ملف اكراد سوريا...طرد أوجلان من دمشق إلى روما..

تاريخ الإضافة الجمعة 19 كانون الثاني 2018 - 8:28 ص    عدد الزيارات 1831    التعليقات 0

        

طرد أوجلان من دمشق إلى روما بعد 13 سنة في ضيافة حافظ الأسد...

الحياة...يوسف شيخو ... قبل حوالى ثمانية عشر عاماً قرر الكاتب والصحافي الإيطالي، ماركو أنسالدو (Marco Ansaldo)، متابعة أدق تفاصيل الرحلة الشاقة والغامضة، إلى حد ما، لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، انطلاقاً من سورية، حيث كان يقيم ويمارس نشاطه السياسي والعسكري، حتى وصوله إلى كينيا واعتقاله هناك في 15 شباط 1999، ومن ثم اقتياده من هناك إلى تركيا، لينتهي به الأمر في سجن بجزيرة إيمرلي. التقى أنسالدو، المتخصص في الشأن التركي، بأوجلان مرتين حين كان موقوفاً تحت حراسة مشددة في روما. وفي النهاية خرج بكتاب صدر في عام 2002، بقي حبيس اللغة الإيطالية، ويحمل عنوان «سري للغاية: قضية أوجلان». على ما يقول الكاتب، لم يفكر أوجلان أبداً في مغادرة ملجأه السوري، وإعداد حقائبه «خلال بضع ساعات، بعد ثلاثة عشر عاماً من الضيافة المريحة نسبياً». لكن مع بداية تشرين الأول 1998، بدأ الجيش التركي «بشكل غير متوقع بحشد قوات على الحدود مع سورية، وذلك لفرض ضغط كبير على دمشق. بل ذهب الجنرالات الأتراك إلى التهديد بسخرية فظيعة: ذاهبون لشرب الشاي في دمشق». وفي الواقع تم التحضير للعملية طويلاً. وكانت الاستخبارات الأميركية (CIA)، تقوم منذ فترة، بجمع بيانات خاصة حول إقامة الزعيم الكردي في سورية، كالتقاط صور عبر الأقمار الصناعية لمنزله في حي المزة بدمشق، ومتابعة أنشطته العسكرية وحركته في معسكرات تدريب الحزب. سلم الأميركيون هذه البيانات إلى المصريين، والذين سلموها، من جانبهم، إلى المسؤولين السوريين، وحذروا دمشق من أنه لم يعد ممكناً الدفاع عن هذا الوضع. عندما تلقى أوجلان، البالغ في حينها 49 عاماً، من شركائه القدامى «دعوة حادة لمغادرة ملجأه الذي، كان يبدو آمناً، ولد لدى أكثر من مراقب شكوك في أن وراء كواليس الضغط العسكري التركي المفاجئ تجاه سورية، يكمن في الواقع تحرك دبلوماسي دولي معقد من جانب الإسرائيليين والأميركيين». بدأت رحلة «هروب» أوجلان في منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، لكن «علامات طرده» تظهر في وقت سابق. بدأت «الشخصية الكاريزمية للقائد الكردي تضعف مع مرور الوقت. ففكره الثوري والطاعة المفروضة في معسكرات التدريب لم تعد عقائد متجانسة. بدأت تظهر تصرفات مختلفة في الحركة، وبدأ الانضباط يتضاءل. وبدا لدى بعض القادة الميدانيين أن أوجلان أصبح ضعيفاً، وبدأ الفساد ينتشر داخل المنظمة». كل من التقى اوجلان خلال تلك الفترة كان يجده متوتراً، قلقاً. في المزة، الحي السكني الدمشقي، حيث ملجأه بدا المناخ شاحباً، ثقيلاً. وبات واضحاً أن نظام حافظ الأسد سيتخلى عنه بين يوم وآخر. و «أدركت إحدى مرافقات اوجلان، أن الأمر قد انتهى، حين أخبرها هو، في أحد الأيام، جملة تحتوي