«ميزان المصير الوطني في السودان» ... المنحازون الشماليون الى «الحركة الشعبية» حاولوا فرض أجندتهم عليها (3من5)

تاريخ الإضافة الإثنين 20 كانون الأول 2010 - 4:41 ص    عدد الزيارات 946    التعليقات 0

        

  • «ميزان المصير الوطني في السودان» ... المنحازون الشماليون الى «الحركة الشعبية» حاولوا فرض أجندتهم عليها (3من5)
    الأحد, 19 ديسيمبر 2010
     

    كتاب الصادق المهدي الجديد «ميزان المصير الوطني في السودان» يأتي في فترة حرجة مع اقتراب الاستفتاء في جنوب السودان، ويعرض زعيم حزب الأمة بالمعلومات والتحليل لهوية جنوب السودان وروافد النزاع في الدولة السودانية الحديثة، مقدماً صورة للتراكمين الخبيث والحميد في مقاربة هذا النزاع عبر اتفاقية السلام تحت مظلة مجموعة دول «ايقاد».

    ويركز المؤلف على التنظيمات الإسلامية وصعود تياراتها منذ الانتداب المايوي (جعفر نميري) وصولاً الى انقلاب «الانقاذ» الذي أودى بالسودان الى الحال الراهنة عند مفترق الانقسام وربما التفتت كما يرى المتشائمون،.

    وجنوب السودان الذي ينتظر موعد الاستفتاء، له مشاكله الداخلية التي يعرضها المؤلف من خلال أصوات جنوبية ودولية، كما يتناول أزمة دارفور التي يسميها «قاصمة الظهر». أما الاستفتاء وما بعده فيحظيان بثلاثة فصول من الكتاب الذي هو في المحصلة شهادة انحياز الى الإنسان السوداني، من خلال وعيها بمشكلات وطن ومحيطه الإقليمي والتدخلات الدولية فيه، فضلاً عن إهمال معظم حكوماته المتعاقبة ما يقتضي حكم بلد غني ومتنوع من جهود ووعي.

    «الحياة» تنشر فصولاً من كتاب الصادق المهدي في خمس حلقات، وهنا الحلقة الثالثة:

    < قال لي صديق: لماذا نجد كثيراً من المثقفين الجنوبيين على اختلاف مدارسهم يحملون عليك؟ قلت له تفسيري لذلك هو: «آرائي تهزم صورة الاستعلاء التي يريدون وصفنا بها فكثير منهم يرون «أن العربي الطيب هو العربي الميت». العمر الوطني الأطول منذ الاستقلال وحتى الآن احتلته نظم شمولية. النظامان المايوي والإنقاذي وحدهما حكما سوياً أكثر من ثلثي ذلك العمر، عقدة الشرعية التي واجهانها أمامي جعلت همهما الأول الإساءة لي وتشويه أدائي في الحكم زوراً، فنشروا قصصاً كثيرة إلا أننا لا نستطيع مواجهة إعلام دولة لها كل الإمكانيات بينما نواجه بالتعتيم.

    كثير من الشماليين الذين أعلنوا انحيازهم للحركة الشعبية فعلوا ذلك لجر الحركة الشعبية لتتبنى أجندتهم في الشمال، وأجندتهم في الشمال - لا سيما في طرحها العلماني - تعتبرني عدواً. هذا مع أنني وزملائي كنا أكثر أهل الشمال اعترافاً بحقوق الجنوب وضرورة العدالة مع أهله. بعض هؤلاء جعلوا همهم بذر الشقاق بيني وبين زملائهم في الجنوب. في أيار (مايو) 1998 وفي جامعة بنسلفانيا وضع السيد ستيفن واندو الملاحظة الذكية الآتية: «بعض الصفوة الشمالية والتي تسمي نفسها علمانية – تسعى لتقوية موقفها تحت مظلة الهوية والتعدد الثقافي، فبعد أن فشلت في إيجاد قاعدة شعبية لأيديولوجيتها تحول اهتمامها تجاه الجنوب لإيجاد تغطية لأيديولوجيتها أو لإقناع الصفوة الجنوبية بقبول أيديولوجيتها والمقاتلة دونها نيابة عنهم. هذه الصفوة الشمالية دائماً ما تعبر عن أيديولوجيتها بصورة متطرفة وهي تسعى لوضع الإسلام موضع تساؤل والحط من قدر الثقافة العربية الإسلامية والبحث عن بديل لها. إنها حيلة تأتي بنتائج عكسية لأنها تقود إلى التطرف في الاتجاه المضاد». على العموم، إن أي تقييم موضوعي لدوري في قضية الحرب والسلام في الجنوب ستقابله حقائق دامغة:

