ملف سوريا...«غصن الزيتون» التركي طوق نجاة للأسد؟..

تاريخ الإضافة الجمعة 2 شباط 2018 - 7:33 ص    عدد الزيارات 2038    التعليقات 0

        

«غصن الزيتون» التركي طوق نجاة للأسد؟..

الحياة...بشير عبد الفتاح .. * كاتب مصري... على رغم تداعيات سلبية محتملة على شعبية أردوغان في الداخل التركي مع اقتراب موعد الاستحقاقين البرلماني والرئاسي بالتزامن خلال العام المقبل، وإشارات لنذر صدام ممكن بين أنقرة وواشنطن في الشمال السوري، لم تخل عملية «غصن الزيتون» التي يشنّها الجيش التركي بإسناد من فصائل الجيش السوري الحر، ضد معاقل المقاتلين الأكراد السوريين في عفرين منذ العشرين من الشهر الماضي، من فرص حقيقية لتعويم نظام بشار الأسد، الذي لم يتورع من جانبه عن اعتبار تلك العملية بمثابة عدوان صريح على بلاده وانتهاك صارخ لسيادتها الوطنية. فلقد أعادت عملية «غصن الزيتون» تموضع الرئيس السوري، باعتباره رقماً صعباً في معادلة التفاعلات السياسية والعسكرية التي تحيط بتلك العملية المربكة لحسابات مختلف الأطراف المعنية بالشأن السوري، بعدما جنح بعضها لمد جسور التواصل مع الأسد بغية تقليل الخسائر وتعظيم المكاسب الاستراتيجية المتوقعة من وراء العملية العسكرية التركية. ففي مسعى منها لتقليص الكلفة الاستراتيجية المتعاظمة لتدخلها العسكري المثير في سورية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، أطلقت السلطات التركية اتصالاتها غير المعلنة مع نظام الأسد عبر قنوات شتى وعلى مستويات مختلفة، استناداً إلى استدارة حياله كانت قد وضعت بذورها مع بداية التدخل العسكري الروسي في سورية في أيلول (سبتمبر) من عام 2016. وشرعت أنقرة في مد جسور التواصل مع الأسد بعدما نمي إلى علمها معلومات عن تفاهمات يتم التحضير لها بين الأسد وموسكو وواشنطن وطهران، بغرض دعم الأكراد عسكرياً في مواجهة الهجوم التركي، بما يتيح إطالة أمد عملية «غصن الزيتون» على النحو الذي يفضي إلى استنزاف القوات التركية عسكرياً داخل الأراضي السورية، في الوقت الذي تتخوف أنقرة، التي سحبت سبعة آلاف مقاتل من الجيش الحر من إدلب للمشاركة في العملية، من أن يستجيب الأسد لمطالب الأكراد بنشر قواته في عفرين توطئة للتحرك لاحقاً لاقتناص إدلب. فبعدما أرسلت «مذكرة رسمية» إلى القنصلية السورية العامة في إسطنبول تخطرها خلالها بأمر عملية «غصن الزيتون» قبيل ساعات من إطلاقها، ألمح السفير التركي لدى دمشق إلى وجود اتصالات في الكواليس بين أنقرة والنظام السوري على مستوى متوسط. وفي السياق ذاته، تم تداول أنباء عن تفاهمات تجري في الخفاء بين أنقرة ونظام الأسد، برعاية روسية- إيرانية، للتخفيف من أعباء وتداعيات عملية «غصن الزيتون» العسكرية سواء بالنسبة لتركيا أو باقي الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الأزمة السورية، بما يمكن أن يقود في نهاية المطاف إلى إعادة تعويم نظام الأسد. وراجت بالتزامن أحاديث عن صفقة تبرم بين موسكو ودمشق وأنقرة، تقوم بموجبها الأخيرة بتسليم إدلب وعفرين للأسد حتى يستعيد سيطرته على الشمال السوري، على أن يعمل في المقابل على إعادة وضع الأكراد السوريين لما كان عليه قبل عام 2011، بما يعني كبح جماح تطلعاتهم الاستقلالية والانفصالية التي تفاقمت على أثر مشاركتهم الناجزة في محاربة تنظيم «داعش» الإرهابي. واستلهاماً لهذه الاستدارة التركية، وجد أكراد سورية أنفسهم مدفوعين إلى إعادة صوغ علاقاتهم مع نظام الأسد كما باقي الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، انطلاقاً من معطيات قهرية ومستجدات حاكمة، كان من أبرزها: اشتداد وطأة الهجوم العسكري التركي الشرس على معاقلهم بالشمال السوري، ووصوله إلى بؤر حيوية في داخل العمق الكردي، إلى حد ينذر بمواجهة تركية- كردية شاملة على مستوى الشمال السوري قاطبة، وليس فقط في عفرين، خصوصاً مع رفض أنقرة مطالبات إدارة ترامب بأن تبقي عملية «غصن الزيتون» محدودة النطاقين الجغرافي والزمني، وإصرار أردوغان على المضي قدماً في العملية الممتدة على أربع مراحل، مستنكراً عدم تحديد واشنطن للمدى الزمني والنطاق الجغرافي لعمليات عسكرية