محور حول تركيا: العلاقات مع الصين، العلاقات مع آسيا الوسطى، مستقبل "حزب العدالة"

تاريخ الإضافة الثلاثاء 25 كانون الثاني 2011 - 5:09 ص    عدد الزيارات 950    التعليقات 0

        

محور حول تركيا:  العلاقات مع الصين، العلاقات مع آسيا الوسطى، مستقبل "حزب العدالة"

 

تركيا وآسيا الوسطى: روابط اقتصادية حديثة
صالح دوغان ومصطفى كوتلاي

شهدت تركيا تحوّلات مهمة خلال العقد المنصرم. ففي هذه المرحلة، ترافقت التغييرات الاقتصادية والسياسية المستمرّة على الساحة الداخلية مع تجدّد النشاط التركي على جبهة السياسة الخارجية. لقد أضفت الصيغة الاستراتيجية التي وضعها وزير الخارجية أحمد داود أوغلو تحت عنوان "سياسة صفر مشكلات مع الجيران"، دينامية على العلاقات التركية مع معظم البلدان المجاورة، في وقت كان ميزان القوى العالمي يتبدّل بسرعة نسبياً.
وعلى مرّ هذه المرحلة، أصبح الاقتصاد والتجارة "اليد العملية" للسياسة الخارجية السلمية التي انتهجتها تركيا. تأثير هذه المقاربة ملحوظ، ولا سيما في ما يتعلّق بالعلاقات التركية مع البلدان الشرق الأوسطية والآسيوية. لقد برز تطوّران اقتصاديان خارجيان أساسيان إلى الواجهة في ظل قيادة الحزب الحاكم الحالي (حزب العدالة والتنمية). التطوّر الأول هو تحوّل البلدان المجاورة شركاء تجاريين يدرّون الأرباح للشركات المالية والصناعية التركية. ففي موازاة الزيادة في إجمالي التجارة الخارجية التركية (من 72 مليار دولار أميركي عام 2001 إلى 333 مليار دولار عام 2008)، ارتفع إجمالي التجارة التركية مع البلدان الآسيوية (بما في ذلك الشرق الأوسط) من 18.7 مليار دولار إلى 131 مليار دولار، أي أسرع من المعدّل بنسبة تفوق 50 في المئة.
والأهم من ذلك هو أن حصّة البلدان المجاورة النسبية في التجارة الخارجية التركية ازدادت على حساب سوق الاتحاد الأوروبي الأكثر نضجاً. فقد تراجعت حصّة الاتحاد الأوروبي في التجارة الخارجية التركية خلال العقد المنصرم، من 51.38 في المئة إلى حوالى 42 في المئة؛ في حين أن التجارة الخارجية بين تركيا وآسيا (ما عدا منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) ازدادت بنسبة 26.5 في المئة، وبين تركيا والشرق الأوسط بنسبة 12 في المئة.
التطوّر الاقتصادي الثاني الذي عزّز الحضور التركي في الشؤون الخارجية هو تبدّل ديناميات الاستثمارات التركية المباشرة في الخارج. فعلى الرغم من أن أداء هذه الاستثمارات لا يزال متواضعاً نسبياً بحسب المعايير الدولية، إلا أن المستثمرين المؤسّسيين الأتراك تحوّلوا لأول مرة في التاريخ الحديث "فاعلين منظورين" في أسواق آسيا الوسطى/الشرق الأوسط والأسواق الأوروبية على السواء. وهكذا بلغت الاستثمارات التركية المباشرة في الخارج بحلول عام 2009، 11.2 مليار دولار، 3.1 مليارات دولار منها موجّهة إلى آسيا (بما في ذلك الشرق الأوسط). سوف نحاول في ما يأتي فهم الديناميات التي تقع في أساس التطوّر السريع للروابط التركية مع الاقتصادات الأساسية في آسيا الوسطى.
 

