خسارة «الكردستاني» في حربه «السوريّة - التركيّة»

تاريخ الإضافة الأربعاء 5 تشرين الأول 2016 - 6:21 ص    عدد الزيارات 710    التعليقات 0

        

 

خسارة «الكردستاني» في حربه «السوريّة - التركيّة»
ألان كافال 
في أيلول (سبتمبر) 2014، شنّ تنظيم «داعش» هجوماً على كوباني، المقاطعة الكردية (عين عرب) التي كانت في معزل من النزاع السوري. ووجدت كوباني نفسها محاصرة ومحشورة: مقاتلو داعش من أمامها، والحدود التركية (المغلقة) من ورائها. وكاد المقاتلون الأكراد السوريون المولجون حمايتها والذود عنها، يخسرون في الأسابيع الأولى من القتال الى أن دعمهم سلاح الجو الأميركي ووصلت أعداد كبيرة من المقاتلين الأكراد من تركيا. وأفلحوا في رد هجوم داعش على أعقابه في كانون الثاني (يناير) 2015. وفي معركة دامت 4 أشهر، ساهم موقع كوباني الحدودي في ذيوع أخبارها إعلامياً. وتحولت المعركة هذه الى سردية جديدة مؤسسة للقومية الكردية.
وفي المقلب الآخر من الحدود، تابع أمين باران، وهو مواطن كردي في الجمهورية التركية ومحام في سوروتش (سوروج)، البلدة التوأم لكوباني، تطورات المعركة. ويومها، بادر هو ومئات غيره الى مد يد المساعدة الى اللاجئين الأكراد السوريين ودعم المقاتلين الذين يصدون هجوم داعش في كوباني. واليوم، الهدوء يعم المنطقة. و»في معركة كوباني كانت الفوضى تعم المكان. فمن جهة، كان اللاجئون يتدفقون الى تركيا، في وقت كان شباب أكراد من تركيا يتوجهون الى كوباني لقتال داعش، من الجهة الثانية. ونشرت تركيا قوات شرطة لفض تجمعات الأكراد بواسطة رشاشات مياه وقنابل مسيلة للدموع». ودارت رحى الحرب في المناطق المجاورة، وكان في وسع أكراد تركيا مراقبتها ومتابعتها. ويذكر باران علم داعش الأسود وهو يرفرف على تلة مجاورة، وأصوات المدفعية والانفجارات. وهو احتفى بأولى الضربات الأميركية، واحتفل بوصول قوات بيشمركة (مقاتلون أكراد) عراقية لمساندة أكراد كوباني، إثر موافقة تركيا في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 2014، على عبورهم. ثم احتفل بالنصر. «كانت معركة وجودية! كوباني نسجت شعوراً بالإلفة بين الأكراد لم نعرفه من قبل، وشدّت أواصرهم»، يقول باران والحنين يلفّ صوته.
