مناطق الاضطراب في جنوب اليمن..الحلقة 1 - 5

تاريخ الإضافة الأحد 2 كانون الثاني 2011 - 10:11 ص    عدد الزيارات 915    التعليقات 0

        

 

 
 
 مناطق الاضطراب في جنوب اليمن : الحلقة (1) : الملا زبارة: المنطقة قصفت بـ15 صاروخ كروز وقنبلتين عنقوديتين
«الشرق الأوسط تدخل مناطق القصف الجوي في جنوب اليمن»

 

جنوب اليمن: عرفات مدابش
عندما كان جنوب اليمن (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) يعيش تحت حكم الحزب الاشتراكي اليمني (1967 - 1990)، لم يكن هناك أي وجود للجماعات الإسلامية «الجهادية» المتشددة في هذا الشطر من البلاد، وذلك نظرا لنظام الحكم الاشتراكي الذي أمسك بزمام الأمور في البلاد، عقب استقلالها عن التاج البريطاني 1967، غير أنه وبعد قيام الوحدة اليمنية بين شطري البلاد، الشمالي والجنوبي في 22 مايو (أيار) 1990، عادت الكثير من الجماعات الدينية المتشددة إلى جنوب اليمن، ومعظم العائدين كانوا في أفغانستان وهم من أطلق عليهم «الأفغان العرب»، كما أن الجنوبيين منهم، كانوا يكنون العداء للنظام الماركسي السابق في جنوب اليمن، الذي يتهمونه بالتنكيل برجال الدين في جنوب البلاد، قبل الوحدة، ولعل ذلك العداء كان هو الدافع الأساسي لتحالف هذه القوى مع الطرف الشمالي في الوحدة إبان الأزمة السياسية عام 1993، والمشاركة في الحرب صيف عام 1994 ضد قوات الحزب الاشتراكي اليمني التي هزمت في الحرب.
وهناك الكثير من الأسماء البارزة في هذا المضمار، كالشيخ طارق الفضلي، وجمال النهدي، وخالد عبد النبي وغيرهم من الأسماء «الجهادية» البارزة في جنوب اليمن، لكن ومع مرور الوقت ظهرت شخصيات جديدة لم يقتصر انتماؤها على الجماعات الجهادية وإنما تنظيم القاعدة بحد ذاته، ومن هؤلاء الداعية المتشدد الأميركي من أصل يمني، أنور العولقي، وكذلك مواطنه فهد القصع العولقي، وغيرهما.
وفي السنوات القليلة الماضية ومع تنامي «الحراك الجنوبي» الذي يطالب بما يسميه «فك الارتباط» أو الانفصال عن الشطر الشمالي، بدأت السلطات اليمنية في توجيه الاتهام إلى الحراك بالارتباط أو التنسيق مع «القاعدة»، وبدأ الإعلام الرسمي توجيه أصابع الاتهام إلى ما يسميه «الحراك القاعدي» بالوقوف وراء عدد من الحوادث الأمنية التي تقع في بعض المناطق الجنوبية.
لكن وقبل التطورات الأمنية الأخيرة في جنوب اليمن، وقع عدد من الحوادث الإرهابية الكبرى في اليمن وكان الجنوب، جغرافيا، ساحة لها، كحادثة تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس - كول» في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000 في ميناء عدن، وبعد ذلك بعامين استهدفت ناقلة النفط الفرنسية «ليمبورغ» قرب ميناء الضبة في محافظة حضرموت وغيرها من الحوادث الإرهابية التي تبنى تنظيم القاعدة القيام بها.
وخلال الأشهر القليلة الماضية خاضت قوات الأمن اليمنية مواجهات عنيفة ضد عناصر من تنظيم القاعدة في محافظتي أبين وشبوة، ولعل أبرزها مواجهات مدينة لودر في أبين والحوطة في شبوة، وهذه الأحداث المتواصلة، جعلت من جنوب اليمن ساحة لنشاط وتحرك تنظيم القاعدة في هذه المساحة الجغرافية الواسعة، التي يمتاز جزء كبير منها بتضاريس جغرافية شديدة الوعورة، وخلقت التطورات الجديدة إيقاعا جديدا في الحرب على الإرهاب في اليمن، حيث استخدم الطيران الحربي لتنفيذ سلسلة من الغارات الجوية ضد مواقع لـ«القاعدة»، وأحد هذه المواقع يقع في منطقة رفض بمديرية العرم في محافظة شبوة، وتعد «الشرق الأوسط» أول وسيلة إعلامية محلية أو عربية أو دولية تدخل إليه وتقف على أطلال ما خلفه القصف، وذلك بعد عام كامل على القصف (24 ديسمبر 2009).
وتقع منطقة رفض شمال مدينة العرم الواقعة على طريق عدن - شبوة، غير أن الوصول إليها صعب جدا، فهي جبلية وطرقها غير معبدة، وفوق ذلك نائية وسط جبال أو «حيود» كما يسميها أهل المنطقة، والشيء الأبرز الذي يلحظه الزائر أنه لا يجد أي وجود رسمي، هناك، للدولة أو الحكومة اليمنية باستثناء مدرسة حكومية وحيدة، سيتم التطرق لقصتها في الأسطر المقبلة.
ورفض هي إحدى المناطق التي تقطنها قبائل العوالق الشبوانية اليمنية، وتنقسم العوالق إلى قسمين: العوالق العليا، والعوالق السفلى، وإلى الأولى ينتمي فهد القصع وأنور العولقي، المطلوبان للولايات المتحدة والسلطات اليمنية في الوقت الراهن. وعندما يجتاز المرء الطريق العام الذي يربط عدن - أبين - شبوة - حضرموت والمهرة في الجنوب، ويتوقف في بعض المدن والمناطق الواقعة على الطريق أو «الخط» العام، كما يسمى هنا، يجد الدولة حاضرة، وإن بصورة نسبية، تتمثل في بعض النقاط العسكرية، لكن وعندما تغادر هذا الطريق نحو الأرياف، فإنك لا تجد سوى الجبال الشاهقة والأودية السحيقة وبؤس وصعوبة الحياة لسكان تلك المناطق البدوية.
وفي هذه المنطقة توجد الكثير من الشخصيات الهامة والمؤثرة في محافظة شبوة، منها الشيخ علي عبد الله عبد السلام المعروف بـ«الملا زبارة»، وهو عضو في المجلس المحلي (البلدي) وأحد الذين سبق لهم وأن قاموا بخطف أجانب من أجل تلبية مطالب لرفع مستوى الخدمات وتحسين البنية التحتية في منطقتهم. إن رفض واسمها مشتق من الرفض وعدم القبول والانصياع، يمكن وصفها بأنها خارج التاريخ المعاصر والجغرافيا بالنسبة للاهتمامات الحكومية، وعندما زارت «الشرق الأوسط» المنطقة، وجدتها وعرة وأهلها يعيشون حياة قاسية، فالطرق غير معبدة ولا توجد بها مشاريع كهرباء أو مياه أو تعليم. ويعيش معظم الناس هناك حياة شبه بدائية مع وحوش وزواحف البراري، باستثناء اجتهاد بعض الوجاهات في توفير بعض مقومات الحياة العصرية لأسرهم، فمثلا الشيخ لحمر لسود، خصص سيارة لنقل أطفاله وأطفال أشقائه وأولاد عمومته من المنطقة إلى منطقة النقبة قرب مدينة عتق عاصمة المحافظة، وتستغرق رحلة الطلاب يوميا قرابة ساعتين ذهابا ومثلهما إيابا، ساعة في الطريق الوعر وغير المعبد والأخرى في الطريق الإسفلتي، في حين معظم أطفال المنطقة لم يستطيعوا الالتحاق بالمدارس، وهناك في المنطقة مدرسة وحيدة ومغلقة لأنه لا يوجد بها معلمون، وهذه المدرسة استغلتها عناصر تنظيم القاعدة الموجودة هناك من خلال القيام بتدريس الأطفال وتعليمهم القرآن الكريم وعلوم الدين قبل أن يغادروا المدرسة إثر القصف المشار إليه سلفا، وتغلق المدرسة، وعقب نفس القصف الجوي غادر معظم سكان القرى منازلهم التي تتكون بعضها من عدة طوابق، وانتقلوا في مخيمات وتجمعات سكنية منعزلة وسط الوديان، فكل أسرة تلتقي أو ترتبط بصلة قرابة مباشرة، تتجمع في مخيم واحد وتبتعد مسافة غير قليلة عن التجمع الآخر. ويقول الملا زبارة إن منطقتهم لا تحظى بأي اهتمام رسمي وإن المعلمين والخدمات من كهرباء ومياه وطرقات وغيرها، لا تصل إليها «لكن صندوق الاقتراع الانتخابي يصل إلى المنطقة فقط»، ويؤكد زبارة لـ«الشرق الأوسط» أن المنطقة تعرضت لقصف جوي أميركي بصواريخ «كروز» وبالقنابل العنقودية، وذلك عندما تم استهداف منطقة يعتقد أن عناصر تنظيم القاعدة كانوا يستخدمونها كمعسكر للتدريب. وقد استهدف القصف الجوي الذي تقول السلطات اليمنية إن طائراتها من نفذته ويقول السكان ومصادر أميركية إن الطيران الأميركي هو من قام به، مزرعة القيادي في تنظيم القاعدة فهد القصع، الذي يعد المطلوب الثالث عالميا للولايات المتحدة بتهم الإرهاب بعد أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وقد التقت «الشرق الأوسط» القصع في إحدى مناطق شبوة، الثلاثاء الماضي، بعد زيارة رفض.
يجد الزائر لمزرعة القصع والمواقع الأخرى التي استهدفت بالقصف، أطلال وآثار ما خلفته الضربات الجوية بالصواريخ والقنابل التي يقول المواطنون إنها عنقودية، فالمولد الخاص بسحب المياه من البئر في المزرعة دمر، وكذلك المنزل الذي كان عناصر القاعدة يستخدمونه كمخزن للمواد الغذائية والمؤن، والواضح من الأماكن التي استهدفها القصف، أن تلك العناصر كانت موزعة على مجموعات في تلك الجبال كي لا يتم استهدافهم بصورة جماعية، وهناك يجد الزائر آثار القصف بادية على الأحجار والأشجار المحترقة والمنازل المدمرة وبقايا بعض الأغطية التي كان يستخدمها المطلوبون من «القاعدة»، وبحسب ما علمت «الشرق الأوسط» من سكان المنطقة فإن الضربة الجوية خلفت 5 قتلى حينها وبينهم مواطن جزائري.
ويحتفظ الملا زبارة بجوار خيام أسرته بعدد من القطع الخاصة بالصواريخ والقنابل التي ضربت المنطقة، فإلى جوار إحدى الخيام يستفيد الرجل من الصفائح الحديدية في تغطية بعض جوانب إحدى الخيام، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن المنطقة قصفت بـ15 صاروخ كروز وقنبلتين عنقوديتين، وحين يتجول المرء في الوادي الطويل والجاف الذي يقسم رفض إلى شطرين، يشاهد بعض البالونات الصفراء التي يقال إنها ترجع للقنابل العنقودية ويجدها وسط الأشجار، كما يؤكد أن الصواريخ انطلقت من البوارج الحربية الأميركية في المياه الدولية وأن الطائرات الأميركية هي من أسقطت القنابل، وبالطبع يعبر عن استيائه وأهل المنطقة جراء عدم قيام السلطات بزيارة المنطقة عقب القصف وتنظيفها من القنابل، ويقول إن المواطنين ونظرا لمعرفتهم بخطورتها، قاموا بتفجيرها عبر إطلاق النار عليها من أسلحتهم الرشاشة، ويظل موضوع قيام القوات الأميركية بتنفيذ عمليات جوية في اليمن، إحدى القضايا مثار الجدل ومحل خلاف حتى تتضح الحقيقة.
ويطالب أبناء المنطقة الحكومة اليمنية والصليب الأحمر الدولي بالنزول الميداني إليهم ومشاهدة المعاناة التي يعيشونها جراء نزوحهم عن منازلهم التي إما دمرت في القصف أو تشققت أو خشية أن تتعرض لقصف آخر.
 
