ملف مصر..قصة قانونين لبناء دور العبادة..حصار المجتمع المدني في مصر

تاريخ الإضافة الثلاثاء 27 أيلول 2016 - 8:08 ص    عدد الزيارات 674    التعليقات 0

        

 

قصة قانونين لبناء دور العبادة
المصدر: Getty
جورج فهمي..     مقال تحليلي21 أيلول/سبتمبر 2016الشروق
جورج فهمي هو باحث زائر في مركز كارنيغي للشرق الأوسط ، تتركّز أبحاثه على القوى الدينية في مرحلة الانتقال الديمقراطي، والتفاعل بين الدين والدولة، والأقليات الدينية.
ملخّص: 
تُعد قضية بناء الكنائس أحد أهم أسباب التوتر الطائفى بين المسيحيين والمسلمين فى مصر.
تُعد قضية بناء الكنائس أحد أهم أسباب التوتر الطائفى بين المسيحيين والمسلمين فى مصر. فعلى مدى عقودٍ عدة، اشتكى المسيحيون من القيود التى تضعها الدولة أمام بناء الكنائس، ما دفعهم فى الكثير من الأحيان إلى بناء أماكن للصلاة من دون الحصول على ترخيص قانونى. إلا أن هذا الأمر عادة ما أسفر عن حالة من التوتر مع جيرانهم من المسلمين، واعتبروه مخالِفا للقانون ومحاولة لفرض أمر واقع عليهم. وبينما استمر المسيحيون فى الشكوى من تعنت الدولة تجاههم، رأى بعض المسلمين أن المسيحيين يرفضون الالتزام بقوانين الدولة ويستقوون عليها. وفى ظل هذا المناخ، استمر التوتر الطائفى، ووصل فى بعض الأحيان إلى حد وقوع صدامات عنيفة بين الجانبين. وقد اعتبر كثيرون أن حل هذه المشكلة يكمن فى صياغة قانون ينظم عملية بناء دور العبادة، ليضمن لجميع المصريين، أيا كانت انتماءاتهم الدينية، حق ممارسة شعائرهم، من دون أن يضطروا إلى الالتفاف عليه.
وقد عرفت مصر خلال السنوات الأخيرة محاولتين لتنظيم بناء دور العبادة. وقد سرد تفاصيل المحاولة الأولى أحد المشاركين فيها، الأستاذ سمير مرقص، فى ورقة صادرة عن «منتدى البدائل العربى للدراسات» بعنوان «القوانين المتعلقة بحرية العبادة: بناء الكنائس نموذجا». ويروى فيها مرقص محاولة لجنة مؤلفة منه ومن على السلمى ومنى ذو الفقار، تطوير مشروع قانون للدكتورة ليلى تكلا فى مايو 2011، وتقديمه من خلال «المجلس القومى لحقوق الإنسان» إلى الحكومة بهدف تنظيم بناء دور العبادة. أما المحاولة الثانية، فهى التى دارت فصولها فى غضون الأسابيع الأخيرة خلال المفاوضات التى جرت بين الحكومة والكنائس الثلاث حول قانون بناء الكنائس، قبل أن تُحيله الحكومة إلى مجلس النواب ليقره مؤخرا.
لكن، ثمة اختلافات عدة بين المحاولتين. يتمثل الاختلاف الأول فى هدف مشروع القانون فى حد ذاته: فبينما يرمى مشروع القانون الأول، الذى يحمل عنوان «القانون الموحد لتنظيم أعمال بناء دور العبادة»، إلى تنظيم أعمال بناء المساجد والكنائس على السواء، جاء القانون الثانى بعنوان «قانون بناء وترميم الكنائس»، ليقتصر فقط على تنظيم أعمال بناء وتجديد الكنائس. أما الاختلاف الثانى، فيكمن فى مفردات كلٍ من النصين: ففى حين أن النص الأول تحاشى استخدام المفردات الطائفية، أصر الثانى على