واليوم، تبدّد الأمل بوحدة الأكراد بين سوروتش التركية وكوباني السورية. ففي الجانب التركي من الحدود، تنشر آليات ثقيلة كتلاً إسمنتية ارتفاعها أكثر من 3 أمتار، وترسي حدوداً مادية ورمزية فاصلة أو عازلة، وتشير الى تبدد أحلام الوحدة الكردية. وفي الثاني من أيلول، تدخلت قوات الشرطة التركية لفض تجمع أكراد كوباني احتجاجاً على نصب الجدار. ونظم الأكراد السوريون تظاهرتين قمعتهما القوات التركية. لكن الحادثة لم تستوقف أكراد تركيا. «في الماضي، مثل هذه الجريمة (القمع) كانت لتحمل أكراد تركيا على الانتفاض. اليوم، يبدو أننا اعتدنا ما يجري. فالأمور لم تعد على حالها منذ كوباني، وانقلبت الأحوال رأساً على عقب»، يقول أمين باران. وبعد أن سعت الى توسيع سيطرتها على أراض تركية، خارت قوى الحركة الكردية، وغلبت كفة أنقرة. وفي الخرائط الكردية، كوباني وعفرين في الشمال الغربي السوري والجزيرة الى الشمال الشرقي، هي أقاليم غير متصلة تعرف بـ»روجافا» أو كردستان الغربي. وإثر بدء النزاع السوري في 2011، بدأ «حزب العمال الكردستاني» ينشط في الإقليم هذا بالتنسيق الاستخباراتي مع نظام دمشق الذي شاء أن يحيد الأكراد السوريين عن الثورة. ورأى «الكردستاني» - وهو في حرب مع أنقرة منذ 1984 - أن الثورة السورية فرصة تاريخية سانحة للاستقلال. ووسع «الكردستاني» الإمساك بمقاليد أقاليم يغلب عليها الأكراد بواسطة تنظيم سوري شقيق، حزب «الاتحاد الديموقراطي». ولم يسعه مثل هذا النفوذ في تركيا على رغم شنّه حرب عصابات تدوم منذ ثلاثة عقود. وصار روجافا، في غياب نظام الأسد، مختبر نموذج الاستقلال أو الإدارة الذاتية التي يتوق إليها الأكراد في تركيا.
لكن مع معركة كوباني، دخل «الكردستاني» في مرحلة جديدة. وارتقت فروعه المحلية - على رغم أنه تنظيم مدرج على لوائح الإرهاب في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة - شريكاً بارزاً لقوات الائتلاف الدولي في الحرب على داعش. وبدأ التعاون العسكري الميداني مع الائتلاف الدولي في 2015، فأسبغ على حزب «الاتحاد الديموقراطي» - أي «حزب العمال الكردستاني» – مشروعية، وسنحت أمامه فرصة وضع اليد على أقاليم مثل تل أبيض. والسيطرة على هذه المدينة في حزيران (يونيو) 2015، وصلت أوصال روجافا، وجسر الانقطاع بين مناطقها. وراقبت قاعدة «الكردستاني» العسكرية في تركيا هذه الانتصارات العسكرية الكردية، وكانت معركة كوباني نفخت في حماسة مقاتلي «الكردستاني». فتسارعت وتيرة تجنيد «الكردستاني» الشباب في تركيا. وحقق «حزب الشعوب الديموقراطي»، وهو ممثل الحركة الكردية في تركيا، فوزاً انتخابياً تاريخياً في الانتخابات التشريعية التركية في حزيران المنصرم. فحاز 13 في المئة من الأصوات ودخل البرلمان التركي. وفي هذه المرحلة، جرت الرياح على نحو ما اشتهى الأكراد. لكن تفجيراً في سوروتش ذيل أحلام الأكراد ونجاحاتهم بخاتمة دموية. ففي 20 تموز (يوليو) 2015، وقع تفجير انتحاري في مركز ثقافي في أمارا كان يستقبل مئات الناشطين الأكراد في احتفال وداع زملاء لهم يشدون الرحال الى كوباني لتوزيع المساعدات الإنسانية هناك. لكن التفجير الانتحاري أودى بحياة ثلاثين منهم، وجرح مئات منهم. و«كابوس اليوم أبصر النور حين دوى هذا الانفجار. ومذاك لم تعد الأمور الى حالها في تركيا»، يقول ناجٍ من التفجير وهو يقف أمام واجهة المبنى المدمرة. فإثر التفجير الانتحاري، توالت الحوادث في تركيا وانزلقت هذه الى هاوية عنف لم تخرج منها الى اليوم. والحكومة التركية اتهمت داعش بالمسؤولية عن الهجوم الانتحاري هذا، بينما اعتبرت الحركة الكردية أن أنقرة مسؤولة عن التفجير، واتهمتها بدعم الجهاديين. وبعد يومين من التفجير، قتل شرطيان في منطقة حدودية، وتبنى «الكردستاني» التفجير. وفي 24 تموز 2015، استأنف الطيران التركي غاراته على قواعد «الكردستاني» في شمال العراق. وتوقفت عجلة عملية السلام التي بدأت الدوران في ربيع 2013. واندلع النزاع الكردي وبدأ فصل جديد منه في تركيا وثيق الصلة بالأزمة السورية.
