تقرير خاص لـ"مركز ستيمسون": الطموحات والوقائع النووية في دول الشرق الأوسط

تاريخ الإضافة الخميس 20 كانون الثاني 2011 - 6:38 م    عدد الزيارات 1051    التعليقات 0

        

 

تقرير خاص لـ"مركز ستيمسون": الطموحات والوقائع النووية في دول الشرق الأوسط
 المصدر: جريدة النهار
هنا التقرير الخاص لـ"المجموعة الاستشارية التقنية حول الطاقة النووية في الشرق الاوسط" الذي وضعته باشراف "مركز ستيمسون" في واشنطن بالتنسيق مع مؤسسة الولايات المتحدة للسلام من ضمن مجموعة تقارير حول التحديات النووية وبصورة خاصة التحدي الايراني... لفتت نظر "قضايا النهار" اليه مديرة مركز ستيمسون السيدة آلام ليبسون خلال وجود الزميل جهاد الزين في واشنطن الشهر المنصرم(•) وترأس لجنة التقرير إيمي جاف والاعضاء هم: ارييل أهرام، ديفيد اولبرايت، محمدي فريد، سايمون هندرسون، إلاس جرير، شين كاين.
منذ عام 2006، أعلنت كل الدول تقريباً في الشرق الأوسط عن نيتها تطبيق برامج للطاقة النووية. إيران هي أول دولة في المنطقة تشغِّل مفاعلاً للطاقة النووية: يُتوقَّع أن يبدأ المفاعل في بوشهر العمل في مطلع سنة 2011(1). وفي غضون ستة أو سبعة أشهر من بدء العمليات، يمكن أن يبلغ ذروة طاقته الإنتاجية الكهربائية التي تصل إلى 1000 ميغاواط(2). فضلاً عن ذلك، أعلنت إيران عن خطط لبناء أربعة مفاعلات إضافية، ومن المتوقّع أن يستغرق بناء مفاعل بحثي/طبي تبلغ قدرته الإنتاجية 20 ميغاواط، حوالى خمس سنوات(3). والأكثر إثارة للقلق هو إن إيران في صدد تطوير دورة وقود كاملة لدعم مفاعلاتها، بما في ذلك منشآت تخصيب الأورانيوم التي يمكن استعمالها أيضاً لإنتاج الأورانيوم العالي التخصيب المستخدم في صنع الأسلحة النووية. تتضمن منشأة التخصيب في ناتانز شلالات تشغيلية تنتج وقوداً بدرجة مفاعل وأورانيوم مخصّباً إلى درجة 20 في المئة، وهي الدرجة المطلوبة لمفاعل بحثي/طبي قائم في طهران. والبدء بأورانيوم جرى تخصيبه إلى درجة 20 في المئة يخفض إلى حد كبير الوقت الضروري لإنتاج الأورانيوم العالي التخصيب (+90 في المئة) المطلوب في صنع الأسلحة(4). وتملك إيران أيضاً منشأة تخصيب ثانية قرب قم كانت سرّية من قبل، ولم يجرِ تجهيزها بعد بأجهزة الطرد المركزي، وقد أعلنت عن خطط لبناء عشر منشآت إضافية، على الرغم من أنه من شبه المؤكّد أن للإعلان أغراضاً سياسية(5).
إلى جانب إيران، هناك عدد من البلدان في الشرق الأوسط التي تسعى إلى امتلاك إمكانات في مجال الطاقة النووية(6). وتأتي الإمارات العربية المتحدة في طليعة هذه الدول، فقد وقّعت عقداً مع كونسورسيوم تقوده شركات كورية جنوبية لبناء أربعة مفاعلات للطاقة النووية. بيد أن الإمارات العربية المتحدة اتفقت مع الولايات المتحدة على أنها ستحصل على خدمات وقود الأورانيوم من الخارج ولن تطوّر إمكاناتها الخاصة للتخصيب أو إعادة المعالجة(7). وقد اكتشف الأردن ترسبات كبيرة على الأرجح من الأورانيوم، ووقّع اتفاقات تعاون نووي مع تسعة بلدان بينها كندا وفرنسا واليابان وروسيا. وتُجرى مفاوضات حالياً مع شركات لبناء أول مفاعل نووي في الأردن، ومن المتوقع أن يُستكمَل بحلول سنة 2019. يقاوم الأردن التوسّلات الأميركية للتخلي أيضاً عن التخصيب، فهو يعتبر أنه يمكن أن يشكّل مصدراً مهماً للعائدات(8).
ومن البلدان الأخرى التي تملك بعض الدراية النووية الأساسية – مختبرات، ومفاعلات بحثية، والقدرة على تطوير إمكاناتها النووية المدنية في فترة زمنية أطول – الجزائر ومصر والكويت والسعودية وتركيا. أعلنت كل من هذه البلدان عن خطط لتطوير قدراتها في توقيتات مختلفة، لكنها لم تحقق تقدماً ملموساً بقدر الإمارات العربية المتحدة أو الأردن(9).
تشغِّل تركيا مفاعلين بحثيين صغيرين ومصنع وقود تجريبياً. في أيار 2010، وقعت تركيا وروسيا اتفاقاً قدره 20 مليار دولار لبناء أول مصنع للطاقة النووية في تركيا في أكويو في محافظة مرسين الجنوبية لتوليد 4000 ميغاواط. وقد جاءت هذه الخطوة عقب قرار صادر عن المحكمة بإبطال المناقصة الوحيدة للمشروع التي تقدمت بها الشركة الروسية "أتومزتروييكسبورت" وشريكتها التركية "بارك غروب" والتي اعتبرها البعض غير شفافة بما يكفي(10). وتركيا هي حالياً في صدد المفاوضات النهائية مع الشركة الكورية الجنوبية "كوريا إلكتريك باور كوربوريشن" بحسب ما أفادت به المعلومات، كي تتولى الأخيرة قيادة كونسورسيوم لبناء منشأة للطاقة النووية في شمال تركيا(11).
تملك مصر حالياً مفاعلَين بحثيين، ووحدتين لصنع الوقود، ووحدة لمعالجة الخامات بالمحاليل المائية (إعادة المعالجة)، ووحدة لإنتاج الموليبدينوم. على الرغم من أن مصر أعلنت عام 2007 أنها تنوي بناء العديد من محطات الطاقة النووية واستثمرت في الخدمات الاستشارية والدراسات، إلا أنها لم تجمع بعد رأس المال الضروري لبناء مفاعلها الأول(12).
عام 2008، وقّعت السعودية مذكرة تفاهم مع الولايات المتحدة حول تطوير توليد الطاقة النووية المدنية. وفي نيسان 2010، أعلن الملك عبدالله عن إنشاء "مدينة الملك عبدالله للطاقة النووية والقابلة للتجديد" في الرياض، وجرى تعيين عدد من المسؤولين الكبار لرئاسة المنظمة. وفي أيار 2010، وقعت السعودية واليابان اتفاقاً للتعاون حول الطاقة الذرية والمياه، وفي الشهر التالي، استخدم الملك شركة "بويري" الهندسية الفنلندية لإجراء تحليل عن الجدوى الاقتصادية لكل مرحلة من مراحل عملية توليد الطاقة النووية(13).
تجري الكويت دراسة جدوى حول الطاقة النووية لكنها لا تنخرط فعلياً في أي نشاطات نووية في الوقت الحالي(14).
تلتزم سوريا الصمت بشأن خططها النووية، لكن يُعتقَد أنها بنت مفاعلاً سرياً قادراً على إنتاج البلوتونيوم في الكبر بمساعدة من كوريا الشمالية؛ وقد دمر هجوم جوي إسرائيلي المنشأة في 6 أيلول 2007(15).
تصرّح كل هذه البلدان أنها بحاجة إلى الطاقة النووية بسبب النقص الحالي في الكهرباء والذي يتفاقم أكثر فأكثر. شهد عدد كبير من البلدان التي تسعى إلى امتلاك الطاقة النووية، بما في ذلك إيران، تعتيماً جزئياً ونقصاً في الطاقة الكهربائية في الأعوام الأخيرة. تلجأ بعض البلدان، ولا سيما السعودية والكويت، إلى حرق النفط الخام للحصول على الكهرباء، مما يؤدّي إلى اقتطاع جزء من صادراتها النفطية التي تحقّق لها أرباحاً عالية ويتسبّب بالتلوّث. نظراً إلى النسبة المرتفعة للنمو السكاني في المنطقة ونموها الاقتصادي المرتقب، يُتوقَّع أن يزداد النقص في الطاقة الكهربائية في المنطقة حدّة في العقد المقبل إذا لم يجرِ اعتماد سياسات جديدة. لقد عرّض هذا الواقع الحكومات لضغوط، وولّد تأييداً داخلياً للبرامج النووية(16).
