ملف مسيحيي العراق...انقسامات بينهم تضاعف القلق سهل نينوى لم يعد يتسع لمسيحييه: «داعش» لم يكن لحظة عابرة

تاريخ الإضافة الأحد 3 أيلول 2017 - 5:40 ص    عدد الزيارات 1873    التعليقات 0

        

انقسامات بينهم تضاعف القلق سهل نينوى لم يعد يتسع لمسيحييه: «داعش» لم يكن لحظة عابرة...

الحياة..رستم محمود ... عندما حررت القوات العراقية بالاشتراك مع ميليشيا الحشد الشعبي بلدة تلكيف الكلدانية- الآشورية شمال مدينة الموصل، تداول الناشطون رد صاحب أحد متاجر المنطقة على إعلامي سأله عما تغير من أحوالهم بعد التحرير، إذ قال باستهزاء مرير: «يآبا شلنّا صورة البغدادي، وحطينا صورة السيستاني». تلك العبارة، ببساطتها، ذات دلالة على ما يعيشه المسيحيون العراقيون راهناً. فهُم خارج أي فعلٍ سياسي أو عسكري أو اقتصادي في البِلاد، حتى في المنطقة التي كانت تُعتبر مهداً تقليدياً للمسيحيين العراقيين، سهل نينوى. فسلسلة القُرى والبلدات شمال مدينة الموصل وشرقها كانت تُعتبر امتداداً تاريخياً للحواضر والممالك الآشورية المسيحية القديمة. وعلى رُغم أنها دمرت مرات عديدة، أثناء الغزوات المغولية والفارسية والتمرد على السلطنة العُثمانية، إلا أن أهلها استطاعوا إعادة بنائها، والحِفاظ على طابعها الثقافي واللغوي والديني المُتمايز عن المُحيط. سهل نينوى الذي يتكون من أقضية الحمدانية وتلكيف وشيخان شمال مدينة الموصل، ويضمُ بلدات بغديدة وتلكيف وألقوش وبرطلة وبعشيقة وتلسقف، وبينها مئات القُرى، كان يعيش فيها قُرابة ربع مليون مسيحي عراقي، آشوري وكلداني وسرياني؛ إلى جانب ما يُعادلهم تقريباً من الكُرد والايزيدين والشبك والعرب؛ لكنها صارت شبه خالية من المسيحيين بعدما احتلها «داعش» في صيف عام 2014. فقد نزح كُل سُكانها نحو إقليم كُردستان العراق، ومنه غادر قُرابة نصفهم إلى خارج العراق، ولم يعد إليها بعد تحريرها إلا أقل من ألف عائلة، وفق آلان كوركيس، القيادي في المجلس الشعبي الكلداني الآشوري السرياني.

* * *

لم تعش تلك المنطقة استقراراً أمنياً مُنذ أوائل العهد البعثي نهاية الستينات من القرن المنصرم. فالحركة القومية الآشورية- الكلدانية العراقية استشعرت سياسات الصهر القومي مُبكراً، وبُعيد تأسيس الحزب السياسي الأول «الحركة الديموقراطية الكلدانية الآشورية زوعا» نهاية السبعينات، وإعدام صدام حُسين قادتها يوسف توما ويوبرت بنيامن ويوخنا ججو، انخرطت الحركة في الكفاح المُسلح إلى جانب الحركة القومية الكُردية والحزب الشيوعي العراقي، والأحزاب الشيعية في مرحلة لاحقة. طوال هذه المرحلة لم تستحصل الحركة الكلدانية- الآشورية على مكاسب سياسية واضحة، خلا سماح النِظام العراقي السابق بتدريس اللغات المحلية على نِطاق ضيق في تلك المنطقة. حتى حينما حصل إقليم كُردستان على استقلاله الفعلي عن السُلطة المركزية عام 1991، فإن الكلدان- الآشوريين لم يأخذوا إلا كشُركاء نسبيين، وتحطم العديد من قراهم وقصباتهم في فترات الصراع الداخلي الكُردي - الكردي، وتوقفت مسيرة الحياة السياسية. لم يُعد الكُرد المنطق الصدامي «المسيحي الجيد هو المسيحي الذمي البعثي، الذي يجب أن يُغير حتى اسمه، كطارق عزيز»، بل حافظوا على منطق اعتبار الحقوق الكلدانية الآشورية بمثابة «عطايا»، خصوصاً بعد مرحلة الحرب الداخلية. فالمطلب الأكثر إلحاحاً، الحصول على منطقة حُكمٍ ذاتي، لم يتحقق بأي شكل.

