت الخطأ. وربما لم تكن جهودنا لتغير شيئاً، فالأميركيون عادة ما يبالغون في قوتهم وأهميتهم في عمليات الانتقال هذه. وهناك دول عربية كانت تدفع باتجاه معاكس للديموقراطية واستثمرت المليارات في ذلك، وحصلت على ما أرادت. أى عودة الدكتاتورية العسكرية، ولو نظرنا إلى الماضي، لوجدنا أنه لم تكن أمامنا الكثير من الخيارات، لكن كان علينا المحاولة، على الأقل أو أن نحاول بجهد أكبر للبناء على استقالة مبارك في فبراير 2011. فما بدا أنه فرصة كبيرة تحققت، أصبح يبدو الآن فرصة ضائعة.

تطورات خارج السيطرة

وفي ليبيا، كنا نعتقد أن هجوم القذافي على مدينة بنغازي سيؤدي إلى مجازر جماعية، لذلك قرر الرئيس أوباما التدخل لأسباب إنسانية وليس لتغيير النظام أو بناء الدولة، وأوصى أوباما بضرورة الحصول على موافقة مجلس الأمن، وهذا يعني ضمان الدعم الروسي، وهو ما كان يبدو صعباً للغاية في البداية. ولكن وجود ميدفيديف على رأس السلطة في روسيا في ذلك الوقت سهل المهمة. ففي فبراير 2011 حصلنا على موافقة الروسي على قرار حظر بيع الأسلحة لليبيا، ثم سعينا مع حلفائنا لاستصدار قرار أممي بإضافة منطقة حظر جوي في ليبيا يتم فرضه بالقوة العسكرية، وتمكنا من إقناع الروس بالموافقة على توجيه ضربة عسكرية لليبيا. ولكن حدثت تطورات لم يتم التخطيط لها في ليبيا وأدت إلى إحراج ميدفيديف، فالقرار الأممي نص على منع تقدم القذافي نحو بنغازي، لكن التدخل العسكري بقيادة الناتو غيَّر ميزان القوى على الأرض لمصلحة خصوم القذافي. وما بدأ كتدخل عسكري محدود، تطور إلى حرب أهلية انتهت بمقتل القذافي وبالتالي، تغيير النظام.

إدارة منقسمة

يقول المؤلف: وجدنا أنا وبن رودس وسامانثا باور وسوزان رايس عدم واقعية الاستمرار في هذه السياسة، فلم نستطع السيطرة على الأحداث في مصر، ولم يكن الخيار بين الابقاء على مبارك في السلطة أو الانحياز للثوار، المقايضة كانت بين التغيير الثوري السلمي أو العنفي، فإذا حاول مبارك التمسك بالسلطة باستخدام القوة، فسيسقط عشرات الآلاف من الأبرياء، وانه لأمر مآساوي أن يحدث السيناريو نفسه في سوريا بعد وقت قصير، ولأن مبارك يكافح من أجل البقاء، فإنه لن يلعب دوراً بناءً في عملية السلام، لقد كانت إدارة أوباما منقسمة بشأن الموقف من الرئيس مبارك. ودعونا الجيش المصري من خلال القنوات العسكرية أن يتخلص من حكم مبارك بهدوء ودون اعتقاله، وقلنا انه كلما طال حكم مبارك اتسع العنف، وقد تستغل مجموعة متطرفة هذا الوضع، وطالبنا بمفاوضات من أجل انتقال السلطة بين العناصر المعتدلة من المجتمع المدني وأولئك الذين سيستمرون في الحكم بعد مبارك. وخشي المطالبون بانتقال السلطة بعد استقالة مبارك من حدوث تداعيات غير مقصودة للتغيير في قيادة الدولة، وكنا على دراية تامة بأننا لا نعرف من يمكن أن يخلف مبارك، وسألت أوباما يوم التاسع من فبراير عما يفكر به، فأجابني بالقول: «انني أود انتصار المتظاهرين في الشارع وأن يصبح رجل غوغل (وكان يقصد وائل غنيم)، رئيساً، لكنني أعتقد أن الأمر سيكون طويلاً وصعباً».

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,122,343

عدد الزوار: 6,935,711

المتواجدون الآن: 94