إيطاليا سفينة توشك على الغرق واليمين الشعبوي لا يمكن أن يكون المنقذ...

تاريخ الإضافة الأحد 18 آذار 2018 - 6:10 ص    عدد الزيارات 1377    التعليقات 0

        

إيطاليا سفينة توشك على الغرق واليمين الشعبوي لا يمكن أن يكون المنقذ...

الحياة....محمد خلف ... لا يعرف الإيطاليون، على رغم مرور نحو أسبوعين على الانتخابات العامة، من سيكون رئيس الحكومة الجديدة، بل حتى إذا كان بالإمكان التفاؤل بولادة مثل هذه الحكومة في ضوء النتائج التي أسفر عنها الاقتراع في 5 آذار (مارس) الجاري. ووفق (بي بي سي)، فإن» إيطاليا تبدو بعيده من بلورة تشكيلة حكومية في الأمد القريب، ما يتيح ترجيح احتمال الدعوة إلى انتخابات جديدة، ولكن من دون ضمانات قاطعة بتغييرات جوهرية في النتائج». السيناريو الأسوأ للاتحاد الأوروبي يتمثل في تشكيل تحالف يضم الشعبويين المناهضين للمشروع الأوروبي (حركة 5 نجوم) و(رابطة الشمال)، وهو أمر مستبعد على خلفية تأكيدات قادة (5 نجوم) رفضها الانضمام إلى حكومة ائتلافية. والسؤال الذي أثاره المراقبون هو ما إذا كان ذلك تعبيراً عن رغبة في الانعزال السياسي، أو مناورة ولعبة سياسية لخلط الأوراق والخروج بمكاسب أكبر في إطار صفقة محددة، بحسب ما نقلته صحيفة «الغارديان»عن المحلل فولفغانغو بيكولي. أما الاحتمال الآخر، فهو أن ينسحب برلوسكوني من تحالف يمين الوسط الذي يضم حزبه «فورتسا إيطاليا» و «رابطة الشمال» وحزب اليمين المتشدد «إخوة إيطاليا»، وأن يحاول تشكيل توليفة تحالف واسع مع الأحزاب التقليدية. هذا بالتأكيد ما يفضله الشركاء الأوروبيون لإيطاليا، ويدفعون باتجاه تحقيقه لكي يتجنبوا صداعاً جديداً على شاكلة البريكزيت. إلا أن نتائج الانتحابات تعرقل مثل هذا السيناريو لأن الحزبين لا يمتلكان الغالبية اللازمة لتشكيل حكومة، فضلاً عن أنه من المستحيل الحصول على دعم «5 نجوم» في البرلمان لمثل هذا المخرج. أما في حال بقي برلوسكوني في التحالف الانتخابي وبدأ يدير مفاوضات لتشكيل الحكومة المرتقبة، فعندها ستبرز مشكلة الشخصية التي ستترأسها، لأن برلوسكوني بحكم القانون محظور عليه تسنم أي منصب رسمي بسبب الحكم القضائي الصادر بحقه لارتكابه جريمة التهرب الضريبي، من دون تجاهل أن المعارضة تريد هذه المنصب لزعيم رابطة الشمال ماتيو سالفيني كونها تمتلك أكبر عدد من المقاعد في البرلمان.