أميركية سابقة في أفغانستان والعراق، ثم تأكيد السفير التركي في عمّان، مراد كراجوز، أن عملية «غصن الزيتون» ليست محددة بأي مدى زمني أو نطاق جغرافي، مشدداً على عزم بلاده مواصلة هذه العملية حتى تحقيق ما وصفه بـ «تحييد آخر عنصر إرهابي» يهدد أمن الحدود التركية، وبما يعزز «وحدة الأراضي السورية.» ربما لا تبدو تركيا، التي تستضيف نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون لاجئ سوري على أراضيها، مستعدة أن تكون الطرف الخاسر في معادلة إدارة الأزمة السورية، خصوصاً بعدما أعلن الرئيس أردوغان قبل أسابيع أنه لن يكون بمقدور من لا يتمتع بحضور عسكري قوي في الميدان أن يحظى بموقع مؤثر على طاولة المفاوضات. ويصر أردوغان على أن تمتد عملية «غصن الزيتون»، التي يطلقها استناداً إلى مبدأ حق الدفاع عن النفس الذي تكفله المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ «حق المطاردة الساخنة»، المستمد أساساً من اتفاقية قانون البحار عام 1982، والذي يتيح للدول التي تتعرض لعدوان من دول أخرى تعجز عن السيطرة على أراضيها ومنع هذا العدوان، أن تقوم الأولى بعمل عسكري محدود داخل تلك الأخيرة لوقف ذلك العدوان، لتطال مدينة منبج هذه المرة بعدما عجز من قبل عن السيطرة عليها خلال عملية «درع الفرات» التي أطلقها في آب (أغسطس) عام 2016، جراء الرفض الأميركي والروسي. ويبدو أن أكراد سورية لا يعولون كثيراً على الدعم الروسي أو الأميركي، بعدما ثبت لهم، بما لا يدع مجالاً للشك، أن موسكو وواشنطن لا يمكن أن تضحيا بالحليف التركي من أجلهم. وبينما لا تهتم موسكو كثيراً بما هو أبعد من مناطق تموضع قواتها وقواعدها العسكرية، لم تعد واشنطن تكترث بمآلات مدن الشمال السوري باستثناء بؤر جيوسياسية حيوية كمحافظة الحسكة، التي تتطلع إلى إنشاء قاعدة عسكرية أميركية فيها، ربما تغدو بديلة لقاعدة «إنغيرلك» الموجودة داخل الأراضي التركية. بينما لا تعارض إدارة ترامب بقاء مناطق كالرقة ودير الزور تحت سيطرة وحدات حماية الشعب الكردي، إلا أنها لن تلتزم بحمايتها، لاسيما بعد أن كشفت وكالة «الأناضول» التركية الرسمية للأنباء عن اقتراح تقدم به وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، خلال لقاء ثنائي جمعهما في العاصمة الفرنسية باريس قبل أيام، يتضمن موافقة واشنطن على إقامة مجال أمني بعمق 30 كلم داخل الحدود السورية بما يلبي المخاوف الأمنية لأنقرة. وبناء عليه، قد لا تجد وحدات حماية الشعب الكردي بدا من إبرام صفقة مع نظام الأسد تسلمه بموجبها المناطق التي قامت بتحريرها من سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي، على أن يتعهد الأسد في المقابل بالعمل للحيلولة دون دخول الجيش التركي أو أي من القوات الموالية له إلى هذه المناطق. وبذلك، تكون الوحدات الكردية اختارت نيران النظام السوري، بدلاً من رمضاء مواجهة شاملة وغير متكافئة مع تركيا، يخسرون على إثرها كل شيء. حيث ستتيح لهم تلك الصفقة مع نظام الأسد الاحتفاظ بحق إدارة المناطق الكردية الغنية بالثروات الطبيعية تحت سيادة دمشق، استناداً إلى أن التبعية السياسية لنظام الأسد الضعيف، ربما تكون أفضل بالنسبة للأكراد من خوض غمار مواجهة مفتوحة وغير مضمونة العواقب وبلا دعم من أي حليف، ضد الجيش التركي وحلفائه، على غرار ما جرى في عفرين. ومن ثم، لم يتورع الأكراد السوريون عن مناشدة نظام الأسد بنشر قواته في عفرين ومحيطها، كما كشفت مصادر محلية، عن لقاءات جرت أخيراً بين قيادات من وحدات حماية الشعب الكردية وشخصيات عشائرية سورية محسوبة على نظام الأسد، بهدف إقناع الأخير بإرسال قوات تابعة له إلى مدينة رأس العين في ريف الحسكة الغربي الخاضع لسيطرة الأكراد، بما يمهد السبيل لإعادة ربط الشمال السوري جيواستراتيجيا في العاصمة دمشق. وإذا تسنى لأي من تلك الصفقات أو التفاهمات بين نظام الأسد وكل من أنقرة أو الأكراد، أن يبصر النور أو يترجم إلى إجراءات عملية على الأرض برعاية إقليمية ودولية، فحينئذ، ستتأتى للأسد فرصة تاريخية أشبه بقبلة الحياة أو طوق النجاة لنظام ما برح يناهض سقوطاً محققاً طيلة سبع سنين عجاف.