لكن يكفي أن ننظر 30 عاماً إلى الأمام لندرك أن الطاقة النووية ليست الحل الأكثر فاعلية لناحية الكلفة ولا الحل الصديق للبيئة لمواجهة النقص في الطاقة الكهربائية الذي تعاني منه هذه الدول الشرق الأوسطية. فكلفة تطوير طاقة نووية لكل كيلوواط ساعة هي من الخيارات الأغلى ثمناً المتوافرة للبلدان في الشرق الأوسط. إن سوء إدارة حكومات هذه البلدان لصناعات النفط والغاز وقطاع الكهرباء؛ ودعمها المستمر لأسعار الوقود والكهرباء مما يولّد إفراطاً في الطلب؛ وعجز الدول المجاورة عن التعاون بسبب التشنجات الإقليمية والمنافسات الجيوسياسية؛ وعدم اتخاذ القرارات المناسبة للاستثمار في المدى الطويل حالت كلها دون بلوغ حلول أرخص وأبسط لتنويع عرض الطاقة الكهربائية وتثبيته. إلى جانب تحسين فاعلية إنتاج الكهرباء من خلال إصلاحات اقتصادية وصناعية بنيوية وتحرّكات لخفض الطلب، من شأن تطوير شبكات إقليمية لتوزيع الكهرباء والغاز الطبيعي أن يتيح خيارات أكثر أماناً وفاعلية لناحية الكلفة لتوسيع توزيع التيار الكهربائي في المنطقة. فضلاً عن ذلك، تملك بعض البلدان على غرار إيران موارد جيوحرارية وافرة يمكن تطويرها. والموارد الأخرى التي يجب العمل على استكشافها أكثر في العديد من البلدان هي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب الصخر الزيتي في حالة الأردن.
لم تنتهج الولايات المتحدة الديبلوماسية الضرورية لإقناع هذه البلدان باستكشاف هذه الخيارات الأكثر أماناً وفاعلية لناحية الكلفة لتوليد الطاقة الكهربائية كجزء من استراتيجيتها الهادفة إلى تحفيز إيران (وسواها) من أجل كبح طموحاتها النووية. ولم تحاول الولايات المتحدة في شكل خاص ترويج إنشاء شبكة إقليمية للغاز الطبيعي من شأنها تأمين الوقود الضروري لتعزيز إمدادات الطاقة الكهربائية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بطريقة أكثر أماناً وفاعلية. يتعارض هذا مع الديبلوماسية الأميركية في مناطق أخرى مثل المخروط الجنوبي في أميركا اللاتينية، حيث نشط البنك الدولي والولايات المتحدة في ترويج إنشاء شبكة أنابيب لنقل الغاز الطبيعي. وتعمل منطقة جنوب شرق آسيا أيضاً بنجاح على إنشاء شبكة إقليمية للغاز الطبيعي من أجل الحد من النقص في الكهرباء. إذاً هناك سوابق في مجال الحلول الإقليمية التعاونية لمواجهة النقص في الطاقة الكهربائية.
بدلاً من ذلك، ردّت الحكومة الأميركية على انتشار البرامج النووية المدروسة في مختلف أنحاء المنطقة عبر دعم الشركات الأميركية التي دخلت في منافسة مع مورِّدين تقنيين آخرين مثل كوريا الجنوبية واليابان وكندا وفرنسا وروسيا للفوز بالعقود التجارية من أجل تأمين المعدّات للبرامج النووية، وعبر السعي لانتزاع تعهّدات بالتخلّي عن منشآت التخصيب الخاضعة للسيطرة الوطنية. لم تركّز الولايات المتحدة كما يجب على ديبلوماسية الشروط الإضافية التي يمكن أن يُدرجها هؤلاء المورِّدون المتنافسون في عروضهم من أجل خفض الانتشار النووي إلى أدنى حد، ولم تُظهر مهارات قيادية كافية في محاولة فرض شروط تعاقدية تزيد من صعوبة تحويل المنشآت النووية إلى برامج للتسلّح(17).
(•) راجع تقريري جهاد الزين من واشنطن في "قضايا النهار" يومي 4 و5 كانون الثاني 2011
هوامش
(1) "Start-up of Iran’s Bushehr Nulcear Plant Delayed, "BBC News, September 30, 2010,
http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-11445126.
(2) بدأ بناء منشأة بوشهر عام 1974 خلال حكم الشاه الذي كان ينظر في برنامج نووي موسَّع. في الواقع، كشف الشاه في ذلك الوقت عن خطط لشراء العديد من المفاعلات النووية من ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة لتوليد الكهرباء. وبمباركة من واشنطن، منحت حكومة الشاه عقداً لفرع من فروع الشركة الألمانية "سيمنز" لبناء مفاعلين بقوّة 1200 ميغاواط في بوشهر. كانت الولايات المتحدة تشجّع الشاه على توسيع قاعدة الطاقة غير النفطية، نظراً إلى التوقّعات آنذاك بتزايد الطلب على الكهرباء في إيران. تدرّب الجيل الأول من المهندسين النووين الإيرانيين في معهد مساتشوستس للتكنولوجيا. إدراكاً لحاجات إيران في مجال الطاقة، وُقِّعت المسوّدة النهائية من اتفاقية الطاقة النووية بين الولايات المتحدة وإيران في تموز 1978. ونصّ الاتفاق من جملة أمور أخرى على تصدير الولايات المتحدة للتكنولوجيا والمواد النووية والمساعدة في البحث عن ترسّبات الأورانيوم. كان هدف الشاه في ذلك الوقت بناء 20 محطة للطاقة النووية في غضون عشر سنوات لإنتاج 30000 ميغاواط من الطاقة الذرية كي تتمكّن إيران من تلبية الطلب الداخلي على الطاقة وتحافظ في الوقت نفسه على مستويات الصادرات النفطية. مع سقوط الشاه عام 1979 وانطلاق الثورة الإسلامية، كانت إحدى الخطوات الأولى التي قام بها آية الله الخميني التخلّص من كامل برنامج التحديث الكبير الذي وضعه الشاه بما في ذلك المشروع النووي. انظر Mohammad Sahimi, "Iran’s Nuclear Program. Part I: Its History," Payvand (October 2, 2003)
http://www.payvand.com/news/03/oct/1015.html
(3) Iran to Build "Powerful" New Nuclear Research Reactor, Gulfnews.com (June 16, 2010) http://gulfnews.
com/news/region/iran/iran-to-build-powerful-new-nuclear-
research-reactor-1.641983?localLinksEnabled=f
alse&utm_source=Feeds&utm_medium=RSS&utm_term=News_RSS_feed&utm_content=1.641983&utm_
campaign=Iran_to_build_'powerful'_new_nuclear_research_
reactor.
(4) Jon Leyne, "Iran Reveals "Faster" Uranium Centrifuges",
 (BBC News (April 9, 2010)
http://news.bbc.co.uk/2/hi/8611864.stm.
(5) "Implementation of the NPT Safeguards Agreement and Relevant Provisions of Security Council
Resolutions in the Islamic Republic of Iran",Report by the Director General, IAEA (September 6, 2010)
http://www.iaea.org/Publications/Documents/Board/2010/gov2010-46.pdf.
(6) حالياً يُعتقَد أن إسرائيل هي أول دولة في الشرق الأوسط تملك الإمكانات التقنية والبنى التحتية والموارد البشرية والتنظيمات لإنتاج أسلحة نووية.
(7) "UAE Leads Gulf Nuclear Power Plans", Strategic Survey (International Institute for Strategic
Studies, Volume 16, February 2010 http://www.iiss.org/publications/strategic-comments/past-issues/
volume-16-2010/february/uae-leads-gulf-nuclear-power-plans/.
(8) Nayla Razzouk, "Jordan, Japan to Sign Nuclear Cooperation Agreement This Week", Bloomberg (September
6, 2010) http://www.businessweek.com/news/2010-09-06/jordan-japan-to-sign-nuclear-cooperationagreement-
this-week.html.
(9) Dr. Mohamed Abdel Salam, "Arabs, Iran and Nuclear Weapons: Balancing the Equation," Arab Insight (Fall
2008) http://www.arabinsight.org/pdf/Arabinsight27.pdf.
(10) "Turkey Wants Nuclear Project Forms Set Up This Month," Reuters Africa (September 21, 2010)
http://af.reuters.com/article/energyOilNews/idAFLDE68K1H920100921?pageNumber=1&virtualBrandChannel=0.
(11) Shinhye Kang, "KEPCO, Turkey Are in Final Stages of Talks on Construction of Nuclear Plant," Bloomberg
(October 7, 2010) http://www.bloomberg.com/news/2010-10-07/kepco-turkey-are-in-final-stage-of-talks-onconstruction-
of-nuclear-plant.html.
(12) Mohamed M. Megahed, "Challenges And Opportunities For Human Resources Development In Egypt,
Paper Presented at the International Conference on Human Resources Development for Introducing and
Expanding Nuclear Power Program,” (Abu Dhabi, March 14-18, 2010) http://www.iaea.org/inisnkm/nkm/
pages/2010/UAE%20Conference-interactivePresentations/Session%202/IAP07%20Megahed.pdf
(13) Mark Hibbs, "Saudi Arabia’s Nuclear Ambitions," (Carnegie Endowment for International Peace, July 20,
2010) http://carnegieendowment.org/npp/publications/index.cfm?fa=view&id=41243.
(14) Tsuyoshi Inajima and Yuji Okada, "Kuwait Plans to Build Four Nuclear Reactors as It Seeks Alternative
to Oil," Bloomberg (Sep 9, 2010) http://www.bloomberg.com/news/2010-09-10/kuwait-joins-gulf-push-fornuclear-
power-with-plans-to-build-four-reactors.html.