    - أول كتاب تناول القضية وشجب النهج الأمني في مواجهتها واعترف بحقوق أهل الجنوب السياسية والثقافية والاقتصادية، كان كتابي «مسألة جنوب السودان» في نيسان (ابريل) 1964.

    - في ولايتي الأولى في الستينات وكان عمرها نحو تسعة أشهر فقط قضيت شهراً في الجنوب، وكنت أول رئيس وزراء يطوف الجنوب ويلتقي الناس ويخاطبهم وكانت رحلتي فتحاً للعلاقات الشمالية الجنوبية.

    - وكنت عدّلت موقف حكومة حزبي من لجنة الـ12 وعقدت لبلوغ السلام مؤتمراً لجميع الأحزاب السياسية في 1967، وهذا موثق في كتابات شاهد محادثات السلام الأول المرحوم محمد عمر بشير.

    - وحينما صالحنا النظام «المايوي» كان الجنوب هو الأكثر تناغماً مع شعاراتنا في انتخابات مجلس الشعب في كانون الأول (ديسمبر) 1977. على عكس الدعاية السائدة أن المصالحة عُدت كأنها استقواء للنميري بالشماليين على الجنوب.

    - كنا أول كيان سياسي غير جنوبي أدرك عوامل مختلفة جعلت أهل الجنوب يطالبون بتقرير المصير فأيدنا مطلبهم منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 1993.

    - كنا أول من اقترح صيغة مقبولة لديهم لمسألة الدين والدولة في نيسان 1993 إذ اقترحنا التزام الدستور بأن تكون المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات. ووقّعنا سوياً إعلان نيروبي.

    - وكان حزب الأمة هو الحزب السياسي الكبير الوحيد الذي شارك في مؤتمر كوكادام في آذار (مارس) 1986 وقبل توصياته.

    - وكان حزب الأمة الحزب السياسي الحاكم الذي التقى قيادة الحركة الشعبية في شخص رئيسه ورئيس الوزراء في تموز (يوليو) 1986. قابلته مع أن د. جون قرنق قال إنه يقابلني كرئيس لحزب الأمة ولا يعترف بحكومة الديموقراطية!

    - وكان حزب الأمة الحزب السياسي الكبير الوحيد الذي زار رئاسة الحركة الشعبية في الجنوب وأبرم معها اتفاق شقدوم في كانون الأول 1994.

    - وكنت أول من قال إن هنالك مظالم ثقافية إذ ننابذ كل أسود اللون بعبارة غير إنسانية ما يوجب الاعتذار عن ذلك، وما زال هذا المطلب قائماً، وما زال كثيرون في الشمال لا يعترفون بضرورته. وقد أفتيت بأن المفاسد التي تجلبها هذه الألفاظ تجعل متلفظها مذنباً تجب عليه الكفارة.

    مع ذلك وربما بسبب ذلك جفانا جنوبيون يريدون الاحتفاظ بصورة العربي المسلم الظالم وبعض الشماليين من أعضاء الحركة الذين يريدون استعداءها علينا لتصفية حسابات علمانية مع إسلاميين.