مشهد سوتشي السوري بعد انتظار

الحياة...عادل يازجي ... * كاتب سوري.... قوافل «الشعوب السورية» لم يكتمل نصابها بمقاطعة الأكراد وهيئة التفاوض العليا، وانسحاب المعارضة المدعومة من أنقرة، ومع ذلك شقت طريقها إلى سوتشي، غير مكترثة بالجو غائماً كان أو ماطراً أو عاصفاً، أو ضبابياً، باعتبار المؤتمر قراراً رئاسياً روسياً في توقيت لا يقبل العرقلة، إنها قوافل سلمية هدفها إنساني نبيل- الحوار، وراعيها الحلف الثلاثي (الروسي الإيراني التركي) المتكفل بصدّ العواصف السياسية عنها لم يقصّر مطلقاً، حفاظاً عليها وعلى مصالحه كحلف، ومصالح أركانه الثلاثة. والمؤتمر لم يفاجأ بالمنطقة السورية الآمنة على الطريقة الأردوغانية الإخونجية القاعدية، التي رسمت تركيا حدودها وثقافتها، بمقايضات ميدانية وسياسية مع واشنطن وموسكو وطهران، فهذه من «الصغائر»، لكن بيانه الختامي شدّد على الالتزام بسيادة سورية واستقلالها، ولم يتحفّظ الوفد التركي، وتجنّب الجميع إثارة زوابع استنكارية لا تقدّم ولا تؤخّر باشتباكات القطبية الثنائية في حرب المصادرات السياسية. جميع الأطراف العربية والإقليمية والدولية المتورّطة في الأزمة السورية كانت تهوّل من أخطار «نجاح» هذا المؤتمر على الشعب السوري في صراعه مع النظام والإرهاب، وعلى النظام في صراعه مع المعارضات بشتّى ألوانها وفصائلها، وعلى المعارضة التي يخشى عليها أصدقاؤها من الذوبان، ولا يرغبون فيها بديلاً عن نظام الأسد، وهي تتجاهل رغبتهم وتناضل لعلهم يتغيرون تجاهها، أو تتغير هي إن لم يكن من تغيُّرها بُدّ. ولم تتلاش هذه المخاطر بعد انعقاد المؤتمر، لأن قلق المجتمع الدولي ليس من المؤتمر بحد ذاته، بل من راعيه الحلف الثلاثي المرفوض إفرادياً، فكيف به حلفاً يتحدّى ويسيطر ويتوسّع؟

