كيف قامت «دولة الخلافة» وكيف استمرَّت لسنوات؟..

تاريخ الإضافة الأربعاء 9 أيار 2018 - 5:57 ص    عدد الزيارات 1367    التعليقات 0

        

كيف قامت «دولة الخلافة» وكيف استمرَّت لسنوات؟..

محرر القبس الإلكتروني ... محمد أمين .. اكتشف صحافيو جريدة نيويورك تايمز، آلاف الوثائق الداخلية التي تساعد على تفسير أسباب تمكّن نظام الدولة الإسلامية (داعش) من البقاء في السلطة لفترة طويلة، فخلال خمس رحلاتٍ إلى العراق الممزق بآثار الحرب، قام هؤلاء الصحافيون بتمشيط مكاتب تنظيم الدولة الإسلامية القديمة، ما مكّنهم من جمع آلاف الوثائق والملفات التي خلفها المسلحون وراءهم بعد فرارهم إثر انهيار «دولة الخلافة» التي أقاموها على مدى أكثر من ثلاث سنوات!

فبعد أسابيع من السيطرة على مدينة الموصل، وبينما كان مقاتلو داعش يجوبون الشوارع ويعكف المتدينون المتطرفون على سن القوانين الجديدة، صدر أمرٌ إلى سكان المدينة، بلغهم صداه من طريق مكبرات الصوت المنطلقة من مآذن المساجد. كما حث صوت المتحدث المنطلق من مكبرات الصوت، الموظفين العموميين، على الالتحاق بأعمالهم السابقة. وللتأكد من وصول الرسالة إلى كل موظف حكومي، اتبع المسلحون هذا النداء بإجراء مكالمات هاتفية مع المشرفين في شتى القطاعات، وعندما حاول أحد الموظفين التنصل من المهمة، متحجّجاً بآلام في الظهر، قيل له، «إذا لم تأتِ مثلما هو مطلوبٌ منك، سنأتي إليك ونكسر ظهرك بأنفسنا». كان محمد ناصر حمود، أحد العاملين القدامى في مديرية الزراعة العراقية لمدة 19 سنة، محصناً خلف بوابة منزله المغلقة، حيث كان مختبئاً مع عائلته، وعندما وصلته مكالمة هاتفية أثارت الرعب في نفسه، لكنه لم يعرف ما العمل وكيف عليه أن يتصرف، فلم يجد بداً من أن يتوجه، هو وزملاؤه نحو مجمع مكاتبهم المؤلف من ستة طوابق. عندما وصلوا المكان، وجدوا كراسي مرتبة في صفوف منتظمة، كما لو كانت معدة لإلقاء محاضرة. دخل القائد إلى القاعة بخطوات ثابتة، فجلس يواجه الحضور في الغرفة، تاركاً ساقيه منفصلتين عن بعضهما، ليبدو للجميع، المسدس المثبت إلى فخذه، وللحظة، لم تكن تسمع سوى أصوات التسابيح المتعجلة للموظفين العموميين.لكن ثبت لهم ان مخاوفهم لم تكن في محلها، فعلى الرغم من نبرة التهديد التي اطلقها القائد، إلا أنه لم يطلب منهم سوى التوجه الى اعمالهم «فوراً»، قائلاً إن كشفاً لتوقيع الحضور سيوضع عند مدخل كل قسم، وكل من يتغيب عن الحضور «سوف يعاقب». وعُقدت اجتماعات كهذه في جميع أنحاء الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014. وسرعان ما عمد موظفو البلدية إلى إصلاح الحفر المتناثرة في الشوارع، ووضع طلاء ممرات المشاة، وإصلاح خطوط الكهرباء والإشراف على كشوف المرتبات. يقول حمود، «لم يكن أمامنا من خيار سوى العودة إلى العمل، كنا نقوم بالعمل ذاته الذي قمنا به من قبل، إلا أننا الآن نخدم مجموعة إرهابيةً».

فوضى عارمة

أسس المقاتلون الذين أتوا من الصحراء بمظهرهم الأشعث، منذ أكثر من ثلاث سنوات، دولة لم يعترف بها أحد سواهم. وبالرغم من ذلك، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مدى ثلاث سنواتٍ، على جزءٍ من الأرض، بلغت مساحته في وقت من الأوقات مساحة بريطانيا، ويقدر عدد سكانه حوالى 12 مليون نسمة، أي أقل قليلا من عدد سكان اليونان. وفي ذروة حكمه، شملت الأراضي التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، خطاً طوله 100 ميل ساحلي في ليبيا، وجزءا من غابات نيجيريا التي تحكمها الفوضى العارمة، ومدينة في الفلبين، فضلاً عن مستعمرات في 13 دولة أخرى على الأقل. وكانت مدينة الموصل أكبر مدينة تحت حكمهم. منذ إعلان الخلافة عام 2014، سيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحاتٍ واسعةٍ من الأراضي في العراق وسوريا، لكن بعد انسحاب التنظيم من الموصل والرقة عام 2017، فقد تقريباً جميع الأراضي التي كان يسيطر عليها، غير أن ما تركه المسلحون خلفهم، يساعد على تقديم الإجابة عن السؤال المقلق حول سر طول فترة حكمهم: كيف تمكنت مجموعةٌ، تسببت مشاهد أعمالها الوحشية في حشد العالم ضدها، في السيطرة على كل هذه الأراضي الشاسعة ولفترة طويلة؟

