عروق العرب ليست أقليات بمختلف أطيافها الدينية

تاريخ الإضافة الأحد 25 تموز 2010 - 8:45 ص    عدد الزيارات 979    التعليقات 0

        

 

عروق العرب ليست أقليات بمختلف أطيافها الدينية
من المفارقات أن مصطلح "الإسلامي" في العصر العباسي كان يعني أي نشاط في الحضارة الإسلامية، فيلسوفا يهوديا أم طبيبا أم شاعرا صابئياً فما المسلمون هم أنفسهم المسلمون فقط، لكن الإسلام في زماننا هذا، هو الذي يعتبر محيطه المسلم غريبا عنه، فكيف إذا بغير المسلمين الذين يعشون معنا وبيننا وامتداد لتاريخنا ولغتنا العربية، فالمفكر السوري شمس الدين الكيلاني يشرح في كتابه" الآخر في الثقافة العربية، دمشق 2009 باعتراف الإسلام " بالآخر " الديني والجنسي ضمن تصوره لوحدة الوعي لوحدة الجنس البشري اللذان يأمران "الوعي المسلم" ، أما المفكر العراقي حسن العلوي الذي يكتب في كتابه" شيعة السلطة وشيعة العراق، لندن، 2009": بان السريان هم أباء المعرفة العربية، وأعمام الكلام العربي أقلية، لكن مثل الأبناء العشرة والأكثرية جاءت من واحدة، وقدماء الأديان هم جزءاً من أوطانهم الذي هي أوطاننا، الذين يعطون نكهة خاصة لطبيعة هذه المنطقة التي وهبها الله سبحانه وتعالى بتعددية سماوية لا توجد في أي منطقة من العالم، لقد جعل بلادنا متحفا للأديان ومحفظة شعوب وقوميات، فعند تم فتح بلاد ما بين النهرين كان قرار سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بترك أهل العراق على ما نشأوا عليه من معتقدات دينية وعدم وضعهم في خيار السيف أو الإسلام ... وعليهم أن يقرروا واحدا منها. فالفضل في استمرار الصابئة، والأشوريين والكلدان والسريان على مذهبهم وأديانهم، واحتفاظهم بمورثهم الثقافي يعود إلى القرار الذي يقر ويعترف بوجود الغير والانفتاح عليه أما حالة القدس ووصول الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب إليها عام 638 م، عندها خرج صوفرونيوس، بطريرك المسيحيين في المدينة لابسا حلته البطريركية، ليستسلم لعمر الذي كان يلبس البذلة الحربية، فسلم له مفتاح المدينة والذي أصبح تقليدا فلسطينيا حتى اليوم بأن مفتاح المدينة موجود في يد مسلم من العائلات المقدسية من المسلمين. " بيت المقدس"القدس" هي المدينة الوحيدة التي سار لفتحها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، كذلك فقد حرص اثنان من الخلفاء الأمويين على اخذ البيعة في بيت المقدس: أولهما كان معاوية بن أبي سفيان، بعد الصلح بينه وبين الحسن بن علي بن أبي طالب أخذ معاوية لنفسه البيعة في الكوفة ومن ثم في "ايليا" ،القدس، وثانيهما سليمان بن عبد الله، فتوجه إلى بيت المقدس وبويع فيها وكان يتقبل البيعة في مسجد الصخرة وعاش في القدس" .
