الإسلام والحرب و"حركة التوحيد الاسلامية" في طرابلس ثمانينات القرن العشرين [1]

تاريخ الإضافة الإثنين 9 آب 2010 - 7:54 ص    عدد الزيارات 1117    التعليقات 0

        

الإسلام والحرب و"حركة التوحيد الاسلامية" في طرابلس ثمانينات القرن العشرين [1]

الخطابة الجماهيرية ودور سعيد شعبان والعروبة الفلسطينية في نشأة الحركة

الشيخ سعيد شعبان. "توحيدي" يقبل يد الشيخ شعبان.

يتتبع هذا التحقيق بدايات نشوء "حركة التوحيد الإسلامية" وحروبها ومساراتها ومصائرها في مدينة طرابلس بين مطالع ثمانينات القرن العشرين ومنتصفها. وفي هذه الحلقة الأولى رصد لمبادرات تأسيس الحركة، ولدور الشيخ سعيد شعبان وخطابته الإسلامية في التمهيد لبروزها.
يمكن تتبع بدايات ظهور فكرة تأسيس "حركة التوحيد الإسلامية" على مستويين اثنين: الأول علني ظهر في دوائر من مسرح الحياة العامة في المدينة، والثاني غير علني، وتمثل في مبادرة مقدمي الجماعات الدعوية الإسلامية والمنظمات المحلية المسلحة الطرابلسية إلى مشاورات في ما بينهم، غايتها إنشاء إطار إسلامي يجمع هذه الجماعات والمنظمات ويوحدها. أما دور الظروف والعوامل الخارجية والإقليمية في التمهيد لتأسيس الحركة، فكان أساسياً، وسوف يتجلى واضحاً في سياق العرض للمستويين، العلني وغير العلني.
على المستوى العلني العام، يمكن رصد ظاهرتين اثنتين أساسيتين، سبقتا تأسيس "حركة التوحيد الإسلامية" ومهدتا له.

 

