العلاقات الأميركية - الإسرائيلية هل هي سيئة فعلاً ؟

تاريخ الإضافة الأحد 15 آب 2010 - 6:46 ص    عدد الزيارات 926    التعليقات 0

        

دراسة إسرائيلية
العلاقات الأميركية - الإسرائيلية هل هي سيئة فعلاً ؟
بقلم عوديد عيران

هذه الدراسة للباحث الاسرائيلي عوديد عيران صدرت باللغتين العبرية والإنكليزية عن مركز أبحاث الأمن القومي في إسرائيل، ضمن النشرة التي تحمل إسم "تحديثات استراتيجية" المجلد 13، العدد الأول، تموز 2010. وهي واحدة من دراستين اشتمل عليهما هذا العدد وعالجتا الأزمة في العلاقات بين إسرائيل والإدارة الأميركية الحالية. يتبع مركز أبحاث الأمن القومي جامعة تل أبيب، وهو متخصص بالدراسات الاستراتيجية المتعلقة بإسرائيل والمنطقة، ويُعرّف المركز عن نفسه بأنه مؤسسة بحث مستقلة، لكنه يعترف من جهة أخرى بعلاقته الوطيدة بالمؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل:

أثارت الفترة الأولى من ولاية الرئيس أوباما احتجاجاً كبيراً لدى الرأي العام سواء في الولايات المتحدة أم في إسرائيل، وعرفت ردود فعل شعبوية لم يسبق لها مثيل، من الإثارة وعدم المسؤولية. فقد كان عدد كبير من المعلقين لا يعرفون الخلفية التاريخية المهمة للعلاقة بين البلدين، أو أنهم فضلوا تجاهلها، واعتمدوا في الكثير من الأحيان على حدسهم أكثر من اعتمادهم على الوقائع.
صحيح ان حالة من التوتر تسود العلاقة بين حكومة إسرائيل والحكومة الأميركية، خاصة في موضوع النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، ولكن ينبغي علينا أن نتعامل مع هذا الموضوع في ضوء الخلفيه التاريخية والسياسية للموضوع قبل التوصل الى الاستنتاج بأن الرئيس أوباما قد تخلى عن المعايير التي كانت تسود حتى الآن العلاقات الثنائية بين البلدين. إن هذا موضوع مهم للغاية، وحساس، ومصيري بالنسبة للحسابات الإسرائيلية الاستراتيجية البعيدة المدى، من هنا يتعين علينا ألا نتعامل معه بطريقة شعبوية.
منذ عام 1967 شكل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني موضوعاً أساسياً للجدل الدائر بين إسرائيل والولايات المتحدة. ولم يحدث قط أن اتفقت الدولتان على ثلاثة موضوعات تشكل جوهر النزاع وهي: الحدود، والقدس والى حد ما اللاجئين. لقد عبّرت الولايات المتحدة عن موقفها من موضوع الحدود بين إسرائيل وجيرانها منذ كانون الأول عام 1969، عندما قال وزير الخارجية آنذاك وليم روجرز: "ممنوع أن يفرض الاحتلال أي تغيير في الخطوط السابقة للحدود، ويجب أن يبقى أي تغيير في حدود غير مهمة".
في 22 كانون الأول 1969 لم تكتف الحكومة الإسرائيلية برفض "مشروع روجرز" الذي نُشر بعد ذلك، ولكنها أعلنت آنذاك "في حال تحقيق هذه المقترحات، فإن أمن إسرائيل وسلامة أراضيها سيتعرضان إلى الخطر الشديد. لذا فهي ترفض أن تقع ضحية أي سياسة تفرض بالقوة، وترفض كل محاولة لفرض حل عليها". وأضافت: "إن المقترحات التي طرحتها الولايات المتحدة سيفسرها الزعماء العرب بأنها محاولة للتصالح على حساب دولة إسرائيل".
بكلام آخر اتهمت إسرائيل الإدارة الأميركية مباشرة بتهديدها عسكرياً من خلال مصالحتها مع العرب. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحكومة التي استخدمت هذه اللهجة كانت آنذاك حكومة بقيادة حزب العمل.