(15) Daveed Gartenstein-Ross and Joshua D. Goodman, “The Attack on Syria’s al-Kibar Nuclear Facility,”.
inFocus Quarterly, Volume III: Number 1 (Spring 2009)
http://www.jewishpolicycenter.org/826/the-attack-on-syrias-al-kibar-nuclear-facility.
(16) Tom Arnold, "Dark Days Ahead?" Arabian Business (August 17, 2008)
http://www.arabianbusiness.com/dark-days-ahead--45065.html.
(17) الاستثناء الوحيد هو محاولة الولايات المتحدة إقناع الدول بالتخلّي عن اكتساب إمكانات التخصيب؛ وقد نجحت في حالة الإمارات العربية المتحدة، ولم تنجح حتى الآن مع البلدان الأخرى.
 واشنطن - "قضايا النهار"  
 
 
الطموحات والوقائع النووية في دول الشرق الأوسط [2]
التقرير الخاص لـ"المجموعة الاستشارية التقنية حول الطاقة النووية في الشرق الاوسط" الذي وضعته باشراف "مركز ستيمسون" في واشنطن بالتنسيق مع مؤسسة الولايات المتحدة للسلام من ضمن مجموعة تقارير حول التحديات النووية وبصورة خاصة التحدي الايراني... لفتت نظر "قضايا النهار" اليه مديرة مركز ستيمسون السيدة آلان ليبسون خلال وجود الزميل جهاد الزين في واشنطن الشهر المنصرم(•) وترأس لجنة التقرير إيمي جاف والاعضاء هم: ارييل أهرام، ديفيد اولبرايت، محمدي فريد، سايمون هندرسون، إلاس جرير، شين كاين.
هل "تحتاج" إيران إلى طاقة نووية؟(18)
إيران هي أكبر مولِّدة للكهرباء في الشرق الأوسط مع حوالى 40000 ميغاواط، بيد أن إنتاجها من الطاقة الكهربائية ليس مناسباً لتلبية الطلب الاستهلاكي المتزايد. فنحو 25 في المئة من هذا الإنتاج يصدر عن مصانع قديمة تعاني من مشكلات في الصيانة؛ كما أن بعض المصانع لا تحقق سوى 10 في المئة فقط من قدرتها الإنتاجية. وصنّف البنك الدولي إيران أيضاً بأنها البلد الأول في هدر الطاقة الكهربائية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا(19).
خلال الجزء الأكبر من العقد الماضي، ارتفع الطلب على الطاقة في إيران بنسبة تزيد عن خمسة في المئة سنوياً. فضلاً عن ذلك، غالباً ما كان الطلب على الكهرباء في البلاد ينمو بسرعة أكبر من النمو في إجمالي الناتج المحلي. بحسب "التقرير الاستشرافي العالمي لعام 2005" الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، من المتوقّع أن يزيد الطلب على الطاقة الكهربائية في إيران بنسبة 3.2 في المئة سنوياً حتى سنة 2030، فيرتفع من 153 إلى 359 تيراواط ساعة سنة 2030، ويقتضي استثمارات جديدة قدرها 92 مليار دولار أميركي(20).
لا شك في أن إيران تعاني من نقص معوِّق في الطاقة منذ حوالى عقد. فقد شهدت مناطق عدة في البلاد تعتيماً جزئياً وانقطاعاً متكرّراً في التيار الكهربائي. في صيف 2008 مثلاً، كان على الحكومة الإيرانية تقنين التيار الكهربائي في مدن كبرى في مختلف أنحاء البلاد، مع إلقاء المسؤولين اللوم على الجفاف في تراجع إنتاج المصانع التي تولّد الكهرباء بواسطة المياه. المفارقة هي أنه على الرغم من الصعوبات التي تواجهها إيران في تلبية الطلب الداخلي على الطاقة الكهربائية، تصدّر الكهرباء إلى العديد من الدول المجاورة بما في ذلك أرمينيا وأذربيجان والعراق وباكستان وتركيا.
المشكلة الأساسية في قطاع الكهرباء الإيراني هي أن الحكومة استمرت – تحت تأثير الضغوط لتلبية الطلبات الاستهلاكية من أجل تفادي التململ الشعبي – في تطبيق سياسة مكلفة وغير فاعلة تقوم على توفير دعم قوي جداً لشراء التيار الكهربائي والوقود من جانب سكانها الذين تنمو أعدادهم بسرعة. في الواقع، حفّز الدعم الإيراني الكبير للطاقة، والذي يشكّل أكثر من 10 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، مزيداً من النمو في الطلب على الكهرباء. من شأن خفض الدعم للطاقة، مع العلم بأنه الوسيلة الأكثر فاعلية لحل المشكلات التي تعاني منها إيران في قطاع الكهرباء، أن يقوِّض شعبية الحكومة أكثر فأكثر، كما يُهدّد بتوسّع التململ الشعبي من الطبقات الوسطى المدينية إلى الطبقة العاملة والإيرانيين الفقراء، الأمر الذي تخشاه النخبة الحاكمة(21). لهذا السبب من جملة أسباب أخرى، ينادي الحكّام الإيرانيون بتطوير مصادر أخرى للطاقة، وفي شكل خاص الطاقة النووية، من أجل معالجة مشكلة الكهرباء.
من شأن بناء مصنعين للطاقة النووية في إيران في المدى القريب، كما هو مقرّر، أن يحرّر 200 مليون قدم مكعب متري من الغاز الطبيعي في اليوم بحيث يمكن استخدامها لأغراض أخرى أو تصديرها لتحقيق عائدات أعلى. بيد أن هذا التحسن هو مجرد نقطة في بحر المشكلات الحقيقية التي يعاني منها قطاع الطاقة الإيراني، وسوف يكون بمثابة إسعافات أولية أكثر منه دواء شافٍياً. بغض النظر عن كلفة البناء النهائية لمصنعَي الطاقة النووية المقترحَين، لن تشكّل الطاقة الكهربائية التي يولّدانها سوى 6 في المئة من مجموع الكهرباء التي يتم توليدها الآن في إيران.
على النقيض، ومن وجهة نظر اقتصادية متّزنة، من شأن الإلغاء التدريجي لدعم الغاز الطبيعي أن يشكّل مقاربة أكثر عقلانية من بناء القدرة النووية لمعالجة النقص في الطاقة الكهربائية في إيران. عبر إنهاء الدعم للغاز الطبيعي وتسعير الوقود المستخدم في توليد الطاقة عند مستويات مناسبة، سوف تتمكّن الحكومة الإيرانية من أن تخمِّن كما يجب تكلفة الفرصة البديلة للمجموعة الكاملة من الاستعمالات التي يُخصَّص لها كل إنتاجها من الغاز الطبيعي، وليس فقط الحجم الصغير جداً الذي قد يجري توفيره عبر إنشاء المرفقَين المخصَّصين لإنتاج الطاقة النووية.
إذا ألغي الدعم عن سعر الكهرباء، فسوف تشهد إيران تباطؤاً كبيراً في الزيادة في الطلب على الطاقة الكهربائية(22). ومن شأن كمية الكهرباء التي يجري توفيرها عبر إلغاء الدعم عن أسعار الطاقة الكهربائية المخصّصة للاستهلاك المحلي أن تفوق الإضافات الفورية المرتقبة في الطاقة النووية (1360 ميغاواط). في الواقع، بحسب التقديرات المقبولة عن المرونة والنمو المنطقي، من شأن مضاعفة السعر مرّتين أن يتيح توفير أكثر من 13800 ميغاواط بحلول سنة 2030 (إذا افترضنا أنها مصانع لتوليد الجهد الأساسي تستخدم 85 في المئة من قدرتها الإنتاجية)، مما يوازي كمية الكهرباء التي ينتجها حوالى أربعة عشر مصنعاً للطاقة النووية يولّد كل منها 1000 ميغاواط. فضلاً عن ذلك، من شأن انخفاض الطلب على الكهرباء، في حال تم بتحفيز من خفض الدعم للأسعار، أن يؤدّي إلى توفير رأسمال كبير، ويمكن استخدام تلك الأموال في مساعٍ أخرى تحقّق فوائد جمّة للشعب الإيراني. باختصار، يشكّل إصلاح الأسعار وسيلة أكثر فاعلية بكثير في مواجهة النقص المتوقّع في الطاقة، ولذلك يجب أن تكون لقادة إيران أسباب أخرى للسير بهذا الكد وراء الخيار النووي.
ما يزيد من حدّة مشكلة الكهرباء التي تعاني منها إيران هو عدم الفاعلية التي تطوِّر بها الغاز الطبيعي وتستخرجه وتوزِّعه. تحتلّ إيران المرتبة الثانية عالمياً في احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة وموارد الغاز الطبيعي المحتملة غير المكتشفة، لكنها تحتل المرتبة 25 فقط بين مصدِّري الغاز الطبيعي في العالم. يقع حوالى 62 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي الإيراني في حقول لا صلة لها بإنتاج النفط، ولم يجرِ تطويرها بعد. جيولوجياً، هناك وفرة من الغاز الطبيعي في إيران يمكن استعمالها لتلبية الحاجات المحلية من توليد الطاقة.