صعود آسيا الوسطى في التجارة الخارجية التركية

استقطب الاستقلال السياسي لبلدان آسيا الوسطى في مطلع التسعينات انتباه أنقرة إلى تلك المنطقة الجغرافية الواسعة التي كانت من قبل جزءاً من الإمبراطورية الاستعمارية السوفياتية/الروسية، مما أضفى بعداً "شرقياً" جديداً على السياسة الخارجية التركية. كانت تركيا أول بلد يبادر إلى الاعتراف بدول آسيا الوسطى المستقلّة حديثاً وإلى فتح سفارات في مختلف بلدان المنطقة. وكانت سياسة تركيا الأساسية حيال هذه الجمهوريات التي نالت استقلالها حديثاً في آسيا الوسطى تتمحور دائماً حول تعزيز الإصلاحات السياسية والاقتصادية، والحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي، والمساهمة في عملية بناء الدولة، ودعم النقل السلس لموارد الطاقة الكبيرة في المنطقة إلى الأسواق الدولية، مع تأمين طرق بديلة عند الضرورة.
بما أن تركيا عضو مؤسِّس في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لم تكن علاقاتها مع الاتحاد السوفياتي مؤاتية لتأدية دور ناشط في المنطقة. بيد أن الأمور تغيّرت إلى حد كبير بعد عام 1991: فقد ولّد انهيار الاتحاد السوفياتي فراغاً في السلطة في آسيا الوسطى نجحت تركيا في ملئه تدريجاً (لا بل ببطء حتى أواخر التسعينات)، بعد شيء من التردّد، وذلك عبر الجمع في نهاية المطاف بين الدينامية الديبلوماسية والتنمية الاقتصادية (ولا سيما بعد عام 2000)، مع مبادرة صانعي السياسات العامة والمديرين التنفيذيين في القطاع الخاص، وأخيراً، إلى توحيد جهودهم بصورة فاعلة للسيطرة على أسواق جديدة وتعزيز الموقع التركي.
في البداية، أي في الأعوام الأربعة أو الخمسة الأولى التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي، وضع المسؤولون الأتراك أهدافاً كبرى لهذه البلدان لم تفلح في تلبيتها: فشلت إعلانات النيات "الرومنسية" المستندة إلى إرث وطني وثقافي مشترك في أن تتجسّد على أرض الواقع... اعتباراً من عام 1996، اتُّخِذت إجراءات تصحيحية تدريجاً مع تحوّل صانعي السياسات الأتراك نحو موقف أكثر براغماتية في السياسة الخارجية في المنطقة. في هذه السياسة الجديدة، حُدِّدت العلاقة بين تركيا وجمهوريات آسيا الوسطى في شكل أساسي من خلال المصالح الاقتصادية المشتركة.
الأداء السيّئ للمرحلة الأولى واضح للعيان: لم تكن العلاقات الاقتصادية بين تركيا والبلدان الخمسة في آسيا الوسطى التي نوجزها بالأرقام في الجدولَين الأول والثاني مرضية للجانبَين بين عامَي 1990 و2000. كانت أرقام الاستيراد والتصدير أقل بكثير من الطاقة التي تملكها تركيا. ولا شك في أنه من أجل ممارسة تأثير في المنطقة، أبدت تركيا استعداداً لتكون أحد المانحين الأجانب الأساسيين، بيد أن غياب الموقف المتماسك في السياسة الخارجية في أنقرة، مع فقدان الحكومات الائتلافية المتعاقبة وجهة التركيز أو تجربة مقاربات مختلفة في التعاطي مع المنطقة حال دون تمكّن تركيا من تحقيق طاقتها الكاملة في هذا المجال.
بالعودة إلى الوراء، من الواضح أن أحد الأسباب الرئيسة لأرقام الصادرات المتدنّية قبل عام 2000 هو الهاجس الذي كان يتملّك تركيا بشأن العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الاتحاد الأوروبي خلال التسعينات، والذي تُرجِم إهمالاً للإمكانات الاقتصادية التي تتمتّع بها آسيا الوسطى. وحدث هذا في وقت كانت بلدان مثل الصين والولايات المتحدة وروسيا وكندا وألمانيا تستثمر أكثر من تركيا في المنطقة، وتسيطر في معظم الأحيان على المواقع الاستراتيجية التي تكون من نصيب "الوافدين الأوائل" في القطاعات الاقتصادية الأساسية.
اليوم، تحسّن الوضع إلى حد كبير، كما أن مرتبة تركيا بين الشركاء التجاريين للمنطقة تتقدّم باطّراد (الجدول 3): فتركيا هي الآن بين أوّل ستّة شركاء تجاريين في اقتصادات آسيا الوسطى كافة، وتحتل مواقع تُحسَد عليها في قطاعات أساسية مثل إنتاج المواد الغذائية ومعالجتها، والبناء، وإدارة الفنادق، والخدمات المالية، والنفط والغاز، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات السلكية واللاسلكية. لكن أرقام الاستيراد والتصدير لا تزال دون الإمكانات الاقتصادية الكاملة والقصوى لتركيا، مما يشكّل تحدّياً (تعزيز التنمية الحالية عبر منافسة شركات صينية وهندية ديناميكية) وفرصة في الوقت نفسه (البناء على النجاحات المدهشة التي تحقّقت في الأعوام العشرة الماضية).
 