شكل مشروع روجرز حجر الأساس في السياسة الأميركية من هذه المسألة، على الرغم من التغييرات الطفيفة والمتكررة التي أُدخلت منذ تلك الفترة على شكل هذه المبادرة وعلى مضمونها. وحتى الرسالة التي بعث بها جورج بوش الإبن الى رئيس الحكومة أرييل شارون في نيسان 2004 لا يمكن تفسيرها بأنها خروج على هذه السياسة. فلقد كتب الرئيس بوش آنذاك: "في ضوء الحقائق الجديدة على الأرض، بما في ذلك المراكز السكانية الإسرائيلية الموجودة حالياً، يبدو من غير الواقعي أن تؤدي نتائج المفاوضات حول الوضع النهائي للعودة الكاملة الى خطوط الهدنة للعام 1949" ولكنه اضاف: "من هنا من الواقعي أن يستند أي اتفاق يتعلق بالوضع النهائي إلى تغييرات متفق عليها ومتبادلة تعكس التغييرات المذكورة أعلاه". لقد ربط بوش التغييرات التي ستطرأ على حدود 1949 بموافقة الفلسطينيين عليها.
وبصورة أكثر تحديداً، يكفينا أن نقول أن الفلسطينيين يحسبون مناطق الإستيطان المسكونة بأنها توازي نحو أقل من إثنين في المئة من أراضي الضفة الغربية، في حين اقترح رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت احتفاظ إسرائيل بستة ونصف في المئة من أراضي الضفة، مع تبادل للأراضي بنسبة واحد الى واحد. أما التقديرات التي قدمها كلينتون في كانون الأول 2000 فقد راوحت بين أربعة الى ستة في المئة، وتحديداً أقل من ثماني ونصف في المئة من الأراضي الموجودة في الجزء الغربي من جدار الفصل وفق مخططه الحالي. باختصار على الدوام كانت مواقف الولايات من موضوع الحدود موضع خلاف مع إسرائيل منذ زمن بعيد.
لقد شكل بناء ضواحٍ يهودية خارج الخطوط التي سبقت حرب الأيام الستة، سواء في القدس الشرقية أم في الضفة الغربية، سبباً لتوترات خطيرة بين الحكومات الإسرائيلية والولايات المتحدة. فجميع رؤساء الولايات المتحدة وقفوا ضد هذا البناء. وقد ذهب الرئيس جورج بوش الأب إلى أبعد من ذلك عندما أقنع الكونغرس الأميركي في أيلول 1991 بتجميد ضمانات القروض التي جمعتها إسرائيل في الولايات المتحدة، خوفاً من إنتقال جزء من هذا الأموال لتمويل البناء في المستوطنات. في أعقاب فوز حزب العمل في انتخابات حزيران 1992، وافق الرئيس الأميركي والكونغرس على ضمانات القروض. وطوال أعوام خفضت الولايات المتحدة ضماناتها على القروض بملبغ فاق المليار ونصف المليار دولار، وهو يوازي المبلغ الذي أنفقته إسرائيل على اقامة المستوطنات، وذلك وفقاً للتقديرات الأميركية. وتعبيراً عن عدم الرضى الأميركي على إسرائيل، وفي خطوة تهدف إلى دفع إسرائيل للموافقة على بعض اقتراحات وأفكار الولايات المتحدة الهادفة إلى دفع عملية السلام، هددت إدارتان أميركيتان سابقتان بالوقف المؤقت لشحنات السلاح إلى إسرائيل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إدارة الرئيس أوباما لم تقم بأي خطوة ولم تتحدث بأي لغة من تلك التي استخدمتها الإدارات السابقة، لا بل هناك أكثر من ذلك، ففي الفترة الأخيرة زادت الولايات المتحدة، على سلة مساعداتها لإسرائيل مبلغاً قدره 205 ملايين دولار مخصصة لـ"لقبة الحديد" الإسرائيلية المعدة لمواجهة الصواريخ القصيرة المدى.