* * *

بعد سقوط النِظام لم تتغير أحوال المسيحيين في سهل نينوى، وصار السكان المحليون يشكون من ثلاثة ديناميكيات سياسية وأمنية واقتصادية ضاغطة عليهم، دفعت بعشرات الآلاف للهجرة، إما نحو إقليم كُردستان أو إلى دولٍ أخرى. فقد كانوا يشكون من دعم حكومي واضح لجماعة الشبك، الشيعية بغالبيتها. فالذين كانوا يستقوون بالنِظام البعثي، باتوا يستندون إلى دعمٍ واضحٍ من الأحزاب السياسية الشيعية، والميليشيات الرديفة لها. يتذكر السُكان المسيحيون الضغوط التي كانت تُمارس ضدهم خلال تلك السنوات، من خلال التمدد الديموغرافي والاقتصادي وحتى الأمني. كما أن القوى المسيحية ما زالت تصر على أن المناطق المسيحية كانت الأقل حصولاً على الموازنات المالية المُرسلة من الحكومة المركزية. فالمسيحيون كانوا الوحيدين الذين ليست لهم قوة تمثيل سياسية وسيطرة أمنية، بعكس الكُرد والعرب السُنة والشبك، وحتى الايزيديين الذين كانوا محسوبين على الحزب الديموقراطي الكُردستاني في مجلس المُحافظة والمجالس المحلية. على أن كُل ذلك لم يكن يُقارن بالقلق الأمني الرهيب الذي وقعت فيه منطقة سهل نينوى طوال السنوات التي فصلت انهيار النظام السابق واحتلال «داعش» منطقة السهل. فالقوى الأمنية التي كانت تتصرف بعقلية طائفية وحزبية، قابلها تطرف التنظيمات المُسلحة السُنية التي سيطرت على أنحاء واسعة من مُحافظة الموصل فعلياً حتى قبل انبعاث «داعش». يذكر رجل دينٍ مسيحي أن العشرات من التُجار والميسورين المسيحيين كانوا يدفعون أتوات للعصابات المُسلحة، وأنها فعلياً كانت غطاء لما فُرض على مسيحيي السهل من جزية في ما بعد. تشكلت الحراسات في مناطق السهل بإجماع كُل الكنائس، لكنها لم تستطع أن تحمي منطقة السهل إلا بشكلٍ نسبي جداً. وما لبثت أن انهارت في الساعات الأولى لهجوم «داعش». ومع انهيارها هرب عشرات الآلاف من المسيحيين من مناطقهم، التي صارت فارغة تماماً.