في الممارسة، يشكّل إحراق الغاز الطبيعي 14 في المئة من إجمالي استخدام الغاز الطبيعي في إيران. يؤدّي الإحراق إلى هدر حوالى 23 مليار متر مكعّب في السنة أو 1.8 مليار قدم مكعّب في اليوم، وهي كمية كان يمكن تسويقها وتوازي مجدداً أكثر من ضعف كمية الوقود التي من شأن محطات الطاقة النووية المنوي إنشاؤها تأمينها. إذا أمكن تسويق إمدادات الغاز الطبيعي التي تُحرَق حالياً، في الداخل واستعمالها لتوليد الطاقة، يمكن أن تؤمّن الوقود الكافي لإنتاج كمية من الطاقة أكبر بثماني مرات من تلك التي يُتوقَّع أن تولّدها محطّتا الطاقة النووية المزمع إنشاؤهما. وفي ما يختص بتأمين الغاز الطبيعي للتصدير، فإن كمّية المليارَي متر مكعّب في السنة التي يُتوقَّع أن تُحرِّرها الطاقة النووية هي دون الثلاثة وعشرين مليار متر مكعب التي يجري حرقها حالياً، والتي يمكن تصدير بعضها إذا أدير القطاع بطريقة أفضل.
بناءً عليه، فإن عدم توافر الغاز الطبيعي الإيراني لتوليد كمية أكبر من الكهرباء يعكس في شكل أساسي الإدارة السيّئة. فيما كانت إيران تطوِّر قطاع الغاز الطبيعي لديها في العقود القليلة الماضية، شجّعت الحكومة الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي. وكانت تكلفة الفرصة البديلة في هذا المجال منخفضة نسبياً نظراً إلى أن السوق الدولية للغاز الطبيعي كانت غير ناضجة نسبياً. كان التركيز الداخلي على استعمال الغاز يهدف إلى الحد من حرق الغاز في حقول النفط، وكذلك توفير كمية أكبر من النفط للتصدير عبر تشجيع استبدال النفط بالغاز الطبيعي من جانب مجموعة متنوِّعة من المستخدمين النهائيين وعبر استعمال الغاز الطبيعي في الجهود المعزَّزة من أجل المعافاة النفطية. وقد تكلّلت هذه السياسة بالنجاح، فقد بلغ النمو السنوي في استهلاك الغاز 17 في المئة في الأعوام الأخيرة، ويعود ذلك في جزء كبير منه إلى الانخفاض في الأسعار. في إيران، وسّعت إيران شبكة الغاز لديها إلى حد كبير، فجعلت الغاز متوافراً للمستهلكين في كل القطاعات الاقتصادية، وحتى للأسر في المجتمعات الصغيرة في الأماكن النائية(23).
ساهمت هذه الأسعار المنخفضة اصطناعياً في تجاوز الطلب على الغاز الطبيعي في إيران بسرعة العرض المحلي، مما ولّد نقصاً يمكن تفاديه ويُستخدَم من جديد لتبرير الحاجة إلى الطاقة النووية. تولّد أسعار الغاز الطبيعي المنخفضة أزمة عرض مستمرة تغذّي نفسها بنفسها، عبر جعل توسيع البنى التحتية وتطوير حقول للاستعمال المحلي اقتراحاً غير جاذب للمستثمرين الأجانب والخاصين الإيرانيين على السواء، مما يعني مرة جديدة أنه على الحكومة أن تتحمّل المسؤولية المالية عن هذا الإنفاق. وقد تبيّن أنه مسار غير قابل للاستدامة يولّد زيادة في الديون الحكومية، وتزايداً سريعاً في الطلبات على الطاقة، وعجز الحكومة الإيرانية على إبقاء العرض الداخلي منسجماً مع الارتفاع في الطلب.
بغض النظر عن آفاق الطلب، يعني حجم قاعدة موارد الغاز الطبيعي في إيران أنّه يمكن أن تصبح مصدِّرة مهمة للغاز الطبيعي في السنوات المقبلة، إذا استطاعت القيام بالاستثمارات الهائلة الضرورية لتطوير مواردها. وهكذا فإن النظرة الاستشرافية إلى تطوير العرض الداخلي مهمة أيضاً في تحديد الحاجة إلى مصادر الطاقة البديلة في إيران. في الواقع، نظراً إلى حجم قاعدة الموارد الإيرانية، إذا تم الاستثمار في الإمدادات الداخلية بوتيرة فاعلة، من غير المرجّح أن يتجاوز الطلب (في ظل معدلات نمو منطقية جداً) العرض. من شأن تخفيف الدعم للأسعار المحلية أن يضمن نتيجة أكثر إيجابية. السؤال الوحيد المطروح هو إذا كان بإمكان القادة الإيرانيين اكتساب الموارد المالية والتقنية الضرورية للإفادة من موارد الغاز الطبيعي غير المطوَّرة، وكذلك التحلّي بالإرادة السياسية لإلغاء الدعم تدريجاً.
باختصار، لا تبرّر عوامل اقتصادية منطقية السعي الإيراني خلف الطاقة النووية. لا بل إن هذا السعي يزيد من حدّة المشكلات التي تعاني منها إيران في مجالَي الكهرباء والغاز الطبيعي لأنّه أدّى إلى تشديد العقوبات الدولية مما خفّض الاستثمارات الأجنبية وتسبّب بتأثيرات اقتصادية مناوئة أخرى. إذا استمرّ القادة الإيرانيون في تحدّي المطالبات بأن يحدّوا من صناعتهم النووية بما يُهدِّئ المخاوف بأنهم يسعون في الواقع إلى تطوير قدرة على تصنيع أسلحة نووية، فمن الواضح عندئذٍ أنهم يسعون خلف الطاقة النووية لأسباب تتعلّق بالهيبة الوطنية والسياسة المحلية والدولية والأمن القومي.
موارد الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء في المنطقة
احتياطيات منطقة الشرق الأوسط من الغاز الطبيعي كبيرة جداً وتصل إلى 2658 تريليون قدم مكعب أو حوالى ثلث احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة في العالم. العديد من بلدان المنطقة هي مصدِّرة للغاز الطبيعي، ومنها قطر والإمارات العربية المتحدة ومصر وعمان والجزائر. إلى جانب إيران، تملك بلدان عدّة تسعى إلى بناء منشآت للطاقة النووية في سياق استراتيجيا تهدف إلى مواجهة النقص المتزايد في الطاقة الكهربائية، موارد ضخمة غير مستغلَّة من الغاز الطبيعي، وأبرز هذه البلدان السعودية والإمارات.
يشير "المسح الجيولوجي الأميركي" إلى أن متوسط تقدير كمية الغاز غير المصاحب وغير المستغَل في السعودية هو 530 تريليون قدم مكعب، إلى جانب 110 تريليون قدم مكعب من الغاز المصاحب. فضلاً عن ذلك، وبحسب "المسح الجيولوجي الأميركي"، يبلغ متوسط التقدير في مجال سوائل الغاز الطبيعي 40 مليون برميل. في حين أن غالبية كبرى من موارد الغاز المخمَّنة تقع في حقول غير مصاحبة، يتألف نحو 60 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة في السعودية من غاز مصاحب. يضم حقل الغوار وحده ثلث احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة في البلاد. وتقع غالبية احتياطيات الغاز غير المثبتة في السعودية في خزان الخف العميق. ويقع الغاز الطبيعي أيضاً في أقصى الشمال الغربي للبلاد، في مدين، قرب الحدود الإيرانية، وفي الربع الخالي. يُعتقَد أن منطقة الربع الخالي في جنوب السعودية تحتوي على ما يزيد عن تريليون قدم مكعب من موارد الغاز الطبيعي.
أطلق العاهل السعودي، عبدالله، عندما كان لا يزال ولياً للعرش، مبادرة كبرى لتطوير الغاز الطبيعي وأعمالاً ذات صلة عام 1998. تركّزت "مبادرة الغاز الاستراتيجية" على جذب الاستثمارات الأجنبية للتنقيب عن موارد الغاز الطبيعي الضخمة في البلاد بصورة أشمل واستخدامها. بيد أن المعارضة الداخلية والمفاوضات المطوَّلة عطّلت الخطط التي كانت طموحة في البداية والتي هدفت إلى زيادة إنتاج المملكة من الغاز الطبيعي. وانتهت المبادرة بحفنة من المشاريع الأصغر التي قادتها في شكل أساسي شركات روسية وصينية وأوروبية، وليس الشركات الأميركية الأكبر التي كانت قد تفاوضت في الأصل للمشاركة في مشاريع كبرى قدرها مليارات الدولارات في مناطق واعدة جداً. وهكذا لم تكن المساحات التي عُرِضت للاستثمار فيها واعدة في شكل عام، وحتى الآن لم تحقّق المبادرة تقدّماً كبيراً(24).