تتوقع الصحف الإسرائيلية والأميركية والدولية أن تقدم الولايات المتحدة خطتها لحل النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. وحتى لو قام البيت الأبيض بنشر مثل هذه الخطة من دون استشارة رئيس الحكومة الإسرائيلية أو وضعه في صورتها، فإن هذا الأمر لا يعتبر خروجاً عما هو معتمد بين الدولتين. فقد اعتادت الدولتان مفاجأة بعضهما البعض أكثر مما اعتادتا القيام بالتشاور المسبق أو بالتنسيق الثنائي.
فقد فاجأت الولايات المتحدة إسرائيل بـ"مشروع روجرز" عام 1969، كما فاجأتها بالاتفاق الذي توصلت إليه مع الإتحاد السوفياتي في الأول من تشرين الأول عام 1977 بشأن الاقتراحات لحل النزاع العربي - الإسرائيلي، كذلك فاجأتها بخطة ريغان الأولى عام 1982، مع بداية الحوار مع "فتح" في كانون الأول 1988، وباقتراح الرئيس كلينتون في 26 كانون الأول 2000. ومن المحتمل جداً في حال قرر الرئيس أوباما نشر خطته المتعلقة بحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، فإن غالبية الإسرائيليين قد لا تربط هذه الخطة بقائمة الخطط التي ذكرناها، لأن ذاكرتهم ضعيفة.
ويمكننا الافتراض، من جهة ثانية أن غالبية الإسرائيليين ينسون أيضاً أن إسرائيل اعتادت على عدم اطلاع الولايات المتحدة على مبادرات سياسية مهمة. ففي أعقاب الإتفاق الأميركي - السوفياتي في الأول من تشرين الأول 1977، بدأت إسرائيل ومصر محادثات سرية أدت في ما بعد الى زيارة الرئيس السادات الى إسرائيل، والتوقيع على إتفاق للسلام بين الدولتين في عام 1979، من دون ان تكون الولايات المتحدة آنذاك طرفاً في المحادثات السرية.
في شهر كانون الأول من عام 1992، بدأت إسرائيل باجراء محادثات سرية مع منظمة التحرير الفلسطينية أدت الى توقيع إتفاق أوسلو في أيلول 1993.وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة كانت في صورة هذه المحادثات، إلا أن دورها اقتصر على استضافة حفل التوقيع على الإتفاق في حديقة البيت الأبيض. لقد جرت غالبية النقاشات بين إسرائيل والممكلة الأدرنية بعيداً من آذان وأعين الولايات المتحدة. من هذه الزاوية يمكن اعتبار المفاوضات عن قرب بين إسرائيل والفلسطينيين أمراً جديداً. فمنذ إتفاق السلام بين إسرائيل ومصر، لم تلعب الولايات المتحدة دور الوسيط إلا بين سوريا وإسرائيل.
لكن على الرغم من التزام الرئيس أوباما في توجهاته في موضوع النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني بالمعايير العامة التي طبعت العلاقة الأميركية بإسرائيل، فإن هذا ليس معناه أن إدارة أوباما لم ترتكب أخطاء في وجهات النظر وفي السياسة المتبعة، وينطبق هذا أيضاً على إسرائيل. فقد أخطأت حكومة الولايات المتحدة وإسرائيل في تقديراتهما تجاه بعضهما البعض. كما بالغت إسرائيل في تقديراتها للضغوطات الناتجة عن معالجة الأزمة الاقتصادية العالمية على الإدارة، وأنه نتيجة لذلك سيتراجع الإهتمام الأميركي بموضوع الشرق الأوسط. ولم تقدر الحكومة الإسرائيلية بصورة صحيحة الصلة التي أقامتها واشنطن من جهتها بين معالجة موضوع إيران، والإنسحاب من العراق، والحرب الدائرة في أفغانستان - باكستان، ومن جهة ثانية حل النزاع العربي - الإسرائيلي. وحتى الآن لم يقدم رئيس الحكومة نتنياهو الى الرئيس أوباما خطة عمل تستطيع ترميم أجواء العلاقات المتبادلة، فمثلاً من خلال الاعلان عن تأييده لحل الدولتين لشعبين كان بإمكانه تهدئة التوتر الذي أخذ يتزايد في ما بعد بين الحكومتين. وهكذا بدت إسرائيل كأنها تخضع للإملاءات الأميركية ومضطرة للقيام بخطوات محددة، مثل الاعلان المتردد عن القبول بحل الدولتين.