يمكن العثور على جانب من الإجابة عن هذا السؤال في أكثر من 15 ألف صفحة من الوثائق الداخلية لتنظيم الدولة الإسلامية، أمكن صحافيو نيويورك تايمز جمعها خلال خمس رحلاتٍ إلى العراق على مدار أكثر من عامٍ. تم سحب الوثائق من أدراج المكاتب التي جلس خلفها يوماً عناصر التنظيم، ومن رفوف مراكز الشرطة الخاصة بهم، ومن طبقات محاكمهم، ومن خزائن معسكراتهم التدريبية، ومن منازل أمرائهم، بما في ذلك هذا السجل، الذي يقدم تفاصيل حبس صبي في الرابعة عشرة من عمره بسبب تسكعه في الشارع أثناء وقت الصلاة.

كنز من الوثائق

وقد عملت نيويورك تايمز مع خبراء خارجيين للتحقق من صحة الوثائق التي عثر عليها، وقضى فريقٌ من الصحافيين 15 شهراً في ترجمتها وتحليلها صفحة تلو الأخرى. وتمت معاينة تلك الوثائق، بشكل فردي، كل ورقة من تلك الوثائق تتعلق بحادث روتيني على حدة، من قبيل، نقل ملكية الأرض بين الجيران وبيع طن من القمح وغرامة مفروضة على لباس غير لائق. لكن إذا نظرنا إليها مجتمعة، فإن ذلك الكنز من الوثائق التي وقعت بين أيدي المحققين، يكشف طريقة العمل الداخلي لنظام حكومي معقدٍ. تُظهر هذه الوثائق أن التنظيم، ولو لفترة محدودة من الزمن، حقق حلمه، المتمثل في إقامة دولته الخاصة، دولة الخلافة، تعمل وفق تفسيرها المتشدد للإسلام. يعرف العالم الكثير عن وحشية تنظيم الدولة الإسلامية، لكن المتشددين في هذا النظام لم يحكموا بالسيف وحده. لقد استخدموا السلطة من خلال أداتين تكميليتين: الوحشية والبيروقراطية معاً. بلغ تنظيم الدولة الإسلامية مستوى من الكفاءة الإدارية مكنه من جمع الضرائب والتقاط القمامة. كما أدار مكتب الزواج الذي أشرف على عملية الفحوص الطبية، التي تؤكد للأزواج ان بامكانهم الإنجاب. وأصدر شهادات ميلاد مطبوعة على وثائق موقعة باسم الدولة الإسلامية، للأطفال المولودين تحت علم الخلافة الأسود، وقد أدار حتى قسم المرور الخاص به. وتُظهر الوثائق والمقابلات التي أجريت مع عشرات الأشخاص الذين عاشوا تحت حكمه، أن التنظيم قدم – في بعض الأحيان – خدمات أفضل وأكثر كفاءة، من الحكومة السابقة.

تدمير المؤسسات المدنية

وأشارت هذه الشهادات أيضاً إلى أن عناصر «داعش» استفادوا من الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة عام 2003 بعد غزو العراق، بما في ذلك قرار طرد أعضاء حزب البعث الحاكم من مناصبهم ومنعهم من تولي مناصب في المستقبل. وقد نجح ذلك المرسوم في محو الدولة البعثية، لكنه أدى أيضاً إلى تدمير المؤسسات المدنية في البلاد، وتسبب في خلق فراغ في السلطة، سارعت جماعات مثل «داعش» إلى ملئه. وبعد مرور أكثر من عقد بقليل، والاستيلاء على مساحات شاسعة من العراق وسوريا، حاول تنظيم الدولة الإسلامية تطبيق تكتيك مختلف. فقام ببناء دولته على أنقاض الدولة التي كانت قائمة من قبل، من خلال استيعاب المهارات الإدارية لمئات الكوادر الحكومية. وتكشف عملية فحص الطريقة التي حكم بها التنظيم، وجود نمط من التعاون بين المسلحين والمدنيين الخاضعين لسيطرته. ولعل أحد مفاتيح نجاحه، هو مدى تنوع مصادر عائداته. فقد استمد التنظيم دخله من شتى فروع الاقتصاد التي لم تتمكن الضربات الجوية وحدها من شل حركته. تصف دفاتر الحسابات وكتب الاستلام والميزانيات الشهرية، كيف استطاع مسلحو «داعش» تحويل كل شبر من الأرض التي قاموا بغزوها، إلى سيولة نقدية، من خلال فرض ضرائب على كل كيس من القمح، وكل لتر من حليب الأغنام، وكل بطيخة تباع في الأسواق التي يسيطرون عليها. وبذلك فقد جنوا من الزراعة وحدها، مئات الملايين من الدولارات. وعلى عكس ما كان شائعاً على نطاقٍ واسعٍ، كان التنظيم ممولا ذاتيا، ولم يعتمد على مانحين خارجيين. والأكثر غرابة في الأمر، أن الوثائق المتوفرة تقدم دليلاً آخر على أن إيرادات الضرائب التي حصلت عليها الدولة الإسلامية كانت أعلى بكثير من إيرادات مبيعات النفط، وكانت التجارة والزراعة اليومية-وليس النفط- دعامتا اقتصاد الخلافة.