ماذا بعد؟

ما الذي يجب فعله في الميدان الاقتصادي لتفادي إخفاقات التسعينات و"تكرُّر الأخطاء نفسها"؟ في سبيل تحسين العلاقات الاقتصادية مع بلدان آسيا الوسطى، يتعيّن على تركيا أن ترسي أولاً إطاراً راسخاً للعلاقات مع أولويات استراتيجية محدَّدة بوضوح. لقد تعلّمت أنقرة الدرس، ووضعت أسس سياسة خارجية أكثر تركيزاً وتوجّهاً نحو المدى الطويل. تعي تركيا اليوم أهمية آسيا الوسطى فيما تأخذ في الاعتبار وجود مصالح روسية وإيرانية وصينية في المنطقة. ومن هذا المنظار، ينبغي على تركيا أن تمضي قدماً في السياسة البراغماتية التي باشرت تطبيقها منذ خمس سنوات وتبني عليها عبر منح الأولوية بطريقة منهجية ومنظَّمة للتنمية الاقتصادية، وتفادي التلهّي باعتبارات محض سياسية. تعني الزيادة في التدفّقات التجارية والاستثمارية مع آسيا الوسطى واستعداد تركيا المتأخّر لإنعاش "طريق الحرير" التجاري القديم أن أنقرة تُحرِز تقدّماً حقيقياً في الشراكات الاقتصادية ذات المنافع المتبادلة التي بنتها الشركات التركية في جمهوريات آسيا الوسطى الخمس. لكن هذا لا يعني على الإطلاق أن تركيا تنخرط مع جيرانها "الشرقيين" في آسيا الوسطى على حساب "البقية". بل على العكس تماماً: تهدف تركيا إلى أن تكون "بلداً مركزياً" عند تقاطع منطقة تحتلّ موقعاً جغرافياً استراتيجياً، وقوة أوراسية أساسية داخل الاتحاد الأوروبي. ومن هنا، تدرك أنقرة أن عمليّتَي الدمقرطة والأوربة اللتين ساعدتاها على تحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية لافتة في الأعوام العشرة الأخيرة ساهمتا في توليد تأثيرات تجارية وديبلوماسية تمتدّ إلى علاقاتها مع جيرانها في آسيا الوسطى. أخيراً، جلبت تركيا الاستقرار الاقتصادي والسياسي إلى ذلك الجزء الأساسي من العالم الذي يشكّل رابطاً حيوياً بين أوروبا الغربية وآسيا. وما تتوقّعه من أصدقائها وحلفائها الأوروبيين هو أن يعترفوا بها شريكاً مساوياً، وأوروبياً أيضاً، فيما تسعى إلى تعزيز الأمن والرفاه في المنطقة.
 

ترجمة نسرين ناضر

 

صالح دوغان باحث في مركز الدراسات الآسيوية في منظمة الأبحاث الاستراتيجية الدولية (USAK/ISRO) - مصطفى كوتلاي مدير الأبحاث في مركز الدراسات الأوروبية في منظمة الأبحاث الاستراتيجية الدولية.
 

