حدودنا.. وخطوطها الكثيرة

تاريخ الإضافة السبت 21 آب 2010 - 1:32 م    عدد الزيارات 1013    التعليقات 0

        

حدودنا.. وخطوطها الكثيرة

محمد بركات، الاثنين 16 آب 2010
 
 



... لا تبدأ القصة في العديسة، بل تمرّ بها في طريقها الى أحداث ربما تكون أكثر مأساوية، وربما تكون أشدّ هولا مما جرى مطلع آب الماضي. وشجرة العديسة تؤشر الى مشكلة كبيرة بين لبنان وإسرائيل بدأت في العام 2000، حين رفض الإسرائيليون الإعتراف بالحدود الدولية التي رسمها المنتدب الفرنسي للبنان بالتفاهم مع المنتدب البريطاني لفلسطين التاريخية، في العام 1923، وسمّي الخطّ الحدودي بخط بولينيو كامب، وصادقت عليه عصبة الأمم وثبّتته دوليا ورسميا في العام 1932 وصار حدودا لبنانية دولية بعد استقلال لبنان عن فرنسا في العام 1943.

القصة أكبر من ذلك بكثير، فللبنان أربعة خطوط حدودية مع اسرائيل. الأول هو بولينيو كامب، وهو الأكثر أهمية لأنّها الحدود التي تراجع عنها، بحسب الخبراء القانونيين، إلا من خلال مفاوضات رضائية بين الطرفين، لبنان وإسرائيل، تنتهي بترسيم بلا تحفظات. 

الخط الثاني هو خطّ الهدنة الذي رسّم في العام 1949، بعد الحرب العربية – الاسرائيلية التي خيضت عام 1948. هذا الخطّ استند الى خطّ بولينيو كامب، وهو لا يختلف عنه أبدا، لكنهما ظلّا خطان وهميان غير مثبّتين، أي غير محدّدين وغري مرسّمين على الأرض. 



أما الثالث، الخط التقني، فهو الخطّ الأول الذي رسم على الأرض وتوّج بسياج شائك بنته إسرائيل في الأربعينات، بعد التهجير الكبير للفلسطينيين من فلسطين باتجاه لبنان وغيره من الدول. حينها بدأ الفلسطينيون يقومون بعمليات عسكرية من داخل الأراضي اللبنانية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصاروا يتسللون ويهربون السلاح الى بلادهم. لذا قررت الدولة الصهيونية أن تقيم سياجا لمنعهم من التسلل وتهريب السلاح. وكان هذا الخطّ هو خطّ الحدود، لكنّه لم يلتزم بالحدود الدولية بشكل مطابق تماما، وظلّ "خطا تقنيا" قريبا من الحدود الدولية ليس أكثر.

وقد تزامن هذا الخطّ مع بدء إسرائيل في بناء ذاتها بشكل عسكري وحمائي، وقد طورته ليكون سياجا مكهربا على الحدود الدولية التي هي خط الهدنة، وفي داخله شقت اسرائيل طرقا ترابية حتى تستعلم الأثر، لترى إن كان هناك تسلل من الفلسطينيين عبر الخط التقني. وهكذا تكون الطريق الترابية جنوب الخط التقني في الارض الفلسطينية المحتلة ويكون هذا الخط التقني هو آخر نقطة من نقاط الارض الفلسطينية المحتلة، وهو مطابق، تقريبا، لخط الحدود الدولية وخط الهدنة.

في العام 2000 عندما تشكلت لجنة عسكرية لبنانية للتحقق من الانسحاب الاسرائيلي، كان رئيسها العميد الركن أمين حطيط: "بضغط من الولايات المتحدة الأميركية على الامم المتحدة حضّروا خدعة أنّهم لا يعرفون الحدود الدولية وانهم يريدون رسم خط جديد هو خط الانسحاب، فرفضنا المنطق هذا. فقالوا انهم يريدون خطا يشبه الحدود، فرفضنا أيضا، فطلبوا خطّا عمليا، فرفضنا".

