استغراب وشكوك حول مستقبل «داعش» وسط تفاوت التقديرات حول الأعداد الحقيقية لمسلحيه..

تاريخ الإضافة الإثنين 19 آذار 2018 - 6:25 ص    عدد الزيارات 1594    التعليقات 0

        

استغراب وشكوك حول مستقبل «داعش» وسط تفاوت التقديرات حول الأعداد الحقيقية لمسلحيه..

الشرق الاوسط...بيروت: منى علمي... في الخامس من شهر فبراير (شباط) الماضي، بدأت الولايات المتحدة انسحابًا جزئياً من العراق إثر إعلان بغداد في 9 ديسمبر (كانون الأول) النصر على تنظيم «داعش» الإرهابي المتطرف. ولكن على الرغم من مقتل الآلاف من عناصر التنظيم خلال المعارك في العراق وسوريا، أبدت مصادر مطلعة استغرابها إزاء التناقض بين التقديرات التي جرى تداولها بشأن عدد مقاتلي «داعش»، وبين انتشارهم الفعلي خلال المعارك، مع شكوك حول اختفاء عدد كبير منهم. منذ ظهور تنظيم «داعش» في يوليو (تموز) 2014، تفاوتت التقديرات بشكل كبير حول عدد المقاتلين في صفوف التنظيم الإرهابي. ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، قدّرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركي (سي آي إيه)، أن لدى المجموعة ما بين 20 و31 ألف مقاتل في العراق وسوريا. وفي الشهر نفسه، أعلن مدير مكتب الزعيم الكردي مسعود بارزاني، في مقابلة مع صحيفة «الإندبندنت» البريطانية أن تقديرات «سي آي إيه» كانت منخفضة جداً، وأن تنظيم «داعش» يضم نحو 200 ألف مقاتل على الأقل. ولكن في ديسمبر (كانون الأول) 2014، صرّح رئيس هيئة الأركان العامة الروسية الجنرال فاليري جيراسيموف بأن روسيا تقدّر عدد «داعش» بـ70 ألف مقاتل من مختلف الجنسيات. ثم في يوليو من العام الماضي، صرّح اللواء عبد الأمير يار الله بأن أكثر من 25 ألفاً من مقاتلي التنظيم قضوا خلال معركة استمرت 9 أشهر في مدينة الموصل. وفي الشهر نفسه، تباهى الجنرال ريموند توماس، قائد قيادة العمليات الخاصة الأميركية، بأن الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة ضد «داعش» أسفر عن مقتل ما بين 60 و70 ألفاً من المسلحين. في المقابل نفى مكتب «قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب التابع لمكتب الشؤون العامة» (CJT - PAO) خلال مقابلة مع «الشرق الأوسط»، نشره أي إحصائيات تتعلق بعدد قتلى «داعش»، مضيفاً: «ما يمكن قوله هو أن الغالبية العظمى من الإرهابيين الذين قاتلوا في وقت ما تحت راية (داعش) باتوا اليوم في عداد المتوفين أو هم في الأسر». وأكد أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تمكّن من استعادة أكثر من 107 آلاف و300 كيلومتر مربع، أي ما يعادل 98٪ من الأراضي التي كانت تحت قبضة تنظيم «داعش» في العراق وسوريا مثل الموصل والحويجة والقائم وتلعفر في العراق، والباب في سوريا، من بين العديد من الأراضي الأخرى. مع ذلك، عند مقارنة التقديرات الأولية الصادرة عن مختلف المرجعيات الدولية والإقليمية بتلك التي أثيرت خلال المعارك، يلاحظ المرء تناقضاً واضحاً في ما