 

الشراكة الاستراتيجية الصينية - التركية
كريس زامبيليس

تشكّل تدريبات "نسر الأناضول" الجوية العسكرية التي تستضيفها تركيا سنوياً منذ عام 2001 في قاعدة قوينا الجوية في منطقة قوينا وسط الأناضول، محطة أساسية في جهودها الهادفة إلى الحفاظ على جهوزيتها العسكرية وتعزيز العلاقات مع القوات الجوية التابعة للولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وساهمت مناورات "نسر الأناضول" أيضاً في توثيق أواصر العلاقات بين تركيا ومجموعة من الشركاء الإقليميين – ولا سيما إسرائيل – وكذلك الأردن وباكستان والإمارات العربية المتحدة. بيد أن ضيف الشرف التركي في المناورات التي أجريت بين 20 أيلول و4 تشرين الأول 2010 كان الصين. ففيما تتعاون الصين مع أعضاء الناتو وبلدان أخرى في المجتمع الدولي في عمليات مكافحة القرصنة في المياه قبالة القرن الأفريقي، كانت مشاركتها في مناورات "نسر الأناضول" المرّة الأولى التي تقوم فيها بتدريبات جوية مشتركة مع عضو في الناتو ("حرييت" [اسطنبول]، 29 تشرين الأول 2010؛ "وكالة شينخوا" للأنباء، 19 كانون الثاني 2009).
 

التجارة والأعمال

إذا كانت النزعات الأخيرة تشير إلى نقطة تحوّل في العلاقات بين الصين وتركيا، فإن نتائج الزيارة الرسمية التي قام بها رئيس الوزراء الصيني وين جياباو إلى تركيا واستمرّت ثلاثة أيام من 7 إلى 10 تشرين الأول الماضي، وشكّلت المحطة الأخيرة في جولته الأوروبية التي شملت اليونان وبلجيكا وإيطاليا، تُظهر أن التشنّجات الأشدّ حدّة حول شينجيانغ في أعقاب أعمال الشغب في أورومتشي أصبحت أمراً من الماضي ("وكالة شينخوا للأنباء"، 7 تشرين الأول 2010). كانت زيارة رئيس الوزراء الصيني لنظيره التركي في أنقرة مثمرة في مساهمتها في تعزيز الروابط التجارية الثنائية. فقد أثنى جياباو على انطلاقة ما وصفه بأنه "شركة استراتيجية" جديدة، وأعلنت الصين وتركيا أن هدفهما هو زيادة التجارة الثنائية إلى 50 مليار دولار بحلول سنة 2015 و100 مليار دولار بحلول سنة 2020؛ يشار إلى أن حجم التجارة الثنائية في الوقت الحاضر هو حوالى 17 مليار دولار. الميزان التجاري الحالي هو لمصلحة الصين إلى حد كبير، لكن تركيا ترغب بشدّة في إرساء توازن فيه عبر استقطاب مزيد من الاستثمارات الصينية وترويج نفسها بوّابة للأسواق في أوروبا والشرق الأوسط. ووقّع الجانبان أيضاً ثمانية اتفاقات حول الاستثمار في قطاعات البنى التحتية والمواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية، وناقشا مشاريع مستقبلية في صناعات الطاقة والنقل الجوي والسياحة. فعلى سبيل المثال، تتولّى "شركة بناء السكك الحديد الصينية" إنشاء سكّة حديد فائقة السرعة بين أنقرة واسطنبول. وقال أردوغان إن تركيا تنوي أيضاً إنشاء سكّة حديد تربط المدينة الأكبر في البلاد، اسطنبول، بالعاصمة الصينية بيجينغ ("وكالة شينخوا للأنباء"، 8 تشرين الأول 2010).
يتدفّق السياح الصينيون أيضاً إلى تركيا بأعداد قياسية. وفيما يحافظ الجانبان على تنافسيّتهما في قطاعَي الأقمشة والإلكترونيات، أعربا عن التزامهما تشجيع الأعمال الصينية والتركية لتنفيذ مشاريع مشتركة في الأسواق الناشئة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا ("فايننشال تايمز" [لندن]، 8 تشرين الأول 2010؛ "بيبولز دايلي"، 9 تشرين الأول 2010؛ "وكالة شينخوا للأنباء"، 19 كانون الثاني 2009).
 