وحتى لو اعتبرنا أن الإدارة الأميركية الحالية تتبنى توجهاً مقصوداً لإزالة السمات المميزة التي طبعت العلاقات بين الدولتين، فإن الإدارة الأميركية لم تقترف أخطاء نظرية في علاقتها بإسرائيل. يمكننا أن نناقش ما إذا كان خطاب الرئيس أوباما في القاهرة هو بمثابة تصالح مع العرب والمسلمين، ولكنه كان بالتأكيد إهانة لليهود ولدولة إسرائيل عندما ساوى بين المحرقة ومعاناة الفلسطينيين، وجعلهما على قدر واحد من الأهمية. اليوم الكل يعترف، حتى الكونغرس الأميركي، بأن الرئيس أوباما قد أخطأ عندما لم يقم بزيارة القدس أثناء جولته على عدد من الدول العربية والإسلامية.
هناك خطأ آخر ظهر في صياغة تصريحات الجنرال ديفيد بترايوس أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي في 16 آذار 2010 عندما قال:
"إن التقدم نحو السلام الشامل في الشرق الأوسط لا يجري بصورة كافية،كما أن حالة العداء المستمرة بين إسرائيل و بعض الدول المجاورة باتت تشكل تهديداً واضحاً لقدرتنا على الدفاع عن مصالحنا في المناطق التابعة لمسؤوليتنا. إن التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين يتطور أحياناً كثيرة الى أعمال عنف ومواجهات مسلحة على نطاق واسع. كما يساهم هذا النزاع في زيادة العداء لأميركا في ظل النظرة السائدة بأن الولايات المتحدة داعمة لإسرائيل. إن الغضب العربي الناجم عن المشكلة الفلسطينية يحد من عمق وحجم التعاون الأميركي مع حكومات و شعوب كثيرة في منطقة مسؤوليتنا، ويضعف من شرعية الأنظمة المعتدلة في العالم العربي. في الوقت عينه تقوم "القاعدة" والتنظيمات الجهادية باستغلال هذا الغضب من أجل جمع التأييد لها. بالاضافة الى ذلك يساهم هذا النزاع في تعزيز النفوذ الإيراني في العالم العربي بواسطة عملائها: "حزب الله"، وحركة "حماس".
لقد سارع عدد من الصحافيين الإسرائيليين في واشنطن الى القول إن الجنرال بترايوس إتهم إسرائيل بأنها تعرض المصالح الأميركية في المنطقة للخطر. من جهة أخرى، كُتب الكثير حول قرار إسرائيل السماح ببناء 1600 وحدة سكنية جديدة في أحياء القدس الواقعة خارج حدود 1967، وذلك أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي جون بايدن لإسرائيل خلال شهر آذار 2010.
لقد استفادت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل من الحرب الكلامية الدائرة بينهما. فتحدث كبار المعلقين الأميركيين عن مخاوف وشكوك البيت الأبيض إزاء رئيس الحكومة نتنياهو، في الوقت الذي نشر رئيس المؤتمر اليهودي العالمي في 15 نيسان 2010 رسالة موجهة الى الرئيس أوباما سأله فيها: "هل تفترض أن تدهور العلاقات مع إسرائيل سيساعد على تحسين العلاقات مع المسلمين؟ هذه تسوية فاشلة".
اليوم تسعى الحكومتان الى التخفيف من حدة التوتر، لإعتقادهما أن هذا الأسلوب في تبادل الكلام يتعارض مع مصالحهما السياسية، لكن هذه التهدئة مؤقتة، سواء تلك المتعلقة بتجميد البناء في المستوطنات، أم المتعلقة بفترة الأشهر الأربعة التي وافقت جامعة الدول العربية على إعطائها للمفاوضات غير المباشرة والتي من المفترض أن تنتهي في شهر أيلول المقبل. وسيشكل هذا الحاجز الأول. وقد تواجه العلاقات بين الدولتين خضة جديدة جراء الانهيار المحتمل للمحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين، سواء نتيجة عدم تحول هذه المحادثات محادثات مباشرة أم نتيجة فشل مساعي المجتمع الدولي في وقف المشروع النووي الإيراني.