 لكن اليوم يختلف الوضع مع دخول المصالح الأمريكية على الخط، فمنذ سنوات رسمت الخارجية الأميركية خطة إستراتجية-سياسية جديدة لها في قيادة العالم بعد تفردها في القيادة منفردة للعالم، فكان العالم العربي والإسلامي جزاء منها، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وزوال الخطر الشيوعي، لقد وضعت الإسلام في أولويات أعدائها، فعملت على تسويق فكرة أو فكرة الفيلسوف الأمريكي الراحل " صموئيل همنتمتغون"، الفكرة القائمة على صدام الحضارات، فالكاتب اليهودي الذي بنى الفكرة على حتمية الصراع بين الشرق والغرب " الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي" لان أمريكا بحد ذاتها دولة غير متدينة، لذلك جهزت أمريكا كل الإمكانيات لبدء الصدام فكان الصدام الأول بين المسلمين والمسيحيين في أوروبا،" كالبوسنة وصربيا ومقدونيا والشيشان وناغورني كراباخ وكوسوفا" فمن العجب بان أمريكا تقف إلى جانب المسلمين، في الغرب، وضدهم في الشرق " العراق، فلسطين، لبنان السودان، الصومال، باكستان، أفغانستان". فلم تكتف، بالقتل والضرب والتخريب بل انتقلت لزرع الفتنه من خلال مؤسسات إعلامية أوروبية غير مشهورة وغير معروفة قابعة في الشمال الدانمركي البارد، من خلال نشر صور كاريكاتورية مهينة لنبي المسلمين "صلى الله عليه وسلم" بانتظار الرد الإسلامي المماثل لتلك العملية، لكن الرد لم يكن كما توقعته الجهات الأمريكية المعنية، وإضافة إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير التي حاولت الآلة العسكرية الأمريكية تنفيذه بنفسها، بناءً لطروحات مفكرهم العظيم " فرنسيس فوكوياما" صاحب نظرية نهاية التاريخ، نهاية تاريخ كل القوى والإمبراطوريات، وبداية عصر جديد فقط في دولة واحدة، كما يقول "جنكيز خان" سماء واحدة ودولة واحدة لقوة واحدة. لكن السياسة الأميركية عملت على التغيير في تكتيكها الاستراتيجي للتعامل مع المنطقة فقامت أمريكا على وضع إيران على لائحة العداء السياسي بدل العداء الإيديولوجي الذي كانت موضوعة عليه، فاكتسبت بذلك ود الجمهورية الإسلامية التي قدمت لأمريكا خدمة جليلة عند  احتلالها لأفغانستان والعراق العدوان الرئيسان لإيران دون الاعتراض منها على عملية الاحتلال، فوضعت أمريكا الإرهاب السني في العداء الإيديولوجي بعد عملية 11 أيلول/سبتمبر 2001 واتهمت العربية السعودية برعاية الإرهاب، ضمنت أمريكا بان تنقل المعركة إلى العراق ما بين السنة بقيادة المملكة والشيعة بقيادة إيران، لقد نسوا إن المملكة دولة لا تنزلق، وحاولوا نقل المعركة مجددا إلى باكستان، ففشلوا أيضا، لكنهم حاولوا توريط المملكة مجددا من خلال هجوم الحوثيين ففشلوا في جرجرت المملكة، لقد فشل مشروعهم ببناء الشرق الأوسط الجديد على الطريقة الأمريكية، لكنهم نجحوا في تفتيت الحضارات في صراعها الداخلي. لذلك لم يأت طرح مشروع إلغاء الطائفية السياسية في لبنان في هذه الفترة بالذات من فراغ، فطرح هذا المشروع يأتي بالوقت التي تعاني المنطقة العربية من ثلاثة ملفات صعبة ومعقدة بين الإسلام والمسيحيين، والملف الرابع بين اليهود والعرب :
 