سارة وأنديا وأليساندرو

سارة، أنديا، وأليساندرو يتقاسمون هموماً مشتركة، والثلاثة في سن المراهقة، البنتان في عمر الـ19 عاماً، فيما أليساندرو في الـ18. درس الثلاثة وتخرجوا في مدرسة واحدة، وهم يتميزون عن أقرانهم من التلاميذ بعدم ولعهم بوسائل التواصل الاجتماعي، وبعدم استخدامهم منصة فايسبوك، لأنهم يعتقدون أن ذلك مضيعة للوقت، فضلاً عن عدم نقاوة البيئة الافتراضية التي برأيهم لا تختلف عن الفضاء السياسي والاجتماعي العام في إيطاليا، بلدهم الذي أصبحوا لا يطيقون العيش فيه، لأنه لا يعدهم بمستقبل واعد. هواجس المراهقين الثلاثة لا تقتصر عليهم، فهي تكاد تتحول ظاهرة تسود أوساط الجيل الجديد من الإيطاليين. يقر السياسيون الإيطاليون وخبراء الاقتصاد بعجزهم عن وضع الحلول لهذه المشكلة المتفاقمة منذ عقدين من الزمن وأدت إلى نتائج بالغة السلبية على الاقتصاد والتنمية والحياة الاجتماعية. يتضح من استطلاع للرأي عن توجهات الشباب في المدينة التاريخية كاستيلو فرانكو فينيتو شارك فيه 430 من اليافعين الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و19 سنة، أن 74 في المئة منهم أعربوا عن رغبتهم في إكمال دراستهم خارج إيطاليا، وذكر 46.5 في المئة أنهم بحثوا عن عمل في دول أوروبية أخرى، فيما قالت غالبية المشاركين في الاستطلاع إنهم لا يعتقدون أن بلادهم ستتطور نحو الأفضل في غضون السنوات العشر المقبلة. وأفادت دراسة أعدتها مؤسسة (Garitas) بأن المعدل الوسطي للدخل للفئة العمرية 18-34 سنة سجل خلال العام 2016 نسبة أقل بمرتين للفئة العمرية نفسها في العام 1995، بينما كان دخل العائلات للفئة العمرية من 63 فما فوق قد سجل ارتفاعاً بنسبة 60 في المئة خلال العام ذاته 2016. تأتي إيطاليا ضمن 3 دول أوروبية كبرى ترتفع فيها أعداد العاطلين من العمل في أوساط الشباب، وكذلك الشباب الذين لا يعملون ولا ينتظمون في دورات تدريبية ولا يتلقون التعليم أو الدراسة في المدارس أو المعاهد المختلفة. ويعزو الخبراء هذه المشكلة إلى شكل وجوهر التركيبة الاقتصادية في إيطاليا «إذ إن 95 في المئة من الناتج القومي الإجمالي مصدره من شركات تستخدم أقل من 10 عمال أو موظفين». وبحسب بيانات وردت في صحيفة (Financial Times)، فإن « 3 آلاف شاب إيطالي يهاجرون إلى الخارج سنوياً مفضلين العمل في ألمانيا والولايات المتحدة وسويسرا وبريطانيا على رغم بريكزيت».

اقتصاد يترنح وحكومات عاجزة

بدأ العام الجديد والاقتصاد الإيطالي يترنح تحت ضربات موجعة، بعضها قديم والبعض الآخر ناجم عن التداعيات السياسية والاقتصادية التي ولدتها برامج الحكومات الإيطالية المتعاقبة. ويتوقع الخبراء خلال العام الجاري نمواً مخيباً للآمال لا يتعدى 0.8 في المئة، بزيادة 0.1 في المئة عن العام الماضي، وأن يصل معدل النمو في السنة المقبلة إلى 0.9 في المئة. فيما يتجاوز الدين العام لإيطاليا تريليوني يورو، وهو ما يجعل منه الأكبر في أوروبا كلها من حيث الحجم. وتخطط إيطاليا لتقليص مديونيتها من 133.2 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي هذا العام إلى 127.5 في المئة بحلول سنة 2020. وبحسب مجلة «الإيكونوميست»، فإن الدين العام يمثل مشكلة إيطاليا الكبرى إلى جانب انخفاض الإنتاجية، إذ تأتي إيطاليا في الذيل بعد الولايات المتحدة ثم اليابان وبريطانيا وفرنسا وألمانيا على الترتيب في مستوى الإنتاجية. يقول مؤلف كتاب «شجاعة إيطاليا» بيل إيموت، إن «النموذج الإيطالي أشبه بالسفينة العريضة القاع التي يمكنها أن تصمد أمام العواصف وليس يخت السباق القادر على الفوز في المسابقات». وحذر الاتحاد الأوروبي إيطاليا من أن اقتصادها لا يشهد أي تحسن في الوقت الذي لا يزال هذا البلد الأوروبي يكافح لإصلاح عجزه الهيكلي، وفقاً لما أوردته صحيفة «إكسبرس» البريطانية، التي نقلت عن نائب رئيس المفوضية الأوروبية يوركي كتاينن قوله إن «الأوضاع الاقتصادية في إيطاليا لا تتحسن»، مرجحاً أن الوضع سيسير من سيئ إلى أسوأ مع توقعات بأن يزيد عجز الموازنة الحكومية في العام 2018 بواقع 3.1 بليون إسترليني (3.5 بليون يورو) عن القيمة التي كشفت عنها حكومة باولو جنتيلوني في الربيع الماضي. وتشير البيانات إلى أن منسوب المزاج العام المناهض للمشروع الأوروبي يرتفع بين الفئات الاجتماعية العمرية تحت الـ45 عاماً في سياق تنامي الدعم والتأييد للحركات الشعبوية مثل «5 نجوم» وهو ما أكدته نتائج الانتخابات.