وترك «الكردستاني» تقنيات حرب العصابات التي انتهجها منذ الثمانينات، وتوسل بخبراته الجديدة في سورية الى خوض حرب مدن. وانتشر مقاتلوه في عدد من الشوارع الشعبية في مدن جنوب شرقي تركيا. «إثر هجوم سوروتش، رغبنا في فتح أكثر من جبهة تحاكي كوباني في تركيا. وانتظرنا، إثر إعلان الاستقلال الذاتي والسيطرة على بعض الشوارع، رد الحكومة التركية. وتوقعنا أن يحمل ردها الشباب الكردي على حمل السلاح على نحو ما جرى في كوباني، وأن يجيش مشاعر الأكراد والمجتمع الدولي. فانطلقت عملية السيطرة على أحياء مدن نفوذ الحركة الكردية فيها كبير»، يروي شارحاً مسؤول كردي. لكن المواجهات المدنية «الكردستانية» باءت بالفشل. فالجيش التركي شن عملية كبيرة دمرت أحياء عن بكرة أبيها في عدد من المدن الكردية في جنوب شرقي تركيا. ولم تؤد العملية الى انتفاضة كردية كبيرة.
وعلى بعد حوالى 300 كلم غرب سوروتش، انتخب «الكردستاني» قرية نصيبين مسرحاً لمشروع التمرد، وكان عدد سكان هذه الناحية في 2015، 110 آلاف نسمة. وإثر مواجهات كبيرة بين القوات التركية ومقاتلي «الكردستاني»، خسرت نصيبين نصف مساحتها تقريباً في أيار (مايو) 2016. وعلى نحو ما جرى في غيرها من المدن المتمردة، أطاحت القوات التركية والقوات الخاصة التمرد الكردي، ودمرت دبابات الجيش التركي الأحياء التي سيطر عليها المقاتلون الأكراد، وحظرت على المدنيين دخولها والعودة الى منازلهم، وسيّجتها بأسلاك معدنية رفع عليها العلم التركي. ووراء الأسلاك هذه، تلوح أطلال بنية مدينة مدمرة: منازل متداعية وواجهات ينخرها الرصاص. وسورت المباني الرسمية بجدران مضادة للتفجيرات وشيدت ثكنات جديدة. «قال لنا الكردستاني أن البناء يقتضي التدمير، وأنه يقاتل من أجـــل حريتنا. وهو شاء أن يعيد في تركيا ما فعله في سورية»، يقول محمد وهو يقف أمام شارع الفراة حيث شب وعاش. لكن منذ انتهاء القتال، لم تتسنّ له العودة. فالمناطق وراء السياج مغلقة ويحظر دخولها. وسوت القوات التركية بالأرض سلسلة مبان لجأ إليها المقاتلون الأكراد، واندثر أثر شوارع كاملة قضى فيها مقاتلون أكراد. ووراء المنطقة التي تُسوَّى بالأرض وتُدمَّر، تلوح في الأفق المدينة الحدودية السورية، القامشلي، وهي عاصمة روجافا.