تنبثق المعارضة للتطوير الواسع النطاق للغاز الطبيعي في السعودية من أولئك الذين يعتقدون أنه من الأفضل إنفاق عائدات المملكة في مجالات أخرى، بما فيها تطوير الحقول النفطية. بما أن معدل إيرادات الاستثمار في المشاريع النفطية أعلى بكثير منه في مشاريع الغاز الطبيعي لأن السعر المحلي للغاز الطبيعي في السعودية والخارج منخفض مقارنة بسعر النفط، اعتبر قادة الصناعة أنه لا يجدر بشركة "سعودي أرامكو"، وهي شركة النفط الوطنية المملوكة من الدولة في السعودية، استعمال رأسمالها لتطوير مزيد من الغاز الطبيعي.
كما أن أسعار الغاز الطبيعي الداخلية في الصناعة المحلية تُحدَّد عند مستويات أقل بكثير من الأسعار الدولية للنفط والغاز، مما لا يمنح الكثير من الحوافز التجارية لشركة "سعودي أرامكو" كي تنقّب في احتياطيات الغاز الطبيعي من أجل الاستهلاك الداخلي. فضلاً عن ذلك، تعارض صناعة النفط السعودية السماح للمستثمرين الأجانب بدخول المملكة، مما يعطّل تطوير صناعة الغاز السعودية على الرغم من وجود موارد كبيرة نسبياً. فالاقتراحات بتطوير حقل الغاز الغربي في مدين وتصدير الغاز الطبيعي إلى الأردن وإلى مختلف أنحاء المشرق كجزء من اتفاق سلام، لم تلقَ أي متابعة قط.
تملك الإمارات العربية المتحدة أيضاً موارد كبيرة من الغاز الطبيعي تَعطَّل نموها بسبب انخفاض أسعار الغاز الطبيعي في الداخل. تملك الإمارات سادس أكبر احتياطي مثبت للغاز الطبيعي في العالم مع 214.4 تريليون قدم مكعب، أو أربعة في المئة من المجموع العالمي. أدّت زيادة الطلب الداخلي الإماراتي من جانب المشاريع الصناعية وقطاع توليد الطاقة الكهربائية ومصانع تحلية المياه، وللاستعمال في مشاريع المعافاة النفطية المعزَّزة، إلى نقص دوري في الغاز الطبيعي في أبو ظبي ودبي. أصبحت الإمارات مستوردة صافية للغاز الطبيعي عام 2007، مع تزايد الاستهلاك بوتيرة أسرع بكثير من الإنتاج. عام 2008، أنتجت الإمارات 1.77 تريليون قدم مكعب واستهلكت 2.1 تريليونَي قدم مكعب من الغاز الجاف. يمثّل إنتاج الطاقة الكهربائية نحو 60 في المئة من إجمالي استهلاك الغاز في الإمارات. يقع نحو 92 في المئة من احتياطيات الغاز الإماراتية في أبو ظبي، وخزان الخف العملاق الذي يقع تحت حقول النفط في أم الشيف وأبو البخوش هو من أكبر خزانات الغاز في العالم.
(•) راجع تقريري جهاد الزين من واشنطن في "قضايا النهار" يومي 4 و5 كانون الثاني 2011.
(18) مواد هذه الفقرة مأخوذة من ورقة أطول تتضمّن تحليلاً أكثر تفصيلاً يُظهر أن القوة النووية هي مشروع رأسمالي أكثر كلفة من تطوير الغاز الطبيعي أو الطاقة الجيوحرارية بالنسبة إلى قطاع الكهرباء في إيران. تجدون ورقة العمل Iran, Energy and Geopolitics على الموقع الإلكتروني http://bakerinstitute.org/publications/IEEJIran.pdf
(19) Ali Kheradpir, "Blackouts Threaten Iran," Institute for Way and Peace Reporting, IRN Issue 32, April 16,
2010, http://www.iwpr.net/ru/node/35548.
(20) Daniel Brumberg, Jareer Elass, Amy Myers Jaffe and Kenneth B. Medlock III, "Iran, Energy and
Geopolitics,” Working Paper Series: The Global Energy Market: Comprehensive Strategies to Meet Geopolitical
and Financial Risks, Energy Forum (James A Baker III Institute for Public Policy, Rice University, May 2008)
http://www.rice.edu/nationalmedia/multimedia/iran.pdf.
(21) أُطلِق التشريع الذي ينص على خفض الدعم في المجلس الإيراني في آذار 2009 ووافق عليه مجلس صيانة الدستور في آذار 2010. كان من المقرّر تطبيق الخفوضات في نهاية أيلول، لكن جرى تأجيلها.
(22) على سبيل المثال، من شأن استعمال مرونة طلب سعرية في المدى الطويل في قطاع الكهرباء تبلغ -0.4، أي مضاعفة السعر، ومن دون إلغاء كامل لدعم الأسعار، أن يؤدّي إلى خفض معدل النمو السنوي في الطلب على الكهرباء بنسبة 40 في المئة، مما يخفّض النمو إلى حوالى اثنين في المئة في السنة. (تجدر الإشارة إلى أنه إذا احتسبنا أي تباطؤ في النمو الاقتصادي نتيجة رفع الدعم عن الأسعار، يزيد الادّخار). يتحدّث مارك غلين ليجسن (The Real-Time Price Elasticity of Electricity, Energy Economics (29, no. 2, 2007):249:58) عن مجموعة من الدراسات التي تضمّنت تقديرات لمرونة سعر الكهرباء في مناطق مختلفة من العالم. يتحدّث الفارس (The Demand For Electricity in the GCC Countries, Energy Policy 30 (2002):117-24) عن مرونة الأسعار في حفنة من بلدان الشرق الأوسط، ما عدا إيران. والمرونات التي يذكرها الفارس تقع في وسط النطاق الذي أورده ليجسن.
(23) Dr. Manouchehr Takin, Iran’s Energy Crisis (Centre for Global Energy Studies, May 2007), page 50.
(24) سلكت الشركة الاحتكارية المملوكة من الدولة "سعودي أرامكو"، بدعم ملكي، مساراً بطيئاً في التفاوض على العقود الاستثمارية للمبادرة وأصبح من الصعب تطبيق البرنامج على المستويَين السياسي والعملاني. حرصت "سعودي أرامكو" على الدفاع عن وضعها الخاص وساومت بشدّة مع الشركات النفطية الغربية المحبَطة.
 
الطموحات والوقائع النووية في دول الشرق الأوسط [3]
واشنطن – "قضايا النهار"
الحلقة الثالثة الأخيرة من التقرير الخاص لـ"المجموعة الاستشارية التقنية حول الطاقة النووية في الشرق الاوسط" الذي وضعته باشراف "مركز ستيمسون" في واشنطن بالتنسيق مع مؤسسة الولايات المتحدة للسلام من ضمن مجموعة تقارير حول التحديات النووية وبصورة خاصة التحدي الايراني... لفتت نظر "قضايا النهار" اليه مديرة مركز ستيمسون السيدة آلان ليبسون خلال وجود الزميل جهاد الزين في واشنطن الشهر المنصرم(•) وترأس لجنة التقرير إيمي جاف والاعضاء هم: ارييل أهرام، ديفيد اولبرايت، محمدي فريد، سايمون هندرسون، إلاس جرير، شين كاين.
على الرغم من النقص الداخلي الذي يلوح في الأفق، تبقى الإمارات مصدِّرة للغاز الطبيعي المسال الذي تنتجه في جزيرة داس. يعالج المجمّع المؤلّف من ثلاث سلاسل الغاز المصاحب المستقدَم من حقول النفط في أم الشيف وزاكوم السفلي والبندق، ويستطيع معالجة ثمانية ملايين طن في السنة. تدرس "شركة أبو ظبي لتسييل الغاز المحدودة" (أدجاز) التابعة لشركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك)، خيارات طويلة الأمد في موضوع المصنع، بما في ذلك إذا كانت هناك حاجة إلى زيادة قدرات السلسلتَين الأولى والثانية – التي تبلغ قدرة كل منها الآن مليونَي طن – أو بناء سلسلة رابعة. تبلغ قدرة السلسلة الثالثة القائمة حالياً أربعة ملايين طن. تريد الشركة أن تصبح القدرة الإضافية متوافرة بحلول سنة 2019. نحو 85 في المئة من الغاز الطبيعي المسال الذي يُنتَج في جزيرة داس يذهب إلى "شركة طوكيو للطاقة الكهربائية" في اليابان بموجب عقد.
إزاء المشهد التنافسي الشديد في أسواق الصادرات، والنفقات الهائلة التي تترتّب عن التنقيب عن الغاز الطبيعي "الحامض" المعقّد تقنياً والعالي الكلفة في أبو ظبي، والأسعار المحلية للغاز الطبيعي والكهرباء التي تحظى بدعم كبير، يصعب على أبو ظبي استقطاب استثمارات أجنبية كافية لزيادة عرضها المحلي من الغاز الطبيعي. ألغت شركة "كونكوفيليبس" في الآونة الأخيرة خططاً لتطوير مشروع حقل غاز شاه، والتي كانت لتشمل التنقيب عن الغاز الطبيعي الحامض والخزانات المتكثِّفة داخل حقل غاز شاه الذي يقع جنوب غرب مدينة أبو ظبي. وقد قُدِّرَت كلفة المشروع بعشرة مليارات دولار (بما في ذلك منشآت التصدير)، وكان ليتطلّب بناء أحد أكبر مصانع إزالة الكبريت في العالم، مما يقضي على الجدوى التجارية للصفقة.