 
 
مناطق الاضطراب في جنوب اليمن الحلقة (2 ): القبائل تنكر وجود «القاعدة».. و«الصحوات» تفشل في ملاحقتهم
الشرق الأوسط» في قلب منطقة الاضطراب في جنوب اليمن

 

جنوب اليمن: عرفات مدابش
كثر الحديث، في الآونة الأخيرة، حول وجود المتشدد الأميركي من أصل يمني، أنور العولقي في جبال محافظة شبوة واحتمائه بقبائله (العوالق) من بطش الملاحقة الأمنية، وهذه ربما حقيقة أكدها والده الوزير السابق الدكتور ناصر العولقي، في أكثر من مناسبة، غير أن تمكن «الشرق الأوسط» من الالتقاء بالمطلوب الثالث عالميا في قضايا الإرهاب، فهد القصع في جبال شبوة، يساهم في تأكيد ما يطرح بشان مكان اختفاء أو اختباء أنور العولقي.
اللقاء بفهد القصع لم يكن أمرا سهلا أو هينا، كما يتوقع البعض، فقد كان أمرا من المستحيلات، لكنه بات حقيقة اليوم، دحضت الادعاء بمقتله في غارة جوية في إقليم وزيرستان بباكستان. لقد بدا فهد القصع العولقي، عندما التقيناه، شخصا عاديا مثله مثل أي مواطن في أي من المناطق اليمنية التي يتمنطق فيها الرجال والشبان بالسلاح ويكادون لا يفارقونه، والشيء الوحيد الذي يمكن ملاحظته أنه أشبه بالمشرد في تلك الجبال الوعرة والقاسية، إضافة إلى أنه كان قليل الكلام، شديد الحذر في انتقاء كلماته القليلة التي تحدث بها، ولا يمكن القول إنه مطارد، مقارنة بوضعه الراهن وهو يوجد في مناطق أهله، لكنه بالطبع لا يستطيع أن يذهب إلى منزله في منطقة رفض، رغم أن الحكومة اليمنية لا تستطيع الوصول إليه بسهولة، وإذا ما قامت أجهزة الأمن بتنفيذ حملة أمنية من أجل الوصول إليه، فلربما تمكن هو ومن معه من مغادرة المكان الذي يختبئ أو يوجد فيه، قبل أن تصل جنازير الدبابات والمدرعات العسكرية إليه.
في المقابل هناك أنور العولقي المطلوب أميركيا، أيضا، حيا أو ميتا لواشنطن، وتتردد الأنباء بوجوده في مديرية الصعيد بمحافظة شبوة، أيضا، وعندما يرغب المرء في زيارة هذه المنطقة، لا بد له أن يستقل سيارة قادرة على السير في تلك المناطق الجبلية، كما أن عليه أن يغادر مدينة عتق، عاصمة شبوة، غربا في الطريق المؤدية إلى محافظة أبين ثم إلى عدن، وبعد أن يجتاز بضعة كيلومترات في هذه الطريق، تجد المفرق (التقاطع) الذي يؤدي بك - يمينا - إلى مركز مديرية الصعيد. إن جزءا لا بأس به من حيث المساحة من محافظة شبوة، تقطنه، قبائل العوالق، وهي قبائل يمنية شهيرة لا ينتمي إليها فقط فهد القصع أو أنور العولقي أو غيرهما من المتهمين بالانتماء لـ«القاعدة» أو بجنح الإرهاب، وإنما هي قبائل أنجبت العديد من القادة ورموز اليمن ومناضليها في مختلف المراحل السياسية والعسكرية والتجارية، وإلى هذه القبائل ينتمي رئيس الوزراء الحالي، الدكتور علي محمد مجور وغيره من رموز الدولة والمجتمع، ولذلك هناك نوع من التذمر في أوساط المواطنين من وصم هذه القبائل ذات التاريخ بالإرهاب لمجرد انتماء بعضهم لـ«القاعدة»، ويرى المواطنون أن حكما مطلقا، كهذا، يعد مجحفا.
ومديرية الصعيد، مركزها أو عاصمتها يحمل نفس الاسم، وهي مدينة قديمة وعتيقة وذات مبان تتكون من عدة طوابق، ويقسمها واد إلى نصفين، كحال مناطق العوالق، والمناطق الجبلية عموما في اليمن. وعندما زارت «الشرق الأوسط» هذه المديرية - المدينة، وجدت نوعا من التحفظ غير المسبوق إزاء قضية الإرهاب و«القاعدة» وأنور العولقي. فعندما زرنا أبرز مشايخ قبائل العوالق واليمن، الشيخ فريد بن أبو بكر، وجدناه في منزله وإلى جانبه عدد من أتباعه ومرافقيه ورموز القبيلة، والرجل كان متوجسا من وجود صحافي في منطقته وداره، حتى إن نجله (أبو بكر) وهو مأمور (مديرية المديرية) تعامل معنا بفظاظة، قبل أن يعرف لماذا نحن موجودون وما هي الأجندة الصحافية والأسئلة التي في الجعبة؟! ومن الأشياء اللافتة للنظر في مدينة الصعيد، هي تنوع انتماءات الناس في بلدة صغيرة وجميع أبنائها ينتمون لقبيلة واحدة وهم جميعا تحت سقف القبيلة، ستجد في الصعيد المنتمي للحراك الجنوبي ولأحزاب اللقاء المشترك المعارضة وأيضا من ينتمي للحزب الحاكم وكذا من لديه ميول دينية متشددة وآخرون لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.
ويرفض الناس هنا مجرد الحديث، عن أنور العولقي وكأنه مسخ ستحل لعنته على من يتحدث عنه، كما ينكر أبناء المنطقة وجود إرهابيين مطلوبين للولايات المتحدة والسلطات اليمنية، كما أن البعض يذهب إلى نفي أي وجود لـ«القاعدة» هنا، كما يطرح علي مجور، قائد الحراك الجنوبي في مديرية الصعيد، الذي قال لـ «الشرق الأوسط» إن «القاعدة مرسلة إلينا من صنعاء من أجل ضرب الحراك الجنوبي»، ويؤكد أن أنور العولقي «غير موجود لدينا إطلاقا ولا يحتمي بقبيلته لا من قريب أو من بعيد ولا ندري نحن أين هو»، ويرى مجور أن القول بوجود العولقي في جبال شبوة «دعاية الغرض منها دق أبناء العوالق»، ويضيف أن أنور العولقي «مختف تماما والسلطة تعرف أين هو بالضبط».