يخشى الاتحاد الأوروبي من تداعيات ومخاطر حدوث شلل في إيطاليا فيما لو فشلت المساعي لتشكيل الحكومة، ما دفعه إلى العمل لتشكيل ائتلاف كبير بين الزعامات السياسية المؤيدة لأوروبا يجنب البلد «أسوأ سيناريو». وقال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر: «أود أن يكون بوسع إيطاليا أن تمتلك حكومة تحكم بالاستناد إلى دعم برلماني». إشكالية الانتخابات الإيطالية أنها تعتمد مزيجاً معقداً من النسبية والغالبية، وتسمح بالحصول على الغالبية من خلال الفوز بنسبة 40 أو 45 في المئة من الأصوات، ويرى أستاذ القانون الدستوري ميكله أنييس، أن «عدم تحقق الغالبية البرلمانية أدى إلى تعقيد المشهد السياسي، وهذا ربما سيضطر الرئيس سيرجو ماتاريلا إلى اختيار الشخصية المفضلة لديه من السياسيين لتشكيل الحكومة الجديدة، وقال: «من الصعب معرفة ما يدور من أفكار في رأس الرئيس لأنه على خلاف سلفه جورجيو نابوليتانو الذي ترأس البلاد في الفترة 2006- 2015 وكان يمتلك برنامجاً سياسياً واضحاً ولم يخفِ كراهته حركة «5 نجوم» الشعبوية، فيما ماتاريلا يتجنب الإفصاح عن نياته أو الكشف عن أي مواقف سياسية صريحة».. وفقاً لمدير «الوكالة الاستشارية للمخاطر السياسية» فرانانشيسكو غاليتي، فإنه وعلى رغم الفجوة الكبيرة والاستياء المتبادل بين زعماء «5 نجوم» وخصومهم من الأحزاب الكبرى فإن الرئيس ماتاريلا ربما سيحاول التوسط بين زعماء القوى المختلفة وإقناعهم بضرورة قيام تحالف حكومي عريض».

تعقيدات انتخابية وعوامل جديدة

لطالما تميزت الانتخابات في إيطاليا بتعقيداتها الكثيرة ولم تخرج هذه الانتخابات عن هذه القاعدة على رغم تأثرها بعوامل وآليات تشريعية جديدة، من بينها النظام الانتخابي المعدل، الذي بحسب المراقبين تسبب في عدم تحقق غالبية كافية لتشكيل الحكومة، إذ تنص بنوده الجديدة على انتخاب مجلس النواب من خلال اقتراع مباشر على 232 مقعداً، في حين تجرى الانتخابات على 386 مقعداً من طريق القائمة النسبية، بينما يصوت الإيطاليون في الخارج على مرشحين لـ12 مقعداً، ما يجعل عدد مقاعد المجلس 630 مقعداً، وهذا يسري أيضاً على انتخابات مجلس شيوخ الجمهورية حيث يتم الاقتراع المباشر لتحديد نواب يشغلون 102 مقعداً بينما تطبق القوائم النسبية لانتخاب الأعضاء الذين يشغلون 2017 عضواً، وستة مقاعد يحدد شاغليها الإيطاليون في الخارج. هذه الانتخابات مثل سابقاتها لم تكن بعيدة من تدخل عصابات المافيا ونفوذها لترجيح من تريده في البرلمان ومن ثم في السلطة، وهو ما نبه إليه وزير الداخلية ماكرو مينتي، بقوله إن الإيطاليين عندما يتوجهون إلى الصناديق يفعلون ذلك وسط تكتم شديد على الخطر الملموس لعصابات المافيا الإيطالية التي تهدد دائماً العملية الديموقراطية في البلاد. وتنشط في صقلية وكامورا عصابات منظمة عرفت طيلة السنوات المنصرمة بشراء أصوات الناخبين لإيصال السياسيين المتعاونين معها إلى البرلمان والحكم.