* * *

وفق اتفاق سياسي أمني بين إقليم كُردستان والحكومة المركزية، وبرعاية من التحالف الدولي، تم تقسيم السهل إلى منطقتين، شمالية من المفترض أن تُسيطر عليها قوات البيشمركة، وجنوبية ستكون تحت سيطرة القوات النِظامية العراقية وميليشيا الحشد الشعبي، وهو ما تم فعلياً أثناء عملية تحريرها من احتلال «داعش». راهناً، تعيش مناطق سهل نينوى، شبه المُفرغة، على وقع ذلك الانقسام، والذي بدوره يدفع بثلاثة صدوع عراقية لأن تلتهب في السهل ومُحيطه. فالصراع العربي - الكُردي على تابعية السهل أكثر الصراعات التي قد يدفع المسيحيون أثمانها. خصوصاً أن ثمة ما يوازيها من انقسام مسيحي: فالحركة الديموقراطية الكلدانية الآشورية «زوعا» موقفها مائل للسلبية من الاستفتاء الكُردي، وتملك علاقات وطيدة مع الأحزاب الشيعية العراقية. يقابلها المجلس الشعبي الكلداني الآشوري، الذي يوافق الكُرد في مشروعهم السياسي ويسعى جاهداً لأن يستحصل على منطقة حُكمٍ ذاتي للكلدان الآشوريين. لكن السهل الذي تسعى حركة «زوعا» لأن تحوله مُحافظة مسيحية/ كلدانية آشورية خاصة ضمن العراق، بات خالياً تماماً من المسيحيين، كما أن المُهاجرين الذين يُريد المجلس الشعبي أن يُعيدهم إلى مناطقهم الأصلية، يُستنزفون بالتقادم، إلى أوروبا ودول الجوار. من جهة أخرى، فإن سهل نينوى مُهدد بعودة القلاقل الأمنية إليه، فقطاعات واسعة من الشبك والتُركمان الشيعة عادوا ليستقووا بالحشد الشعبي، فيما ستُعيد التنظيمات المُتطرفة إعادة بناء نفسها. ولا تستطيع القوات الوحيدة المُشكلة من مسيحيي السهل – الفوج الثالث التابع لقوات زيرفاني الكُردية المُقدر بحوالى 2500 مُقاتل- إلا أن تُشكل حماية نسبية للمسيحيين الباقين. وهذه القوات لا تستطيع أن تدخل إلا البلدات الشمالية من السهل، فيما المنطقة الجنوبية التي كان يعيش بها أكثر من ثلثي المسيحيين تسيطر عليها ميليشيا الحشد الشعبي. أخيراً، فإن سهل نينوى يعيش صراع فقدان الأمل التام. فالمسيحيون المهجرون من بغداد والمُدن الجنوبية مُنذ العام 2003 لم يعودوا قط إلى مناطقهم، وفي الكثير من المناطق استولت العصابات على منازلهم ومُمتلكاتهم، ولم تستطع قوات الأمن استعادتها. جرى الأمر نفسه بالنسبة الى الذين هُجروا من مدينة الموصل، فالعشرات منهم ما زالوا يروون حكايات غدر أقرب الناس من أهل المدينة ومُحيطها بهم، وبعد التحرير اشتروا أملاك المسيحيين بأرخص الأثمان. لا اتفاق سياسياً بين القوى السياسية العراقية الكُبرى حول مستقبل الموصل، وبالذات المناطق المُتنازع عليها ومنها سهل نينوى، في المرحلة المقبلة. ولا رؤية مُتفقاً عليها بين الدول القائدة للتحالف الدولي لمستقبل العراق والعملية السياسية فيه. فوق ذلك، ثمة تمزق بين التيارات السياسية المسيحية بين الأطراف السياسية المُستقطبة والعسكرية المُتصارعة. قبل أيام قليلة نُظمت وقفة تضامنية في حيّ عين كاوا في مدينة أربيل، لمُناسبة ذكرى «مذابح السيفو» التي طالت المسيحيين الكلدان الآشوريين بداية الحرب العالمية الأولى. ضمت التظاهرة فقط بضع عشرات من الناشطين السياسيين والمدنيين الذين رددوا عبارات عن التعايش والمحبة، بأصواتٍ خفيضة وعيون مكسورة، مع الكثير من استبطان الخُذلان وسوء الثقة بالنفس.

مسيحيو الموصل يبيعون منازلهم ويرحلون ... وأهالي السهل ينتظرون استفتاء كردستان

الحياة...أربيل – باسم فرنسيس ...أكد مسيحيون من مدينة الموصل أنهم حسموا أمرهم بعدم العودة إلى «أرض الأجداد» وبدأوا بيع منازلهم وعقاراتهم «مع تلاشي مقومات البقاء»، فيما يعود أقرانهم في سهل نينوى بوتيرة بطيئة إلى بلداتهم، وسط استقرار مبهم على وقع الهواجس من احتمالات نشوب توترات سياسية وصدامات مسلحة. واضطر ما يربو على ثلاثة آلاف أسرة مسيحية لمغادرة الموصل عندما ألزمها تنظيم «داعش» عقب اجتياحه المدينة أواسط عام 2014، على اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو المغادرة، ثم جردهم من أموالهم وممتلكاتهم فاتجهوا إلى مدن إقليم كردستان المجاورة، أو إلى بلدان الغرب. مع إعلان استعادة المدينة في العاشر من تموز (يوليو) الماضي، بدأ مواطنون مسيحيون تفقد دورهم وعقاراتهم، التي كان التنظيم كتب عليها حرف «ن» في اختصار لتسمية «النصارى» على اعتبارها عقارات تابعة لـ «دولة الخلافة»، وأكد معظمهم اتخاذ قرار «قطعي بالبيع» وعدم العودة، ما يهدد بإنهاء حوالى ألفي سنة من الوجود المسيحي في المدينة.