محاولة النفاذ إلى الدواخل في مواقف أطراف الصراع من المؤتمر، توحي بعدم رضاهم جميعاً، بمن فيهم الحلف الثلاثي الضامن والنظام أيضاً، مع أن الإطار العام للمؤتمر يوحي بأنه تظاهرة موالية له شكلاً ومضموناً، لكن تشكيل اللجنة الدستورية والتلميح والتسريب لما يؤمل منها لا يطمئن النظام. وعلى كل حال سلّة سوتشي الروسية التي حظيت بمباركة (شرعية) إيرانية- تركية، تشترك في معظم مراميها مع سلّة دي ميستورا التي حملها من جنيف إلى فيينا ولم يطرحها هناك! صحيح أن السّلّتين هجينتان عن المجتمع السوري، لكن سلة موسكو قد تستبدل المجتمع كله بآخر جديد مستورد يستوعب آلية التغيير في دويلات خفض التصعيد وفي السلطة المركزية، إذا اقتنعت اللجنة الدستورية بأفكارها الانتقالية غير الأممية التي تحملها سلة جنيف وتؤيدها المعارضة الخارجية سامحها الله؟

موسكو خلال العامين المنصرمين لم تأْلُ جهداً في البحث عن أُسُسٍ لتدبير الاعتراض السياسي السوري، والحدّ من انفلاشه في الداخل والخارج عربياً وإقليمياً ودولياً، ولذلك حاولت وما تزال إعادة تأهيل المعارضات كما يناسبها، لكنها لم تلقَ أذناًً صاغية حتى من أركان حلفها الثلاثي الذي تختلف أجندات أطرافه اختلافاً جوهرياً. ولإرضاء كل شاردة أو واردة سياسية أو مذهبية أو ثقافية كان هذا التوسع الكبير في عضوية المؤتمر إلى درجة أيقظت كل العصبيات النائمة تحت مظلة العنتريات الوطنية، كالعشائرية والقومية والعرقية والمذهبية حتى الطبقية أيضاً، وصنعت منها خلطة سحرية في الحوار الوطني إلى جانب الأحزاب وأطياف المجتمع المدني والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية والمعارضات السياسية الداخلية والخارجية؟

لم تظهر داخل المؤتمر معالم التخبط الدولي في معارك المصادرات السياسية والاقتصادية لنتائج استمرار التصعيد أو خفضه على رغم احتدامها خارجه، فهو مطمئن لحنكة الحلف الضامن له في الوصول إلى حلول بالتراضي مع واشنطن والمجتمع الدولي، ولو بتضمين نسبة ضئيلة من الورقة الأميركية الفرنسية البريطانية السعودية الأردنية فيما يصدر عن لجنته الدستورية، انسجاماً مع فلسفة خفض التصعيد حتى في وتيرة المشاكسات مع المجموعة الأوروبية بزعامة الرئيس الفرنسي ماكرون!

الهيئة العليا للمفاوضات امتدحت حرارة الدعوة الروسية لمشاركتها في المؤتمر، لكنها لم تقتنع بحجمها فيه، وهي تعلم أن سلتها المفضّلة (سلة الانتقال السياسي) التي استبعدها مؤتمر فيينا، لن تسمح بدخولها إلى سوتشي، فاعتذرت وبقي وفدها يحلق خارج سرب المؤتمر مكتفياً بالمنابر الإعلامية!