بينها. فعلى سبيل المثال، ذكرت شبكة «سي إن إن» التلفزيونية الأميركية، أنه في بداية الهجوم، كان يعتقد أن نحو 3500 إلى 5000 من مقاتلي «داعش» كانوا في الموصل، وفقاً لمسؤولين عسكريين أميركيين. في حين تحدث أنصار «داعش» عن نحو 7000 مقاتل. وأوردت صحيفة «الإندبندت» نقلاً عن إحصاءات أجرتها مراجع أميركية أن مقاتلي «داعش» في الرقة تتراوح أعدادهم بين 3 و4 آلاف مقاتل. أما في الحويجة فلقد أقر مقاتلو «داعش» العام الماضي بوجود بضع مئات من المقاتلين في المدينة. وقال مدير منظمة «العدالة من أجل الحياة» جلال حمد، لـ«الشرق الأوسط» خلال لقاء: إن «أعضاء (داعش) لم يتعدوا 5 آلاف عنصر حين كانوا يسيطرون على محافظة دير الزور». بالإضافة إلى ذلك، أبدى العديد من المصادر التي تمت مقابلتها في المناطق التي كانت في ذلك الوقت تحت سيطرة «داعش» في العراق وسوريا، شكوكها في صحة الأرقام الرسمية المتداولة، متسائلة عن أماكن وجود هذا العدد الكبير من العناصر، إن صحت هذه التقديرات. من الواضح إذن، أن تقديرات أعداد الإرهابيين جرى تضخيمها بمقدار كبير جداً، وفي هذا الصدد يقول حمد إنه «من الطبيعي أن تأتي أعداد أعضاء (داعش) المتداولة مبالغاً فيها نتيجة المعلومات غير الدقيقة والحملات الدعائية التي قامت بها المنظمة واستراتيجيتها التي اعتمدت على نقل مقاتليها من منطقة إلى أخرى، ما جعلها تبدو أكبر مما هي عليه فعلياً». وأيضاً يشير الخبير العراقي هشام الهاشمي إلى أن العدد الفعلي لمقاتلي تنظيم «داعش» بلغ 36 ألفاً توزّعوا بين سوريا والعراق، معتبراً أنه «لو أخذنا في الاعتبار المناصرين الذين اكتفوا بالتأييد والأعضاء المنخرطين فعلياً في التنظيم، فإن هذا العدد يمكن أن يرتفع إلى 120 ألفاً». على الرغم من هذه التناقضات، يعتقد الهاشمي أن بنية التنظيم الإرهابي تضعضعت بشكل كبير مع قائد التنظيم أبو بكر البغدادي، القائد الوحيد الذي يبدو أنه نجا من أصل 43 قائداً سبقوه. فوفقاً للهاشمي يبدو وضع التنظيم اليوم أشبه بـ«حكومة ظل» مع بضعة آلاف من المقاتلين المنتشرين بين العراق وسوريا. وقدرت صحيفة «المصدر» مؤخراً أن في سوريا وحدها ما بين 8 و10 آلاف مقاتل من «داعش»، ولو أن القسم الأكبر من نشاط التنظيم يبقى متمركزاً في مناطق النزاع في العراق. المقاتلون هؤلاء، كما يبدو، عادوا إلى أساليبهم القديمة في التمرد. إذ عمدت قناة «تليغرام» التابعة لـ«داعش» إلى توزيع معلومات جديدة عن الهجمات التي وقعت أخيراً في كل من العراق وسوريا، بعد فترة من الصمت. وأورد العدد الأخير من نشرة «النبأ»، الصادرة باللغة العربية والتابعة للتنظيم، عدة هجمات في سوريا والعراق. وذكرت المنظمة الإرهابية أنها شنت هجوماً في دمشق على القوات الموالية لنظام الرئيس بشار الأسد، وهذا الخبر أكده الموقع الإلكتروني المؤيد للنظام «المصدر». وتحدثت نشرة «النبأ» أيضاً عن هجمات لـ«داعش» شرق البلاد في منطقة البوكمال جنوب شرق سوريا. أيضاً، وفقاً لنشرة «النبأ» قام «داعش» بتفجير 18 عبوة ناسفة في كركوك، ونفّذ 8 عمليات اغتيال ضد القوات العراقية، وشن أكثر من 18 هجومًا على المنطقة وهجومًا انتحاريًا واحدًا. وأدى كمين لـ«داعش» في الحويجة إلى مقتل 27 من عناصر وحدات «الحشد الشعبي» العراقي. كما قام التنظيم بضرب القوات العراقية في الموصل وديالى ونجح في اغتيال أحد أعضاء «الحشد الشعبي» في قلب بغداد. أما الموضوع الآخر الذي يشغل بال الخبراء الدوليين هو مصير المقاتلين الأجانب الذي قدّر عددهم بـ30 ألف مقاتل. وهنا يقول الهاشمي إن الأجانب في التنظيم لم يكونوا بالضرورة مقاتلين، باستثناء الليبيين والعناصر من القوقاز، بل إن غالبيتهم كانوا يتولون الشق الإداري مثل بعض السعوديين الذين اهتموا بقسم الشريعة وبعض الأوروبيين الذين توجهوا أكثر إلى تقديم الدعم الفني وتولوا قسم الأبحاث الكيميائية. وبالتالي، فإن الفرع المسؤول عن التخطيط للهجمات في الخارج لم يتأثر كثيراً بالخسائر التي مني بها التنظيم، وفق الخبير العراقي «بالنسبة إلى فرنسا مثلاً، تشير التقديرات إلى أن نحو 2000 شخص انضموا إلى (داعش) طوال مدة 5 سنوات، من ضمنهم نساء وأطفال. وحتى الآن، عاد منهم فقط ما يزيد بقليل على 200 شخص (أي نحو 10٪) ويبدو أن مائة آخرين على وشك القيام بذلك، طوعًا أو قسراً». وفي هذا الصدد، في مقابلة مع «الشرق الأوسط» يوضح الخبير الفرنسي في شؤون الإرهاب وضابط الاستخبارات السابق آلان شوي، أن «العديد من هؤلاء اعتُبروا في عداد المتوفين أو الفارين، وهذا ينطبق على مواطنين أوروبيين آخرين مثل البلجيكيين والألمان والبريطانيين». وأردف شارحاً: إن «عدد مؤيدي (داعش) في أوروبا قد يكون أعلى من ذلك بكثير، كما أنه من الصعوبة بمكان إحصاؤه وتقديره في حال أردنا احتساب الأشخاص الذين (تعاونوا) بشكل غير مباشر مع التنظيم من دون مغادرة بلدهم من خلال بث الدعاية أو تجنيد العناصر». وعليه، لا تزال الصورة ضبابية حول قدرات «داعش» وعدده، إلا أنه وعلى الرغم من الخسائر العديدة التي مني بها، فإن الاضطراب المستمر في العراق وسوريا قد يصب في النهاية لصالح التنظيم ويؤدي إلى إعادة ضخ الدم في عروقه.

«داعش» في طبعته الثانية

التمدد شرقاً نحو أفغانستان وباكستان بداية لمرحلة أصولية جديدة

الشرق الاوسط...القاهرة: إميل أمين.... في منتصف شهر فبراير (شباط) الماضي وخلال مؤتمر صحافي عقده وزير الخارجية الأميركي «ريكس تيلرسون» مع نظيره الكويتي صباح الخالد الحمد الصباح، أكد الرجل على أن «داعش» يتهاوى لكنه لم ينته بعد، وأنه لا يزال يشكل تهديداً على المنطقة رغم تحرير الأراضي العراقية من سيطرة التنظيم العام الماضي. أحد أهم الأسئلة التي تطرح ذاتها في سياق تحليل تصريحات تيلرسون: «هل الرجل يتحدث عن واقع حال أم عن رؤى استشرافية تشارك بلاده في صنعها، بمعنى عدم السماح للتنظيم بأن ينتهي مرة وإلى الأبد، سيما إذا كانت هناك له أدوار لم تتم بعد، وجميعها تصب بالمطلق في صالح الرؤية الأميركية لصبغ القرن الحادي والعشرين بصبغة أميركية مطلقة، مما يستوجب قطع الطريق بنوع خاص على روسيا والصين، وجعل اقترابهما من آفاق القطبية العالمية، أو مشاركة واشنطن النفوذ حول العالم أثراً بعد عن... هل انتهي «داعش» بالفعل أم نحن على مشارف الطبعة الثانية من تنظيم الخلافة؟