على وداع وشيك: انظري جيداً من حولك الآن، لأنك لن تتمكني من رؤية هذه الأماكن بعد فترة قصيرة». في الثاني من تشرين الأول، بدأت القوات التركية تحشد الجنود والآليات العسكرية عند الحدود السورية. في الثامن من الشهر ذاته، حين زاره النائب اليوناني كوستاس بانتوفاس «اعترف أوجلان، للمرة الأولى، أنه بسبب الضغوط القوية، أجبر على إيجاد ملجأ آخر، وأعطي فترة أسبوع واحد لإغلاق معسكرات الحزب». هذا الضغط الذي مورس على سورية هو «آخر تحرك ضمن كمين أعد له منذ فترة طويلة. ويبدوا أن الذي نظم كل هذا الخطة لم يترك شيئاً للصدفة، وتم توجيه الضربات في اللحظة المناسبة. يبدو أن المنظمين يعلمون كل شيء عن حالة الزعيم الكردي وحزبه، الواقع الصعب، الانقسامات، وحتى العامل النفسي». في الواقع، لم تفرض المخابرات السورية على أوجلان مغادرة البلاد، وإنما «طلبت منه تغيير مكان إقامته، ربما بالانتقال إلى محمية لبنان المجاورة». لكن من المهم ألا يظهر للعلن وألا يتحدث للقنوات المتلفزة. وصلت هذه الرسالة إلى الزعيم الكردي الذي التقطها بشكل جيد. لكنه «بدا خائفاً، ويغير قرارته بشكل مستمر، متأثرا بآراء مستشاريه». في نهاية المطاف تمكنت روزيلين، المقاتلة التي ترافق الزعيم الكردي في كل تحركاته، تمكنت من إقناعه بالذهاب إلى اليونان، وذلك قبل عشرة أيام من بدء «رحلة الهروب». لكن الزعيم الكردي يبدو و»كانه غير مدرك بعد أن الدائرة من حوله بدأت تضيق. يقول لمرافقيه: اعلم جيداً ما يجري. لكن أريد أن أخبركم أن هذا المكان آمن. أثق بسورية وبحمايتها لي». حاول أوجلان إخفاء آثاره، لكن يبدو أنه تم اصطياده لاحقاً. بعد محاولات متكررة للجوء إلى أثينا (تمكن من الوصول إلى مطار هلينيكون/ Hellenikon وتوقف لبضع ساعات في مكاتب خطوط «Olimpic Airways» الجوية) وجد نفسه، مع مرافقيه الخمسة، على متن طائرة تقودها الاستخبارات اليونانية باتجاه موسكو. العشرات من النواب اليونانيين، الذين كانوا يؤيدون وصوله، اختفوا فجأة. و «رفاقه الأكراد الذي كانوا في العاصمة اليونانية أغلقوا جميعهم هواتفهم الخليوية». وفي تلك اللحظات «بدأت المرافقة روزيلين بالبكاء يائسة في إحدى زوايا المطار، بسبب فشل خطتها بشكل فادح». في حين طلب رئيس استخبارات أثينا من اوجلان مغادرة البلاد، وعرض عليه «طريقاً للهروب»: إلى روسيا، حيث تم قبول طلب استقباله من طريق الزعيم القومي المتشدد، فلاديمير جيرينوفسكي، الذي استضاف اوجلان لمدة خمسة أيام في منزله. التقي أوجلان مع بعض نواب مجلس الدوما، بهدف تهيئة المناخ للاستقرار بشكل دائم في روسيا. لكن في تلك الأثناء تم تحديد صوته عبر مكالماته الهاتفية، ما أجبره على التوجه إلى منطقة أودينتسوفو (Odintsovo)، التي تبعد 15 كيلومتراً عن مدينة موسكو. منذ خروجه من منطقة الشرق الأوسط، كان أوجلان ملاحقاً من قبل الاستخبارات الأميركية (CIA)، الموساد الإسرائيلي، المخابرات التركية (MIT)، المخابرات اليونانية (EYP). حيث تم حفظ نغمة صوته في أجهزة الكمبيوتر بمكاتب لانغلي (Langley)، مركز الاستخبارات الأميركية (قرب واشنطن)، بهدف تحديد موقعه من خلال نظام إشيلون (Echelon) لالتقاط الأصوات. كما لم تغب آثاره عن الاستخبارات الروسية (KGB في حينها). في هذه الأثناء لجأ أوجلان إلى منزل رئيس لجنة الجغرافيا السياسية في مجلس الدوما، ألكسيس ميتروفانوف. لكنه كان يشعر بأنه محاصر. إن الأيام العشرين التي قضاها أوجلان في روسيا جعلته يدرك بسرعة أنه، على الرغم من الترحيب الحار به في البداية، فإن المناخ لم يعد كما كان في السبعينات، تلك الفترة التي قدم فيها «الأصدقاء السوفييت» الدعم لإنشاء هذه الحركة المسلحة ذات التوجه الماركسي- اللينيني. فرئيس الوزراء الروسي يفغيني بريماكوف، المدير السابق للمخابرات ومن ثم مدير مكافحة التجسس، يهتم الآن بالمزيد من عقود الغاز مع تركيا أكثر من «الألعاب السياسية الخفية على رقعة شطرنج الشرق الأوسط». بدأ الزعيم الكردي في اعتناق فكرة الدخول إلى قلب أوروبا، إلى بلد متفهم لقضايا العالم الثالث، وحيث يلعب اليسار دوراً فاعلاً. اجتمع أوجلان مع الدائرة المقربة منه، وبدأ بإجراء اتصالات هاتفية مع القيادات التابعة للحزب في هولندا وبلجيكا وألمانيا. لكن في النهاية أشار بأصبعه إلى إيطاليا. وفي تلك اللحظات استرجع أوجلان اجتماعاته الأخيرة في ملجأه السوري مع نائبين إيطاليين، رومان مانتوفاني (Roman Mantovani)، مسؤول العلاقات الخارجية في حزب «إعادة التأسيس الشيوعي» الإيطالي، ووالتر دي سيزاريس (walter de Cesaris) وهو مسؤول قسم السلام في الحزب ذاته. وكان أوجلان يعلم أنه في إيطاليا ذاتها، وبين يومي 28 و30 أيلول (سبتمبر)، تمكن البرلمان الكردي في المنفى (كان يعبر إلى حد كبير عن العمال الكردستاني رغم ضمه مجموعات أخرى)، تمكن، للمرة الأولى، من عقد لقاءات في البرلمان الإيطالي، وهو ما أثار استياء كبيرا لدى القيادة التركية. واللافت أن «هذا النجاح، في دخول هذه المؤسسة الرسمية، تحقق بمساعدة السياسيين الإيطاليين، ليس فقط من اليسار، بل من الوسط واليمين أيضاً». طلب أوجلان من المسؤول السياسي للحزب في أوروبا، كاني يلماز، التوجه إلى إيطاليا في مهمة سرية، للتحقق من الأجواء هناك. تمكن يلماز، المقيم في ألمانيا منذ سنوات، من عقد لقاء رسمي، ولكن هذه المرة في مجلس الشيوخ (Senato della Repubblica). لم يكن تحقيق هذا الهدف مهمة سهلة. وعلى الرغم من الصعوبات والمقاومة تمكن يلماز، في الثامن والعشرين من تشرين الأول، من إيصال العمال الكردستاني، للمرة الثانية في غضون شهر، إلى البرلمان الإيطالي، حيث عقد اللقاء في القاعة المعروفة باسم (Ex Hotel Bologna). وهنا بدأت السلطات التركية تشعر بالقلق الشديد إزاء ما يحدث في روما، حيث انتهي اجتماع مجلس الشيوخ مع مطالبات بدعوة عبدالله أوجلان إلى إيطاليا، عبر عريضة موقعة من خمسين سيناتورا ونائبا إيطاليا. وفي تلك الأثناء، قام كاني يلماز بتكليف عاكف حسن، مسؤول العلاقات الدبلوماسية للحزب، بمهمات لوجستية استعداداً لوصول أوجلان إلى روما.