استخدام مفردات مثل «الطائفة»، والتى عرفها القانون باعتبارها «الطائفة الدينية التى تعترف لها الدولة بشخصية اعتبارية». إضافة إلى ذلك، حرص مشروع القانون الأول على تلافى أى احتمال تعنت من قبل مؤسسات الدولة، فنص على ضرورة أن تبت الجهة الإدارية فى طلب الترخيص ببناء دور العبادة ضمن مهلة لا تتجاوز شهرين، ويُعتبر انقضاء المهلة من دون صدور قرار مسببٍ بالرفض بمثابة موافقة عليه؛ هذا فيما ينص القانون الحالى على ضرورة الرد فى غضون 4 أشهر، من دون أن يُشير إلى الوضع فى حال عدم الرد على الطلب خلال المهلة المحددة. وأخيرا، لا يقتصر الخلاف بين القانونين على محتوى النصين وحسب، بل يشمل أيضا الطريقة التى تمت بها مناقشتهما. فبينما جاءت النسخة الأولى حصيلة حوارٍ ونقاشٍ بين مثقفين ورجال قانون فى إطار المجلس القومى لحقوق الانسان، جرى التفاوض حول القانون الثانى بين الحكومة وممثلى الكنائس الثلاث من دون أى حوار مجتمعى حقيقى، وعبر استبعاد المجتمع المدنى والمهتمين بقضايا المواطنة. وحتى عندما أرسلت الحكومة مسودة القانون إلى مجلس النواب، تم تجاهل الأصوات التى اعترضت على القانون بحجة أن الكنيسة نفسها قد وافقت عليه، كما لو أن الأمر يخص القيادات الكنسية وحسب، وليس الأقباط، بل والمواطنين المصريين كافة.
تشير قصة القانونين إلى منهجين مختلفين فى إدارة علاقة الدولة بالأقباط. فقد اختارت الدولة المصرية منذ الخمسينيات أن تتعامل مع الكنيسة باعتبارها الممثل السياسى للأقباط، وبالتالى ظلت مواطنة الأقباط منقوصة. ففى الكثير من الأحيان يضطر الأقباط إلى القبول بالاتفاقات المُبرَمة بين الدولة والكنيسة حتى لو جاءت من خارج إطار القانون، كما هو الحال فى الجلسات العرفية لحل الأزمات الطائفية بين الجانبين. لكن المناخ السياسى بعد 25 يناير 2011 شكل بارقة أمل للكثير من الأقباط بإمكانية بناء دولة مصرية على أساس المواطنة. وفى هذا الإطار، سعى سمير مرقص وزملاؤه إلى مواجهة مشكلة بناء الكنائس من خلال قانون ينظم أعمال بناء دور العبادة للمسيحيين والمسلمين على السواء، وهو ما تجاهلته الحكومة آنذاك. وقامت الدولة المصرية مؤخرا بإعادة إنتاج القواعد نفسها التى كانت تحكم علاقتها مع الأقباط من خلال قانون تم التفاوض حوله مع رؤساء الكنائس وحسب، وتضمن مفردات طائفية تبتعد تماما عن قيم المواطنة، ناهيك عن مواد قانونية تعطى السلطة الإدارية مساحة للمماطلة إذا ما أرادت أن تتهرب من تنفيذ بنود معينة.
لن يوفر القانون الجديد حلا لمشاكل الأقباط. فقد فشلت القواعد القديمة فى معالجة مشاكلهم سابقا، ولن تغير إعادة صياغتها على شكل قانون شيئا، بل قد تزيد الوضع سوءا. ذلك أن مصر لا تحتاج إلى قانون جديد يعيد إنتاج العلاقة القديمة نفسها بين الدولة والأقباط، بل إلى بلورة قواعد جديدة لتلك العلاقة تقوم على أساس المواطنة لجميع المصريين بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية.
 