إلى أين ذهب {الدواعش}؟
في قراءة أخيرة له يقدم الكاتب والباحث الفرنسي «تييري ميسان» تفكيكاً عددياً لتنظيم داعش الذي بلغ في ذروته نحو 240 ألف مقاتل، 40 ألف أعضاء في الجماعة النقشبندية، وهم جنود سابقون من الجيش العراقي الذين سرحهم بول بريمر، و80 ألف رجل من العشائر السنية في غرب العراق و120 ألف من سليلي المقاتلين اليمنيين، والسؤال هل تبخر هؤلاء دفعة واحدة؟
من الواضح أن هناك قصورا شديدا في وجود آليات لتقييم عدد القتلى في المعارك التي دارت رحاها طوال العامين الماضين، وعليه لا يعرف أحد كم تبقى منهم وإلى أين تسربوا، ومن عمد إلى تسريبهم في جنح الظلام تارة وفي ضوء الشمس تارة أخرى. على أنه وفي كل الأحوال يمكن القطع بأن فلول «داعش» قد وجدت لها حاضنات إرهابية في عدد من بلاد العالم، فقد سعى إلى الوجود في أفريقيا وبنوع خاص في الشمال الغربي، ودول الساحل وفي العمق. أما الساحل؛ فليبياً أسوأ مثال بعد فراغ السلطة الذي خلفه سقوط نظام القذافي، وفي قلب أفريقيا بدأ الوجود الداعشي في نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد ومالي، وغالبية تلك الدول تتسم بحضور لجماعات أصولية دخل بعضها مثل «بوكو حرام» في تشبيكات، ولاحقاً أبدى البعض الآخر رغبة في شراكات إلى أن وصل الأمر إلى الولاءات لـ«داعش»، لكن الانتشار الداعشي الأكبر لم يكن بعد في أفريقيا بل إلى مفر آخر.
طريق {الدواعش} إلى آسيا
لا تزال قارة آسيا وستظل طويلاً هي الهدف الأكبر للقوى الغربية والإمبريالية العالمية التي لا تريد لقلب العالم أن ينتقل من بين أياديها إلى الشرق حيث آسيا الصاعدة وبقوة بقيادة الصين لتغيير المشهد العالمي والذي حافظت فيه أوروبا والولايات المتحدة على صدارة العالم، بفعل خمسمائة عام من السيطرة على ثروات الأرض بالاحتلال والاستغلال، وكثيراً بالاحتيال والسطوة ولا يزال نموذج الكابتن «مورجان» قرصان القراصنة هو المثال الأكبر للقوى الغربية. حين بلور المحافظون الجدد وثيقتهم الأخطر (PNCA) عام 1997 كان الهدف وقف نمو الصين وعدم السماح لروسيا بأن تستيقظ من السبات العميق. تبلورت الوثيقة عام 2010 في القراءة الاستراتيجية الشهيرة المعروفة باسم «استراتيجية الاستدارة نحو آسيا» وللهدف ذاته، ولتحقيقها كان ولا بد من استخدام الأصوليات الإسلاموية مرة جديدة، لتفخيخ روسيا والصين من الداخل، وقد بدأ هذا السيناريو عبر «الربيع العرب» المكذوب في الشرق الأوسط، وكان الأمل تصعيده إلى شمال وشرق آسيا، غير أن الأميركيين فاتهم أن التاريخ لا يكرر ذاته وإن تشابهت أحداثه، ومع ذلك لم ييأسوا، وها هم يعاودون الكرة من خلال تصعيد الدواعش إلى أفغانستان وباكستان من جديد.