ويضيف حطيط: "بعد التردد سلمونا خرائطهم، فإذا بهم يحددون خطا يقتطع من الارض اللبنانية مساحة تتجاوز 17 مليون متر مربع، فرفضنا. وبعد النقاش التزموا بالحدود الدولية الا في نقاط ثلاث هي رميش والعديسة والمطلة، وهذه النقاط فيها تباين بين خط الامم المتحدة، الذي سمّي لاحقا الخط الأزرق، وبين الخط الذي يعتمده لبنان كحدود يقينية، فذكرنا بعد التحفظ على الخطّ الازرق أنّه خط انسحاب وليس خط حدود ولا يمس بالحدود الدولية ولا بحقوق احد عليها وأنّ صلاحيته تنتهي بانتهاء مهمة التحقق".



ويتابع حطيط بغضب: "وأنا كلبناني وكجنرال في الجيش تحقق من الحدود، وبالنسبة للحكومة اللبنانية وللسلطة بكاملها من رئيس الجمهورية الى كل السياسيين، لا قيمة للخط الازرق، لأن وظيفته انتهت في 3 آب 2000".

ويصعّد حطيط نبرته محذرا "الاعلاميين والسياسيين من استعمال مصطلح الخط الازرق الذي تريده اسرائيل، ومن إسقاط الحدود الدولية، فهذه خيانة ومن يفكر بها يكون عميلا ويجب محاكمته".

هنا يسأل الخبير في الحدود ومسائلها اللبنانية، الدكتور عصام خليفة: "إذا كان (حطيط) لا يعترف بهذا الخطّ فلماذا قبل به حين كان رئيسا للجنة التحقق من الإنسحاب". ويستطرد خليفة: " أقدر جهده، لكن أنا كنت مع مصطلح خط الحدود الدولية، المستعمل في بولينيو كامب والمعترف به من قبل القانون الدولي ومن قبل اتفاق الهدنة، فلماذا استعمل مصطلح الخط الأزرق؟".

ويتابع خليفة: "الخط الازرق بدعة لكنه امر دولي واقع والدولة اللبنانية وافقت عليه... ربما أخطأت الدولة لكن أنا كفرد أو حزب أو جماعة لا أستطيع أن أرفضه، ولا أستطيع أن أدخل إلى فلسطين واحرر القدس وحدي. وحين يكون هناك موقف عربي ودولي ملائم لتحرير فلسطين، فهذا موضوع آخر، فأنا مع قضية فلسطين لكن ايضا مع حماية ارضي من التدمير ومن المغامرات غير المحسوبة".



هكذا إذا ولد الخطّ الأزرق، بالتحفّظ والإعتراض اللبنانييين، لكنّه بات خطّا دوليا.

ويشرح حطيط سبب "سرقة العديسة"، قائلا إنّ "الإسرائيليين، بحسب الحدود الدولية، كانوا مضطرين للتخلي عن بعض الأراضي من مستعمرة المنارة، ولئلا يخرجوا من هناك إقتطعوا من العديسة وحرّفوا الحدود، لأنهم لا يستطيعون تحريف احداثيات ثابتة دوليا في المنارة، أملا في مقايضة الارض في المنارة بالارض في العديسة فرفضنا. وبقيت الارض في العديسة متحفظ عليها بسبب السرقة الاسرائيلية".

وفي حين يقدّر حطيط طول الطريق التي اقتطعت بكيلومتر، يقدّرها خليفة بكيلومترين: "في تقديري، وهذا يحتاج الى تأكيد ودرس أكثر، لدينا بحدود 40 متر عرض و2 كلم طول، بخلاف قول العميد حطيط، أنا أعتبر أن هناك 150 ألف متر مربع في منطقة العديسة من الارض المتحفظ عليها، وبتّ هذه المسألة يحتاج الى متخصصين في الاستشعار عن بعد وإلى طوبوغرافيين متخصصين".

ورغم أنّ خليفة يبدو أكثر اعترافا بالشرعية الدولية من حطيط، إلا أنّه يتحفظ على "قرية النخيلة، التي تقع تحت مزارع شبعا، والتي لم يتحفظ عليها لبنان، ومساحتها تقدّر بمليونين ومئتين ألف متر مربع، وهي قرية قدمت وزيرا للتربية اللبنانية في العام 1926، وكان فيها مركز جمركي، ما يؤكد أنها لبنانية مئة في المئة".

إذا الخطّ الأزرق يختلف عن الحدود الدولية، والتحفظات عليه من الجانب اللبناني تعني أنّ هناك أرضا داخله من الناحية الاسرائيلية يقول لبنان انها له، من ضمنها المنطقة التي جرى فيها تبادل إطلاق النار بين القوات الاسرائيلية والجيش اللبناني.