الديبلوماسية

سلّطت المحادثات بين بيجينغ وأنقرة الضوء أيضاً على إرثهما التاريخي المشترك بصفتهما الوريثَين الحديثَين للحضارات القديمة التي تخالطت على "طريق الحرير" التجارية، واقترحت التطوير المشترك لروابط حديثة في قطاع المواصلات من أجل تسهيل التواصل بين تركيا والصين، والبلدان الواقعة بينهما، بهدف إنعاش "طريق حرير" جديدة ("حرييت"، 2 تشرين الثاني 2010). تصادف في سنة 2011 الذكرى الأربعون لإقامة علاقات ثنائية بين الصين وتركيا. وإحياءً لهذه المحطّة المهمة، أعلنت تركيا سنة 2011 "عام الصين"؛ وسارعت الصين إلى التعبير عن امتنانها لتركيا عبر إعلان سنة 2012 "عام تركيا" ("حرييت"، 2 أيلول 2010). لقد حلّ مكان الديبلوماسية القاسية التي طبعت العلاقات الصينية-التركية في خضم أزمة شينجيانغ، مدائح وتعبير عن الصداقة المتبادلة ووعود بعلاقات متواترة وأوثق عرىً في المستقبل. كانت زيارة وين جياباو إلى أنقرة في تشرين الأول 2010 أوّل زيارة يقوم بها رئيس وزراء صيني إلى تركيا منذ ثمانية أعوام؛ كما أن زيارة الرئيس التركي عبدالله غول إلى الصين عام 2009 كانت أول زيارة يقوم بها رئيس تركي إلى الصين منذ أربعة عشر عاماً.
ومن المقرّر أن يزور الرئيس الصيني هو جينتاو تركيا خلال العام الجاري؛ وكذلك ينوي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان التوجّه إلى الصين في سنة 2011. وقد ترسّخ ارتفاع وتيرة الزيارات الرفيعة المستوى بين الجانبَين من خلال التوقيع على إنشاء لجنة عمل مشتركة بين وزارتَي الخارجية الصينية والتركية، ومن أهدافها تنظيم زيارة واحدة على الأقل على مستوى رفيع في الصين أو تركيا سنوياً ("حرييت"، 2 تشرين الثاني 2010).
وظهر التحوّل في الديبلوماسية الصينية-التركية أيضاً منذ أزمة شينجيانغ خلال زيارة قام بها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى الصين واستمرّت ستة أيام بين 28 تشرين الأول و4 تشرين الثاني 2010. وفي بادرة سلّطت الضوء على أهمّية الصين بالنسبة إلى تركيا ورغبة الأخيرة في بناء علاقات أوثق معها، أعلن داود أوغلو أن تركيا تنوي توسيع حضورها الديبلوماسي في مختلف أنحاء الصين عبر زيادة عدد القنصليات.
فقد قال في بيجينغ "الصين هي أشبه بقارّة في نظرنا. نريد زيادة عدد القنصليات التركية هناك" ("حرييت"، 2 تشرين الثاني 2010). وإلى جانب لقاء نظيره الصيني، يانغ جيتشي، في بيجينغ، قام داود أوغلو أيضاً بجولة في كاشغر التي تُعتبَر مركزاً قديماً للثقافة الأويغورية – وهو أول وزير خارجية تركي يزور كاشغر. ولدى سؤاله عن إمكان قيام تركيا بفتح قنصلية في أورومتشي، عاصمة إقليم شينجيانغ، قال داود أوغلو "نحن مصمّمون على اتّخاذ كل الخطوات التي من شأنها التقريب بين الشعبَين التركي والصيني، وفتح قنصليات في مختلف أنحاء الصين... يعيش الأتراك الأويغور الذين تجمعنا بهم روابط تاريخية وثقافية وثيقة، في كاشغر وأورومتشي. كان أمراً مهماً أن تسود أجواء من الهدوء والسلام في المنطقة بعد الاضطرابات التي وقعت العام الماضي" ("حرييت"، 2 تشرين الثاني 2010).
وقد أعرب نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن رضى بيجينغ عن دعم أنقرة لمحاربة "القوى الإرهابية في تركستان الشرقية" أي في شينجيانغ خلال المحادثات مع داود أوغلو في بيجينغ، ودعا إلى مزيد من التعاون الصيني-التركي في مكافحة الإرهاب. كما أكّد داود أوغلو من جديد دعم أنقرة لمبدأ "الصين الواحدة" الذي يعتبر تايوان جزءاً سيادياً من الصين. وفي كلام مبطَّن تضمّن على الأرجح تلميحاً إلى تحرّكات الناشطين الأويغور في تركيا – تضم تركيا جالية أويغورية كبيرة – جدّد داود أوغلو أيضاً تأكيد التزام تركيا التصدّي لأي نشاطات تحصل داخل تركيا وتهدّد سيادة الصين وسلامة أراضيها. (وكالة أنباء الصين الجديدة، 1 تشرين الثاني 2010).
 

