أعراس الديموقراطية بنكهة الثنائي (2/2)

لفت في بلدة جبشيت (مسقط رأس الشيخين راغب حرب وعبد الكريم عبيد) فوز لائحة الثنائي بالتزكية قبل نصف ساعة من بدء العملية الانتخابية، والمفارقة ان عدد اعضاء المجلس البلدي الفائزين استقر على 14 عوضاً عن 15 لأن المرشح المستقل انسحب من السباق بعد إنسحاب نجل الشيخ عبيد، ورسى عدد المرشحين على 14.

وفي بلدة حدودية ذات اعتبارات خاصة عرض على احد المرشحين للمخترة مبلغ 20 الف دولار للانسحاب، إلا أنه رفض وأكمل الإنتخابات، حيث ورغم اخفاقه في الوصول الى المخترة إلا انه سجل رقماً لافتاً.

اما في "كفرا" فكانت المفاجأة وتمثلت في انضمام 4 من مرشحي العائلات الى لائحة "الثنائي" عشية الإنتخابات، وانسحاب ثلاثة في الوقت الذي اصر مرشح يلقب بـ"العصفور" على الإستمرار بالمنافسة بعد ان رفض الإنسحاب واتصل بالمسؤولين الحزبيين طالباً انصافه مثل زميل له، ولما كان الرد سلبياً آثر الإستمرار وفرض إجراء الإنتخابات، وقد إستطاع الحصول على نسبة لا بأس فيها من الاصوات علمًا أنّ نسبة التصويت في كفرا تجاوزت الـ50 في المئة.

إذا كان المشهد في معظم البلدات الشيعية متشابهًا لجهة تأليف اللوائح وخوض الإنتخابات، فان بلدات حومين الفوقا وكفرمان (النبطية) والصرفند (الزهراني) وكونين وكفرا (بنت جبيل) ترك نكهة خاصة. ففي حومين تجلت الديموقراطية بمنع وسائل الإعلام ومنها محسوب على "المقاومة" من نقل صور "التنافس الجسدي" (حسب ما صرحت به مراسلة احدى المحطات التلفزيونية) عندما اقدم محازبو الثنائي على ضرب المرشحين المنافسين وطرد مندوبيهم من بعض اقلام الإقتراع  عدا عن تعرضهم للقوى الأمنية التي بحثت قيادتها عن مخرج لائق جاء عبر فاكس الى احدى المحطات من مسؤولي البلدة، كذلك اقدم بعض "الثائرين" على تكسير كاميرا تابعة لتلك الوسيلة وضربوا صاحبها وصودف ان مرافق رئيس مجلس إدارة المحطة ينتمي الى هذه البلدة ولما رأته المراسلة صرخت "حسين دخيلك احمينا" ولم تسلم المراسلة من الضرب من "جهة سياسية" لم تتوقع يوماً أن تهاجمها "بهذا الشكل".. وبعد هرج ومرج طالبت باستعادة الكاميرا فأجابوها "ضاعت"  فقالت: "الطائرة الأثيوبية وجدوها فكيف تضيع الكاميرا، لو سمحتوا اعطوني اياها واذا كان هناك اي لقطة عن حومين امسحوها (...)"، عادت الكاميرا سالمة ولكن بعد تفكيكها الى 5 اجزاء.
اما ادارة المحطة فأحرجت من الموضوع ولم تعط الأمر الإهتمام المطلوب.

رغم انهيار المنظومة الاشتراكية لا تزال بلدة كفرمان (النبطية) تعرف بـ"كفرموسكو" للدلالة على إنتماء شريحة واسعة من اهلها الى الحزب الشيوعي اللبناني ونهج اليسار، الامر الذي دفع احزاب البلدة ونائبها عبد اللطيف الزين وما يعرف بالشيرازيين وايضاً الناصريين وغيرهم الى التكاتف خلف لائحة "الثنائي" ومنع اصحاب القمصان الحمر من البقاء في المجلس البلدي السابق الذي جاء حصيلة تفاهم في العام 2004، وإن كانت النتائج اظهرت فوز الثنائي وحلفائه الا ان الرقم الذي سجله الشيوعيون كان لافتاً ولم يستطع الثنائي ومن معه رغم الامكانات الضخمة تقليل الفارق الى اقل من 300 الى 400 صوت، ما إعتبره المواكبون للاستحقاق البلدي هزيمة للثنائي، علماً ان اكثر من مسؤول حزبي رفيع في "الثنائي" لم يخف رغبته في "محو الوجه الشيوعي" لبلدات جنوبية عدة منها حولا وانصار وصريفا والطيبة ...الخ، ولفت ترؤس لائحة "الثنائي" الناشط الحزبي كمال غبريس الذي شرع بعد ساعات على انتخابه رئيساً للبلدية الى تنظيم حملة إزالة الأعلام الحزبية من كفرمان في خطوة وإن لاقت ارتياحاً في بعض الأوساط إلا ان اطرافاً اخرى، وخصوصاً الشيوعيون، يرون فيها توطئة لإزالة النصب التذكاري لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية الذي كان محط نزاع مع "الثنائي" في العام 2008، ويعتقد البعض ان غبريس يريد "قوننة" ازالته لهذا النصب بعد اخفاقه في ذلك قبل نحو عامين وتحديداً في فجر 16 ايلول 2008 عندما عمد - حسب الرواية الرسمية الشيوعية - الى دك النصب بسيارته بهدف تحطيمه قبل ساعات من إزاعة الستار عنه، وبعد شيوع الخبر اعلنت الجهة السياسية التي ينتمي اليها رفع الغطاء عنه، وتردد ان تمنيات بعدم إزالة ذلك النصب وصلت الى مرجعيات سياسية بينها الرئيس نبيه بري.