وعمدت السلطات اليمنية إلى أسلوب جديد لمواجهة تنظيم القاعدة في محافظة شبوة، حيث شكلت قوات شعبية تحت اسم «الصحوات» على غرار تلك التي في العراق، وتكونت هذه «الصحوات» من عدة مئات من المقاتلين من أبناء قبائل شبوة، وذلك لملاحقة عناصر «القاعدة»، غير أنه وبعد مرور عدة أشهر على تشكيل هذه القوات، لم يعلن، حتى اليوم، أنها قامت بأية عملية ملاحقة حقيقية.
ويقول المواطنون في شبوة، إن هذه الميليشيات قامت بعملية نزول ميداني إلى بعض المناطق للبحث عن مطلوبين من «القاعدة» ولعدة ساعات فقط، ويسخر عضو المجلس المحلية (البلدي)، علي عبد الله عبد السلام (الملا زبارة) من تلك العملية ويقول إن «كور العوالق» من الصعب تفتيشه في سنوات، فما بالنا بساعات معدودة.
ويضيف لـ «الشرق الأوسط» أن إنشاء تلك «الصحوات» كان فقط لمجرد «الحصول على الأموال من قبل الرئيس علي عبد الله صالح الذي نحن متأكدون أنه ضد (القاعدة)، لكن من هم تحته، هم من يلعبون بالبلاد» على حد قوله. وينفي زبارة أن تكون قبائل العوالق توفر الحماية للمطلوبين من عناصر «القاعدة»، ويقول: «لا أحد يحميهم، والدولة لم تأت لملاحقتهم، وإذا أنزلت قوات إلى المنطقة فلن يمنعها المواطنون»، لكنه يردف أن عدم تنفيذ الدولة لأية مشاريع في تلك المناطق، جعل المواطنين «غير متعاونين».
أما الشيخ لحمر لسود، أحد أبرز الشخصيات الاجتماعية في «كور العوالق» فلا يقر من حيث المبدأ بوجود «صحوات» على أرض الواقع، حيث يقول إنه «لا توجد صحوات أو تنسيق بين السلطة والقبائل»، ويصف ذلك الكيان بـ «المسرحية المزيفة من قبل بعض الأشخاص وانتهت في وقتها»، وحاولت «الشرق الأوسط» مرارا وتكرارا التواصل مع عارف الزوكا، عضو الأمانة العامة (المكتب السياسي) لحزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، وأحد أبناء المنطقة والمسؤول عن ملف «الصحوات» لمعرفة وجهة نظره بشأن ما يطرح بخصوص الكيان الذي أسسه، لكن دون جدوى.
ويتفق الشيخ لحمر مع طرح الملا زبارة بشأن عدم حماية القبائل لعناصر «القاعدة» المطلوبين ويعتبر ذلك «كلاما مستحيلا»، ويعتقد أن من يطرح هذا الكلام - أي لوم الآخرين، هو من «فشل في تحمل المسؤولية وبالتالي يلقي اللوم على القبائل»، ويضيف الشيخ لحمر لسود لـ «الشرق الأوسط»: «نحن تعودنا النظام والقانون في شبوة وباقي محافظات الجنوب، ولسنا من حماة (القاعدة) وليس مرحبا بها، والناس يعتقدون أن (القاعدة) جزء من الدولة وتحرك بالريموت»، ثم ينفي وجود أنور العولقي بقوله إن هذا «كلام عار عن الصحة، ونتمنى أن تنزل أي قوة عسكرية إلى المنطقة ولن نقف ضدها».
ويرى الصحافي المتخصص في شؤون تنظيم القاعدة في اليمن، محمد الأحمدي، أن إنشاء ميليشيات قبلية مسلحة لمواجهة عناصر «القاعدة» في محافظة شبوة جنوب شرقي البلاد، يأتي «في سياق سياسات معالجة مشكلات قائمة بمشكلات أخرى ناشئة، الأمر الذي يزيد الأمور تعقيدا في كثير من الأحيان.
ويعتبر الأحمدي في تصريحات لـ «الشرق الأوسط» ما سماها «صحوات اليمن»، بأنها «محاولة لنقل التجربة العراقية، غير أنها من وجهة نظري، محاولة فاشلة، لأن الظروف والطبيعة والجغرافيا تختلف تماما، على سبيل المثال، القبائل التي حاربت (القاعدة) في العراق كانت يوما ما جزءا من حركة التمرد نفسها، وهو ما أتاح لها فرصة الحصول على تفاصيل دقيقة عن قيادات وعناصر (القاعدة) وتحركاتها، وبالتالي سهولة استهدافها فيما بعد، في الوقت ذاته تدرك القبائل اليمنية أن صحوات العراق ظلت هدفا لعمليات الانتقام والتصفية طيلة السنوات الأخيرة، وبالتالي لا يبدو أن قبائل شبوة أو غيرها ستكون مستعدة للدخول في حرب مفتوحة مع عناصر (القاعدة) الذين ينتمي بعضهم إلى هذه القبائل نفسها».
ويؤكد الأحمدي أن الحكومة اليمنية «قد تنجح في استمالة المئات من أبناء القبائل لمساندتها ضد عناصر (القاعدة)»، غير أن ذلك «لن يضمن لها إمكانية اجتثاث التنظيم من هذه المناطق، إذ يمكن أن تستفيد هذه القبائل بشكل أمثل من الدعم الحكومي والامتيازات التي ستحصل عليها، في الوقت الذي تتفق مع عناصر (القاعدة) على أمور معينة، من قبيل إخلاء المسلحين لمواقعهم من تلك المناطق وعدم الظهور المباشر».
ويمكن لمن يحقق في قضية وجود «القاعدة» من عدمه في شبوة، أن يخرج باستنتاجات ووقائع تقوم على أساس أن «القاعدة» موجودة فعلا هناك، لكن ثمة أمر غريب ومبهم وغير واضحة أسبابه، وهو إنكار القبائل لوجود العناصر المطلوبة وهي في الأصل موجودة وأيضا تحميل رجال القبائل مسؤولية وجود «القاعدة» من حيث المبدأ للحكومة اليمنية، ولعل هذا يرتبط بالصراع السياسي الدائر في جنوب اليمن وهذا ما سيتم التطرق إليه في حلقات مقبلة.
 