في قراءة (المابعد) لأفكار موسكو الدستورية توهُّمٌ بإمكانية التغيير على المدى البعيد في نمط التفكير والتكفير، السياسي والمذهبي. وهي بمعزل عن حلفها الثلاثي تسعى إلى القضاء على التكفير في التفكير المذهبي الذي هو الأساس الأيديولوجي لشريكتيها إيران وتركيا، وتتجاهل ارتباطه بالتكفير والتقديس السياسي المتحكم بهاتين الدولتين، لأنها (أي روسيا) لم تتخلَ عنه كلياً في ديموقراطيتها، وتريد إقناع الآخرين بصدقية أسلوبها لتحقيق التعددية السياسية في سورية. مشكلة مؤتمر سوتشي ليست فقط بمن حضره أو من غاب عنه، إنما في مخاطر الحلف الضامن له على الداخل السوري سياسياً وثقافياً وديموغرافياً، التي لا تقلُّ عن أخطار أعدائه على الحلف ذاته، وعلى سورية أرضاً وشعباً! فالشعوب لم تعد قادرة على طبخ موائد التغيير في مطابخها، ولا في مطابخ الآخرين، فإذا حقّق المؤتمر أي اختراق سياسي مهما ضؤل حجمه قد يكون صالحاً للبناء عليه مع استمرار التهدئة وتوسعها، أفضل من استمرار مؤتمر جنيف بلا أي مقدار من التفاؤل بالحل السياسي، مع ذلك فنجاح سوتشي أو فشله لن يجنّب المنطقة عربياً وإقليمياً مرحلة قلقة مليئة بالاحتمالات. إذا عاد مؤتمر جنيف إلى التداول بصيغته السابقة، وأحيلت عليه مفرزات سوتشي فتلك مصيبة. أو على أقل تقدير استمرار اللاحرب واللاحل. وخبثاء السياسة لا تأخذهم المواقف الاستعراضية في خلافات الثنائية القطبية، بل يظنون، وبعض الظن إثم، أن الخرائط قيد الاختبارات الميدانية، وتنتظر اللحظة الدولية المناسبة.

«اللاورقة» هل تؤسس للجمهورية السورية الثالثة؟

الحياة...سميرة المسالمة ... * كاتبة سورية.... أمضت معظم كيانات المعارضة السورية جلّ وقتها، خلال سبع سنوات منذ اندلاع الثورة في سورية، وهي تطالب الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل، بطريقة أو بأخرى، بوسائل الضغط السياسي او الضغط العسكري، لإسقاط نظام الأسد، أو لوضع حد لأعمال القصف الوحشية، التي واجه النظام بها ثورة السوريين، وحتى أنها لم تتوان عن الاحتفاء بأي تصريح، ولو كان تلميحاً، يخدم فكرة التدخّل المرجو. إلا أن نداءات تلك المعارضة، التي تستهدف انتزاع السلطة من الأسد ونظامه بالوسائل العسكرية، لم تكن يوماً على جدول أعمال أي من الأطراف الدولية، ما أسهم عن قصد أو غير قصد، باستمرار الصراع السوري، وذلك عبر دعمها التسليحي للطرفين (النظام والمعارضة)، وفق صيغة «لا غالب ولا مغلوب»، من خلال مشهدية تقسيم الأدوار وتناغمها، بين فريق داعم للنظام (روسيا وإيران)، وفريق صديق للمعارضة (الولايات المتحدة ومجموعة الدول الأوربية)، إضافة إلى تركيا الدولة الإقليمية، التي تلقت النتائج المباشرة للصراع بحكم موقعها الجغرافي المحاذي للحدود السورية، عبر موجات النزوح التي فاق تعدادها الثلاثة ملايين سوري. إلا أننا يمكن أن ننظر إلى الاجتماع المغلق الذي عقد في باريس (24/1)، وحضره وزراء خارجية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والسعودية والأردن، وما نتج عنه من توافقات بخصوص الصراع السوري، على أنه خطوة جادة باتجاه التدخل الإيجابي لتنفيذ القرارات الأممية بطريقة القفز فوق المصطلحات الخلافية، بين المعارضة والنظام، ومنها على سبيل المثال (هيئة الحكم الانتقالي، الغاء النظام الرئاسي، والفيدرالية)، والتعاطي مع مضمون القرارات بما يحقق تنفيذها عبر دستور جديد، بعيداً من التراشق بالمصطلحات، التي أدت، خلال السنوات الماضية، إلى مزيد من الخلافات بين طرفي الصراع من جهة، وبين أطراف المعارضة مع بعضها بعضاً من جهة أخرى، ولأسباب في معظمها مبنية على مرجعيات المعارضات غير السورية. على ذلك، فقد بدا، مؤخراً، أننا في مواجهة مفارقة غريبة، مع ظهور أصوات في المعارضة تنتقد أولى البوادر الجادة للتدخّل في الصراع السوري، بعيداً عن دعم فصيل عسكري هنا، أو فصيل مسلح هناك، وذلك بمسارعتها إلى كيل الاتهامات، أو طرح الشكوك، حول «اللاورقة»، التي نجمت عن الاجتماع المذكور، والتي يمكن البناء عليها، وبمثابة «خريطة طريق» لوضع حد للصراع السوري، بعد مشاورات تمت في واشنطن وباريس (بمبادرة أميركية -فرنسية)، باعتبار من رفضها يراها تجاوزاً للقرار 2254، وبيان جنيف1 (2012)، وأنها تحمل في طياتها مشروع تقسيم لسورية،على رغم أن التقديم لها من قبل الدول المعنيّة كان يستهدفإنهاء حال المماطلة في العملية التفاوضية، للتقدم بشكل أفضل وأكثر جدية نحو حلّ سياسي للنزاع، ووضع ثقلها وراء جهود ممثل الأمم المتحدة في سوريا. وفي الحقيقة فإن هذا الإضطراب في مواقف بعضالمعارضة يضعها من جديد أمام مواجهة ديبلوماسية مع أصدقائها، ويودي بها إلى التقارب مع موقف النظام من تلك «اللاورقة»،ومن الأطراف الدولية التي تقف خلفها، باعتبارها لا تصبّ في مصلحته، ولاتخدم سياسته التفاوضية، التي اعتمدت المراوغة في الجولات وتجنب الدخول في الملفات الأساسية. أما بخصوص النقاط الخلافية مع تلك «اللاورقة»، والتي تقارب بين النظام وبعض أطراف المعارضة، فيمكن تلخيصها في الآتي:

- أولاً، تطرح «اللاورقة» في مضامينها إدخال تغييرات على مسارات العملية التفاوضية، وموضوعاتها، بالخروج من مسار الجولات العبثية، التي كانت وصلت إلى ثماني جولات، من غير ذي عائد تفاوضي حقيقي بين الطرفين، ليحل مكانها اجتماع مفتوح التوقيت ودائم، لكل الأطراف المعنية، مع تحديد الموضوع المفترض مناقشته، في كل مرة، وتحديد الفترة الزمنية لانجازه.

- ثانياً، توضّح «اللاورقة» مواضع الخلاف بين الطرفين المعنيين، (النظام والمعارضة) دون مواربة، وتضع أولياتها اليوم بما يتعلق بالإصلاح الدستوري الذي تراه أساساً عملياً في الانتقال السياسي وليس العكس، وضمن ذلك النص علىتقليص صلاحيات الرئيس وتوزيعها على الحكومة والبرلمان، وإعطاء صلاحيات موسعة لرئيس الحكومة الذي يتم تعيينه بعيداً من رأي رئيس الدولة، وإبطال حق الرئيس باقالته.

- ثالثاً، تعتمد «اللاورقة» رؤية الاتحاد الأوروبي، التي طرحتها وزيرة الخارجية «موغريني»عام (2016)، لتصحيح مسار رؤية المعارضة في ما يتعلق بالنظام البرلماني، المشكل من غرفتين، إحداهما تختص بتمثيل كافة الأقاليم (المحافظات)، مع التأكيد أن الرئيس لا سلطة رئاسية له لحل البرلمان، ما يعني أننا إزاء نظام برلماني ولامركزي (فيدرالية من نوع ما، دون تسميتها صراحة).

- رابعاً، تتحدث «اللاورقة» عن اصلاح أجهزة الأمن وضمان الرقابة المدنية على الأجهزة العسكرية والأمنية، ووضع حد لإفلاتها من العقاب، والتزامها الدستور وحقوق الإنسان.