أمل الشباب المفقود

تعيش إيطاليا أجواء متوترة بعد قيام شخص ينتمي إلى اليمين المتطرف في أواخر الشهر الماضي بقتل ستة مهاجرين أفارقة، في جو مشحون من العداء للمهاجرين تغذيه قوى اليمين الشعبوي التي جعلت هذه القضية في مركز حملاتها الانتخابية لكسب المزيد من أصوات الناخبين المناهضين للهجرة والاتحاد الأوروبي. وقال بيرلوسكوني أن «إيطاليا تتحمل أعباء 600 ألف مهاجر غير شرعي يوفرون معيشتهم اليومية من الجريمة»، معتبراً أنهم «قنبلة اجتماعية حقيقية جاهزة للانفجار». إن عزوف الشباب عن الأحزاب التقليدية اليسارية واليمينية يتحمل مسؤوليته قادتها الذين استهلكوا السلطة وانغمسوا في امتيازاتها تاركين فئات كبيرة من الشعب تقع في مصيدة سحر الخطاب المعادي للعضوية في الاتحاد الأوروبي. وتشير دراسة أعدتها (Benenson Srategy Group) في تشرين الأول العام الماضي إلى «أن 51 في المئة من الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً يميلون إلى التصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي إذا ما تم إجراء استفتاء عام في البلاد، مقابل تصويت 26 في المئة من الأفراد الذين تزيد أعمارعم على 45 عاماً على البقاء في الاتحاد»، فيما قال 71 في المئة من فئة الأقل من 45 عاماً، إن البلاد تسير في الطريق الخطأ، وقال 46 في المئة إن الاتحاد الأوروبي ينمو ويتطور على حساب إيطاليا». وصل إلى إيطاليا منذ العام 2013 أكثر من 600 ألف مهاجر غير شرعي. وتمثل إيطاليا المنفذ الرئيسي الذي يدخل عبره المهاجرون الأفارقة القادمون في قوارب الموت إلى أوروبا. ويتضح من بيانات وكالة الهجرة الإيطالية أن 25 في المئة من المهاجرين حصلوا إما على حق اللجوء أو ترخيص الإقامة، فيما واصل 150 ألفاً آخرون طريقهم إلى دول أوروبا الشمالية الغنية. ويتوعد برلوسكوني وزعماء اليمين الشعبوي بطرد 100 ألف مهاجر ولاجئ سنوياً. واعتبر الصحافي اليساري غاد ليرنر على حسابه في «تويتر»، أن هذا الوعيد مستحيل التنفيذ، إذ لم تتمكن السلطات المعنية طيلة العام 2016 من طرد سوى 5800 لاجئ إما طوعاً أو بالقوة. ويترقب الإيطاليون تطورات الأزمة الناجمة عن غياب غالبية نيابية كافية لتشكيل حكومة، وبالنسبة إلى الشباب، فإن أيًّا من السيناريوهات المحتملة لا يحمل معه الحلول التي ينتظرها سارة وإنديا وأليساندرو للمشكلات التي تجعلهم يفقدون أي أمل بتحقيق أمنياتهم في وطنهم الأم.

 

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,358,631

عدد الزوار: 6,888,438

المتواجدون الآن: 70