إن فشل المحادثات بين إسرائيل والفلسطينيين قد يؤدي الى قيام الفلسطينيين والعرب بالضغط على الولايات المتحدة وشركائها في اللجنة الرباعية من أجل الاعلان عن خطة لقيام دولة فلسطينية. ومن شبه المؤكد أن هذا سيؤدي الى توسيع شقة الخلاف بين واشنطن وإسرائيل. إن امتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق الفيتو ضد قرار دولي يسمح بقيام دولة فلسطينية وتحديد حدودها، سيؤدي الى أزمة خطيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
ربطت تصريحات الجنرال بترايوس بوضوح بين المشكلات المطروحة على جدول عملية السلام بين إسرائيل وجيرانها، ونجاح الولايات المتحدة في معالجة المشكلة الإيرانية وفي المواجهات في العراق وأفغانستان. كما أن وجهة النظر الضمنية الساعية الى الربط بين احتمال فشل الولايات المتحدة على هذه الجبهات وجمود العملية السلمية، من شأنها أن تلحق الضرر أيضاً بالعلاقات بين الدولتين.
ثمة وجهة نظر مهمة غائبة عن هذا النقاش. فالرئيس الأميركي ونائبه ووزيرة الخارجية والقيادة الأميركية، كلهم ما زالوا يشددون على التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل. فقلد قال نائب الرئيس جو بايدن أثناء زيارته لإسرائيل: "جئت الى هنا كي أذكركم آملاً ألا تنسوا أبداً، أن أميركا تقف دوماً الى جانبكم في مواجهة الأخطار. إن الرئيس أوباما وأنا نمثل مجموعة من القادة الأميركيين الذين يدركون خصوصية العلاقة الحساسة والإستراتيجية بإسرائيل. وكما قال الرئيس في الفترة الأخيرة فإنه لن يتردد لحظة واحدة في الدفاع عن أمن إسرائيل، ومساعدتها في الدفاع عن نفسها في منطقة معادية لها للغاية. ولم يكتف الرئيس أوباما بقول هذه الكلام، وإنما قرن كلامه بالأفعال خلال السنة الأولى لتوليه منصبه... فإلى جانب تقديم المساعدة العسكرية البالغة ثلاثة مليار دولار سنوياً، أدخلنا تحسينات على الاستشارات الأمنية وضاعفنا مساعينا من أجل أن يحافظ الجيش الإسرائيلي على تفوقه النوعي".
لكن على الرغم من هذا كله يجب الانتباه الى الضرر المحتمل الذي أصاب قدرة إسرائيل على الردع، بسبب الأفكار المنتشرة في الشرق الأوسط والتي تقول بأن تصريحات بايدن لا تعكس الوضع الحقيقي للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وسواء كانت هذه الأفكار صحيحة أم لا، فإنها قد تصبح مهمة أثناء اتخاذ العديد من الأطراف في الشرق الأوسط قراراتها؛ لذا فعلى الزعماء الإسرائيليين و الأميركيين التفكير جدياً قبل اعطاء تصريحات تتعلق بالعلاقات الثنائية.
وبغض النظر عن حل النزاع الإسرائيلي- العربي، فإن حكومتي البلدين ستجدان نفسيهما مختلفتين حول المشكلة النووية المتصلة بالملف الإسرائيلي. منذ أكثر من خمسين عاماً لم تفلح الولايات المتحدة في ايجاد طريقة لمراقبة المنشآت الإسرائيلية ، وقد اختارت الإدارة الأميركية وضع هذا الموضوع في الأدراج بدلاً من تحويله موضوعا تحريضيا. لكن التوجه الإيديولوجي للرئيس اوباما حول موضوع حظر انتشار الأسلحة النووية أثار القلق في إسرائيل. وكان الرئيس الأميركي ووزيرة الخارجية بالاضافة الى مسؤولين آخرين قد شددوا في تصريحاتهم الرسمية على تمسك الولايات المتحدة بالعمل على قيام عالم خال من السلاح النووي. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية في خطاب ألقته في مؤتمر منع انتشار الأسلحة النووية الذي انعقد في 3 أيار 2010: "نريد التشديد على التزامنا بقيام شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل، ونحن مستعدون لدعم كل الخطوات العملية التي تساعد في تحقيق هذا الهدف".