وفي شوارع نصيبين التي نجت من الدمار، تجري الحياة في مجرى ما قبل القتال. لكن دوريات المركبات المدرعة التركية تذكر الأهالي بأن الحكومة التركية استعادت المدينة. ويأسف مراد، وهو في الـ24 من العمر، لتحوّل نصيبين الى ثكنة عسكرية. وهو يتحدر من أحد الأحياء المدمرة، وكان يتعاطف مع «الكردستاني» منذ أيام المراهقة. لكن حين شن الحزب هذا عمليته، نأى بنفسه عنه. «بعد تفجير سوروتش، جال كوادر الكردستاني على الأحياء لتجييش مشاعر الشباب الكردي وحضّهم على تحصين شوارعهم استعداداً للقتال. وحاولوا إقناع الناس بالمقاومة الى جانبهم. لكن دعوتهم لم تجد آذاناً صاغية: غادر سكان هذه الأحياء. فهم لم يرغبوا في حرب أهلية». ولم ينجُ معارف مراد من المقاتلين الكرد من المعارك. ولا يعرف الى اليوم أعداد القتلى في نصيبين وغيرها من المدن التي انتشر فيها «الكردستاني». ولقيت مدن كردية كثيرة مصير نصيبين. فالأحياء التي نزل فيها «الكردستاني» دمرت، واضطر السكان الى النزوح. وكانت هذه المدن معقل «الكردستاني» منذ التسعينات، لكن الحكومة التركية اليوم تطبق عليها وتمسك بمقاليدها. وفي جنوب شرقي تركيا، حيل بين «الكردستاني» وبين قاعدته الشعبية. وتبددت الآمال المنبثقة من فوز «حزب الشعوب الديموقراطي» الانتخابية، وصارت ذكرى بائتة. والتمرد المديني «الكردستاني» قوّض الدعم الشعبي له. فحين كانت حرب «الكردستاني» تصيب الجيش التركي في الجبال في أماكن قصية أو «داعش» في سورية، كانت شعبية «الكردستاني» تتعاظم. لكنه ضلّ السبيل حين نقل المواجهات الى مناطق مدينية من غير احتساب رفض السكان خطوته. وانتهى مشروعه الى دمار المناطق هذه واحتلالها.
هزيمة «الكردستاني» في سورية
وتداعت ملحمة «الكردستاني» في سورية في 2015. فإثر السيطرة على منبج وطرد قوات داعش منها في 12 آب (أغسطس)، وجه التدخل التركي في منطقة جرابلس ضربة قاصمة الى التوسع الكردي في شمال سورية. وعملية أنقرة - وفي مرمى نيرانها قوات داعش وفروع «الكردستاني» السورية - تندرج في سياق إحكام اليد على المدن الكردية في تركيا، كأنها امتداد لها.
والى السيطرة العسكرية، تستعيد أنقرة السيطرة السياسية على مناطق الأكراد: ففي 11 أيلول الأخير، علقت مهام 24 مختاراً كردياً منتخباً، إثر اتهامهم بالتواصل مع «الكردستاني»، ونقلت صلاحياتهم الى مديرين معينين تابعين لوزارة الداخلية التركية. وهذا الإجراء هو حلقة من حلقات إجراءات استثنائية أقرتها الحكومة التركية بعد أن أعلنت حال الطوارئ، إثر محاولة الانقلاب في 15 تموز المنصرم.
واليوم، طريق «حزب العمال الكردستاني» مسدود. فهو عاجز عن تجييش قاعدته الشعبية، وقوته العسكرية أصابها الوهن، شأن قوته السياسية التي أطاحتها الحكومة. لذا، دعا عبدالله أوجلان، الزعيم التاريخي «للكردستاني»، في 12 أيلول، الى استئناف المفاوضات. لكن مثل هذه التصريحات لا تغير وجه النزاع. فحزب «العمال الكردستاني» شن سلسلة عمليات في آب الأخير، في مدن كردية في تركيا. والتفجيرات تستهدف أهدافاً عسكرية ولا تعفي المدنيين، فتساهم في اتساع الهوة بين «الكردستاني» وشطر من الأكراد. والى هذه الهجمات، يشن «الكردستاني» حرب عصابات في جنوب شرقي تركيا ضد قوات الأمن. فإثر طرده من معاقله التاريخية، وحرمانه من المقاتلين الشباب في الجبهات المدينية، لا شك في أن «الكردستاني» يمر في أحلك مراحل تاريخه.
* مراسل، عن «لوموند» الفرنسية، 25-26/9/2016، إعداد منال نحاس
 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,952,302

عدد الزوار: 6,972,987

المتواجدون الآن: 77