أكراد سورية ومشاهد الاضطهاد ... والقمع والتعريب والهجرة

الحياة...عماد حسو .. خضع أكراد سورية في تاريخهم لسياسة طويلة من القمع والاضطهاد منذ بداية الخمسينات مع صعود القومية العربية، فأنشأت الحكومات السورية المتعاقبة في المناطق الكردية سياسة قمع الهوية الكردية باعتبار أصحابها يشكلون تهديداً لوحدة سورية. عام 1962، أصدرت الحكومة السورية إحصاءً خاصاً بمحافظة الحسكة أدى إلى حرمان جزء كبير من الاكراد من الجنسية السورية بحجة أن معظمهم جاؤوا من تركيا بصورة غير قانونية. بموجب هذا الإحصاء تم حرمان ١٢٠ ألف كردي من حقوقهم المدنية فاصبحت حياتهم اليومية معطلة، ولا سيما في مجال التعليم والعمل والسفر، كما أنهم حرموا من حقوقهم فى ملكية العقارات والأراضي. وبعد التطور الديموغرافي تعاقب جيلان من المحرومين من الجنسية ليصبح عددهم ٣٠٠ ألف كردي جميعهم من دون أي وثائق رسمية ومن دون أي وجود قانوني في الدولة السورية. وبعد بلوغ حزب البعث السلطة عام ١٩٦٣، واصل سياسة إنكار الهوية الكردية ذاتها، ولكن بطرق أخرى. فاعتمد خطة تعريب الأراضي في المناطق الكردية لتغيير موازين القوى الديموغرافية عبر القضاء على الأكثرية الكردية. وكانت سياسة التغيير الديموغرافي تشتغل من خلال مشاريع عدة تهدف جميعها إلى تعريب الأكراد ومصادرة أراضيهم وتشريدهم بعيداً من مناطقهم، فأجبر٣٠ ألف كردي على مغادرة منازلهم من ١٩٦٥ إلى ١٩٧٥عبر مشروع أعده الضابط البعثي محمد طالب هلال عام ١٩٦٣ ونص على تعريب الأراضي وطرد السكان الأكراد خارج المنطقة على طول الحدود السورية التركية بطول ٣٥٠ كيلومتراً وعرض١٥ كيلومتراً، وشمل ذلك ٣٣٢ قرية كردية، وأحل محلهم أبناء القبائل العربية من منطقة الرقة وغيرها تحت ذريعة تطبيق سياسة الإصلاح الزراعي. وتسبب هذا المشروع بتشكل حزام عربي في عمق المناطق الكردية قطع التواصل الديموغرافي مع المناطق الكردية في تركيا. لم يتحقق المشروع إلا في شكل جزئي وتم ايقافه في عهد حافظ الأسد عام ١٩٧٦ خوفاً من ثورة كردية عارمة قد تحدثها مواصلة توطين العرب فى المناطق الكردية. وعلاوةً على ذلك لم يكتف النظام البعثي في دمشق بتعريب الأراضي، وسياسة التعريب لم تقتصر على إقامة مستعمرات عربية فى المنطقة الكردية، بل شملت جانباً اقتصادياً تمثل بتعريب الوظائف الحكومية. فخلال سنوات، عملت الحكومة في دمشق على اتخاذ تدابير تهدف إلى حرمان الأكراد من الوظائف لمصلحة العرب المحليين. نجم عن ذلك ارتفاع شديد في مستوى البطالة لدى الاكراد، وهجرة العوائل الكردية إلى المدن السورية الكبرى، ولا سيما بين عامي ١٩٩٠ و٢٠٠٨ حيث ظهرت بالكامل ضواحي كردية في دمشق مثل منطقة وادي المشاريع (زورافا)، وكان هدف تلك السياسات تفريغ المناطق الكردية من سكانها الأصليين (المرسوم رقم ١١ الصادر في نيسان (أبريل) ٢٠٠٨ يحظر بيع العقارات في المناطق الكردية). وهذه السياسات لم تساهم فقط في الهجرة الداخلية فقط بل أيضاً تسببت بهجرة خارجية فانخفض عدد السكان في روج افا على نحو ملحوظ. بعد أربعين عاماً يبقى السؤال عن مرحلة المصالحة الوطنية الانتقالية بين العرب والأكراد، لا سيما في ظل اقتراب المواجهة في مدينة عفرين. فحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) يسيطر على المنطقة، إلا أنه يفضل تأجيل أي مفاوضات لحل مشكلة مستعمرات الحزام العربي إلى ما بعد انتهاء الحرب في سورية. ففتح ملف الحزام العربي حالياً سيؤدي الى صرف الانتباه عن جهود مكافحة «داعش» وما تبقى من فلوله، ومن جهة أخرى يريد الأكراد الفوز بثقة القبائل العربية بهدف كسب تعاونهم في مشروع فيدرالية شمال سورية.