 
مناطق الاضطرابات في جنوب اليمن:   جعار.. «إمارة إسلامية» في قلب اليمن الحلقة (3)
«الشرق الأوسط» في قلب الأحداث بمناطق الجنوب

 

جنوب اليمن: عرفات مدابش
عندما تذكر محافظة أبين في جنوب اليمن، هذه الأيام، يرتبط اسمها، بصورة مباشرة، بالأحداث الأمنية المتواصلة منذ عدة أشهر في عدة محافظات جنوبية، لكنها في أبين بصورة أكبر، منها اغتيالات متواصلة لعدد غير قليل من ضباط وأفراد فرع جهاز الأمن السياسي (المخابرات) بالمحافظة، وكذا أفراد شرطة النجدة وجنود الأمن العام، هذا عوضا عن الهجمات المتكررة على بعض مقررات الأجهزة الأمنية والمخابراتية في المحافظة.
وفي مدينة زنجبار يلحظ الزائر مدى الإجراءات الأمنية المشددة في مداخل ومخارج المدينة وكذا الوجود الأمني المكثف في بعض الجولات والتقاطعات المرورية، غير أن التشديد الأمني الأبرز المتمثل في كثافة الوجود الأمني والحواجز الخرسانية، يقع أمام مبنى جهاز الأمن السياسي الواقع في الشارع الرئيسي في المدينة والذي تعرض لهجوم عنيف من قبل مسلحي «القاعدة» في يوليو (تموز) الماضي، وهو الهجوم الذي كان مزدوجا واستهدف، في الوقت ذاته، مبنى الأمن العام بالمحافظة والمجاور لمبنى المخابرات، ويروي شاهد عيان لـ «الشرق الأوسط» المشهد ذلك اليوم بالقول إن المسلحين قدموا يستقلون سيارة و«ميكروباصا» وهم ملثمون ويرتدون ملابس سوداء مشابهة لملابس «النينجا» ويرددون هتافات التهليل والتكبير، قبل أن ينسحبوا بكل بساطة من ساحة المعركة دون أن تعترضهم أية قوة أمنية.
لقد قتل منذ يونيو (حزيران) الماضي وحتى اليوم في أبين، عدد غير قليل من منتسبي جهاز الأمن السياسي والأجهزة الأمنية الأخرى، وقد تنوعت الحوادث الأمنية، بين تفجير سيارات وعبوات ناسفة وهجمات على مواقع أمنية وعمليات قتل مباشرة في وضح النهار وفي أوقات مختلفة أخرى.
وتعد الدراجات النارية التي تسمى في اليمن (موتور) أو (موتورات) هي أحد أساليب تنفيذ تلك العمليات التي نشرت الرعب في هذه المحافظة التي ينتمي إليها عدد من القادة السياسيين والعسكريين في البلاد، منهم نائب الرئيس اليمني الحالي، الفريق عبد ربه منصور هادي، ووزير الدفاع اللواء الركن محمد ناصر أحمد وغيرهم من القيادات المشاركة في السلطة، وقبلها قيادات ذات بصمات مهمة وفاعلة في التاريخ المعاصر في اليمن، كالرئيس علي ناصر محمد الذي حكم جنوب اليمن منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي وحتى عام 1986، وغيره الكثير ممن ارتبطت أسماؤهم بمسيرة الحياة السياسية في اليمن.
وقد عمدت أجهزة الأمن اليمنية إلى منع الدراجات النارية من العمل في مدينة زنجبار عاصمة المحافظة، بعد أن ازدادت الحوادث الأمنية التي تستخدم فيها تلك الدراجات التي باتت أدوات متحركة للموت، أكثر منها وسيلة مواصلات يستخدمها المواطنون الفقراء الذين لا يستطيعون دفع أجرة «التاكسي» للتنقل، مع أن مدينة زنجبار لا تحظى، في الأصل، بخدمة «التاكسي» المتعارف عليها، وإنما هناك سيارات تحمل لوحات معدنية «خصوصي»، تقوم بمهمة «التاكسي - الأجرة».
ورغم أن السلطات المختصة قامت بترقيم الدراجات النارية وإلزامها بوضع لوحات معدنية، فإنه لم يسمح لأصحاب تلك الدراجات بالعمل بصورة رسمية، وهذا ما دفع ملاك الدراجات إلى تنفيذ سلسلة احتجاجات، معظمها جرى قمعه، لكن رغم ذلك يقوم عدد من سائقي الدراجات النارية بالعمل بصورة غير رسمية وخفية وفي ظل ملاحقات أمنية داخل زنجبار، والمبرر الدائم والأساسي أن أجهزة الأمن طبقت مبدأ «الحسنة تخص والسيئة تعم» المعمول به في اليمن، بمعنى أنهم يقولون بعدم تحميلهم ذنب أو وزر الآخرين الذين يستخدمون وسيلة المواصلات هذه، الرخيصة والسريعة في تنفيذ أعمال شريرة.
وعند زيارة «الشرق الأوسط» لمحافظة أبين وجدت أن المنع الرسمي للدراجات النارية يطبق في زنجبار فقط، لكن في مدينة جعار التي تعد ثاني مدن المحافظة والمدينة الأولى التي يوجد فيها المسلحون الإسلاميون، تسير هذه الدراجات بحرية تامة، ومع ذلك يحتال أصحاب الدراجات، في زنجبار، على السلطات ويعملون في المناطق الشعبية ويقومون بإيصال (الركاب - الزبائن) إلى المناطق التي يريدون، دون أن يضطروا إلى السير في الشوارع العامة، وبحسب بعض السكان المحليين فإن أجهزة الأمن في زنجبار وتحديدا جهاز المخابرات، ما زال يحتفظ بآلاف الدراجات النارية ويرفض الإفراج عنها، وهي الخطوة - الإجراء الذي يعده ذوو الشأن «إجراء تعسفيا» بحقهم، يؤدي إلى «حرمان آلاف الأسر الفقيرة والمعدمة من مصدر دخل مهم».
ولا يعرف، تحديدا، الجهة أو الجماعة التي تنفذ عمليات الاغتيالات والهجمات على النقاط والمراكز الأمنية في محافظة أبين، فمن المعروف أن هذه المحافظة تحتضن ومنذ سنوات طويلة جماعات جهادية ناصبت العداء للحزب الاشتراكي اليمني منذ ما بعد الوحدة اليمنية 1990 وحتى الحرب الأهلية عام 1994 والتي أسهمت فيها بفاعلية ضده، غير أن الواقع الجديد في أبين يشير إلى تداخل ما هو «جهادي» بما هو «قاعدي».
وخلال الأشهر القليلة الماضية أريقت وسفكت دماء الكثير من العسكريين من قبل مسلحي «القاعدة» المفترضين في عدة مدن بمحافظة أبين. وفي الأول من شهر شوال الماضي صدر عن «القاعدة» بيان واحتوى على 54 اسما لضباط وجنود في جهاز الأمن السياسي والمباحث الجنائية والاستخبارات العسكرية وحدد هذه الأسماء كأهداف للقتل والاغتيالات إن لم يعلنوا التوبة أمام الناس في جامع مدينة زنجبار عن تعاونهم مع النظام، وقد انقض الموعد الذي كان حدد بوقت صلاة الجمعة من نفس اليوم وهو يوم عيد الفطر المبارك.
ويؤكد شهود عيان أن المسلحين يقومون، أحيانا، بالتجوال بحرية كاملة في بعض المناطق بأبين وبالأخص في مدينة جعار التي تعد من أهم معاقل وجود هذه الجماعات، إلى جانب لودر ومودية، وفي جعار لم يقتصر نشاطهم الدعوي أو العسكري على استهداف قوات الأمن والمخابرات، بل طال شرائح اجتماعية أخرى، فضمن الروايات التي يوردها السكان أن المسلحين الملتحين في المدينة قاموا بإعدام عدد من الشباب «الشواذ» بمبررات وفتاوى أن قتلهم «حلال»، وإلى وقت قصير، كانوا يقومون بتطبيق الحد على المواطنين الذي يحتسون الكحول ويعاقبون المومسات، رغم أن الشذوذ الجنسي أو ممارسة الدعارة ليست عملا معلنا سواء في محافظة أبين أو غيرها من المحافظات اليمنية ويتقاطع مع معتقدات اليمنيين الدينية والاجتماعية والأخلاقية والقبلية، وقبل أن تتحول المواجهة بين هذه الجماعات والأجهزة الأمنية، كانوا يبسطون شبه سيطرة كاملة على جعار التي شبهها البعض بـ «الإمارة الإسلامية»، أو قندهار اليمن.
وحول حوادث الاغتيالات التي يتعرض لها ضباط ومنتسبو الأمن السياسي في محافظة أبين، يقول العقيد أحمد علي متريس، نائب مدير جهاز الأمن السياسي بالمحافظة، الذي تعرض مؤخرا لمحاولة اغتيال عبر عبوة ناسفة زرعت في طريق سيارته أثناء خروجه من منزله في زنجبار، إن تنظيم القاعدة هو من يقف وراء محاولة اغتياله وإنهم في جهاز المخابرات في «شد وجذب» مع «القاعدة» «نستهدفهم ويستهدفوننا». ويؤكد متريس أن عناصر «القاعدة» لا يوجدون بشكل علني وإنما يأتون إلى المدن في أوقات متفاوتة «ولو كانوا يوجدون بشكل علني لكنا قد انتهينا منهم». ويقول المسؤول الأمني البارز لـ «الشرق الأوسط» إن منتسبي «القاعدة» في أبين «بعضهم من أبناء المحافظة والبعض الآخر من خارجها، لكننا لا نستطيع أن نحدد أسماء بالضبط».
ويرجع العقيد متريس استهداف هذه العناصر لضباط ومنتسبي الأمن السياسي إلى أنهم «يشعرون أنه هو الجهة التي تتابعهم وترصد تحركاتهم»، ويردف: «لا أعتقد أن نشاطهم هذا ترضى عنه (القاعدة) في إطارها القيادي الأعلى»، ويقول عنهم إنهم «أدنى من فكر (القاعدة) الحقيقي، وهي عناصر لا تعرف معنى الجهاد أو (القاعدة)»، ثم يرجع أسباب التحاق هؤلاء الشباب بهذا النشاط إلى أسباب مادية للبعض و«ذاتية وشخصية» للبعض الآخر و«عقدة نقص» لدى عدد آخر منهم.
وردا على سؤال لـ «الشرق الأوسط» حول شعوره وهو مستهدف ومعرض للقتل في أية لحظة، يقول العقيد متريس: «أنا أعرف أني مستهدف وأتوقع الاعتداء في أية لحظة واتخذت كافة الاحتياطات»، ثم يؤكد «لو كانت مواجهة مباشرة لعرفوا من أنا ومن هم؟. لكنهم لا يواجهون وأسلوبهم عدم المواجهة»، وحول مستقبل الصراع مع «القاعدة» أكد أنه مستمر «كل واحد من جانبه والقوي هو الذي سيتغلب في الأخير».
قائمة المستهدفين بالاغتيالات في محافظة أبين
* الأمن السياسي 1- أحمد علي متريس 2- صلاح الدين الأبي 3- محمد عبيد سليمان 4- أحمد علي صالح 5- أحمد النوبي 6- سالم جبران 7- عوض الحكم 8- ناصر الصوملي 9- أحمد حسن الجبلي 10- أحمد سعيد شنيع 11- عبد العليم العبد صالح 12- عوض باحبيب 13- عوض الهندي 14- صالح مصلح 15- صالح عبد المحويتي 16- التركي 17- صالح كريم 18- فهمي عفاس 19- فضل كريم 20- محمد علي صمغة 21- سالم القسمة 22- علي محمد البدوي 23- محمد الريامسي 24- أحمد علي الحالمي 25- علوي أحمد علوي 26- عبد الله الحمزي 27- عوض أحمد قروعة 28- مقصم 29- علي المخدومي 30- محمد عبد العزيز البحث الجنائي 1- حكيم عزب 2- طلعت 3- صالح سنان 4- أنور صمع 5- ياسر العوسجي 6- غازي السماوي 7- حافظ الشحيري 8- نايف الذيب 9- أستالين 10- عبد الله متريس 11- النعمي 12- رستم الهندي 13- أحمد عبد 14- البيتي 15- عبد الرقيب دوفان الاستخبارات العسكرية 1- جغمان الجنيدي 2- باسعد 3- نزار عمير 4- نبيل الباهري 5- عدنان كدش 6- عباد جوبان 7- علي الأحول 8- علي البابور 9- تيسير
 