أ- الخطابة فعل سياسي
 

كان بروز الشيخ سعيد شعبان كخطيب مسجد وداعية إسلامي، مؤثراً في العلنية العامة المدينية، من على منبر مسجد التوبة في قلب أسواق طرابلس الداخلية القديمة، حيث يتكاثر جمهور المتسوّقين والمصلّين ظهيرات نهارات الجمعة. هذا إضافة إلى نشاطه الدعوي والتربوي والتعبوي في الجمعيات والمعاهد الإسلامية في المدينة. وإذا كان عامر أرناؤوط يشدد في شهادته على افتقار شعبان إلى "فكر سياسي وحسّ عملي وشخصية قيادية وإطار تنظيمي واضح ومنظمين فاعلين" لنشاطه الخطابي والدعوي، فإن هذا الافتقار يخالف ما يذهب إليه أرناؤوط نفسه. فهو يرى أن شعبان ليس أكثر من "ظاهرة خطابية"، أي "صوتية"، قليلة الفاعلية "السياسية". وذلك بناء على مقولةٍ تعتبر أن التنظيم والتأطير الحركيين والحزبيين، هما ركيزة السياسة والنشاط السياسي وركنهما. وإن صحّ هذا على صعيد التنظيم الداخلي للجماعات والمجموعات المسلحة ولحماتها وتماسكها وإمرتها الداخلية، بعد قيام "حركة التوحيد الإسلامية" وسيطرتها على طرابلس، فإنه لا يصحّ على الصعيد الجماهيري العام الذي يشكّل النشاط الدعوي والتربوي الديني والخطابة الدينية، عصب الفاعلية السياسية التعبوية فيه. ففي مجتمعاتنا العربية والإسلامية - منذ عهود الناصرية التي قاد خطيبها "الجماهير" العربية عبر إذاعة "صوت العرب" من القاهرة - تشكل الخطابة "السياسية"، وخصوصاً في الدوائر العاميّة والجماهيرية، عصب "السياسة" والتحريض "السياسي"، حيث الثقافة الشفوية هي الغالبة والفاعلة. ومن دون الخطابة الدينية في المساجد وحلقاتها لا قيامة للحركات الدعوية الإسلامية، ولا لقدرتها على التعبئة والتأطير والتنظيم. وهذا ما ينطبق بقوة على طرابلس التي يعتزّ أهلها بتراث مدينتهم وتاريخها الإسلاميين "العريقين". والنموذج الأبرز لفاعلية الخطابة "السياسية" التعبوية والتحريضية ذات البعد "الديني" اليوم، هي خطابة الأمين العام للحزب الخميني في لبنان.
أما نشاط سعيد شعبان الدعوي والتربوي في المدارس والمعاهد والجمعيات الدينية منذ عودته إلى طرابلس في العام 1965 (بعد غيابه عنها منذ العام 1958)، وفاعليته الخطابية منذ توليه الإمامة في المساجد في العام 1973، ومقدرته ودربته الخطابيتين ونبرة صوته ولغته العربية الإسلامية ذات المصدر الأزهري (نسبة إلى جامعة الأزهر المصرية) والإخواني (نسبة إلى الإخوان المسلمين)، إضافة إلى الأثر الأقرب زمناً والأشد حضوراً لـ"الجماعة الإسلامية" التي خرج من صفوفها - أما هذه العوامل مجتمعة، فلا تترك الخطيب والداعية والناشط الإسلامي، بلا فاعلية وأثر سياسيين بارزين في طرابلس، قبل تأسيس "حركة التوحيد الإسلامية" وبعده. والأرجح أن الحركة لم يقدّر لها أن تقوم من دون نشاط الخطيب الداعية. فهو طبعها بطابع دعوته وخطابته، وكان صوتها المدوي في المدينة وخارجها، حتى لو كان دوره الداخلي فيها ضعيفاً على صعيد التنظيم والقيادة الميدانية التي تولاها أمراء تشكلت الحركة من جماعاتهم ومجموعاتهم المسلحة، فبايعه أمراؤها أميراً "توحيدياً" عاماً عليهم وعليها.
فالغضب والتحريض الإسلاميان المتواصلان، اللذان راح الخطيب - الداعية يبثّهما في خطبه "النارية المثيرة" ضد الدولة والحكم والجماعات والقوى المسيحية وكل ما هو غير إسلامي في لبنان، وضد الدول والأنظمة والحكام العرب "المتخاذلين" و"المتآمرين"، وصولاً إلى دعوته "الأمة" في طرابلس إلى القيام على هؤلاء الأعداء جميعاً بـ"الجهاد والسلاح" - إن هذا كله ألهب مشاعر فئات عامية واسعة في "الشارع الطرابلسي"، وجعل سعيد شعبان ظاهرة سياسية ملتهبة ومثيرة في المدينة الشمالية، تمهيداً لإنشاء "حركة التوحيد الإسلامية" المسلحة.
إلى مثل هذه الخطب وخطيبها، كانت تحتاج الحركة لتنشأ وتقوم. أما أمراؤها العسكريون الميدانيون في أحياء المدينة، فكانوا مع جماعاتهم المسلحة يدينون بالمال والسلاح والقوة والحظوة، إلى أطياف حركة "فتح" الفلسطينية وأمرائها بزعامة ياسر عرفات. وهكذا اتفق "أمراء التوحيد الإسلامي" الطرابلسي على تنصيب سعيد شعبان أميراً خطابياً إسلامياً عاماً وجماهيرياً للحركة الوليدة، فاستعملوه صوتاً لها يبثّ الخطب الدعوية اليومية وأمر اليوم الجماهيري من على منابر المساجد، فيما انصرفوا هم وجماعاتهم المسلحة إلى السيطرة العسكرية الميدانية على أحياء المدينة ومرافقها وشوارعها في ما يشبه حرب فتوح إسلامية.

 