أشرس قتال

لقد حاول الائتلاف الذي تقوده الولايات المتحدة، سعياً منه إلى طرد تنظيم الدولة الإسلامية من المنطقة، خنق التنظيم من خلال قصف منشآته النفطية. لكن، من الصعب جداً قصف حقول الشعير. وفي نهاية المطاف لم يتخل تنظيم داعش عن الموصل إلا في الصيف الماضي، بعد معركةٍ شديدة الضراوة، قورنت بأشرس قتالٍ دار أثناء الحرب العالمية الثانية. وحتى مع انهيار دولة داعش الاصولية في نهاية المطاف، إلا أن مخططها يبقى قائماً ويمكن استخدامه من قبل أطراف أخرى. يقول فواز جرجس، مؤلف كتاب «داعش: تاريخ»، «نحن نرفض تنظيم الدولة الإسلامية كدولة وحشية. إنها كذلك، ونرفضه لبربريته، وهو بالفعل نظام بربري، لكن في الوقت نفسه أدرك هؤلاء الناس الحاجة إلى الحفاظ على المؤسسات. إن قدرة الدولة الإسلامية على الحكم هي في الواقع، لا تقل خطورة عن مقاتليها». عاد حمود، المسلم السني، بعد يوم من الاجتماع ليجد أن القسم الذي يعمل فيه صار العاملون فيه من السُنّة بنسبة مئة في المائة. أما الشيعة والمسيحيون من زملائه الذين شاركوه مكتبه في الماضي، فقد فرّوا جميعاً.

مصادرة الأراضي

استمر حمود والعاملون الذين أشرف عليهم في قسم الزراعة في العمل لفترة من الزمن بالطريقة ذاتها التي ساروا عليها من قبل. حتى أنهم استخدموا ذات المستندات والقرطاسية التي استخدموها من قبل، وإن كانت الإرشادات الآتية من الجماعة تملي عليهم إخفاء شعار الحكومة العراقية. لكن الرجال ذوي اللحى الكثة الذين يشرفون الآن على القسم الذي يعمل فيه حمود، توصلوا إلى خطة سيبدؤون تفعيلها رويداً رويداً. لقد ظل الجهاديون منذ أجيال، يحلمون بتأسيس دولة الخلافة. إذ تحدث أسامة بن لادن مراراً وتكراراً عنها، كما كان لفروعه تجربة لهذه الخلافة عندما حكمت في صحاري مالي وأراضي اليمن الوعرة وجيوب العراق. كان هدفهم إعادة إحياء المجتمع الذي وُجد منذ أكثر من 1000 عام خلال عهد النبي محمد. وما كان يحمل اسم «مديرية الزراعة» في الموصل، أتمت تسميته «ديوان الزراعة»، الذي تمكن ترجمته إلى وزارة الزراعة. إذ يعود مصطلح «ديوان» بالذاكرة إلى فترة حكم القرن السابع التي شهدت حكم واحد من أوائل الخلفاء. طبع «داعش» ترويسة جديدة أظهرت أنها أعادت تسمية 14 مكتباً إدارياً على أقل تقدير، لتصبح «ديوان»، وشمل ذلك إعادة تسمية مديريات معروفة على شاكلة التعليم والصحة. ثم فتحت دواوين لأشياء لم يسمع عنها الشعب، مثل ما يسمى «الحسبة» التي علموا بعد فترة قصيرة أنها تمثل شرطة الأخلاق المخيفة، وديوان آخر مسؤول عن نهب الآثار وسرقتها، بل وديوان آخر مُكرس لـ «غنائم الحرب». وما بدأ بتغيير شكلي في مكتب حمود، تحول بعد فترة قصيرة إلى تحولٍ كلي. أحالت الجماعة المسلحة جميع الموظفات الإناث إلى التقاعد، وأغلقت مركز الرعاية الذي يعمل نهاراً. كما أغلقت القسم القانوني التابع للمكتب، وقالت إن المنازعات سوف يتم التعامل معها وفق الشرع فقط. كما تخلّصت الدولة الإسلامية من إحدى المهمات اليومية للقسم، فقد أوقفوا جهازاً يوضع في الخارج لقياس حجم الامطار، وقالوا إن الأمطار نعمة من الله، فمن يكونون هم ليُحصوا نعم الله؟

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,771,642

عدد الزوار: 6,914,216

المتواجدون الآن: 117