    وللإنصاف هذا الموقف لا ينطبق على كثير من الجنوبيين فقد كانت علاقتنا بالسيد وليم دينق مضرب مثل في الإخاء والتعاون والندية إلى أن اختطفته يد الغدر الآثمة. وحتى د. جون قرنق، كان أول خطاب أرسله لي مع د. بشير عمر مندوبنا في مؤتمر كوكادام في غاية المودة والتطلع للتعاون وذكر لي فيه إعجابه بشعار السودان للسودانيين وقال: لولا أن هذا الشعار هو شعار حزب آخر لاختاره شعاراً لحركته. ولكن رأي د. جون قرنق في مرحلة لاحقة تأثر بإفادات بعضهم السالبة، وربما نقم علينا لأننا على رغم التودد والتحالف انتقدنا الحركة في بعض مواقفها التفاوضية – مثلاً - حينما عرضت على المؤتمر الوطني في نيروبي (تشرين الثاني 1997) قيام دولتين تحت مظلة الكونفيديرالية بحيث تكون حدود دولة الجنوب عند خط العرض (13 درجة شمالاً). وعلى أية حال ما أخذناه على د. جون قرنق لم يزد عما أخذه عليه بعض زملائه حول الالتزام بالديموقراطية وبالنهج القومي. لكن اعترافنا بمظالم الجنوب واستعلاء البعض في الشمال جعلنا دائماً نتقرب للقوى الجنوبية ما أمكن في إطار الأجندة الوطنية، ولا زلنا متجهين نحوهم فإن اقتربوا خطوة اقتربنا أكثر.

    وهنالك عبارة السيد جيمس واني في اجتماع ضمنا نحن في قيادة حزب الأمة وقيادة الحركة الشعبية لدى زيارتهم لنا في أسمرا في عام 1998م إذ قال بحضرة د. جون قرنق: إن أقرب حزب لنا هو حزب الأمة وأرجو أن نبرم معهم الآن اتفاقاً استراتيجياً. علق السيد دينق ألور بقوله: هذا صحيح ولكنه الآن يرسل إشارات سالبة لذا أرجو أن نؤجله. وعلق د. جون قرنق: أرأيتم. الحركة فيها ديموقراطية والرأي والرأي الآخر.

    وفي عام 2004 دعينا أنا وآخرين وكان ممثل الحركة الشعبية د. بيتر نيوت أستاذ القانون وكان علينا أن نقدم محاضرة في جامعة أكسفورد ففعلنا. وفي صباح اليوم التالي زارني د. بيتر في غرفتي بفندق «راندولف» وتناول معي الإفطار ثم قال لي: هناك أربعة عوامل تجمع بيننا نحن في الحركة وحزب الأمة وأرجو أن نعمل على تطويرها لاتفاق استراتيجي هي:

    - نحن وأنتم حركة صنعت في السودان وليست فرعاً من حركة وافدة.

    - مع ما نلتم من نصيب في الحكم فجماهيركم مهمشة مثل جماهيرنا.

    - الآخرون يناورون بتقرير المصير ولكننا نحن وأنتم جادون فيه.

    - جزء كبير من أنصاركم ومن قبائلنا يتعايشون في مناطق الحدود بين الشمال والجنوب ما يوجب خطة تعاونية.

    - رحبت حقل نفطي في جنوب السودان.jpg بآرائه واتفقنا أن نواصل هذا الحوار ولكنه بعد ذلك مرض شفاه الله فهو مثقف ووطني أصيل.

    - وفي الأسبوع الأول من أيلول (سبتمبر) 2009 لدى زيارتنا جوبا اجتمع بي كاردينال الكنيسة الكاثوليكية فاولينو ليكودو، وكبير أساقفة الكنيسة الأنجليكانية في السودان دانيال دينق بول. وشهدا لنا بالالتزام الديموقراطي وبالتناول الأخوي للمسيحيين، وقالا إنهم في الكنيسة مهتمون بمصير الشعب في الجنوب ويعتقدون أن القوى السياسية الشعبية وحزبنا تحديداً له الدور الأكبر في ذلك وأنهما حرصا على لقائي ليقينهما أن ما نقدمه هو حقيقة ما يدفع بمصالح الناس.

    وفي أم درمان في 7/9/2010، اجتمع بنا الأسقف كبريال كندو أسقف مطرانية الخرطوم ورئيس مجلس الكنائس السوداني والأسقف سمعان فرج الله مطران ود. مدني الجديد وآخرون وشهدوا بأن حزب الأمة أوضح الأحزاب عبارة في التسامح والتعايش الديني.

    نعم، هنالك كثيرون من أهلنا في الجنوب لا يريدون دمغنا مع غيرنا بالاستعلاء. ولا يريدون تسوية حسابات علمانية معنا. ومع ذلك فإنني أجد حرجاً في تناول قضايا الجنوب بموضوعية. ولكن لا بد مما ليس منه بد، إذ بالجنوب فعلاً قضايا مهمة لا بد من الإشارة إليها في إطار بحثنا للمصير الوطني ولمصير الجنوب.