أسعار مشجعة

يتراوح سعر كل متر مربع بين 400 و800 ألف دينار أي بين 320 و640 دولاراً وفقاً لمساحة وموقع القطعة السكنية والحي، على ما أفاد أبو يوسف (56 سنة) من حي الزهور، وقال لـ «الحياة»، إن «معظم المسيحيين اليوم يرغبون ببيع عقاراتهم، والمشترون بالطبع من العرب الميسورين وبعض آخر من الذين تهدمت منازلهم في الجانب الأيمن، وهم يفضلون شراء بيوت المسيحيين بدافع عامل الثقة، لأن دوائر التسجيل العقاري ما زالت مغلقة، إذ يتم كإجراء موقت اعتماد وكالة صادرة من كاتب العدل في ناحية قره قوش». وزاد أن «ما حصل من مأساة يصعب نسيانه، لذا قررت أن أبيع منزلي، ووجهتنا المقبلة لم تتضح بعد، لكن أولويتنا هي الهجرة». والمسيحيون كانوا ينتشرون في أحياء الزهور والمثنى والعرب والزراعي والمجموعة الثقافية في الجانب الأيسر الذي يشهد استقراراً نسبياً منذ استعادته أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي، في حين ما زال ينتظر أقرانهم في الجانب الأيمن والبلدة القديمة عودة الهدوء والأمن ورفع الأنقاض، حيث الأضرار جراء الحرب كانت بالغة. بسام عبد الأحد (49 سنة) عاد بعد أيام من تحرير الجانب الأيمن مع إخوانه لمعاينة بيتهم وكاراج لغسل السيارات، وقد استويا بالأرض، وتحدث لـ «الحياة» قائلاً: «يصعب أن تتخيل كم كان المشهد مرعباً، معظم المباني تحولت إلى أنقاض، أما ما تبقى من المنازل غير المهدمة، فإنها متفحمة جراء الحرائق، وكنا نشم رواح كريهة لا نعلم طبيعتها، وبعد ربع ساعة قفلنا عائدين عبر النهر إلى أربيل». وتابع: «كل ما نفكر به هو أن تستقر الأمور لنبيع ورثة العائلة ليقرر كل منا مصيره، أمامنا خياران: الأسوأ أن ننتقل إلى مناطق سهل نينوى، والأفضل الهجرة من دون رجعة، على رغم أني كنت فشلت في الهجرة عبر تركيا إلى اليونان بسبب الخوف من الغرق في البحر». في أحد مكاتب لبيع وشراء العقارات في بلدة عنكاوا ذات الغالبية المسيحية في أربيل، كان سالم يعقوب الذي يقيم في البلدة منذ نزوحه عن المدينة، يناقش مع محام إجراءات بيع عقاره الكائن في حي الزهور. وقال لـ «الحياة»: «نفكر بأن نتوجه إما إلى الأردن أو تركيا ومن ثم الهجرة إلى إحدى الدولة الغربية، أو الانتقال إلى منطقة سهل نينوى، أو أن نبقى في أربيل». ولفت إلى أن «البعض يفكر بالانتقال إلى سهل نينوى، لكن هناك قلقاً من عدم استقرار الوضع، وما زال الأمن غير واضح، ولا توجد صيغة بين الأطراف والجهات الحكومية والسياسية لإدارة المنطقة، وشهدنا كيف حصل اشتباك بين قوتين مسيحيتين، فكيف إذا ما حصل بين قوتين تختلفان في الأيديولوجيا والتبعية». ووفقاً لأحدث إحصائية نشرتها البطريركية الكلدانية، أكبر الكنائس العراقية، فإن عدد المسيحيين في عام 1997 كان يقدر بحوالى مليون و400 ألف نسمة، وعلى رغم أنها أقرت بصعوبة إجراء إحصائية دقيقة، فإنه يقال أن عددهم 2 في المئة من العدد الكلي للسكان البالغ 33 مليوناً، ولفتت إلى أن «إحصائية كهنتنا في دول الجوار تفيد بوجود أكثر من 18 ألف لاجئ مسيحي، وفي لبنان 2200 أسرة، وفي الأردن 800 أسرة». وما زال القلق يساور سالم يوسف الذي كان يشاور صاحب مكتب للعقارات في أربيل لبيع منزله الصغير الكائن في حي الوحدة– مستشفى السلام، وقال إن التقويم السابق قبل سيطرة «داعش» على الموصل لسعر المتر الواحد كان مرتفعاً أما اليوم فانخفض إلى