هكذا، فإذا كان النظام معنياً جداً برفض البند الأول المذكور، وذلك لكسب الوقت وتفويت الفرصة على المعارضة بدخول مفاوضات جدية، ضمن مسار التفاوض الأممي، الذي يعني إحالة نتائجه إلى مجلس الأمن، واتخاذ قرارات تنفيذية حيال ذلك، فإن المعارضة على عكس ذلك، أي يفترض أن يكون لها كامل المصلحة في استثمار الوقت لمصلحة تفاوض يدخل في صلب القضايا الخلافية التي يتمنع النظام في الدخول في تفاصيلها، وإلتزام الحضور الكامل خلال الجولات.

وبينما يتعاظم خوف النظام من قلب شكل ونظام الحكم في سورية، لأن ذلك يعني إنهاء الواقع الرئاسي الحالي، والذهاب إلى مرحلة انتقالية دستورية، (وليست فوق دستورية)، حيث تجد «اللاورقة» مخرجاً لهذه المشكلة بالشروع باصلاح دستوري يتوافق مع رؤية سورية الجديدة، ولا يدخل في متاهات شرعية قرارات المرحلة الانتقالية ومراسيم قراراتها التنفيذية، ما يستوجب من المعارضة أن تناصر خطة اللاورقة في تفاصيلها هذه، بدل أن تتشاطر مع النظام مخاوفه وتتشارك معه في رفضها، أو حتى في التشكيك بأهدافها.

ولعل من المفيد التذكير أن «اللاورقة» تشير إلى انتهاء مفاعيل حكم النظام المركزي، وتشدد على رؤيا جديدة تسهل عملية الممارسة الديموقراطية والتنمية المناطقية للأقاليم وتمثيلها السياسي في البرلمان، ما يتيح الولادة الثالثة للجمهورية السورية، مراعية بذلك الحقوق المواطنية الكاملة للسوريين، وطرق بناء البيئة المحايدة والآمنة، وذلك عبر مشاركة الأطراف السورية الحقيقية في عملية مفاوضات جنيف، ووقف الأعمال القتالية، ورفع الحصار والافراج عن المعتقلين، وانسحاب الميليشيات الأجنبية ونزع السلاح.

لكن، على مايبدو، فإن مخاوف المعارضة المحسوبة على تركيا، نمت من خلال تبني «اللاورقة» فكرة الحكم اللامركزي، لأنها تخشى أن يصبّ هذا المفهوم ويتلاقى مع مصلحة حقوق القومية الكردية، وهو مايجعل هذا الرفض مرتبطاً بأجندة غير ديموقراطية من جهة، وهو يقع ضمن أخطاء المعارضة التي لا تريد التمييز بين القضية الكردية في سورية، وما يتعلق بأكراد تركيا ومنظمتهم المصنفة «إرهابية»، ويتلاقى مع رغبة النظام في استمرار قبضة الحكم المركزي على مقدرات ومساحة سورية، وهو ما أنتج أساساً هذا الظلم والاستبداد القائم وهذه الفروقات التنموية بين مناطق سوريا القريبة من العاصمة والبعيدة عن الخطط التنموية الرسمية.

نعم من قبيل الاستغراب أن تلك القوى، التي انتقدت وهاجمت «اللاورقة «بهذه السرعة رغم كل مافيها من ايجابيات، هي ذات الأصوات التي قبلت بحضور مؤتمر «سوتشي» الذي حمل فشله قبل انعقاده، مدّعية أن الخطة لم تذكر مصير رئيس النظام، ومستقبله في الانتخابات، متناسية أن أهم نقطة يمكن الارتكاز عليها هو ربط الدول المنتجة «للاورقة» النظام السوري بملف استخدام الأسلحة الكيماوية، وبدوره في انتشار الإرهاب والتطرف، ما يعني وضع روسيا في حالة الدفاع عن النفس- قبل أن تدافع عن بقاء النظام السوري- لئلا تكون شريكة في أكبر قضيتين خلال الألفية الثالثة.

 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,241,851

عدد الزوار: 6,941,799

المتواجدون الآن: 118