    وفي ما يأتي سألخص ما جاء في دراسات غربيين موضوعيين وملمين بالشأن السوداني وقد تطرقوا بوعي وكفاءة عالية لتلك القضايا. إضافة إلى رأي كاتب جنوبي تطرق للوضع في جنوب السودان من وجهة نظر انفصالية، فالكثيرون في الجنوب يطعنون في أقوال الجنوبيين الوحدويين ويشككون في صلاتهم بالخرطوم.

    أول الغربيين د. جون يونغ وقد كان مستشاراً سياسياً لمنظمة «إيفاد» وصار أحد أعضاء مركز الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر. وله دراسات في الشأن السوداني تتميز بعمق الاطلاع والفهم. وهناك دراسة بعنوان «جنوب السودان متناقض مع نفسه» أجراها أستاذان هما ماريك شوميروس وتيم ألن مدير معهد الأبحاث السياسية والاقتصادية في جامعة لندن. إضافة إلى كتاب أويستين رونالدسن ودراسة «مجموعة الأزمات الدولية» حول الوضع في ولاية جونقلي.

    كتابات جون يونغ

    أبدأ باستعراض آراء جون يونغ. جاء فيها: حركات التحرير السودانية وأهمها الحركة الشعبية تدعو للوحدة من دون أيديولوجية لبيان الصورة المطلوبة لهذه الوحدة وهم يدعون للديموقراطية ولكن نظمهم الداخلية خالية منها، وقادتها لا يُساءلون مهما تعدوا على حقوق الإنسان، وهم يتحدثون عن التهميش وعن خطط تنموية تأخذ بيد المهمشين ولكن من دون تطبيقها في المناطق التي استولوا عليها. ومع أنهم ينادون بالحرية فإنهم فقدوها في تعاملهم التابع لنظم البلدان المجاورة التي لجأوا إليها. الدليل أن آراء الحركة، الوحدوية والماركسية، لم تنبع من مصادر جنوبية بل كانت تجاوباً مع مواقف منفستو هايلي مريام في إثيوبيا، فالماركسية لا سند لها في الجنوب وقادة الحركة أكثرهم محافظون. قاعدة الحركة انفصالية ولا صلة لها بالماركسية والشعارات الوحدوية والماركسية من وحي إثيوبيا منفستو.

    وقال أوسيتين رونالدسن في كتابه عن «حكومة محاربي العصابات»: موقف الحركة الشعبية الوحدوي مفصل لإرضاء نظام منفستو. فكرة سودان جديد موحد مذكورة على مستوى النخب ولكن القاعدة انفصالية في الغالب.

    في إطار التجمع الوطني الديموقراطي التزمت الحركة الشعبية بسودان موحد فيه إنصاف للجنوب ولكل المهمشين، ولكن اتضحت هشاشة التزامها بذلك عندما فاوضت المؤتمر الوطني ثنائياً ووقعت معه اتفاقاً ثنائياً.

    هنالك دليل قاطع على خلو حركات التحرير السودانية من وضوح أيديولوجي. فحركات التحرير عامة تدعم حركات التحرير المماثلة في العالم. لكن حركات التحرير السودانية حصرت علاقاتها الخارجية في كسب دول الجوار أو غيرها من الغربيين لقضيتها من دون أية إشارة لحركات تحرير أخرى. ولم تترد الحركة الشعبية في التحالف مع الدرق (الإثيوبي) ضد حركات التحرير الإثيوبية والاريترية، كما تحالفوا مع أوغندا ضد «جيش الرب». ما يمكن أن يقال عنهم إنهم: أهملوا البعد الأيديولوجي والسياسي. ركزوا فقط على الجانب العسكري. واعتمدوا على الإغاثات الأجنبية الإنسانية وسلموا استقلالهم مقابل الدعم الأجنبي.

    الاعتماد على العسكرية من دون أيديولوجية جعل الحركة الشعبية عرضة للاستجابة لمصالح المانحين، والتجاوب مع سياسة أميركا في القرن الأفريقي في حربها على الإرهاب. ارتبطت الحركة مع أميركا في عهد أكثر نظام يمينية في التاريخ: عهد الرئيس بوش.