 
مناطق الاضطرابات في جنوب اليمن الحلقة(4): لودر.. مدينة في قلب العنف
«الشرق الأوسط» في المدينة التي شهدت المواجهات بين «القاعدة» وقوات الأمن

 

جنوب اليمن: عرفات مدابش
ضمن الأحداث المضطربة في جنوب اليمن، إلى جانب الانتشار المفترض لتنظيم «القاعدة» وملاحقة أبرز المطلوبين، وكذا حوادث الاغتيالات والقتل التي يتعرض لها ضباط المخابرات ورجال الأمن، دارت مواجهات عنيفة ومباشرة مع قوات الجيش والأمن في مديرية لودر وجارتها مودية في محافظة أبين؛ ففي الأولى دارت حلقات مسلسل العنف في أغسطس (آب) الماضي وما زالت مستمرة حتى اللحظة بصورة أقل عنفا، بعد أسبوع دام، في البداية. وفي الثانية شهد أكتوبر (تشرين الأول) سيلا من الدماء، وأصابع الاتهام الحكومية تشير إلى «القاعدة» وهي في جنوب اليمن تحل مفعولا بها ومصروفة لا متصرفة بشؤونها، بحسب شهادات توردها «الشرق الأوسط» التي زارت مديرية لودر.
لقد وصلنا إلى لودر فجرا بعد رحلة سفر طويلة وعندما بدأت خيوط النهار الأولى تظهر، جلنا في المدينة إلى ما قبل الظهر، فمدينة لودر مثلها مثل كثير من مدن الريف اليمني، ينام ويصحوا السكان فيها وفي القرى المحيطة بها، باكرا، وينصرفون من الأسواق باكرا، أيضا، وعندما يسمع الصحافي باسم منطقة ما ويتعامل مع الأحداث الجارية فيها، عن بُعد، يكتشف جهله وقلة معرفته على العكس من أن يكون في الميدان ويطلع عن كثب على حياة الناس والمدينة الساكنة، قبل أن يطلق أذان الفجر صافرة الانطلاق ليوم جديد. وقد رصدت كاميرا «الشرق الأوسط» جانبا من الحياة في لودر ومما تبقى من أطلال، مما خلفته مواجهات أغسطس (آب) الماضي في هذه المدينة التي تحولت، آنذاك، إلى مدينة أشباح بعد أن هجرها أكثر من ثلثي سكانها (قرابة 80 ألف نسمة) جراء المواجهات والقصف المدفعي والجوي، قبل أن يعودوا مؤخرا.
في الساعات الأولى لما قبل ضوء النهار لا تختلف المدينة الريفية ذات الانتشار والتوسع العمراني الأفقي، عن أي مدينة أخرى بسكونها وهدوئها، لكن مع بدء خيوط النهار، يدب الناس وينتشرون في أسواقها، يتسوقون، ويبيعون ما لا يحتاجون إليه، لعوائده المالية، ويشترون ما يحتاجون إليه، واللافت للنظر هنا، هو أن تجارة المواشي رائجة بصورة تختلف كثيرا عن كثير من المناطق اليمنية في شمال وجنوب البلاد، فللوهلة الأولى يعتقد الزائر للمدينة أنها تشهد اليوم الأسبوعي، يوم «الوعد» أو يوم التسوق الأسبوعي، لكنه يكتشف أن الزحام وتنوع ما يعرض في الأسواق، هو عادة يومية وليست أسبوعية.
وعندما تتجول في لودر التي تبعد عن مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين بنحو 80 (كيلومترا) ونحو ساعة ونصف الساعة بالسيارة في الطريق الإسفلتي في مناطق جبلية، تشاهد آثار الدمار الذي خلفته المواجهات بين عناصر «القاعدة» والقوات الحكومية وكذا آثار القصف الذي طال البيوت والشجر والحجر في المدينة، فهي شواهد على مواجهات عنيفة، ما زالت مستمرة بصور شتى حتى اليوم.
وفي وسط سوق السلاح بالمدينة، وهي سوق متواضعة مقارنة بأسواق السلاح الأخرى المنتشرة في اليمن، على الأقل من المشاهدة الأولى والسريعة، يوجد كثير من الأشخاص ورموز البلدة، وتباع هنا أسلحة متنوعة، غير أن ما يلفت الانتباه هو تلك المسدسات ذات الحجم العريض التي تشبه تلك التي تستخدم في أفلام «الخيال العلمي» أو في أفلام الأطفال (الكارتون)، ويتضح في النهاية أنها مسدسات صينية الصنع، ويرجع بعض المتابعين للشأن المحلي اليمني انتشار السلاح الصيني إلى رخص ثمنه، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار قطع السلاح الروسية والأميركية، وهما النوعان الوحيدان اللذان يحظيان بثقة المواطن اليمني، أينما وجد، وبدرجة رئيسية السلاح المصنع في روسيا، فذاكرة شعب جنوب اليمن، ما زالت تؤمن، بل وتحن أحيانا، إلى الماضي الاشتراكي، عندما كان الاتحاد السوفياتي حليفا استراتيجيا للنظام الحاكم في عدن، وتعود أسباب ارتفاع أسعار السلاح إلى مرحلة الحرب على الإرهاب في اليمن الجارية حاليا.
وفي لودر، كغيرها من المدن المضطربة وغير المضطربة في جنوب اليمن وشماله، لا يمكنك الاقتراب من أي مرفق حكومي أمني أو عسكري، لكن هناك أوساط حرصت «الشرق الأوسط» على أن تتيح لها الفرصة لتعبر عن معتقداتها أو وجهات نظرها، كنوع من الابتعاد، المؤقت، عن أحاديث الساسة والاهتمام برجل الشارع الأقرب إلى المصداقية من مراوغة السياسي، وهنا نص حوار صحافي مع رجل الدين الأمين الشرعي لمديرية لودر، الشيخ محمد عبد الله باهرمز، أجرته «الشرق الأوسط» معه داخل مكتبه الشرعي وسط لودر، أثناء اكتظاظ المكان البسيط والمتواضع بجمع غفير من أصحاب القضايا الشرعية.
* من الذي ينفذ العمليات في الجنوب بحق رجال الأمن وغيرهم؛ «القاعدة»، أم الحراك، أم جماعات أخرى؟ وماذا عن مطالب الناس؟
- نرحب أولا بـ«الشرق الأوسط» في لودر الجريحة والباسلة في هذا الوقت مما حدث ويحدث. وبالنسبة لموضوع «القاعدة» فهو كبير وعالمي حسب ما تصوره وسائل الإعلام، لكن بالنسبة لنا في اليمن فمعروف أن «القاعدة» هي شيء مصطنع من قبل السلطة، والكبير والصغير أصبح يعلم أن موضوع «القاعدة» أصبح شماعة يعلق عليها كل ما يدور الآن.
* أنا موجود الآن في الميدان وأبحث عن الحقيقة.. هل توجد «قاعدة» في لودر؟