قد لا تتمكّن العلوم الاقتصادية المتعلّقة بتصدير الغاز الطبيعي للاستعمال الداخلي من تجاوز العقبات الاستثمارية في ظل المنظومات الحالية للاستثمار والتسعير المحلي، إلا أنه ليس واضحاً إذا كان التنقيب عن قاعدة موارد الغاز الطبيعي الضخمة في الإمارات العربية المتحدة أكثر منطقية، في ظل ظروف داخلية مختلفة لتحديد الأسعار، من تطوير منشآت نووية مكلفة. أعلنت كوريا الجنوبية في تشرين الأول 2010 أنها تنوي إقراض الإمارات عشرة مليارات دولار للمساهمة في تمويل بناء المصانع النووية الأولى هناك. نظراً إلى حجم الاستثمار المطلوب، وحتى بعد احتساب كلفة إزالة الكبريت من إنتاج الغاز الطبيعي الحامض المحلي وبناء الدورة الكلية لتوليد الطاقة المنخفضة الكلفة نسبياً، ليس أكيداً أن بناء مصانع نووية لتوليد الطاقة هو بالفعل الخيار الأقل كلفة.
قامت منطقة الخليج بخطوات أولى نحو إنشاء خط أنابيب ينقل الغاز الطبيعي عبر المنطقة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بيد أن المشروع فشل في كسب الدعم الإقليمي الكامل. وانطلقت أيضاً محادثات لإقامة رابط بين شبكات الكهرباء، بيد أن المفاوضات الثنائية المعقّدة حول تحديد الأسعار، والصعوبة في الحصول على التمويل الدولي، والخلافات الإقليمية والجيوسياسية بدّدت آي آمال بأن تكون هناك تجارة إقليمية شاملة في مجال الغاز الطبيعي من شأنها إلغاء الحاجة إلى السعي إلى اكتساب الطاقة النووية.
خط أنابيب دولفين الذي بدأ بنقل الغاز الطبيعي من قطر إلى الإمارات العربية المتحدة في أواخر عام 2007 هو أول خط أنابيب كبير عابر للحدود لنقل الغاز الطبيعي بين بلدان الخليج. بيد أنه يرزح تحت وطأة المسائل المالية والجيوسياسية نفسها التي تعوِّق تطوّر الغاز الطبيعي في شكل عام في المنطقة.
حالياً تؤمّن شركة "دولفين للطاقة" التي يسيطر عليها تجمّع "مبادلة للتنمية" الاستثماري التابع لحكومة أبو ظبي، وتشمل أيضاً الشريكَين "أوكسيدنتال" و"توتال"، حوالى مليارَي قدم مكعب في اليوم من الغاز القطري المستخرَج من حقل الشمال العملاق عبر خط أنابيب يمر في البحر ويمتد على طول 362 كيلومتراً من راس لفان في أقصى شبه جزيرة قطر إلى الطويلة على ساحل أبو ظبي، لبيعه داخل الاتحاد وعُمان. وسوف يمتدّ خط أنابيب على طول 152 ميلاً من الطويلة إلى محطة قدفع للماء والكهرباء في الفجيرة. ومن المقرّر أن ينتهي بناء هذا الخط بحلول الربع الثالث من سنة 2010. تسعى "دولفين للطاقة" إلى زيادة أحجام الغاز إذ إنّ سعة خط الأنابيب الأساسي هي 3.2 مليارات قدم مكعّب في اليوم. استطاعت قطر تزويد "دولفين" أحجاماً إضافية في أواخر عام 2009 إذ أتاحت وفرة الغاز في الولايات المتحدة تحرير إمدادات كانت لتُشحَن في شكل غاز طبيعي مسال.
الكويت هي حالياً مستورِدة للغاز الطبيعي المسال لكن يمكن أن تصبح ذات يوم جزءاً من شبكة أكبر لخطوط أنابيب الغاز في الشرق الأوسط. يقع حقل الدرة، وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في البلاد، عند الحدود مع السعودية وإيران. وقد حالت مشكلات ترسيم الحدود دون تمكّن الكويت من تطوير هذه الموارد. في حين تظل المعارضة البرلمانية شديدة، جرى توقيع اتفاق لمدّة خمس سنوات بين "شركة شل الهولندية الملكية" و"شركة نفط الكويت" في شباط 2010 لتطوير احتياطيات الغاز العميق في ستّة حقول في الشمال. يستهدف مشروع الغاز الذي وضعته شركة "شل" إنتاج مليار قدم مكعب في اليوم من حقول الروضتين والصابرية وبحرة وأم نيقا وشمال غرب الروضتين وظبي، أو حوالى سبعة أضعاف إنتاجها الحالي.
لم تتمكّن الكويت من الانضمام إلى مشروع خط أنابيب الغاز الذي أطلقته شركة "دولفين" عندما رفضت السعودية الموافقة على جزء من الخط (ربما كان مرتبطاً أيضاً بالبحرين) كان ليمرّ عبر المياه الإقليمية السعودية. بدلاً من انتظار الحلول الجيوسياسية لإنشاء شبكة غاز إقليمية، اختارت الكويت تطوير قدرتها على الحصول على الغاز الطبيعي المسال، وتشتري حالياً الغاز الطبيعي المسال من السوق الفورية. وتفكّر دبي في استراتيجيا مماثلة. ويأتي التحوّل نحو الغاز الطبيعي المسال أو الطاقة النووية عقب فشل المحادثات لإنشاء خط الأنابيب بسبب التشنّجات الجيوسياسية والخلافات حول التسعير.
نموذجياً، حاولت بلدان الخليج حمل مورِّدي الغاز الطبيعي الإقليمي على عرض الغاز المنقول عبر خط الأنابيب بأسعار أقل من المستويات الدولية من أجل ردم الهوّة مع أسعار الغاز الطبيعي والكهرباء المنخفضة في الداخل. كما أن غياب معايير تسعير الغاز الذي يُباع عبر خطوط الأنابيب في الخليج جعل التمويل الدولي لمشاريع خطوط الأنابيب أصعب حتى من تمويل مشاريع الغاز الطبيعي المسال الأغلى ثمناً، لأن الغاز الطبيعي المسال هو سلعة متداولة عالمياً بطريقة أكثر شفافية. يُباع الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب "دولفين" إلى الإمارات العربية المتحدة مثلاً بـ1.35 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية في حين راوحت الأسعار الدولية للغاز الطبيعي المسال من 4 دولارات إلى 12 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية في الأعوام الأخيرة. أجرى كل من الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة محادثات مع إيران على مر السنين من أجل التزوّد بالغاز الطبيعي بواسطة خطوط الأنابيب، بيد أنها تعقّدت بسبب المشكلات الجيوسياسية التي نجمت عن الخلافات على الأراضي بين كل من هذه البلدان وإيران، والطموحات النووية الإيرانية، ودعم إيران للإرهاب والتخريب على الساحة الدولية.
على الرغم من عدم تحقيق تقدّم في مجال شبكات الغاز الطبيعي، وافق الأعضاء الستّة في مجلس التعاون الخليجي على تطوير شبكة إقليمية للطاقة الكهربائية تستطيع الدول الأعضاء استعمالها لمحاولة تفادي التعتيم الجزئي. تُقدَّر كلفة مشروع الربط بأربعة عشر مليار دولار. بموجب اتفاق الشبكة، سوف يكون للدول الأعضاء الحق في الإفادة من عدد محدّد من ساعات التغذية بالتيار الكهربائي في حال الطوارئ، وفي حال عدم تسديد كلفتها ضمن مهلة معيّنة، يُفرَض على الدولة دفع غرامة. أُنجِزت المرحلة الأولى من مشروع الشبكة في تموز 2009 عندما جرى الربط بين السعودية والكويت وقطر لتشكيل الشبكة الشمالية. وتتضمّن المرحلة الثانية دمج الشبكات داخل الإمارات العربية المتحدة وعُمان لتشكيل الشبكة الجنوبية، على أن تعقبها المرحلة الثالثة التي ستربط الشبكة الجنوبية ببلدان الشبكة الشمالية. من المقرّر أن تنضم الإمارات العربية المتحدة إلى شبكة مجلس التعاون الخليجي بحلول مطلع سنة 2011، على أن تليها عمان. وتُقسَم حصص البلدان في الشبكة بحسب الجزء المتوقَّع استخدامه، مع حصول السعودية على حصة 31.6 في المئة، والكويت 26.7 في المئة، والإمارات العربية المتحدة 15.4 في المئة، وقطر 11.7 في المئة، والبحرين 9 في المئة، وعمان 5.6 في المئة.
من أجل تحقيق نجاح مماثل في تطوير موارد الغاز الطبيعي الإقليمية، يجب أن تنشط الديبلوماسية في تسوية الخلافات القائمة حول الحدود وإيجاد حل للمفاوضات التجارية المعقّدة حول مخطّطات التسعير والتمويل. بيد أنه من شأن هذه الشبكة أن تحدّ على الأرجح من الحاجة إلى استثمارات مكلفة في الطاقة النووية وما ينجم عنها من مخاطر على صعيدَي الاستراتيجيا والانتشار النووي. ويمكن أن تشكّل شبكة أوسع قابلة للتوسيع لتشمل الإمدادات من العراق وإيران، جزءاً من مبادرة سلام إقليمية أكثر شمولاً، في حال أمكن فعلياً تحقيق تقدّم ديبلوماسي في المسألة النووية الإيرانية ومشكلات إقليمية عالقة أخرى.