ولم يكن بوسع الولايات المتحدة غير التوقيع على الوثيقة التي توصل اليها هذا المؤتمر والتي دعت إسرائيل الى التوقيع على معاهدة منع انتشار السلاح النووي، واخضاع كل منشآتها النووية لرقابة المنظمة الدولية للطاقة النووية. كما دعت كلينتون الى عقد مؤتمر آخر 2012 للبحث في قيام منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل تستند الى القرار 1995 المتعلق بموضوع الشرق الأوسط. ليست فكرة دعوة إسرائيل الى التوقيع على معاهدة حظر انتشار السلحة النووية بالفكرة الجديدة، ولكن فكرة عقد مؤتمر إقليمي بهذا الخصوص هي الجديدة.
وكان البيت الأبيض قد نشر توضيحاً رسمياً صادراً عن مستشار الأمن القومي جاء فيه أن المؤتمر المقترح عقده في 2012 سيستند الى تفويض من دول المنطقة؛ ولكي تضمن الولايات المتحدة المحافظة على مصالح إسرائيل قررت تبنيه. لكن الولايات المتحدة مع الدول الأخرى الراعية للمؤتمر ستحرص على العمل وفقاً لإجماع دول المنطقة وحدها، هذا الإجماع سيتطلب التوصل الى إتفاقات و اجراء نقاشات من أجل التوصل الى اتخاذ الخطوات اللازمة. وتلخيصاً لكل الشروط المذكورة أعلاه أشار الجنرال جونز: "لن تسمح الولايات المتحدة بانعقاد مؤتمر أو اتخاذ خطوات من شأنها أن تعرض أمن إسرائيل القومي للخطر، ولن نوافق على أي توجه قد يؤدي الى عزل إسرائيل أو الطلب منها أموراً غير واقعية". وأعربت الولايات المتحدة عن أسفها للإشارة المنفصلة المتعلقة بإسرائيل في البيان الختامي للمؤتمر، في الوقت الذي لم يتطرق البيان بتاتاً الى المشكلة الإيرانية.
على الرغم من هذه التصريحات، فقد استقبلت إسرائيل تصويت الولايات المتحدة في المؤتمر بكثير من الهلع. ليس لأن الولايات المتحدة امتنعت عن محو الإشارة المتعمدة الى دولة إسرائيل، وإنما لأنها قدمت نفسها بصفتها الطرف الذي سيمنع تحول مؤتمر 2012 حدثاً معادياً لإسرائيل، ويتخذ قرارت معادية لها، الأمر الذي سيضاعف من تبعية إسرائيل للنيات الجيدة للولايات المتحدة. ومن المهم أن ننتظر لنرى كيف ستتطور هذه العلاقات في ظل معالجة الولايات المتحدة لهذا الموضوع بالذات، ولا سيما مساعي كبح المشروع النووي الإيراني ومسار السلام الشامل في المنطقة.
امتازت السنة الثانية من ولاية الرئيس أوباما بتطورات مهمة طرأت على الشرق الأوسط. من بينها تقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق، والدخول في المرحلة الحساسة لقطع الطريق على إيران ومنعها من الحصول على القدرة العسكرية النووية، ومواصلة عملية تثبيت الاستقرار في أفغانستان، ومحاولات دفع علمية السلام بين إسرائيل والدول المجاورة لها. وجميع هذه الموضوعات بالاضافة الى الترابط بينها وبين مسائل مهمة أخرى مثل تغير الزعامات في المنطقة، هي موضوع خلاف في وجهات النظر بين الدولتين. إن الخلاف في وجهات النظر أمر مشروع، ولكن على الدولتين أن تديرا النقاش بحذر، بحيث لا يؤدي ذلك الى اضعافهما.

 

الدراسات الاسرائيلية في "قضايا النهار"
ترجمة رنده حيدر عن العبرية

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,122,538

عدد الزوار: 6,754,649

المتواجدون الآن: 110