واشنطن وحّدت مواقف موسكو وأنقرة وطهران

الحياة...باسل الحاج جاسم .. أعلنت الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام إنها تعمل مع قوات سورية الديموقراطية، والتي يشكل عمودها الفقري الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني التركي، تشكيل قوة حدودية جديدة قوامها 30 ألف مقاتل للانتشار على الحدود السورية مع تركيا شمالاً والعراق باتجاه الجنوب الشرقي وعلى طول وادي نهر الفرات. سريعاً ما أثار الإعلان الأميركي الغضب التركي، وقامت أنقرة باستدعاء السفير الأميركي لديها، وأعاد رد الفعل التركي السريع إلى الأذهان، الأمر الذي لم تستبعده أنقرة مرات عديدة، وهو شن حملات عسكرية جديدة داخل سورية، منذ إعلانها رسمياً إنهاء عملية درع الفرات في نيسان (أبريل) الماضي. يمكن القول إن العملية العسكرية التركية الجديدة «عملية عفرين» دخلت مراحلها الأخيرة مع تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حولها، وقوله ما من أحد سيتمكن من عرقلة تركيا في مساعيها الرامية إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية في سورية، وتوعّد أردوغان، بأن قوات بلاده ستدمّر قريباً أوكار الإرهابيين في سورية، بدءاً من مدينتي عفرين ومنبج، بريف محافظة حلب الشمالي. عملياً، بدأت القوات التركية تنفيذ عملية عفرين في مراحلها الأولى، مع تنفيذ اتفاق خفض التصعيد الذي تم توقيعه خلال محادثات آستانة قبل أشهر، عندما دخلت إلى إدلب وشكلت نقاط مراقبة في جنوب عفرين. فالقوات التركية كانت تهدف إلى السيطرة على جنوب عفرين عبر مراقبة وقف التصعيد في إدلب من جهة، ونشر وحداتها في نقاط استراتيجية من جهة أخرى، وهو ما جعل عفرين في حصار بين تركيا في الشمال والوجود العسكري التركي في الجنوب. المرحلة الأولى من العملية نجحت إلى حد كبير، والهدف التركي من المرحلة الثانية، استهداف وجود حزب العمال الكردستاني في تلك المنطقة، إلا أن اختلاف جغرافيا عفرين عن المناطق السورية التي سبق وتدخّل الجيش التركي فيها خلال عملية درع الفرات، يجعل احتمالات اكثر من سيناريو قائمة حول الطريقة التي سيتحرك الجيش التركي وفقها، مع عدم تجاهل إمكانية المقاتلات التركية تنفيذ ضربات جوية من دون اجتياز الحدود التركية، مع القصف المدفعي المكثف، إضافة إلى دور كبير يمكن أن تقوم به فصائل من الجيش السوري الحر. ويجدر التذكير بالظروف والأسباب التي رافقت انطلاق عملية درع الفرات، والظروف المشابهة اليوم، حيث بدأ الجيش التركي عملية عسكرية في سورية قبل عامين، في خطوةٍ تتصدّى بها أنقرة للتهديدات والتأثيرات، بسبب غياب الدولة في الجارة