- «القاعدة» موجودة كاسم، وهي مصطنعة، وأنت الآن في لودر، اخرج ستجدهم يجوبون الشوارع، ليسوا في الجبال أو في أماكن مختفية والصغير والكبير هنا يعرفهم، والمصيبة أن هناك من ينجر وراءهم.. من يصدقون أنهم مجاهدون، والبعض عندما رأى أن هؤلاء يكرمون عندما يرتكبون الجرائم بدلا من أن تحاسبهم الدولة، انصرفوا عنهم. «القاعدة» كما قلت موجودة في أنحاء العالم، لكن ما لدينا شيء، ماذا أقول لك؟ شيء غير متوقع وغير معقول جعلنا في دوامة.. ماذا يحدث؟ وإذا كانت هناك «قاعدة» وهناك دولة فمصيرهم الهلاك، والزوال، والقتل.
* هل أفهم من كلامك أن «القاعدة» موجودة هنا ولكن الدولة لا تلاحقهم أو أنها عاجزة عن ذلك؟
- لا، الدولة ليست عاجزة، هذه دولة، والمثل الشعبي يقول: «لا تأمن الدولة ولو كانت رمادا»، وأكبر دليل على أن الدولة موجودة وقوية وأنها لو نوت (عقدت النية) فسوف تنهي الكبير والصغير، «خليجي 20» ويجب أن تفهم هذه النقطة، وأن الحراك الجنوبي كان يراهن أنه لن يقام في اليمن بسبب الأوضاع الأمنية، وخوفوا البشر، ولكن لأن الدولة موجودة وتريد أن يقام، أقيم «خليجي 20»، والأمن وجد، والناس انبهرت بالذي حصل، لذلك أقول إن الدولة موجودة وما تريده سوف تقوم به.. تريد أن توجد الأمن والأمان ستوجده.. تريد أن تجعل الدنيا زمبلة (تطنيش)، سوف تجعلها كذلك، لكن الدولة لها سياستها، والله أعلم بماذا تفكر.
* من وجهة نظرك، كرجل دين، ما الحل لما هو قائم في أكثر من منطقة من اغتيالات وغيرها؟
- الحل أن يعاقب المسيء، والإنسان المحسن؛ لا نقول أن يكرم، لا، فقط يتركوه وشأنه، أصبح الصادقون والوحدويون والأوفياء لوطنهم وبلدهم في سلة المهملات، أصبحت الدولة تنظر إلى الخارجين على القانون والمتقطعين والقتلة والبلاطجة الذين يلعنون (....) ويسبوا الدولة، تقوم بمهاوزتهم (تستميلهم)، تقول لهم تعالوا وما مشكلاتكم وحلوا مشكلاتكم وأعطوهم الكثير، والآن إذا أراد أي شخص أن يحصل على وظيفة أو على حقوقه يجب عليه أن ينصب نقطة مسلحة في الطريق العام، أو أن يختطف سائحا لإطلاق سراح سجين، وما يحدث في اليمن لا يحدث في أي دولة في العالم، وباختصار إذا أرادت الدولة الحلول فسوف تقدمها، فالمشكلة والحل بيدها، يفترض أننا في يمن الخير والأمان، ونحن في بلد إذا وجدت فيه سلطة صادقة تخاف الله، فأقسم بالله أننا سنعيش أفضل من دول الخليج، فلدينا خيرات وثروات في جميع المجالات، ولدينا ثروة بشرية ونفطية وحيوانية، لدينا كل شيء، ولكن من خرب البلاد؟ هم الفاسدون.
* أنتم شخصيا كوجاهة دينية واجتماعية في لودر وأبين عموما، لماذا لا تتدخلون لوضع حد لما يجري؟
- إيش (ماذا) نعمل؟ إيش تبانا (تريدنا) أن نعمل؟ رد علي وأنت السائل..
* أنا كصحافي أسأل وأنتظر الإجابة؟
- نحن عقدنا اجتماعات ولقاءات، وهؤلاء الناس («القاعدة») نحن نعرفهم وكذاب (...) من يقول إنه لا يعرفهم.
* ألا يوجد غرباء أو دخلاء من خارج لودر؟
- نعم هناك غرباء في المنطقة، خاصة عندما تقع المصائب يأتي أناس من مأرب وشبوة، من جميع المناطق.
* هل هناك أجانب؟
- البعض يقول إن هناك أجانب، سعوديين وإيرانيين وغيرهم، وكل شخص يقول كلام مختلف، لكني لم أر أحدا من هؤلاء، وكما قلت لك، فإن السلطة تحاول أن تلعب بهؤلاء كورقة مع الخارج، ونحن نعتقد أن السلطة تستخدم «القاعدة» كورقة ضغط على أميركا، وبالأخص إذا رأت أن الولايات المتحدة مالت أو استجابت لمطالب «الحراك» والناس، تفتح لها موضوع «القاعدة»، فهي تحركها بالريموت، فـ«القاعدة» التي لدينا في اليمن تختلف عن «القاعدة» في العالم أجمع، وللعلم، فإن الأعضاء الجدد الذين انضموا إلى «القاعدة»، لم يقدموا على ذلك إلا عندما وجدوا أن عناصر «القاعدة» لم يتعرضوا لأي شيء، وأرجوا أن لا تعتقد أن الحراك الجنوبي وجد من تلقاء نفسه، هناك في الدولة من يدعمه لأنه عندما بدأ كان أنصاره قليلين على عكس الوقت الراهن، والدولة لديها مصلحة من بقاء «الحراك». وأريد أن أقول شيئا وأريدك أن تنقله بأمانة وبالحرف الواحد وهو أن: هناك أناسا متعاطفين مع الحراك، لأن هناك أناسا تضرروا وفقدوا مصالحهم (بعد الحرب الأهلية صيف 1994)، ولهذا، فإن الإنسان عندما يفقد مصالحه، يصبح كالأعمى يحاول أن يمسك بأي شيء.
* أحد قيادات الحزب الاشتراكي اليمني كتب مقالا قبل أكثر من عامين يقول ردا على الخطاب الرسمي.. «نعم فقدنا مصالحنا»..
- نعم فقدوا مصالحهم، ولكن أريدك أن تكتب نقلا عني عنوانا هو أن: «الحراك» تلقى الضربة القاضية بإقامة «خليجي 20»، لأننا كنا نتوقع حدوث أشياء كثيرة إبان البطولة بعد أن عشنا في خوف، وأنا بصراحة أنقل العزاء لأصحاب «الحراك» وأقول: كان الله في عونكم. إذا كانت لديهم مطالب حقيقية فعليهم التقدم بها، أما «الحراك» فقد انتهى، والسلطة ستقمع بقوة لأنه كانت لديها حساباتها مع البطولة وقبلها، يا أخي نحن كنا في الجنوب (قبل الوحدة 22 مايو/ أيار 1990) لدينا قتل وسحل، لكني أذكر وعمري 12 سنة، وهذه نقطة مهمة سجلها، وكنا في هذه المدينة (لودر)، نقف في طابور من أجل الحصول على مادة الغاز، لأن كل شيء كان يصرف لنا في الطابور، وجاء أحد الأشخاص بسيارته ونزل منها ووقف خلفي في الطابور ومعه أنبوبتي غاز، ثم جاء أحد عناصر أمن الدولة (المخابرات السابقة في الجنوب) ودار حول السيارة فوجد بها جزمات وشوينجم (علكة)، وأقسم بالله أنه أخرج السلة (الكيس) الذي يحتوي على الجزمات والعلكة وسأل عن صاحب السيارة الذي صمت ولم يستطع أن يقول إنها سيارته لأن ما كان بداخلها كان يعتبر مهربات (النظام كان اشتراكيا)، وأخذ العنصر المخابراتي السيارة وصاحبها يشاهد ذلك وعندما حاولت أن أقول إن صاحبها يقف خلفي، خبطني (ضربني) في رأسي كي أسكت وبعدما ذهب الضابط بالسيارة، سألوه الناس عن سكوته وسيارته فقال: «سلامة الرأس فائدة». لكن اليوم أتونا أناس ادعوا ملكية السماء والأرض والجبال.. والدولة تتفرج.
 