وفي الصرفند التي كانت توصف بـ"قلعة امل" أخفق احد الوزراء في اقناع عدد من المرشحين بالإنسحاب، واللافت في هذا المجال أنّ أحد اقاربه (ع.خ) وهو طبيب درس في الإتحاد السوفياتي السابق خرق اللائحة ولم يخل الأمر من "أكشن" تمثل  في قطع تيار الكهرباء مراراً اثناء عمليات الفرز، وبحسب النتائج فإنّ الفارق رسى على 20 الى 40 صوتاً بين لائحة "امل" والمستقلين وهم في معظمهم من الحركيين السابقين.

اما في كونين فاقتصر المشهد بتشطيب اسم مسؤول "حزب الله" على لائحة "التنمية والوفاء" فأخفق بالوصول الى المجلس البلدي.

وسبق ذلك ادراج "الثنائي" لإسم رئيس البلدية السابق عصام شبلي على رأس لائحة "التنمية والوفاء"، في الوقت الذي كان شبلي يترأس لائحة عائلات كونين، والقصد من هذا الإجراء جذب اصوات الناخبين المؤيدة لشبلي وهو أول رئيس لبلدية كونين منذ استحداثها العام 2004. علماً ان البلدة شهدت حركة لافتة في توزيع البيانات الاحتجاجية على طريقة التعاطي الفوقي وفرض الاسماء، وهي عدوى انتقلت الى جارتها عيناتا وغيرها من البلدات الجنوبية.

لا يختلف اثنان ان وجدان الجمهور الشيعي بغالبيته العظمى مع نهج المقاومة بفصائلها المختلفة، وكذلك استجابة هذا الجمهور الدائمة لنداءات أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله عند كل استحقاق مهما كان نوعه، وقد أظهرت الأعوام الـ5 الفائتة الولاء الشيعي العارم لنصرالله، في حين أنّ نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة كرست هذا التأييد الساحق لمرشحي "حزب الله" و"أمل"، فعلى سبيل المثال نال نواب بنت جبيل نحو 50 الف صوت من اصل 52 الف مقترع، إلا أنه في المقابل لم يستجب قسم لا بأس به من هذا الجمهور نفسه للنداء القيادي المشترك للثنائي في الإستحقاق البلدي، لأسباب عدة منها:

  - سوء ادارة ملف البلديات.

  - تعثر ادارة المفاوضات في البلدات بين اللجان الحزبية والفعاليات العائلية.

  - الإستشارات الشكلية للعائلات والتي كانت اشبه بتبليغات عن اسماء المرشحين الى حد طلبت بعض العائلات ابلاغها عبرSMS  طالما الإستشارات لم تراعي أبسط قواعد استمزاج الآراء.

  - سوء ادارة ملف التعويضات بعد عدوان تموز 2006 وفوز المحازبين والمقربين بحصة الأسد من هذه التعويضات خصوصاً في الجنوب والمنطقة الحدودية.

  - محاولة تصوير الإستحقاق البلدي على شاكلة الإستحقاق النيابي ومقرراته دون اغفال اهمية التوافق في "محاربة الأعداء".

  - القفز حول معيار الكفاءة واحياناً في اختيار وفرض المرشحين الحزبيين.

ولم تنجح مساعي احتواء بعض هذه الأسباب رغم التصاريح الحزبية ومن مراجع عليا بأنّ "التنافس في البلدات لم يكن  في الضرورة بين خطين سياسيين متناقضين".

...ما جرى في الإنتخابات البلدية لفت انتباه ثنائية "حزب الله – أمل" إلى أنّها أمام مهام بلدية صعبة لم يعد يخفف من وطأتها خطاب "معادلة الردع البحري" على أهميته وتفاعل الجمهور الشيعي معه...