«داعش» خنجر في خاصرة روسيا
هل يمكن أن تضحى أفغانستان «عشاً ربيعياً» جديداً تنطلق منه الهجمات الإرهابية جهة روسيا والصين بترتيب وتدبير أميركيين بنوع خاص؟
من الوهلة الأولى يكاد القارئ يظن أن الأمر هين ويسير ولا يتجاوز استنساخ «طالبان» مرة أخرى لمجابهة الوجود السوفياتي في أفغانستان طوال ثمانينات القرن الماضي. السؤال المثير للتأمل: هل يعيد الأميركيون تجربتهم ثانية هناك ولهذا تبخر المقاتلون من سوريا والعراق ليظهروا مرة واحدة على الأراضي الآسيوية؟
الجواب عند «أندريه غروزين» رئيس قسم آسيا الوسطى وكازاخستان بمعهد بلدان رابطة الدول المستقلة، وفيه أن كل الدلائل تشير إلى أن الأميركيين يساهمون في تعزيز تنظيم الدولة في أفغانستان بهدف تمكين الأصوليين من التوسع، بما في ذلك على أراضى آسيا الوسطى، سيما وأن عبور المسلحين إلى أفغانستان يجري وفق الطريقة نفسها التي وصلوا فيها إلى العراق وسوريا، مما يعني أن الأميركيين يريدون خلق سوريا إضافية في خاصرة روسيا.
عوامل الجيوبوليتك في الصراع
لفهم أبعاد المشهد قد ينبغي علينا أن نوسع عدسة الرؤية، حيث يتم التأكد من أن الأميركيين قد باتوا في صراع يتجاوز زمن الحرب الباردة، ويكاد يقترب من المواجهة الساخنة مع الروس، ولذلك فإن الصراع الآن في جانب غالب منه صراع جيوبوليتكي، وتاليا عسكري، بمعني حتمية الاقتراب جغرافيا من الأراضي الروسية، وتالياً إعادة ترتيب أوراق الصراع على رقعة الشطرنج.
أما كيف احتدم الصراع، فهذا لم تجرِ به المقادير في يوم وليلة بل يبدأ من عند صحوة روسيا في أوائل الألفية الثالثة على يد فلاديمير بوتين، وصولاً إلى خطابه الأخير قبل بضعة أيام، ذاك الذي اعتبر بمثابة استعراض عضلات قبل الانتخابات الرئاسية، حيث قلب الطاولة كما يقال على الأميركيين، فعوضاً عن أن يكون القرن الحادي والعشرين قرناً أميركياً، رأينا بوتين يتحدث عن أن القرن 21 سوف يشكل موعداً لاعتلاء روسيا مركز الصدارة في العالم، بل وأعلن تحديه للولايات المتحدة بالكشف للمرة الأولى عن إضافات صاروخية جديدة للترسانة الروسية بينها صاروخ قادر على الوصول إلى أي مكان في العالم. بوتين وفي خطاب «حالة الأمة» أشار إلى أن الدور العسكري الذي تلعبه بلاده على الساحة السورية ساهم في استعراض مدى تقدم القدرات الدفاعية لروسيا أمام العالم، وفي الوقت نفسه كشف عن استقبال الترسانة الروسية الإنتاج الجديد من الصواريخ الثقيلة العابرة للقارات، وصواريخ كروز الموجهة، وأشار تحديداً إلى صاروخ «سارامات» الجديد غير محدود المدى والقادر على بلوغ أي مكان في العالم، ويستطيع حمل عشرة رؤوس نووية وبوزن أكثر من 200 طن، بالإضافة إلى صواريخ «كنيجال» و«أفنجارد» بقدراتهما على تجاوز أضعاف سرعة الضوء. هل كان للأميركيين أن يقفوا صامتين أم أن رؤاهم لروسيا هي التفتيت والتفخيخ من الداخل؟
«داعش» عوضاً عن «طالبان»