رسم خريطة الجيوبوليتيكا

إن فهم الخلفية الكامنة وراء النزعات الأخيرة في العلاقات الصينية-التركية يعطي نظرة ثاقبة عن التداعيات الاستراتيجية لتباشير شركة صاعدة تلوح في الأفق. تأتي مشاركة الصين في مناورات "نسر الأناضول" كضيفة على دولة عضو في الناتو وسط تصاعد الانتقادات في واشنطن للسياسات الاقتصادية الصينية، ولا سيما للطريقة التي تدير بها الصين عملتها، والتشنّجات المحتدمة بين الصين وجيرانها، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، على خلفية النزاعات على الأراضي في بحر الصين الجنوبي. فعلى سبيل المثال، تبقى مبيعات الأسلحة الأميركية لتايوان نقطة خلاف أساسية في العلاقات الصينية-الأميركية.
ويشكّل الموقف الأميركي من البرنامج النووي الإيراني عنصراً خلافياً كبيراً آخر يعكّر العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وربما يدفع ببيجينغ إلى التقرّب أكثر من أنقرة.
فالصين لم تبدِ اهتماماً جدّياً بالتخلّي عن أحد أهم المصادر التي تؤمّن لها النفط والغاز إزاء الضغوط الدولية المتزايدة التي تقودها الولايات المتحدة لفرض عقوبات إضافية على إيران، وربما شنّ عملية عسكرية ضدّها. وقد صرّح داود أوغلو في بيجينغ في الموضوع الإيراني "ناقشنا البرنامج النووي الإيراني بالتفصيل... آراؤنا متقاربة جداً" ("حرييت"، 2 تشرين الثاني 2010). وفي هذا السياق، الجهود التي تبذلها بيجينغ للتودّد إلى أنقرة هي جزء من استراتيجيا أوسع للتصدّي للخطوات التي تتّخذها واشنطن في شرق آسيا وأماكن أخرى حيث تعتبر الصين أن مصالحها مهدَّدة (انظر "رمال متحرّكة في الخليج: العامل الإيراني في العلاقات الصينية-السعودية"، "تقرير الصين"، 13 أيار 2010).
أخيراً، يتأثّر فحوى العلاقات الصينية-التركية أيضاً بصعود سياسة خارجية تركية جديدة. فعلى الرغم من أن تركيا حليفة مقرَّبة من الولايات المتحدة والغرب، تعرّضت روابطها مع الولايات المتحدة والناتو وأوروبا لضغوط متزايدة في الأعوام الأخيرة بسبب خلافات حول مسائل تراوح من مسار السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط وصولاً إلى رفض الاتحاد الأوروبي السماح لتركيا بالانضمام إليه. نتيجةً لذلك، يبدو أن تركيا اختارت سياسة خارجية أوسع نطاقاً تبتعد عن التركيز التقليدي على الغرب وتتحوّل نحو مقاربة أكثر توسّعاً تشمل التودّد إلى الخصوم السابقين والشركاء الجدد مثل الصين ("آسيا تايمز"، 20 تموز 2010).
بعد التوتّر في العلاقات بين البلدَين على خلفية العنف في شينجيانغ عام 2009، يحمل عدد من العوامل مؤشرات جيّدة للعلاقات الصينية-التركية في العام الجاري وما بعده.
 

ترجمة ن. ن.
 