ب- العروبة الفلسطينية والإسلام
 

الظاهرة العلنية الثانية التي مهّدت لتأسيس "حركة التوحيد الإسلامية"، هي ظاهرة اعتناق خليل عكاوي وجماعات "مقاومته الشعبية" في باب التبانة، الإسلام الدعوي، تحت تأثير انتصار الثورة الإسلامية الخمينية في إيران.
مع دخول الجيش السوري إلى طرابلس في نهاية حرب السنتين العام 1976، كان خليل عكاوي قد لجأ إلى مخيم البداوي الفلسطيني على تخوم المدينة، واحتمى فيه من مطاردات الجهاز الأمني السوري، على ما روى بلال مطر، أحد أركان عكاوي في "المقاومة الشعبية" الموالية لحركة "فتح". وحتى العام 1979، عاش مقاتلو هذه "المقاومة" في حال من الخوف جراء قيام المخابرات السورية بمطاردتهم، واعتقالها بعضهم في بيوتهم، واغتيالها آخرين منهم. أما خليل عكاوي فكان في ملجئه يحلم بالعودة إلى معقله لإحياء "المقاومة الشعبية" وبعثها، فيما كانت القيادة العسكرية والأمنية السورية تنشئ منظمة أمنية وعسكرية في حي بعل محسن الذي أخذ يتحول معقلاً سكنياً للعلويين في مواجهة باب التبانة ذي الغالبية السكانية السنّية. أخيراً، وفي خضم الصدامات العسكرية المتكررة بين الحيّين المتقابلين، عاد خليل عكاوي إلى معقله، وقام بتنظيم "المقاومة" ضد بعل محسن.
في غضون العام 1981، وشعوره بأنه محاصر مع مقاتليه وباب التبانة، بين الضغط العسكري والأمني السوري على معقله لإضعاف قوته فيه وسيطرته عليه، وبين مساومات القيادة الفلسطينية وتنازلاتها على حسابه، بدأ خليل عكاوي يحلم بـ"الأمواج البشرية الإسلامية المتلاطمة" على مثال الثورة الخمينية في إيران، لمواجهة "قدره المأسوي"، وفقاً لعبارة ميشال سورا.
فبعدما كانت صورة الجماهير العربية المتلاطمة استجابة لصوت جمال عبد الناصر، وصورة الفدائي الفلسطيني الساحرة من بعده، هما القابلة الدعوية والتعبوية المولّدة لعنف "مشيخات الشباب" الطرابلسية بين أواسط خمسينات القرن العشرين وسبعيناته، صارت صورة الجماهير الإسلامية في المثال الخميني الإيراني، هي القابلة لهذا العنف في مخيلة خليل عكاوي وغيره، في مطلع ثمانينات القرن نفسه. لذا أطلق "أبو عربي" لحيته، وارتدى زياً خلط فيه الزي العسكري بالزي الإسلامي، والتزم شعائر الإسلام وفروضه، وخاطب أهالي حارته بعبارات ولغة إسلامية، ودعا جنده إلى الإقتداء به، تمهيداً للانضواء تحت لواء "حركة التوحيد الإسلامية". وهو في هذا كله، كان يتوخى إقامة لحمة عضوية بلا وسائط بين المشيخة وجندها و"الحارة - الأمة" التي صارت إسلامية بعدما كانت عروبية. أو لنقل إنه قدّم المثال الإسلامي على المثال العروبي، معتبراً أن الإسلام يجدّد قوة "المستضعفين"، أي الفقراء والكادحين والشعب" في المثال العروبي واليساري. هكذا صار "العنف الإسلامي" ضد "المستكبرين" بديلاً عن العنف الثوري الشعبي، بعدما كان "المستكبرون" هم الرأسماليون و"طغمتهم" و"المارونية السياسية"، وصولاً إلى الإمبرياليين في المثال السابق. وهؤلاء هم أعداء "الأمة" التي سيضفي الإسلام الدعوي على قوتها وعنفها وسلاحها شرعية و"إجماعاً" دينيين وجماهيريين مستمدين من صور الإسلام الأول، أي إسلام النبي وصحابته من السلف الصالح والأولياء الصالحين. لذا نجد عكاوي يرسم لميشال سورا ثلاثة مستويات لانتمائه: باب التبانة، طرابلس، وأمة المؤمنين. فمن باب التبانة، يدافع، مع شبانه، عن "قضية الإسلام السني في لبنان"، لكنه (أي عكاوي نفسه) "شيعي قلباً وقالباً"، أي مع "إسلام المحرومين، ومع علي بن أبي طالب، وضد معاوية بن أبي سفيان الأموي".
وكان للداعية الإسلامي الطرابلسي باسم ميقاتي و"لجانه الإسلامية المستقلة" في دعوتها إلى إسلام "تربوي" و"ثقافي"، دور في تثقيف جماعات "مقاومة عكاوي الشعبية". فبلال مطر، الذي دعاه عكاوي إلى حمل "شباب المقاومة" على أداء شعائر الإسلام وفروضه، روى أن قائد "المقاومة" استعان بميقاتي وناشطي لجانه لعقد حلقات تثقيفية في باب التبانة، فراحوا ينتقدون فيها الأفكار الماركسية، بناء على مقولات إسلامية لكل من علي شريعتي (الإيراني)، ومحمد باقر الصدر (عراقي، ومن مؤسسي "حزب الدعوة" الإسلامي)، وسيد قطب. وأخذ أولئك الناشطون يتحدثون في حلقاتهم عن صحابة النبي محمد، كأبي ذر الفغاري وغيره من الذين يُعتبرون من دعاة نصرة "الضعفاء والمظلومين" ضد "السلطان الجائر". واستعانت قيادة "المقاومة الشعبية" بخطباء يدعون من على منابر مساجد باب التبانة، إلى الالتزام الديني.
 

محمد أبي سمرا     

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,203,230

عدد الزوار: 6,940,302

المتواجدون الآن: 124