    بهذه الخلفية، المتوقع جنوب سودان منفصل، على علاقة تحالفية مع الولايات المتحدة. هذا إذا حدث معناه:

    - نزاع مع الأقلية الجنوبية المسلمة ونسبتها 33 في المئة من السكان.

    - نزاع مع الدولة الشمالية.

    - لا مجال لسياسة خارجية مستقلة.

    وقال: اتفاقية «السلام الشامل» وعدت بالديموقراطية من دون تحقيقها. ووعدت بالوحدة ولكن صارت في حقيقتها خريطة طريق للانفصال وهو انفصال سيشكل سابقة لانفصالات أخرى داخل الجنوب والشمال.

    دراسة ماريك شوميروس وتيم ألن

    استعرض نتائج الدراسة التي أجراها الأستاذان ماريك شوميروس وتيم ألن بالتعاون مع مركز دراسات السلام والتنمية في جامعة جوبا، ومفوضية سلام جنوب السودان، وستة باحثين وباحثات. استمدت الدراسة من 356 مصدراً، وقامت بدراسة حقلية شملت مناطق الجنوب بإذن من السلطات.

    قالت الدراسة:

    1 - هنالك اتهامات لتحميل الخرطوم مسؤولية مآسي الجنوب. ولكننا لم نعثر على دلائل مباشرة تربط الخرطوم بالنزاعات الرائجة في الجنوب اليوم. كما لا نعتقد أن الخصومات القبلية كافية لتفسيرها.

    - قالوا: نحن نعتقد أن أسباب النزاعات في الجنوب هي:

    - عدم تحقيق المنافع المنتظرة كأرباح للسلام.

    - إحساس بالظلم وعدم وجود آليات لصده.

    - النظام في الجنوب يعاني من تعارض بين مهمة بناء مؤسسات الدولة ومهمة احتواء العنف.

    - نظام يعلن التوجه للامركزية ولكن صار شديد المركزية.

    - أسباب التنازع مسألة ترسيم الحدود داخل الجنوب.

    - هناك ظاهرة متكررة للعنف وهي غارات الشبان على المواشي - من أجل تبادلات الزواج - في شكل عصابات كونوها لا تحترم الحكومة ولا السلطات العشائرية.

    - وهنالك تظلم مرتبط بمسألة نزع السلاح من المليشيات إذ قال بعضهم لقد نزع سلاحنا ولكن سلاح آخرين لم ينزع.

    2 - قالت الدراسة: العنف في الجنوب لا يمكن أن ينسب لأيدٍ خفية ولا لمجرد التنازع القبلي ولكن سببه: سوء توزيع المنافع بين المواطنين، وعدم تسريح القوات، وأسلوب نزع السلاح. يضاف إلى ذلك غياب ترسيم الحدود بين الوحدات القبلية.

    قالوا: هناك تناقض في أوضاع الجنوب فالقبلية ازدادت حدة بسبب استغلال السياسيين الولاءَ القبلي لدعم مواقفهم، والقبائل الصغيرة صارت تشكو من هيمنة الدينكا ويقولون: قبل الاتفاقية كانوا إذا أرادوا الدخول في أراضي غيرهم للمرعى استأذنوا، الآن يدخلون من دون استئذان.

    الاستطلاعات التي قمنا بها في الجنوب أفادت بأن 53 في المئة من السكان يعتقدون، أن بعد الانفصال وبسبب مظالم ونزاعات جنوبية، فإن الحرب بين الجنوبيين قادمة.

    وأوضح الاستطلاع كذلك أن وجود مشاكل شمالية - جنوبية معلقة سيؤدي إلى حرب بين الطرفين. 43 في المئة من المستطلعين قالوا ذلك.

    قالوا: المرة الأولى التي نال فيها الجنوب حكماً ذاتياً كان في عهد اتفاقية 1972. في تلك الفترة اشتعلت خلافات في الجنوب حول إدارة الشأن الجنوبي. وطالب ساسة جنوبيون (الجنرال جوزيف لاقو) بتقسيم الجنوب إلى ثلاث ولايات، وعندما تم هذا الإجراء بتجاوب جعفر نميري معه طرد الدينكا من جوبا.