محلل في مؤسسة جايمستاون
سونر چاغاپتاي
 

لماذا قد يبقى "حزب العدالة والتنمية" في السلطة لفترة طويلة ؟
 في العقد الماضي غيَّرت التطورات في السياسة التركية، والتي توافقت مع قوانين الفيزياء الثلاثة، من هيكل النظام السياسي للدولة بشكل لا يمكن إدراكه.
أولاً، قانون النتائج غير المقصودة: إن العتبة الانتخابية التي تمنع الأحزاب التي تحصل على أقل من 10% من الأصوات من دخول البرلمان قد أثرت بشكل لا يمحى على السياسة التركية، حيث تخصص هذه العتبة مقاعد الأحزاب الأصغر إلى الحزب الذي يحصل بشكل رئيسي على غالبية الأصوات، والذي يهيمن بدوره على البرلمان. وكلما فشلت أحزاب أكثر في تخطي تلك العتبة كلما حصل الحزب الأول على مقاعد أكثر، واصبح أكثر قوة بصورة مصطنعة. ويمكن هذه العتبة أن تؤثر على الانتخابات التركية المقبلة في حزيران 2011. يجب على المرء أن يكون مستعداً لحدوث مفاجآت يمكن أن تؤثر على مستقبل تركيا و"حزب العدالة والتنمية" على حد سواء.
يوجد للعديد من النظم الديموقراطية ذات التعددية الحزبية، عتبات انتخابية تكون عادة حوالى 5% من الأصوات، تضمن أن لا تؤدي تعددية الأحزاب إلى شل البرلمان LK طريق إعاقة الغالبية عن تشكيل حكومة. ومع ذلك، كانت العتبة الانتخابية في تركيا قد تأسست عام 1987 بنسبة عالية تبلغ 10% من أجل استبعاد القوميين المتشددين الأكراد من البرلمان.
ثانياً، السياسات مثل الطبيعة تمقت الفراغ: في عام 2001، وفي الوقت الذي كانت فيه تركيا تمر بأسوأ أزمة اقتصادية لها في العصر الحديث، انهارت أحزاب "يمين الوسط" التقليدية التي أدارت البلاد عقوداً من الزمن، تاركة وراءها فراغاً. وبعد أن تخلى "حزب العدالة والتنمية" عن جذوره في "حزب الرفاه الإسلامي" دخل الحلبة السياسية لإعادة تشكيل ذاته، كما كان متوقعاً، كحركة "يمين الوسط".  وقد منعت العتبة الانتخابية أحزاب "يمين الوسط" التي انهارت اخيرا (والأخرى "يسار الوسط") من وصول البرلمان في الانتخابات التالية عام 2002، مخصصة بذلك 66 في المائة من المقاعد في المجلس التشريعي لـ "حزب العدالة والتنمية" رغم فوزه بــ 34 في المئة فقط من الأصوات، مما منح "الحزب" غالبية كبيرة. ومع ذلك تم انتخاب نواب أكراد قوميين بصورة فردية إلى البرلمان، حيث نجحوا في تخطي العتبة الانتخابية وأثبتوا بذلك عدم فائدتها.
وعلى الرغم من أن "حزب العدالة والتنمية" قد ركز في حملته الانتخابية على التخلي عن الطرق والوسائل غير الليبرالية لـ "حزب الرفاه الإسلامي"، إلا أن السلطة السياسية المتضخمة والمصطنعة التي منحتها العتبة الانتخابية لـ "حزب العدالة والتنمية" قد حالت دون اعتدال "الحزب" وجرَّأته على اعتناق غرائزه التسلطية. وعلى أي حال، لم يكن "الحزب" مسؤولاً عما يقرب من نصف المقاعد التي حصل عليها. وبعد ذلك أساء "حزب العدالة والتنمية" إلى حلفائه السابقين مثل الليبراليين ومجتمع رجال الأعمال.
وفي الواقع، أفسد قانون النتائج غير المقصودة روح الجماعة المؤسسة لـ "حزب العدالة والتنمية": فقوته غير الطبيعية كانت سيئة بالنسبة لـ "الحزب". وقد فسر "حزب العدالة والتنمية" غالبيته التشريعية - التي لا تمثل الواقع - بأنها تفويض شعبي لسحق وسائل الضبط والرقابة مثل المحاكم ووسائل الإعلام. وقد أذن هذا ببداية النهاية لهؤلاء الذين اعتقدوا أن الأصل غير الليبرالي لـ "حزب العدالة والتنمية" سوف يتبدد لو اندمج "الحزب" في العملية الديموقراطية.