مؤخراً كان الرئيس الأميركي «دونالد ترمب» يرسم في الأفق سياسات بلاده القادمة في أفغانستان، مشيراً إلى أنه سيرسل المزيد من الجنود الأميركيين، ويرصد عدة مليارات من الدولارات للعمليات العسكرية المسلحة هناك، فهل الهدف الأميركي الأبعد هو استبدال «طالبان»، تلك الجماعة التي كانت واشنطن وراء نشوئها وارتقائها قبل بضعة عقود، بـ«داعش» التي ظهرت للنور من رحم الغزو الأميركي للعراق في منتصف العقد الأول من القرن الحالي؟
المؤكد أنه لا تزال «طالبان» وحتى الساعة هي الأكثر تأثيراً بما لا يقاس في أفغانستان، إلا أن الداعشيين يستجمعون قوتهم، وفي غضون عامين، كل شيء يمكن أن يتغير جذرياً، ولهذا السبب لا يمكن استبعاد ظهور «داعش» في أفغانستان، سيما وأن هناك حركة مرصودة من قبل الاستخبارات الروسية والصينية تؤكد قيام أجهزة استخباراتية عسكرية أميركية بإرسال المتطرفين من الدواعش، وغيرهم من الجماعات التي تختلف مسمياتها وتتحد في أهدافها عبر القائمين عليهم وهم عادة واحد وليسوا أكثر، وقد أرسلت جماعات «داعش» إلى شبه القارة الهندية، وأفغانستان، وباكستان، والهند، وبنغلاديش وميانمار، كما كشف «زامير كابلوف»، المبعوث الخاص لفلاديمير بوتين إلى أفغانستان.
فرص «داعش» في الانتشار آسيوياً
يعن لنا أن نتساءل هل من فرصة حقيقية لـ«داعش» لأن تحتل المكانة التي كانت لـ«طالبان» ولا تزال في أفغانستان؟
العارفون بخبيئة أمور «داعش» وبحسب فكر «إدارة التوحش» «لأبي بكر ناجي» فإن المرحلة الأولى للتنظيم تهتم وتكرس جهودها لما يعرف بـ«النكاية والإنهاك»، الأمر الذي تحلله بامتياز «جاكلين سذرلاند» عبر مجلة «ريل كلير وورلد»، وتبدو أن تلك المرحلة قد جرت بالفعل عبر لاعبين محليين، فـ«طالبان» كانت في طور الانبعاث في أفغانستان، كما أن الوجود العسكري الأجنبي دائم، لكنه متذبذب، وعلى هذه الخلفية تسبب العنف السياسي والفساد والاقتصاد الراكد في انهيار الفضاء السياسي في أفغانستان... ماذا يعني ذلك لـ«داعش»؟
بلا شك يجعل هذا الوضع من أفغانستان هدفاً عملياً سهلاً، لأن افتقار البلد إلى الديمقراطية والأمن يساعد «داعش» على مفاقمة الانقسامات المجتمعية الموجودة. والمعروف أن «داعش» لن تبدأ في أفغانستان من نقطة الصفر، فجماعة «إمارة خراسان» تمثل فرع «داعش» على الأراضي الأفغانية، وقد مارس هذا الفرع تكتيكه في كسب أراض في سبع محافظات أفغانية على الأقل. ومن المشاهد المثيرة للتساؤلات أن العقلية التي رسمت لـ«داعش» في سوريا والعراق ملامح ومعالم معاركها، تكاد تكون هي عينها التي تفعل الفعل نفسه في أفغانستان... ففي العراق وسوريا قامت تكتيكات «داعش» على الاستيلاء على المناطق ذات الحضور التاريخي، مما يقوض بسرعة حدود الدولة الوطنية. الأمر نفسه نراه يتكرر في أفغانستان، فقد ادعت «إمارة خراسان» سيادتها على منطقة تاريخية تضم أجزاء من أفغانستان وباكستان الزمن الحاضر، وبتحديد الأراضي استناداً لأهميتها التاريخية بالنسبة للإسلام، على عكس حدود الدولة – الأمة، يتعزز هدف «داعش» المتمثل في نزع الشرعية عن مؤسسات أفغانستان وزرع البذور للاستيلاء على كامل البلاد، عبر مخطط تنفذه نواة «داعش» المركزية، أو إن شئت الدقة قل العقول الحقيقية التي تتلاعب بالدواعش كما صانع العرائس في المسرح والذي يحرك الدمى كيفما شاء وآنى له أن يشاء.