جدير بالذكر ان الطريق التي تعتبرها اسرائيل ملكا لها هي طريق تربط كفركلا بالعديسة وتوصل الى ربثلاثين، قرية كاتب هذه السطور، ويعبرها يوميا مئات السيارات اللبنانية ذهابا وإيابا، وهي عمليا وتقنيا ودوليا أراض لبناني، لكن الخط الأرزق وضعها في الناحية الإسرائيلية وتركها لبنانية التصرّف، مع أكثر من ثلاثين منزلا، لكن إسرائيلية السيادة، وفقا للخط الأزرق.

هنا يسأل خليفة استطرادا: "هل أحضرت وزارة الخارجية محضر بولينيو كامب من جنيف وأوعزت الى مندوبنا في الأمم المتحدة بطلب المستندات والوثائق"، ويضيف: "هذا سؤال كبير برسم المسؤولين. وأنا قد طلبت هذا الأمر من الرئيس سليم الحصّ في العام 2000 ووعدني خيرا ولم يصلني شيء حتى اليوم".

ويعتبر خليفة أن واحدا من أسباب الرغبة في السيطرة على طريق العديسة حيث حصل الاشتباك هو أنّها "مرتفعة وتكشف سهل الحولة كله وتسيطر عليه استراتيجيا، لذا تريده اسرائيل استراتيجيا، لأنّها ترغب دائما في إقامة مراكز لها في المناطق المرتفعة على الحدود".

..إلا أنّ حطيط الذي يصرّ على أنّ الخطّ الأزرق "إنتقل إلى رحمته تعالى في الثالث من آب العام 2000"، بعد التأكد من الإنسحاب، ويطالب بـ"محاكمة كلّ من يستعمل تعبير الخطّ الأزرق"، يصرّ على أنّ "الارض هذه لم يكن لاحد نزاع حولها من العام 1948 حتى العام 2000، واسرائيل انسحبت منها يومها، والخط الازرق لا قيمة له منذ ذلك الحين، والدخول في هذا الموضوع يحدث نقاشا لا أساس له، ولذلك أرفض الدخول فيه".



العديسة إذا هي عنوان خلاف كبير بين لبنان وإسرائيل، وليست مجرد شجرة. هذا لأنّ لبنان عاد وحصل على أراضيه في رميش، وبقي له طريق بطول أربعة كيلومترات وعرض ثمانين سنتيمترا في المطلّة، إذ بنى الإسرائيليون الشريط الشائك جنوب الحدود بدلا من شمالها، ويقول حطيط: "جريمة لارسن انه وضع كل مدخل العديسة مع حي كامل منها ضمن الخط الأزرق الاسرائيلي، رغم أنّها منذ العام 1948 لبنانية".

أما خليفة فيطالب بتشكيل لجان وزارية ونيابية ومراكز دراسات وأبحاث لنشر الثقافة الحدودية في لبنان: "ولدرس الفوارق بين خط بولينيو كامب وخط الهدنة والخط الازرق، لأنّنا في خلال المفاوضات، الآتية لا ريب مع اسرائيل حول الحدود النهائية، يجب ان نتسلح بالوثائق العلمية". ويضيف خليفة: "اسرائيل اشترت اسلحة بـ11 مليارا ونصف المليار دولار منذ العام 2006 الى اليوم، وبالتالي علينا ألا ندع هذا السلاح يقع على الشعب اللبناني خلال محاولات القيام ببطولات لا مبررات جوهرية لها".

... شجرة العديسة هي رأس جبل جليد الأراضي المتنازع عليها، ومن ضمنها مزارع شبعا، لكنّ حجة إسرائيل الأقوى في العديسة هي الخطّ الأزرق، هذا الخط الذي تحترمه الدولة اللبنانية ويرفضه حطيط ويشدد خليفة على كونه أمرًا دوليًّا واقعًا.

وبعد، فقد قطع الاسرائيليون الشجرة في اليوم التالي، وقطعوا أشجارا أخرى. إلا أننا لم نفقه ما الذي تغيّر في الخطوط والحدود بين ليلة وضحاها؟

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,703,245

عدد الزوار: 6,909,398

المتواجدون الآن: 102