النصف. ويعزو قراره إلى «صعوبة الوثوق بمن خان الجيرة لمئات السنين، ومقومات العيش هناك تلاشت، وليس هناك أصعب وأذل من أن يكتب على دارك حرف النون وكأننا فضائيون جئنا من كوكب آخر». وأضاف: «كنت سلمت الدار إلى أرملة ربطتنا بها الثقة المتبادلة بحكم العلاقة، اليوم ترفض الخروج منه، كما أنها ترفض فتح الباب لمن يرغب بشرائه، وأنا مضطر إلى أن ألجأ إلى الكنيسة أو الشرطة لإجبارها على الخضوع». وختم قائلاً: «نحن معلقون اليوم بين السماء والأرض، لم نقرر بعد وجهتنا بين الانتقال إلى سهل نينوى أو أربيل أو الهجرة». وبحسب صاحب مكتب للعقارات في أربيل فإن الإقبال يغلب على المنازل ذات المساحات الصغيرة التي لا تتجاوز 200 متر، وتتراوح أسعارها بين 50-70 مليون دينار. وقال إن «الأسعار تختلف من حي إلى آخر، وأغلاها هي في مناطق المجموعة الثقافية والمهندسين والمثنى وباب نركال بسعر يصل إلى 800 ألف للمتر الواحد، وتتم عملية البيع عبر وكالة لدى كاتب العدل في أربيل أو قضاء شيخان، ويكون المشتري عادة من سكان الحي وهم عرب، أو الذين نزحوا من الجانب الأيمن بعد أن تهدمت بيوتهم». وأبلغ أحد المتاجرين بالدور رفض الكشف عن اسمه «الحياة»، أن ضباط أجهزة الأمن في بعض المناطق يحذرون المواطنين ويقولون لهم بأنه يمنع شراء بيوت المسيحيين بحجة عدم تركهم المدينة ولكي يضطروا لاحقاً للعودة، لكن هاجس المسيحيين هو أن يكون ذلك مجرد غطاء للتستر على رغبة مبيتة للاستحواذ على بيوتهم بأبخس ثمن». لكن القس نجيب الدومنيكي استبعد أن يكون البيع خيار غالبية مسيحيي الموصل لصعوبة عملية البيع وغياب الدوائر ذات العلاقة لإتمام عملية البيع. وقال: «ربما هناك من لديه الرغبة بالبيع، وما يجري الآن هو قيام لجنة رسمية متخصصة ومن خلال الشرطة بإخراج المتجاوزين على بيوت المسيحيين بأسرع وقت، وتسليمها لأصحابها الشرعيين». وأضاف: «نأمل بأن يتمسك مسيحيو الموصل بالبقاء، فهذه مدينتهم وأرض أجدادهم، لكن هناك آثاراً نفسية تركت بصمتها، والشخص منهم تغلب عليه الحيرة، غير قادر على أن يقرر بين خيار بيع منزله أو العودة إليه، خصوصاً من كان يسكن في الجانب الأيمن نظراً إلى الدمار الهائل في معظم أحيائه، والأهم لا يخفى أنهم يعيشون حالاً من فقدان الثقة بالمحيط أثناء وبعد سيطرة داعش على المدينة». ووفقاً للدومنيكي فإن قرار العودة ربما يحتاج إلى توافر مقومات «ضامنة» لحياة مستقرة، أولها عودة الأمن، و «سنحتاج إلى مدة ليست بالقصيرة لإعادة تلك الثقة المفقودة». وفي أعقاب استعادة المدينة تعكف لجنة مشتركة من الشرطة والكنيسة والحكومة المحلية على «متابعة دور المسيحيين المتجاوز عليها» وتلقي الشكاوى ويكون ملزماً على المتجاوز تسليم المنزل خلال مدة لا تتجاوز عشرة أيام.ويؤكد رئيس اللجنة دريد حكمت زوما «إخلاء أكثر من سبعين منزلاً منذ بدء عمل اللجنة، والشكاوى ما زالت مستمرة، وقد عادت أكثر من 25 أسرة في الجانب الأيسر». وأضاف أن «البعض من الذين يملكون منازل ذات المساحة الكبيرة يواجهون صعوبة في بيعها لغلاء سعرها، والطلب ينحصر بالتي لا يتجاوز سعرها 160 مليون دينار أي قرابة 133 ألف دولار. وشدد على أن «أغلب الذين يسترجعون منازلهم إما يقومون بتأجيرها أو بيعها، البعض يرغب بالبيع، وآخرون إما هاجروا أو ينتظرون توافر ضمانات أمنية وخدمية، ومنهم من لم يقرر بعد».