    قالوا: العوامل التي ظهرت أثناء الحكم الذاتي الإقليمي بموجب اتفاقية 1972 هي:

    - عجز الساسة عن أن يضعوا مصلحة الإقليم فوق مصالحهم الخاصة.

    - والتوزيع غير العادل للمناصب القيادية.

    - والشكوى من هيمنة الدينكا.

    هذه الشكاوى أطلت برأسها الآن في ظل الحكومة الانتقالية. الحقيقة هي أنه لا توجد في الجنوب الآن نواة لدولة حديثة والنظام الوارد قيامه هو تكوين مقاطعات عرقية تساوي بين الانتماء العرقي والحكم وتجعل ذلك أساساً للحصول على الموارد 121724b‭.jpg المادية.

    قالوا: غالبية من سألنا ترى أهمية ترسيم الحدود بين الوحدات الإدارية في الجنوب والقبائل كأولوية قصوى. إن مشاكل الحدود توجد الآن بين القرى والمحافظات والولايات كما بين الشمال والجنوب.

    وجاء في الإفادة ضرورة حسم قضية الحدود لأنها أساس لتوزيع الموارد. والوحدات المختلفة تريد حسمها قبل الانفصال المتوقع.

    نتيجة هذه الدراسة:

    1 - في الظاهر أن العنف المنتشر في الجنوب اليوم صادر من تآمر من الخرطوم أو هو مجرد عداوات قبلية وتصفية حسابات.

    2 - دراستنا تؤكد أن العنف يعود لعوامل أوسع تتعلق باقتسام السلطة والمال والتظلم المتعلق بما يجرى من اقتسام.

    3 - ينبغي العمل الفوري للتوفيق بين الاهتمام ببناء مؤسسات الدولة للمواطنين لتجنب العنف.

    4 - اللامركزية في مستوى القاعدة مطلوبة. ولكن هذه في الظروف الحالية تتحول لتكريس الولاء القبلي.

    5 - كثيرون يتطلعون للاستفتاء لحل المشاكل الحالية كافة. ولكن الاستفتاء سيفجّر الخلافات على الحدود الداخلية إن لم تحسم قبله. الوهم أن الفرحة بالاستفتاء ستجعل تلك المشاكل تذوب في اليوم التالي سيؤدي إلى خيبة أمل كبيرة.

    دراسة «مجموعة الأزمات الدولية»

    نشرت هذه الدراسة مباشرة قبل الانتخابات وتفجر الوضع الأمني في ولاية جونقلي على النحو الذي تلى الانتخابات بعد أن حمل الجنرال أطور جورج السلاح رفضاً لنتائج الانتخابات. ملخص هذه الدراسة الآتي:

    - أودت الصراعات القبلية بحياة آلاف عدة من الأرواح في جنوب السودان في عام 2009، وشهدت أنحاء ولاية جونقلي الواسعة أسوأ أعمال العنف، العنف معروف في المجتمعات الرعوية بيد أنه اتخذ طابعاً جديداً ومسيّساً على نحو خطير. وقد زاد عدد القتلى في ذلك العام عن القتلى في دارفور وتشرد نحو 350,000 نازح. على حكومة جنوب السودان أن تدرك الطبيعة المحلية للنزاع، وتعمل على بسط هيبة الدولة وتثبت جدارتها الأمنية.

    - جونقلي هي أكبر ولايات جنوب السودان، سكانها نحو 1.3 مليون وهي من أكثر المناطق تخلفاً في العالم، وفيها نزاعات يسببها نمط الحياة الرعوي بالصراع حول المراعي والمياه وسرقة الماشية، وتزيد القبلية والخلافات حول تصورات تحيز الدولة من التوتر، إضافة إلى الغياب الفعلي للطرق والبنيات التحتية، وانعدام الأمن الغذائي، والنزاعات حول الأراضي والوصول المحدود للعدالة.

    - التصورات حول أن الخرطوم تحرض على العنف سيّس النزاع في الجنوب وخلق ديناميات صراع جديدة. وهي تصورات معقولة بسبب دور المؤتمر الوطني التاريخي في زعزعة الاستقرار، ولكن هناك القليل من الأدلة لإثبات مزاعم تورط الخرطوم في المواجهات المميتة التي حدثت في العام الماضي.