 
كيف تؤثّر الاستراتيجيا النووية الإيرانية في المنطقة؟
نظراً إلى الكلفة العالية للاستثمارات في الطاقة النووية، والنقص في المعارف والبنى التحتية وقدرات البناء في معظم بلدان الشرق الأوسط، والاحتياطات الوافرة من الغاز الطبيعي، يبدو أن للسعي وراء الطاقة النووية في مختلف أنحاء المنطقة دوافع أوسع نطاقاً من النقص المتوقَّع في الكهرباء.
أحد التفسيرات المنطقية لسعي بعض البلدان الشرق الأوسطية إلى امتلاك الطاقة النووية هو أنها تبحث عن استراتيجيا للتحوّط في مواجهة تطوير إيران لأسلحة نووية. من شأن امتلاك أسلحة نووية والمكانة التي يُعتقَد بأن هذا السلاح يؤمّنها لحامله أن يرسّخا زعم إيران بأنها صاحبة الزعامة الإقليمية، وقد يشجّعانها على التصرّف بعدوانية أكبر سعياً لتحقيق أهدافها الجيوسياسية والسيطرة على الأراضي التي تطالب بها. تعتبر دول أخرى كثيرة في الشرق الأوسط، مثل مصر والسعودية وتركيا، أن لديها دوراً طبيعياً كقائدة إقليمية، وهي ليست مستعدّة تالياً لترك ذلك الدور لإيران. ويراود القلق دولاً أخرى من أنها قد تحتاج إلى الأسلحة النووية لردع العدوان الإيراني أو الابتزاز النووي. ومن الممكن أيضاً أن القدرة النووية تُعتبَر الآن في المنطقة معياراً أدنى للحفاظ على موقع القيادة الإقليمية، مما يزيد على الأرجح من مخاطر انتشار برامج تسلّح سرّية في المنطقة.
على الرغم من أنه تجري إثارة الموضوع دائماً من منظار تلبية الحاجات المستقبلية من الطاقة و/أو الحفاظ على النفط والغاز لكسب عائدات التصدير، كما أشرنا، تتحدّث معظم دول الشرق الأوسط على الأقل عن السعي إلى تطبيق برامج للتطوير النووي، وتحقّق قلة تقدّماً ملموساً نحو تلك الغاية. فهي تذكر الحاجة إلى الحفاظ على النفط والغاز وإلى إنتاج مزيد من الطاقة الكهربائية لاستعمالها في هذه الخطط والنشاطات، لكن دوافعها تشمل أيضاً المنافسة المذكورة آنفاً على زعامة المنطقة، وكسب الهيبة الاقتصادية/التقنية على الساحة العالمية، والاستعداد للدفاع عن نفسها، عند الضرورة، في مواجهة إيران مسلّحة نووياً.
ليس واضحاً في هذه المرحلة إلى أي حد سيكون من الصعب إبعاد بلدان الشرق الأوسط عن المسار النووي أو، إذا كان ذلك ممكناً، صوغ برامجها للطاقة النووية بطرق لا تترتّب عنها مخاطر عالية في مجال انتشار الأسلحة. ولا شك في أن الكثير يتوقّف على نجاح الولايات المتحدة وحلفائها أو عدم نجاحهم في احتواء البرنامج الإيراني قبل وقت طويل من بلوغ القدرة على تصنيع أسلحة. ويتوقّف أيضاً على تطوّر الأوضاع المالية في البلدان، وعلى سياستها الداخلية. لا شك في أن الإمارات العربية المتحدة هي الأقرب إلى بناء مفاعلات للطاقة النووية، وسوف تمتلك الموارد والدعم السياسي لإنجاز اثنَين على الأقل من المفاعلات الأربعة التي تم الإعلان عنها، بيد أن هذه المفاعلات ووقودها ستكون خاضعة لضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقد وافقت الإمارات العربية المتحدة على عدم بناء منشآت لتخصيب الأورانيوم، ولا تطرح تالياً خطر انتشار الأسلحة.
لا شك في أن السعودية تملك الموارد الضرورية لبناء مصانع للطاقة النووية، لكنها تنطلق من بنية تحتية نووية بدائية مقارنةً بإيران بحيث ستستغرق سنوات كثيرة لمحاكاة الحالة التي بلغها البرنامج الإيراني، وقد تستمدّ خيوطها من تطوّر ذلك البرنامج(25). يبدو الأردن أكثر مقاومةً للتخلّي عن التخصيب، بيد أن سياسته الداخلية وماليّته متزعزعتان، وتستمرّ المفاوضات مع الولايات المتحدة. في النهاية، ونظراً إلى اعتماد إيران على الولايات المتحدة للحصول على الضمانات الأمنية، قد لا ترغب في تحدّيها في موضوع التخصيب، إذا افترضنا أنه تم أيضاً تقديم ضمانات لتأمين خدمات مكفولة في مجال الأورانيوم. وقد أعلنت تركيا عن خطط نووية طموحة مراراً وتكراراً في الأعوام العشرة الماضية، لكنها لم تحقّق سوى تقدّم محدود ويدور نقاش داخلي كبير حول المسار الصحيح. ولدى تركيا أيضاً احتياجات متنافِسة في مجال الموارد. ومن جهتها تطمح مصر إلى دور قيادي في الشرق الأوسط، لكنها تواجه محدوديات صعبة في مجال الموارد ولم تقطع شوطاً كبيراً نحو إنجاز بنية تحتية أو قاعدة تكنولوجية نووية.
بناءً عليه، وعلى الرغم من أنه سيكون لمسار الانتشار النووي في الشرق الأوسط رابط كبير بنجاح الولايات المتحدة أو فشلها في ما يختص بالبرنامج النووي الإيراني، من المهم أيضاً أن تعمد الولايات المتحدة إلى توسيع ديبلوماسيتها في مجال الانتشار أبعد من إيران وإلى معالجة مسائل إقليمية أوسع وإيجاد حلول بديلة لمسائل الطاقة في المنطقة.
ماذا تفعل الولايات المتحدة وماذا يجدر بها أن تفعل للتعامل مع الانتشار المحتمل للتكنولوجيا النووية في الشرق الأوسط؟
كانت الجهود الأميركية للتفاوض على حظر الانتشار وضمانات/التزامات أخرى مع دول أساسية ما قبل نووية في الشرق الأوسط، متفاوتة. فمن الجانب المشرق، وقّعت كل تلك الدول معاهدة حظر الانتشار واتفاقات الضمانات الكاملة النطاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فضلاً عن ذلك، وقّعت 10 من أصل 18 دولة غير نووية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البروتوكول الإضافي لاتفاق الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يتيح للوكالة تفتيش المنشآت غير المعلن عنها لتحديد إذا كانت هناك أي نشاطات نووية في تلك المواقع(26). وكما لفتنا، نجحت الولايات المتحدة في إقناع الإمارات العربية المتحدة بالتخلّي عن تخصيب الأورانيوم.
من جهة أخرى، كانت ست دول في الشرق الأوسط – بينها العراق وإيران وليبيا ومصر وسوريا – أو لا تزال منخرطة في نشاطات نووية غير معلنة، ولدى بعضها خطط كاملة لتطوير برنامج للأسلحة النووية. كانت تجربة الولايات المتحدة مع الأردن الذي هو شريك أساسي لها في المنطقة، مختلفة إلى حد ما عن تجربتها مع الإمارات العربية المتحدة. فكما أشرنا، صدّ الأردن حتى الآن الاعتراضات الأميركية على خططه الراهنة لاستخدام رواسبه من الأورانيوم لصنع وقود نووي. بدلاً من السماح للأردن بأن يصبح مركزاً إقليمياً لتخصيب الأورانيوم أو بنكاً للوقود النووي، بحسب ما يطمح إليه لأسباب اقتصادية، تضغط الولايات المتحدة عليه لتوقيع ضمانات تُرغِمه على شراء وقود المفاعلات من السوق الدولية كضمانة إضافية ضدّ استعمال المواد الانشطارية لأغراض عسكرية. والسبب الآخر للضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الأردن في هذه المسألة هو أنه من شأن التخصيب الأردني أن يمنح إيران تبريراً آخر لبرنامج التخصيب الخاص بها، تماماً كما تستعمل القدرات النووية الإسرائيلية لتبرير برنامجها النووي الذي تزعم بأنه سلمي. لم تُحسَم هذه المفاوضات بعد.
دعت السعودية إلى التوصّل إلى اتفاق لإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، ويتساءل بعض المراقبين إذا كانت المملكة ستوافق على التخلّي عن القدرة على التخصيب إذا لم تتراجع دول أخرى في المنطقة، مثل إيران والأردن وإسرائيل، عن موقفها الموجَّه نحو التخصيب. سوف يكون من الصعب على الولايات المتحدة تطبيق اتفاق ينص على منطقة خالية من النووي، وذلك بسبب موقف إسرائيل التي لا تصرّح بترسانتها النووية. فإسرائيل لن تؤكّد علناً امتلاكها أسلحة نووية ورفضت الانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار. ولا تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن تجري تفتيشاً أو تفرض ضمانات على مخزونها من الأسلحة أو منشآتها في ديمونة.