مناطق الاضطرابات في جنوب اليمن الحلقة (5): «الشرق الأوسط» ترصد آراء مواطنين ورجال دين في أبين
شيخ قبلي يدعو إلى الحوار * حراكي يقول: هضم الشماليون حقوقنا * رجل دين: الحل في استعادة دولتنا

 

جنوب اليمن: عرفات مدابش
يلحظ الزائر لجنوب اليمن حالة غليان شعبي وتذمر من نظام الحكم وأسلوب إدارته للبلاد، فالناس هنا يترحمون على النظام السابق للحزب الاشتراكي رغم كل سوءاته، كما يقولون، لأنه كان يوفر لهم ميزات كثيرة كالأمن والنظام والقانون رغم الفقر الشديد. ويبقى موضوع الأمن والأمان و«القاعدة» والحراك الجنوبي من أهم القضايا المتداولة لدى الجميع.
وفي مدينة لودر بمحافظة أبين التقت «الشرق الأوسط» في سوق السلاح بالشيخ حسين مبارك الماسي، شيخ مشايخ الهبل ونواحيها، حسبما يقدم نفسه، الذي تحدث عن الحراك الجنوبي بالقول إن بعضهم «لهم مطالب حقيقية وبعضهم الآخر خرجوا على الواقع بطريقة الدعوة إلى الانفصال»، ويؤكد أن المطالب الحقيقية هي «العدالة والمساواة»، لكنه ينتقد في الوقت ذاته، وبشدة، مطالب الانفصال وبعض الكلمات التي يرددها الحراكيون كوصفهم للنظام بـ «الاستعمار»، وأيضا جملة «ثورة ثورة يا جنوب».
ثم يقول الشيخ الماسي لـ«الشرق الأوسط»: «أنا لست سياسيا ولكن كشيخ قبيلة كبيرة، أعتقد أن هناك أخطاء من قبل بعض المرافق، ولكن لا أعتقد بوجود أي شيء حول الأخ الرئيس علي عبد الله صالح، ولكن القادة الصغار، يمكن الغلط من قبلهم»، ويعتقد هذا الرجل البدوي أن المعالجات هي «في المقام الأول، تبدأ بالحوار، وأعتقد أن الحل يبدأ بالحوار ومعالجة القضايا وأن الوحدة لا كلام بشأنها».
وفي عين المكان نفسه تحدث إلينا ناصر محسن، أحد قادة الحراك الميدانيين في لودر، الذي قال إن الحراك وجد لأن «هناك مشكلات في اليمن، والوحدة أصبحت وحدة ضم وإلحاق، ولا يوجد بها الأمل الذي كان يرجوه أبناء الجنوب، ولهذا وجد الحراك الذي يناضل من أجل حل مشكلته وبحيث يعترف بها كل العالم»، وينفي محسن أي علاقة للحراك بالاغتيالات التي تجري في بعض المناطق الجنوبية، ومنها محافظة أبين، ويقول إن «الحراك لا يمكن أن يقوم بهذه الأفعال الإجرامية، فعمله ونشاطه سلمي وطوعي وسيناضل حتى ينال حقوقه بطرق سلمية بعيدا عن العنف»، ويشير إلى أنهم لا يعرفون من يقوم بالعنف «يقولون (القاعدة) ولكننا لا نعرفها، وهذا كلام شارع».
ويرد على سؤال حول جذر المشكلة في الجنوب بالقول: «ناضلنا من أجل الوحدة لأكثر من عشرين عاما وتحققت، ولكن للأسف الشديد بعد أن تحققت أصبحت وحدة ضم وإلحاق، ولم يكن لأبناء الجنوب فيها أي نصيب، كانت لأبناء الشمال، ولهذا أبناء الجنوب وصلوا إلى طريق مسدود بسبب عدم الاهتمام بهم ومعاملتهم معاملة سيئة، أخرجوا من الأعمال والوظائف وسرحونا من القوات المسلحة وأيضا من الوظائف المدنية وأصبح أبناء الجنوب في الشارع وظلموا من السلطة، نهبت الأراضي وغيرها وحتى البحر ردموه»، ثم يعلق على سؤال آخر حول وجود الجنوبيين في رأس السلطة كنائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، بالقول: «عبد ربه منصور هادي لا نقول أي شيء في حقه، ولكنه لم يفعل أي شيء لأبناء الجنوب ولا بيده أي شيء، مسكين والله، نحن نحترمه ولكنه من موقعه الذي هو فيه لم يستطع أن يعمل لأبناء الجنوب أي شيء».
ومن خلال لقاءات قصيرة وموجزة مع شرائح اجتماعية مختلفة، تحاول «الشرق الأوسط» تلمس الواقع في جنوب اليمن والاضطراب الذي يعيش فيه، وهذا حديث مع عوض علي، الأمين العام للمجلس المحلي (البلدي) لمديرية لودر:
* ما مدى وجود «القاعدة» في أبين ولورد تحديدا؟
- حل مشكلة «القاعدة» يكمن في متابعة كل من يخرج على النظام والقانون سواء كان من «القاعدة» أو غير «القاعدة» أو حتى من أي اتجاه كان.
* هل من ينفذ العمليات المسلحة «قاعدة» أم حراك؟
- ما أريد أن أقوله لك أن السلطة المحلية تنظر إلى لودر ليس من منظار أو اتجاه واحد، بل بما يخدم أمن لودر ومصلحتها وهذا هو مقياسنا ومعيارنا الأول وأي قول لا يخدم هذا الاتجاه نتحفظ عليه.
* أنا أسأل عن وجود «القاعدة» في لودر؟
- هل يُسأل المشلول عن الصحة؟ هل يشعر بالألم؟
* ما هو الألم وما هي الصحة التي تقصد؟
- المجلس المحلي مشلول من صلاحياته الثانوية، ونحن لا نتمتع بتنفيذ الصلاحيات القانونية الممنوحة لنا، لكن فيما يتعلق بتنظيم القاعدة أو غيره كالحراك أو ما يتعلق بوضع الدولة في لودر، فنحن مع عملية متكاملة تخدم أمن لودر.
* ما مدى خطورة «القاعدة» لديكم؟
- أولا الأمين العام للمجلس المحلي (البلدي) ليس عضوا في اللجنة الأمنية حتى يكون لديه اطلاع كامل على الأمور الأمنية في المديرية، إنما كمواطن وممثل للسلطة المحلية، يرى ما يراه العامة في هذا الجانب.
* هل أفهم من كلامك أن دورك مهمش؟
- أقول لك إن القانون نفسه لم يعط صلاحية أو ينص على أن يكون أمين عام المجلس المحلي عضوا في اللجنة الأمنية.
* طيب كيف تنظر أنت إلى مسألة معالجة وجود «القاعدة» في لودر وأبين بشكل عام؟
- قضية لودر بحاجة لوقفة في جميع الاتجاهات، والذي يهمنا هو الأمن، فكيف نحققه؟ يمكن ذلك من خلال معرفة كل الأطراف وإذا كانت لدينا الصلاحيات القانونية، لكن أمن المديرية واستقرارها وما هو مع هذا الاتجاه سنمشي معه شريطة أن لا يخرج عن المبادئ والثوابت لدى اليمنيين.
* كيف تنظر إلى الحراك؟
- بصراحة في لودر وصل إلى مستوى كبير من الوجود والنشاط، واستطاع أن يكون له تأثير في لودر لأن السلطة المحلية منزوعة الصلاحيات.
وتعد مدينة جعار، عاصمة مديرية خنفر بمحافظة أبين، من أكثر المدن بالمحافظة وجنوب اليمن عموما، التي تشهد انتشارا لمسلحين جهاديين و«قاعدة»، حسبما يطرح شعبيا بالنسبة للجهاديين ورسميا بالنسبة لموضوع «القاعدة»، وزارت «الشرق الأوسط» جعار وهي ثاني مدن المحافظة، وهناك التقت بالشيخ أنور الحاج سالم، إمام وخطيب الجامع الكبير في المدينة وأجرت معه هذا الحوار:
*ما الذي يجري في جعار؟