 - ففي فلسطين الذي يهجر مسيحيها عنوة من قبل العدو الإسرائيلي من أراضيهم وتفتح السفارات الأوروبية تأشيرات سريعة لهم، مقدمين أفضل خدمة لليهود من خلال السكوت على التهجير، فنحن نرفض استرجاع الأرض المحتلة متضمنة الأرض والكنائس فقط دون السكان، الذين تم إفراغهم من المنطقة .
- العراق الذين هجروا سكانه دون سبب يذكر بعدما كانوا أساسا في التعايش والعراقة الانتربولوجية، وبالرغم من ظلم ودكتاتورية النظام السابق إلا انه، حافظ على وحدة التعايش وتركيبة الشرائح السكانية فيه.
-السودان البلد الذي أدت به الصراعات الطويلة والنزاعات العرقية والدينية لاستنزاف قدرات شعبه المادية والمعنوية، لقد عانى الشعب الواحد أثناء فترة الحرب الأهلية الداخلية، فاليوم السودان موضوع على قائمة الاستفتاء المقرر إجراءه السنة القادمة في 2011 ، ما بين الشمال والجنوب ما بين المسيحيين والمسلمين "سؤال واحد يقرر الانفصال أو البقاء" .
- مصر التاريخ الشعب الحضارة، بدأت تدخل في نزاع طائفي جديد على حضارة وثقافة الشعب المصري سابقا والذي لم يعرف لها سابقا مثيل، النزاع بين المسلمين والأقباط، فان هذا الصراع الذي يحاول إدخال مصر بحرب داخلية مذهبية مما أدى بتدخل الفاتيكان مباشرة بإعلان الحماية لمسيحيي مصر، بالوقت الذي كان يجب عليه التدخل سابقا لحماية مسيحيي العراق. مما دفع بالرئيس حسني مبارك بان يضع حدا مباشرا لكل هذه المهزلة، بقوله باني رئيس لكل مصر .
- يأتي دور لبنان ليطرح شعار إلغاء الطائفية السياسية، بظل هذه الأوضاع المتداخلة التي بعضها بعض من خلال التهجير ألقسري لمسيحيي الشرق ، فالذين يحاولون ضرب صيغة العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين في لبنان ، وضرب الصيغة اللبنانية ، صيغة العيش المشترك، فالرئيس بري هو من طرح هذا الطرح الدستوري من خلال الحفاظ على تطبيق الدستور وبالأمس اقفل الدستور ووضع المفتاح في الجيب، عجيب أمره، ضرب الصيغة ليست ضمان لمستقبل لبنان الذي يحافظ على حقوق كل الأقليات في رمزية خاصة   للتعددية المذهبية، فالرئيس بري يمثل طرف وجزء ا من لعبة سياسية- إقليمية تحاول تعويم دورها في ظل أعادة ترتيب ملفات المنطقة كلها. فإذا كان سيدنا عمر هو سر بقاء الأديان والتعددية في المنطقة العربية والإسلامية، فما معنى الدخول في صرع تدمير الحضارات، وتهجير الأقليات الدينية والدخول في صراعات جانبية واثنيه وعرقية. لكننا نرى الهدف الأساسي في هذا الصراع، الذي يخاض غماره اليوم على ارض الرسالة السماوية، يكمن في تدمير مفهوم الدولة العربية، التي تشكل عائقا أساسيا بوجه المشاريع والإطماع الإقليمية الأخرى التي تحاول الاستيلاء على بلادنا وسلب خيراتها وثرواتها الفكرية، المادية، فكانت العراق البداية، ومصر هي الهدف الثاني والدسم لهذه الآلة الحديدية "البلدوزارية" بسب ما تتعرض له اليوم من حملات شعواء ضدها، كدولة ونظام وشعب، من خلال محاولة العبث بأمنها واستباحت أمنها القومي، فإن تفكيكها كدولة كبرى وقوية إلى كيانات وأعراق متعددة هو الأساس من اجل الإمساك بزمام أمورها وأمورنا وقراراتنا القومية والإسلامية. لقد وضعت الطائفة السنية قوميتها فوق مذهبتيها على جنب، وانتمت إلى دين الإسلام، والقومية العربية. فإن إفراغ المنطقة من تعدديتها العرقية الدينية هو هدف يخدم الحلم "الإسرائيلي، الصهيوني " بالدرجة الأولى، لكي تبرر وجود دولتها اليهودية بأن الإسلام والمسلمين لا احد يستطيع العيش معهم، فكيف تجبرونا نحن على العيش معهم، انظروا مصر، العراق، السودان، لبنان، وحتى الاثنيات الأخرى التي تخوض اليوم صراع كبير من اجل أتبات هويتها القومية والتي ليست موضعنا " كالأكراد والأفارقة والبربر" .
بالدرجة الثانية هو هدف يخدم الإطماع الفارسية الإيرانية، التي تعمل على إعادة أمجاد الإمبراطورية " الفارسية " القديمة انتقاما للتاريخ القديم، من خلال تقديم نفسها أما للأقليات الأخرى، كي يستنجدوا بها لحمايتهم من خطر الأكثرية السنية التي تشكل عليها أصلا خطرا كبيرا ولكونها تعاني هي نفسها من همجية الأكثرية السنية، فالهجمة المبرمجة على دار الإفتاء اليوم ليس ضد شخص المفتي بل هي ضد الأكثرية السنية في لبنان ليس العددية، وإنما لكونها أكثرية الامتداد للعمق الإسلامي العربي والعالمي، لان الهدف واحد هو التفتيت والتمزيق لان حالة الطائفة السنية هي ليست حالة طائفية متقوقعة بل هي حالة قوية، لها ارتباطها وامتدادها ليس الإسلامي والعربي وإنما الدولي والخارجي نتيجة الاقتناع الكامل بمبدأ التعايش المشترك والحوار والتعددية والاعتراف بالأخر لان الإسلام هو الإسلام الوسطي أي إسلام الانفتاح على كل شيء وليس الالتفاف عليها ولها. لذا يجب علينا اليوم الانتباه إلى التركيبة الاجتماعية للعالم العربي والحفاظ عليها أكثر من أي وقت مضى،لإفشال كل المشاريع والمؤامرات التي تحاك ضد عالمنا الإسلامي والعربي وهذا مطلوب من الطائفة السنية لأنها هي الأكثرية والمستهدفة بالدرجة الأولى فعليها أن تحافظ على كل الأقليات والعروق من خلال الالتزام بمبدأ المواطنة والاحترام لكل فرد .
 
 
د.خالد ممدوح العزي
كاتب و باحث، مختص بالإعلام السياسية.
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,174,051

عدد الزوار: 6,758,877

المتواجدون الآن: 101