باكستان والانتشار {الداعشي}
ظلت باكستان ولعقود طويلة مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالنفوذ الأميركي، وبالتنسيق الاستخباراتي بين الجانبين وقد تحدثت هيلاري كلينتون ذات مرة حين كانت تشغل منصب وزيرة خارجية بلادها عن تلك الروابط والعلاقات وكيف دعمت واشنطن المؤسسة العسكرية والأمنية الباكستانية لصالح مشروعاتها سيما في أزمنة الحرب الباردة. غير أن ذلك لم يكن ليذهب الشكوك المتبادلة بين الجانبين وقد تعاظمت في الأوقات الأخيرة، وبدا أن دونالد ترمب يستخدم التهديد تجاه باكستان، بأكثر مما يفعل بالوعيد. المؤكد أنه إذا كانت فكرة «داعش» قد باتت تستهوي عدداً كبيراً من عناصر «طالبان»، فإن باكستان أيضاً تواجه فيها الحكومة الاتحادية والجيش مشكلة كبيرة في بسط سيطرتها هناك، ففي شريط فيديو تم بثه في يناير (كانون الثاني) الماضي على مواقع أصولية، أعلن نحو عشرة من عناصر «طالبان» غالبيتهم من باكستان، الولاء لتنظيم داعش وزعيمه أبو بكر البغدادي وفي أعقاب تلك العملية مارس ترمب في خطابه ضغطاً على باكستان، معتبراً أنها «غالباً ما تشكل ملجأ لعناصر الفوضى والعنف والترهيب»، وأنها ستخسر كثيراً إذا واصلت إيواء مجرمين وإرهابيين يزعزعون أمن أفغانستان المجاورة مشدداً على أن هذا الوضع لا بد وأن يتغير فوراً. وعليه فإن فرص المكايدة السياسية الباكستانية يمكن أن تتيح للدواعش فرصة للانتقام من الهند، تلك التي يتحدث البعض مؤخراً عن دور أميركي واضح في زخم الأصولية البوذية لملاقاة ومواجهة الأصولية الإسلاموية، وكأن صموئيل هنتنجتون لم يمت بعد، ونظريته عن صراع الحضارات والثقافات لا تزال قائمة ولم تندثر. الأصابع الخفية التي توجه «داعش»، تنفخ النيران في الأصوليات الإسلاموية القائمة والقادمة في أفغانستان وباكستان استعداداً لخطة الانطلاق إلى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، من جهة، ومحافظات وولايات الصين الفسيحة من جانب آخر، فعلى أراضي أفغانستان وباكستان توجد بالفعل جماعات تتألف أساساً من مهاجرين من جمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي، وتعاني دول آسيا الوسطى الضعيفة مشكلات داخلية يمكن أن تضحى الأرضية الأفغانية بنوع خاص مجرد صاعق لتفجيرها. لكن قائل يذهب إلى أن واشنطن تحارب «داعش» و«القاعدة» في أفغانستان وتلقى هناك «بأم القنابل» فكيف يستقيم القول إنها تعد الدواعش من جديد في جولة مواجهة مضادة لروسيا والصين؟
الخلاصة، كما كان الإخوان المسلمين، ومن بعدهم القاعدة، والآن «داعش»، لن يتخلى الغرب عن أدوات براغماتية أصولية نافعة وناجعة لزخم استراتيجياته للهيمنة على العالم في الحال والاستقبال... من قال إن زمان «داعش» قد ولى وإن تنظيمه قد انهزم؟

 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,179,229

عدد الزوار: 6,759,230

المتواجدون الآن: 124