عودة حذرة وخروقات أمنية

في الإحصائيات الأخيرة عادت 450 أسرة إلى سهل نينوى الجنوبي حيث مناطق الحمدانية، قره قوش، برطلة وكرمليس، ونسبة أقل في السهل الجنوبي، والنسبة لا ترقى إلى مستوى الطموح، لكون عودة 400 أسرة إلى الحمدانية، لا تمثل سوى 4 في المئة من حجم سكانها الذين نزحوا منها، وهو ما يؤكده وزير الهجرة والمهجرين جاسم محمد الجاف إذ قال إن «عودة 17 ألف نازح إلى ديارهم في الحمدانية ونواحي برطلة وبعشيقة والنمرود لا يشكل رقماً بالمقارنة مع أعداد النازحين، على رغم أنها مشجعة». ويقوم عدد من المنظمات الأممية بإعادة إعمار البيوت المتضررة، باستثناء المهدمة أو المحترقة والتي أدرجت في برنامج ينفذ في المرحلة الثانية لإعادة بنائها، فضلاً عن عودة خدمة التيار الكهربائي والمياه الصحية، وتزود كل عائلة بالأجهزة الكهربائية الأساسية، في إطار خطة تشجيعية لعودة الحياة إلى هذه المناطق. بسام بهنام أفاد «الحياة» بأنه حضر مع أسر أخرى لاجتماع دعت إليه إحدى المنظمات المكلفة تعمير الشقق في قره قوش، وأبلغوها أن إعادة إعمار كل شقة رهن بموافقة عودة أصحابها، وقد بدأ العمل بالفعل، وهو سيترك أربيل ويعود إلى بلدته خلال الشهرين المقبلين . لكن سالم متي من بلدة برطلة القريبة ما زال قلقاً إزاء الوضع في سهل نينوى، على رغم أنه أعاد إعمار منزله «أفضل مما كان عليه» بمساعدة المنظمات المعنية، وقال وهو ما زال يقيم في أربيل: «انتهيت من إعمار المنزل، إلا أنني أفضل التريث في أخذ قرار، إذ إن مصير هذه المنطقة يبدو مربكاً، وإقليم كردستان مقبل على تنظيم استفتاء في شأن الاستقلال، وهو يطالب بضم هذه المناطق، لذا سننتظر ما ستؤول إليه الأمور في نهاية الخريف». شهد منتصف تموز الماضي مواجهة مسلحة بين فصيل يعرف بـ «وحدات حماية سهل نينوى»، التابع للحركة «الديموقراطية الآشورية» والمدعومة من الحكومة الاتحادية وفق قانون «الحشد الشعبي» لتولي حفظ الأمن في الحمدانية، مع فصيل مسيحي آخر من الحشد يعرف بـ «كتائب بابيلون»، كما اندلعت بعد أسبوع مواجهة مماثلة بين قوة من الحشد وأخرى من «حرس نينوى» بقيادة محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي»، ما زاد القلق لدى الراغبين بالعودة على مستقبل مناطقهم. ويصف زعيم الكنيسة الكلدانية لويس ساكو الأوضاع في المنطقة بـ «المتشنجة» جراء غياب اتفاق بعد نهاية تنظيم «داعش»، ويعزو بطء عودة النازحين المسيحيين إلى «تقسيم الإدارة بين حكومتي أربيل وبغداد، وبطء عملية إعادة الإعمار بسبب قلة المخصصات والحرب والفساد، وترقب إجراء الاستفتاء المزمع في إقليم كردستان الرامي للانفصال». وتعاني القوى المسيحية من التقاطع وغياب إستراتيجية موحدة لوضع رؤية واضحة إزاء مستقبل هذه المناطق، كان آخرها انقسامها حول المشاركة في مؤتمر عقد في العاصمة البلجيكية بروكسيل حول مستقبل الأقليات في سهل نينوى.

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 156,040,899

عدد الزوار: 7,012,992

المتواجدون الآن: 67