    صحيح أن ضخامة المساحة المعنية وسهولة اختراق الحدود ومحدودية قدرة حكومة جنوب السودان تجعل من المستحيل استبعاد التدخل الخارجي، ولكن حكومة الجنوب يجب أن تتجنّب استخدام الخرطوم كـ «كبش ضحية»، وأن تركز على تحسين قدرتها على توفير الأمن وتعزيز المصالحة.

    - على رغم الهدف المشترك المتمثل في «الاستقلال»، فإن القبلية لا تزال أقوى من أي شعور وطني في جنوب السودان. الهويات القبلية هي محور السياسة، وجونقلي ليست استثناء. تصاعد أعمال العنف أدى إلى تعميق الانقسامات بين الطوائف وزعمائها، وبعضهم يستغل الصراع لغاياته الخاصة، وقد يربطه بالصراع على السلطة في جوبا. وعلى القادة العمل على التوحد ليس فقط حتى 2011 ولكن لما بعد ذلك. إنهم بحاجة للتفكير ملياً في عواقب المواقف القبلية على الجنوب الموحد إذا أريد له إقامة دولة قابلة للحياة.

    - في جونقلي كما في ولايات الجنوب الأخرى هناك كميات كبيرة من الأسلحة، وذاكرة من الجرائم التي ارتكبت خلال الحرب لا تزال ماثلة. ويعتبر نزع السلاح من المدنيين أولوية قصوى لحكومة الجنوب من أجل وقف العنف العرقي، ولكن حملات نزع السلاح كانت محدودة وحفزت مزيداً من الصراع. وفي حالة انعدام الثقة في الحكومة والجيران على السواء فإن الجماعات الإثنية تفكر في ضمان أمنها. يجب أن يتم نزع السلاح من الجميع في وقت واحد وتجنب نزع السلاح القسري الذي سيقود لمقاومة مسلحة.

    - حكومة جنوب السودان الفتية هشة وتبذل قصارى جهدها للتصدي لعدد كبير من الأولويات بقدرات محدودة، وتضع القطاع الأمني على أعلى سلم الأولويات ولكنها تهتم بالجيش بدرجة كبيرة للغاية مقارنة ببقية القـــطاعات فالشرطة المنوط بها معالجة المـــشاكل الأمنية الداخلية في وضع رديء للغاية ما اضطر الجيش للتدخل في شكل لم يخل من السلبيات وسبّب أحياناً الاستياء.

    - حكومة الجنوب مشغولة بالتفاوض مع «المؤتمر الوطني» ومنعه من تقويض الاستفتاء أو التلاعب في عملياته، وعليها أيضاً أن تركز داخلياً خاصة على الملف الأمني والمصالحة بين الجنوبيين، وتعزيز الثقة على حد سواء الداخلية والخارجية في حكومة جنوب السودان والمساعدة في دحض مزاعم الخرطوم أن «الجنوب لا يمكن أن يحكم نفسه بنفسه».

    أقول، تقرير «مجموعة الأزمات» لدرجة ما، وأكثر منه تقرير الخبراء المذكور آنفاً برّأ «المؤتمر الوطني» من التدخل في العنف الذي يشتعل في الجنوب اليوم. ولكن لا شك في أن للمؤتمر الوطني يداً، فإن له علاقات بجيش الرب، كما له علاقات بميليشيات قبلية وهذه العلاقات لم تختف بعد اتفاقية السلام. ونحن ندرك أن «المؤتمر الوطني» يتحرك بطريقة مخفية ولكنك ترى سيماها في أقوال الكثيرين وفي أفعالهم وتصلبهم إزاء الحوار والتفاوض بسبب مال النفط الذي يوزعه «المؤتمر الوطني» لتثبيت سلطانه.

    ومعلوم أن قيادة «الحركة الشعبية» لعبت دوراً في التوسط بين الحكومة الأوغندية وبعض حركات دارفور المسلحة. هذا معناه أن وجود دعم لخصوم لا يمكن استبعاده.

    الحقيقة أن مشاكل النزاعات في الشمال ليست من صنع الحركة الشعبية، ولا مشاكل النزاعات في الجنوب من صنع المؤتمر الوطني. ولكن هذا لا يعني أن المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لن يسببا المتاعب لبعضهما إذا توافر دافع الخصومة والعداء.