في مختلف الأحوال، فإن عدم نجاح الولايات المتحدة حتى الآن في حمل حلفائها المقرّبين على غرار إسرائيل والأردن على الموافقة على التخلي عن نشاطات التخصيب وإعادة المعالجة يثير شكوكاً حول قدرتها على إقناع دول الشرق الأوسط على إنشاء منطقة خالية من منشآت التخصيب/إعادة المعالجة الخاضعة للسيطرة الوطنية، واستبدالها بخدمات وقود يجري شراؤها من خارج المنطقة أو بتطوير حل إقليمي للتخصيب يخضع لسيطرة بلدان عدّة. اقتُرِح هذان البديلان كوسيلة للمساعدة على إقناع الإيرانيين بوضع حد للتخصيب الخاضع للسيطرة الوطنية.
إذا استمرّت مخطّطات برامج الطاقة النووية المدنية في الشرق الأوسط في التقدّم وتحوّلت في نهاية المطاف برامج ملموسة، فلا شك في أنها ستزيد التعنّت الإيراني في المسألة النووية. إذا فشلت الولايات المتحدة في إرساء معايير إقليمية لهذه البرامج تولّد حواجز أمام تحوّلها برامج للتسلّح العسكري، مثل حظر منشآت التخصيب الخاضعة للسيطرة الوطنية، فسوف تجعل إيران تتمسّك أكثر فأكثر بموقفها. ومن المنظار نفسه، ما دامت الولايات المتحدة وحلفاؤها في الغرب يفشلون في الحصول على تطمينات قابلة للتحقّق من جانب إيران بأنّ برنامجها النووي هو لأغراض سلمية حصراً، سوف تجد الولايات المتحدة صعوبة أكثر فأكثر في تطبيق معايير عدم الانتشار، واتفاقات إعادة التصدير، وضمانات المواد، وحواجز مناهضة التسلّح مع البلدان الأخرى – غير الحواجز الموجودة الآن – مما يحوّل المشكلة دوّامة متسارعة ذاتية الدفع.
نعتقد أنه تترتّب مخاطر جمّة عن الاستعمال الواسع النطاق للطاقة النووية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الزيادة في عدد الأشخاص المدرَّبين في المنطقة الذين قد يجري تحويلهم نحو برامج تسلّح سرّية أو قد تغريهم بلدان أخرى لمساعدتها على تطوير أسلحة سراً. فضلاً عن ذلك، هناك خطر حدوث تغييرات مفاجئة في سياسات انتشار ذات دوافع خيّرة في الظاهر عقب تغيير في النظام. ومن المخاطر الأخرى: (1) تسرّب المواد الانشطارية لتصديرها بطريقة غير شرعية، (2) الحوادث الناجمة عن الحروب أو الإرهاب، و(3) مسائل أخرى متعلّقة بالسلامة مثل الزلازل. ومن شأن انتشار برامج الطاقة النووية في مختلف أنحاء المنطقة أن يعمِّق مستوى انعدام الثقة بين دول المنطقة ويؤدّي إلى تسارع بناء ترسانات الأسلحة التقليدية. أخيراً، كلما ازداد عدد المواقع التي تُخزِّن المواد الانشطارية، تفاقم خطر سيطرة المجموعات الإرهابية على مواد إشعاعية يمكن استعمالها، حتى لو لم يتمكّنوا من تحويلها قنبلة نووية، لنشر الإشعاعات القاتلة في المراكز المدينية عبر دمجها مع المتفجّرات التقليدية.
يتعيّن على الديبلوماسية الأميركية منح أولوية أكبر لوسائل تفادي هذه السيناريوات الأسوأ. بادئ ذي بدء، ليست الحكومة الأميركية منخرطة بما فيه الكفاية في السعي إلى الحد من التسويق التنافسي للمساعدة النووية للشرق الأوسط بل على العكس، تساعد بنفسها الشركات الأميركية على خوض مناقصات فاعلة ضد شركات تتمركز في اليابان وكوريا الجنوبية وروسيا وكندا وفرنسا. يجب بذل مزيد من الجهود لتشكيل ائتلاف مع البلدان الأساسية المورِّدة للتكنولوجيا النووية من أجل وضع إرشادات للتجارة النووية مع الشرق الأوسط، ثم للعمل مع كل الأطراف للتأكّد من تقيّد المورّدين بتلك القواعد والالتزامات. والتعهّد الذي قطعته "مجموعة الثماني" في كانون الأول 2009 والذي التزم المشاركون بموجبه عدم تصدير مواد للتخصيب أو إعادة المعالجة إلى البلدان الوافدة حديثاً إلى المجال النووي هو مثل جيّد عن نوع القيود التي يجب فرضها على المورِّدين. يجب التركيز على تعزيز الضمانات، وضوابط الصادرات، وفرض تطبيق البروتوكول الإضافي شرطاً للتوريد. من شأن تطبيق البروتوكول الإضافي أن يفيد في شكل خاص في منع برامج التسلّح السرّي، كما تلك التي شهدها العراق (حتى عام 1991)، وليبيا (حتى عام 2003)، وإيران (لا تزال مستمرّة)، وسوريا (حتى عام 2007). بيد أن تطبيق البروتوكول الإضافي على نطاق واسع يقتضي أيضاً توفير موارد إضافية للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ فهي تفتقر حالياً إلى الطاقة البشرية والمعدّات والمواد المطلوبة لقطع خطوة كبرى نحو الأمام في التفتيش.
وفقاً لمصادر في الخليج، نجحت الولايات المتحدة في العمل مع أعضاء أساسيين في مجلس التعاون الخليجي – السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة – لزيادة الضغوط الاقتصادية على إيران عبر جعلها تواجه صعوبة أكبر في بيع نفطها في آسيا. يقدّم المورِّدون العرب في الخليج حسومات خاصة لزيادة صادراتهم من النفط إلى آسيا، وهكذا تبقى السفن الإيرانية رابضة في المحيط من دون شارين. تأمل الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي بأن تساهم المشكلات الاقتصادية المتزايدة في القطاع النفطي الإيراني في إضعاف النظام أو على الأقل تغيير مساره النووي. إلا أنه لا يبدو أن تعاون مجلس التعاون الخليجي مع الولايات المتحدة ضد إيران يمتدّ ليشمل التعاون معها في مجال البرامج النووية المدنية والقواعد التي يجب تطبيقها على تلك البرامج. كما أن الولايات المتحدة لم تركّز على حل المشكلات التي تعطّل تجارة الكهرباء والغاز الطبيعي في مختلف أنحاء المنطقة، وكذلك المشاريع التعاونية لتحلية المياه، والتي من شأنها إلغاء الحاجة الظاهرية إلى الطاقة النووية المدنية. تحول العوائق السياسية الاصطناعية دون التطوير العقلاني لموارد الغاز الطبيعي الإقليمية باعتبارها بديلاً أرخص من الطاقة النووية، ولم تركّز الولايات المتحدة ديبلوماسياً على المساعدة على تذليل تلك العقبات. قد يساعد السير نحو إنشاء شبكات للكهرباء أو الغاز الطبيعي في المنطقة، والمشاريع التعاونية لتحلية المياه، على إقناع الحكومات بالإقرار بأن طموحاتها النووية ليست ضرورية فعلاً لحل المصاعب التي تواجهها في مجال الطاقة. ينبغي على الولايات المتحدة أن تقوم بمبادرة ديبلوماسية ناشطة لمعرفة إذا كان يمكن استعمال شبكة إقليمية للكهرباء والغاز الطبيعي لتقويض الخطط الطموحة الحالية لتوسيع الإمكانات النووية. إذا ترافق ذلك مع جهود منسَّقة لفرض قيود على الشروط والمقتضيات التي يؤمّن المورِّدون النوويون بموجبها المساعدة والطاقم والتكنولوجيا، يزداد عندئذٍ احتمال التوصّل إلى اتفاق شامل تشارك فيه إيران.
(25) للسعودية أيضاً علاقة طويلة ووثيقة بباكستان التي هي قوّة نووية حالياً. أدّى توسيع باكستان المستمر لإنتاجها للمواد الانشطارية إلى ظهور تكهّنات بأنها سوف تساعد السعودية، بيد أن موقعاً إلكترونياً سعودياً رسمياً نشر مقالات وضعتها أطراف ثالثة وتشير إلى أن السعودية سترفض هذا الخيار لأسباب جيوسياسية.
(26) وقّعت البحرين وإيران والعراق والأردن والكويت وليبيا والمغرب وتونس وتركيا والإمارات العربية المتحدة البروتوكول الإضافي. لكن من بين تلك الدول، وحدها الأردن والكويت وليبيا وتركيا اتّخذت حتى الآن الخطوات الإضافية الضرورية لوضعه موضع التنفيذ.

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,647,875

عدد الزوار: 6,906,482

المتواجدون الآن: 105