- جعار تعرف منذ القدم بأنها منطقة هادئة يتعايش فيها الجميع سواء من حضرموت، ومن أبين، ومن لحج، ومن شبوة وأيضا إخواننا من الشمال الذين عاشوا لدينا من قبل الوحدة، لم تكن لدينا أي مشكلات ولا يوجد أي صراع وأي إنسان عاش في جعار يعرف أنها مدينة آمنة وتتقبل الجميع، أنا والدي صبيحي، أتى في وقت من الأوقات، في الخمسينات وعشنا هنا وأنا ولدت في جعار لكن أصلي صبيحي من لحج، حتى هذه الأفكار لم تكن موجودة حتى قبل عام 1990.. أنا تربيت داخل المسجد، كان والدي إماما للمسجد منذ سنة 1979، تربيت في المسجد ولا توجد لدينا هذه الأفكار.
*ما هي هذه الأفكار؟
- تعرفون أن النظام الاشتراكي كان متشددا في الكثير من الأشياء، حتى الكتب كانت إذا دخلت، لا تدخل إلا بعد تفتيش وتذهب أولا إلى أمن الدولة (المخابرات) وبعد ذلك تعطى إليك، ولم تكن توجد لدينا الأفكار التي تدعو إلى الإرهاب وما ينشر اليوم عن جعار، اليوم أصبح اسم جعار اسما مفرغا، أنت من جعار؟ كأنها إمارة إسلامية أو قندهار لا أحد يدخلها.
لقد عشنا وتربينا داخل الجوامع والمساجد رغم أنه كانت تمارس علينا أو بحقنا الرقابة الشديدة، أنت تراقب داخل المسجد، ما هي الدروس التي تدرسها، هم في جهاز الأمن والاستخبارات، يعرفون يوميا ماذا درست، لكنهم لا يؤذونك أنت في حالك، طالما لا تتدخل في النظام. لكن بعد عام 1990 مباشرة بدأ الناس يعون وهم يحبون الدين بالفطرة وبدأت تشترى الكتب تقرأ وظهرت بعض التيارات مثل التيار السلفي، لكنهم شباب من إخواننا درسوا ويريدون دينا، والدولة قد تكون لها أغراض معينة حيث جندت بعض الأشخاص وهم معروفون وموجودون حتى اليوم في جعار، وقام هؤلاء ببعض التصرفات التي أدت إلى حدوث إطلاق نار وقصف جوي في حطاط، لكن المسؤولين عن تجميع هؤلاء الشباب لم يدخلوا السجن إطلاقا، وسجن أشخاص مساكين ولا دخل لهم ومغرر بهم، وأولئك الأشخاص ما زالوا موجودين ويستولون على مبان خاصة بالدولة ويقومون ببيعها وأحد هؤلاء باع مؤخرا مبنى التربية والتعليم وهذه الأيام يبسط يده على سجن البحرين وهو عقيد أيضا، في المخابرات، وهذا الشخص يدعي أنه زعيم تنظيم «عدن - أبين الإسلامي» وهو جالس في بيته.
* لماذا يقع القتل والاغتيالات؟
حقيقة نحن في جعار لا نعرف لماذا يتم ارتكاب أعمال القتل بحق الجنود والمواطنين وتدمير المنازل وحرق السيارات؟ ومشكلة الدولة أنها كانت تربي بعض الأشخاص لكنها مع المدى يبدو أنها فقدت السيطرة عليهم وهم أنفسهم أصبحوا فاقدين للسيطرة على الأشخاص الذين جندوهم بأنفسهم، وهذه الجماعات الموجودة في جعار ليست بالمستوى الذي يتم تصويره، بإمكان طاقم عسكري أن يجلبهم إذا وجد ضبطا وربطا، لكن الطاقم العسكري «يحتكر حق التخزينة، حق القات والماء والغذاء»، ولقد قلنا لهؤلاء الشباب إن الدولة يمكن أن تستخدمكم ثم تصبحون مثل «الكروت المحروقة»، وقد صدرت أحكام غيابية بحق البعض من هؤلاء الشباب وأنا أعتقد في قرارة نفسي أن الدولة يمكن أن تقول لهؤلاء إنه إذا أردتم أن نسقط هذه الأحكام فعليكم تصفية بعض نشطاء الحراك.
* هل هناك وجود حقيقي لتنظيم القاعدة في جعار؟
- ليس هناك أي وجود حقيقي لتنظيم القاعدة، هناك أشخاص يدعون أنهم زعماء لتنظيمات وهؤلاء موجودون وليسوا مختفين ولا يتطلب البحث عنهم وهذا لا يحتاج إلى حملات عسكرية ترعب الناس وتدمر خلالها البيوت وفي النهاية لا يتم إلقاء القبض على أي أحد، لقد أحرقوا 12 بيتا في منطقة المشروع وهم يبحثون عن شخص واحد، وهذه الأفعال قد تدفع بعض الناس إلى التحالف مع الشيطان ضد الدولة.
* هل تعتقد أن نشاط هذه الجماعات سياسي أم عقائدي؟
- أعتقد أنها كانت في البداية سياسية أصلا واستخدم هؤلاء الأشخاص سياسيا لضرب الحزب الاشتراكي مطلع تسعينات القرن الماضي ومنهم من نفذ عمليات اغتيال وظل النظام اليمني يلعب بهذه الورقة، لكن السحر انقلب على الساحر وباتوا اليوم لا يلتزمون بأوامره لأنه لم يفِ بوعوده لهم.
* يفهم من كلامك أن الحكومة باتت غير قادرة على السيطرة على هذه الجماعات؟
- لا أعتقد أنها قادرة فقد خرج الوضع عن السيطرة.
* من يقف وراء عملية الاغتيالات التي تستهدف ضباط الأمن السياسي (المخابرات)؟
- نحن لا نتهم سوى الدولة سواء كانت هي من تقف وراءها بصورة مباشرة أو أن هناك جهات أخرى، لأنها هي من يجب عليها أن تفرض الأمن والنظام في البلد، ونحن كمواطنين يجب أن تحمينا الدولة فإذا كانت غير قادرة على حماية مواطنيها فعليها أن ترحل. في رمضان الماضي قتل 12 جنديا أثناء إفطارهم ومن قاموا بقتلهم كانوا يهللون ويكبرون، فإذا كانت الدولة لا تحمي جنودها، فهل يمكن أن تحمي المواطنين؟
* ما هو الحل من وجهة نظرك؟
- لقد باتت لدينا قناعة أن الحل الوحيد هو أن نستعيد دولتنا، لدينا هنا مسؤولون إذا قام أحد المواطنين بإبلاغهم بأي جريمة يقومون بسجنه ولا يفرج عنه إلا بـ10 آلاف ريال وهي رسالة بأن لا يتكلم أي شخص إذا شاهد أي شيء، الناس يقتلون في الأسواق ولا يوجد أي رد فعل حكومي، لكن لو خرجت مظاهرة للحراك تخرج لها الأطقم والمصفحات والدبابات ويتم قمعها، وإذا كانت هذه القوة كلها لديكم، لماذا لم تأتوا لحمايتنا؟ يا أخي، المراقص في عدن تحمى ولا أحد يستطيع أن يقترب منها، ونحن في جعار تسفك دماؤنا جهارا نهارا، حتى عندما طالبنا بإخراج حملة على الكلاب الضالة والمشردة طلب منا المأمور (مدير المديرية) مبلغ 120 ألف ريال للقيام بها، وأيام الحكم الاشتراكي كانت البلدية من تلقاء نفسها تسمم لحوما وترميها للكلاب وعندما تموت تأخذها إلى خارج المدينة وتحرقها، وباختصار هذا النظام لا يمكن أن يقوم بأي إصلاحات لأنه بذر مليارات الريالات في بناء ملعب الوحدة (في أبين) لبطولة «خليجي 20» ولو كان صرفها لما فيه فائدة للناس، لكان استطاع التهدئة، ولو قليلا، من الغليان الذي يسود الشارع في الجنوب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,251,753

عدد الزوار: 6,942,182

المتواجدون الآن: 131