    مقترح ستيف باترنو بالوصاية الدولية

    هنالك رأي قاله الكاتب الجنوبي ستيف باتيرنو في مقاله بعنوان «يجب حكم جنوب السودان عبر ولاية الأمم المتحدة» خلاصته: أن اتفاقية السلام حققت للجنوب كل ما يصبو إليه:

    - حكم ذاتي للجنوب.

    - قوات مسلحة مستقلة.

    - استفتاء لتقرير المصير.

    قال: المؤتمر الوطني خالف عناصر أساسية في الاتفاقية في مجال ترتيبات الأمن، وترسيم الحدود، وحسابات الثروة، وقال: الحركة الشعبية تعاني من انقسامات داخلية، وعجز عن أداء الواجب، وفساد، وغياب قدرات قيادية. وقال: الحرب التي أوقفتها اتفاقية السلام مستمرة بالوكالة لا سيما في الحدود الشمالية - الجنوبية. والحالة تتدهور نحو انفجار متوقع فالخبراء يتوقعون حرباً شمالية - جنوبية بحجم غير مسبوق.

    والجنوب الذي كان ينتظر أن يخلو من الفصائل المسلحة صار ميداناً واسعاً لميليشيات بدعم من «المؤتمر الوطني». والجيش الشعبي الآن يشكل قوة غير منضبطة تروع المواطنين. والسلاح منتشر بين الجنوبيين بصورة واسعة هناك عناصر آخرين غير جنوبيين، كالامبررو والمسيرية ينتشرون مع قطعانهم وأسلحتهم.

    «جيش الرب» له وجود كبير يهدد أمن الجنوب. وحكومة الجنوب متهمة بالفساد والمحسوبية القبلية وعدم الكفاءة، لذلك تبددت الآمال التي صحبت اتفاقية السلام.

    يقول: لا مصلحة في إبقاء الجنوب مع الـــشمال كالوضع الراهن. والجنوب مرشح لفوضى أو انقلاب. لذلك يــــرى أن تســـند إدارة الجــــنوب للأمم المتحدة ليؤهل لحكم نفسه.

    أقول: كل هذه الآراء تؤكد وجود مشاكل داخلية في الجنوب. كما أوضحنا وجود مشاكل داخلية في الشمال. المشاكل في الحالين مقدور عليها، ولكن إغفالها وإجراء استفتاء تقرير المصير على رغم وجودها استهتار بالأمن القومي لأن الاستفتاء مهما كانت نتائجه خاصة إذا اختلف عليها سيؤدي حتماً إلى تفجير المشاكل الداخلية في الشمال وفي الجنوب.

    هذه المشاكل كانت حرية بالاهتمام في الأعوام الخمسة الماضية ولكنها أهملت لتطل برأسها الآن وإهمالها لن يزيلها بل سيمكنها من إشعال أنواع من الحروب.

    إن اتجاه «الحركة الشعبية» إلى الحوار منفستو هيلا مريام.jpg مع الآخرين داخل الجنوب كما ظهر في مؤتمر الحوار الجنوبي الذي عُقد في الفترة 13 - 15 تشرين الأول 2010 هو اتجاه حميد، ولكنه ليس كافياً، ينبغي السير في طريق المصالحة الداخلية إلى آخره وإنفاذ بيان المؤتمر الختامي والإصلاحات الديموقراطية فيه، وتعلية درجة الجدية في التعامل مع التحديات الداخلية الخاصة بالأمن وغياب البنيات التحتية، وكذلك السير بخطى حثيثة لاتفاق قومي حول قضايا الاستفتاء وما بعده، اتفاق حال تصلب المؤتمر الوطني في الماضي من دون الوصول إليه، ولكن الحكومة في جنوب السودان هي أيضاً لم تظهر العزم المطلوب على تحقيقه، وبدلاً من ذلك، صارت تتجه إلى المجتمع الدولي والولايات المتحدة لتحل لها إشكالياتها مع المؤتمر الوطني بالضغط وبالتهديد وبالوعود، وهذا أسلوب عقيم، وسيعقد ولن يحل مشاكل البلاد ومشاكل الجنوب الحالية والمرتقبة.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,272,011

عدد الزوار: 6,943,058

المتواجدون الآن: 77