إلا أن "حزب العدالة والتنمية" لم يصبح فقط أكثر استبدادا في الداخل بل وجد تأثيره أيضاً على السياسة الخارجية خلال الاستعدادات لحرب العراق عام 2003. ففي ذلك الوقت ظل الجيش التركي العلماني - الذي كان عازماً على إجبار "حزب العدالة والتنمية" على اتخاذ القرار المكلف سياسياً حول ما إذا كان سيدعم الولايات المتحدة في الحرب أم لا - غائباً عن النقاش الدائر بصورة غير عادية.
ثالثاً، السلطة التي لا تمارَس هي سلطة مُصادرة: قرر "حزب العدالة والتنمية" عدم مشاركة الجيش ورفض دعم الولايات المتحدة، مما نتج عنه نفور واشنطن. لكن بعد ذلك وتعويضاً عن هذه الخسارة دخل "الحزب" في شركة مع أميركا، بمد يد العون في العراق، وبقيامه بذلك عزز "الحزب" تدريجاً من انفراده بجميع عمليات صنع القرار المتعلقة بالسياسة الخارجية. وبذلك، خرج الجيش التركي من عملية السياسة الخارجية، ودخلت إلى الصورة رؤية "حزب العدالة والتنمية" حول الشؤون الدولية، والتي تختلف عن السياسة الخارجية التركية السابقة كاختلاف الليل والنهار.
ومرة أخرى أثرت العتبة على انتخابات 2007 بنسبة 46% من الأصوات، حيث حصل "حزب العدالة والتنمية" على 62% من المقاعد في المجلس التشريعي، مما جعل "الحزب" أكثر استبداداً وأكثر رفضاً لوسائل الضبط والرقابة الديموقراطية. وكانت النتيجة أن انتهى المطاف بالكثير من خصوم "الحزب" في غياهب السجون.
والآن، تأتي انتخابات حزيران 2011: وبينما تُظهر استطلاعات الرأي أن حزب المعارضة الرئيسي، "حزب الشعب الجمهوري"، سيكون له أداء جيد، إلا أنه يبدو أن "حزب العدالة والتنمية" هو في الصدارة، وتبقى الحقيقة أن العتبة العالية سوف تمنع مرة أخرى العديد من الأحزاب الصغيرة من دخول المجلس التشريعي، وتمنح "حزب العدالة والتنمية" المزيد من "مُنشطات الغالبية العظمى"، مما يعزز بصورة أكثر من غرائز "الحزب" التسلطية.
وفي التحليل النهائي، قد يكون فات الأوان ولا توجد معارضة قوية لكي يستعيد النظام السياسي التركي ذاته، مما يقف حائلاً أمام التخلص من العتبة الانتخابية العالية. يتمتع "حزب العدالة والتنمية" بالغالبية البرلمانية الضرورية لإحداث التغيير، ولذلك فمن غير المحتمل أن يعدل نظاماً يمنحه شبه سلطة مطلقة. وعندما يشعر هذا الحزب بالقلق من طبيعة سياساته، التي هي ثمرة العتبة العالية، سيكون هناك فقط أمل في الإصلاح. لكن من غير المرجح أن يحدث ذلك، حيث إن كل انتخابات تمنح "الحزب" مقاعد في المجلس التشريعي أكثر من عدد الأتراك الذين يدعمونه.
إن العتبة الانتخابية التي كان الهدف منها هو إبقاء الأعداء اللدودين في السياسة التركية - وهم القوميون الأكراد - بعيداً عن البرلمان، أصبحت تستبعد الآن تقريباً كل شخص آخر من المجلس التشريعي. وربما لا يكون هذا فقط نهاية لأمنية تمثيل "حزب العدالة والتنمية" لحركة ديموقراطية محافظة، بل سيكون أيضاً نهاية لديموقراطية متعددة الحزب في تركيا، وحتى بداية لحكم حزب واحد لأجل غير مسمى. حذار من قانون النتائج غير المقصودة أو الطبيعة الفيزيائية للسياسة التركية، في عام 2011.
 

("حرييت")
 

 

مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن
 

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,583,934

عدد الزوار: 7,034,235

المتواجدون الآن: 60