سورية، والأهم في ذلك كله تحرير المناطق التي تضرّر سكانها، وإعادة المهجرين منها، بعد سيطرة الميليشيات الانفصالية، و «داعش» عليها. صحيح أن خطوة تركيا كانت «متأخرة» في وقت أخذت فيه ميليشيات انفصالية التمدُّد لقطع أوصال سورية، وتهديد الأمن القومي التركي مباشرة، إلا أنه يمكن تفسير التأخر بأن أنقرة لم تكن ترغب في القيام بأي تحرك عسكري خارج أراضيها، من دون غطاء دولي، وعرقل ذلك أيضاً التوتر التركي- الروسي، الذي ساد خلال ثمانية أشهر، إلا أن مسارعة المجموعات الانفصالية إلى تحقيق مشروعها، باستغلال الفوضى التي تجتاح سورية، جعل أنقرة تجد ألاّ مفر لها من التدخل بنفسها. واليوم، لا يمكن أيضاً عدم الربط بين الإسراع الأميركي بشرعنة وجود المجموعات الانفصالية ولا سيما في المناطق التي ورثتها عن» داعش» داخل أراضي الجمهورية العربية السورية، والتحرّكات التركية العسكرية على الحدود السورية التي باتت تأخذ وتيرة أسرع. وتجدر الإشارة إلى تحقيق العملية التركية- السورية في «درع الفرات» أهدافها المعلنة، في محاربة تنظيم «داعش»، وتطهير الشريط الحدودي من جرابلس إلى أعزاز، في تناغمٍ مع الأهداف المعلنة للتحالف الدولي وروسيا المعادي للتنظيم، وكذلك قطع الطريق على تمدّد الميليشيات الانفصالية للسيطرة على كامل الشريط الحدودي مع تركيا، وهو ما يتناغم مع أهداف المؤسسة العسكرية التركية، ومع الرأي العام التركي والسوري (الرسمي والمعارض) الرافض أي مشاريع انفصالية. واليوم أيضاً من الواضح أن مخطط واشنطن تشكيل قوة مسلحة جديدة لحراسة الحدود، قد وحد مواقف روسيا، تركيا، ايران، دمشق، ضد هذا المشروع، وفي السياق ذاته أعلن تحالف واشنطن الدولي لقتال «داعش» أن مدينة عفرين شمال سورية، والتي أعلنتها أنقرة منطقة لعمليتها العسكرية، تقع خارج نطاق مسؤولياته، وقال المتحدث باسم التحالف: «منطقة العملية التركية تقع خارج نطاق مسؤولية التحالف». وسبق لرئيس هيئة الأركان العامة التركية خلوصي آكار وأعلن أن بلاده لن تسمح بتسليح «وحدات حماية الشعب» YPG في سورية، باعتبارها امتداداً سورياً لحزب العمال الكردستاني «بي كا كا» المصنف إرهابياً في تركيا والـ «ناتو»، داعياً إلى عدم التمييز بين «التنظيمات الإرهابية». يبقى القول إن أي تحرّك عسكري تركي جديد مقبل في سورية يتناغم مع أهداف المؤسسة العسكرية التركية، ومع الرأي العام التركي والسوري (الرسمي والمعارض) الرافض أي مشاريع انفصالية تحت مسميات ناعمة (فيديرالية، إدارة ذاتية).

 

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,331,799

عدد الزوار: 6,886,765

المتواجدون الآن: 87