حصار المجتمع المدني في مصر
المصدر: Getty
عمرو حمزاوي...     مقال تحليلي20 أيلول/سبتمبر 2016
عمرو حمزاوي... باحث رئيسي.. في برنامج كارنيغي للشرق الأوسط..  تشمل أبحاثه الديناميكيات المتغيّرة للمشاركة السياسية في العالم العربي، ودور الحركات الإسلامية في السياسة العربية.
ملخّص: 
تحاصر السلطوية الجديدة في مصر المجتمع المدني أمنياً وتوجّه إعلامها إلى تشويه مراكزه وجمعياته ومنظماته.
بجانب الحصار التشريعي والقانوني، تحاصر السلطوية الجديدة في مصر المجتمع المدني أمنيا وتوجه إعلامها إلى تشويه مراكزه وجمعياته ومنظماته إن لم تقبل الاستتباع وترضخ لشروط وظيفة وحيدة هي تبرير الظلم والقمع.
لا ترى السلطوية الجديدة في المجتمع المدني المستقل سوى قوى هدامة وفوضوية يتوهم الحاكم الفرد وتتوهم المؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية والاستخباراتية حضورها دوما ما أن ترتفع أصوات المطالبة بالديمقراطية ومقاومة العصف بسيادة القانون. ثم تحتكر زيفا مضامين الوطنية والدفاع عن الصالح العام من قبل السلطوية وإعلامها لكي تمرر في خطوة تالية الادعاء المتهافت بانتفاء حرص المجتمع المدني على الوطن، وتبرر تعرض المنظمات الحقوقية ومبادرات الدفاع عن الحريات والهيئات المعنية بالعدالة الانتقالية لصنوف متنوعة من القمع، وتواصل حملات التخوين والتشويه وإسكات الأصوات المستقلة عبر ممارسات الاغتيال المعنوي.
تتعامل السلطوية الجديدة مع المجتمع المدني كعدو، شأنه هنا شأن المواطن المتمسك بحرية الفكر والتعبير عن الرأي والرافض للصمت على المظالم والانتهاكات. وتعمل بصورة ممنهجة، وكما هو الحال مع الأحزاب والتيارات السياسية الرافضة للاستتباع، على تهجير المراكز الحقوقية وجمعيات الدفاع عن الحريات ومنظمات العدالة الانتقالية بعيدا عن الفضاء العام وتهميش أطروحاتها الاقتصادي منها والاجتماعي والثقافي تماما كالقانوني والسياسي. بل تخلق وتروج السلطوية الجديدة عبر الخطاب الرسمي والخطاب الإعلامي الانطباع الكارثي بكون الحاكم الفرد المسيطر على مؤسسات وأجهزة الدولة الوطنية هو الوحيد القادر على «دفع البلاد نحو الاستقرار والتقدم والتنمية»، وتدعي أن المجتمع المدني في المجمل ما هو إلا عنصر تعويق يتعين إما إخضاعه أو إزاحته بالكامل.
غير أن تنزيل حصار المجتمع المدني في الواقع المصري الراهن يتعلق أيضا بتوظيف السلطوية الجديدة لإجراءات التقاضي العقابي على نحو يسلب حرية العاملين في المجتمع المدني أو يضعهم تحت مغبة التهديد بسلب الحرية دون جرم ارتكبوه، وعلى نحو يجمد عملا أنشطة وحملات المجتمع المدني وقد يلغي وجود المراكز والجمعيات والمنظمات المستقلة. على سبيل المثال لا الحصر، ألقت عناصر جهاز الأمن الوطني (جهاز أمن الدولة سابقا) في تشرين الأول / أكتوبر 2015 القبض على الصحافي هشام جعفر، رئيس مجلس أمناء مؤسسة مدى للتنمية الإعلامية والمعنية بقضايا الحريات الإعلامية والحوار المجتمعي ومناهضة العنف. ووجهت له نيابة أمن الدولة عدة اتهامات مرسلة تتعلق بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين التي أعلنها مجلس الوزراء المصري جماعة إرهابية في 2013 ـ وهو ما يضع جعفر تحت طائلة قانون «تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين» ـ وبتلقي رشوة دولية – وهو ما يضعه في مغبة التعرض لتطبيق مادة «تجريم الوعد بأشياء أخرى» أو المادة 78 من قانون العقوبات. وطوال الفترة الممتدة منذ سلب حريته في خريف 2015 إلى اليوم، وتجديد حبس جعفر يستمر على «ذمة التحقيقات» (القضية رقم 720 لسنة 2015 حصر أمن دولة عليا).
كما استدعي المحامي نجاد البرعي للتحقيق أمام جهات قضائية مختلفة في 2015 و2016 بسبب اشتراكه مع قضاة وقانونيين مصريين في إعداد مشروع لمكافحة التعذيب. ووجهت له أثناء التحقيقات طائفة واسعة من الاتهامات شملت إدارة «جماعة غير مرخصة» (هي المجموعة المتحدة محامون مستشارون قانونيون، وهي ليست سوى مكتب المحاماة والاستشارات القانونية الذي يعمل به البرعي)، والتحريض من خلالها على مقاومة السلطات العامة، وممارسة نشاط حقوق الإنسان دون ترخيص، وتلقي تمويلات، وإذاعة أخبار كاذبة عمدا، وتكدير الأمن العام، وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة. أما المحامي أحمد عبد الله، رئيس أمناء المفوضية المصرية للحقوق والحريات والمستشار القانوني لأسرة باحث الدكتوراة الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل في القاهرة، فألقت الأجهزة الأمنية في ممارسة انتقامية صريحة القبض عليه في 25 نيسان / ابريل 2016 بعد اشتراكه مع آخرين في الدعوة إلى التظاهر السلمي احتجاجا على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية (اتفاقية جزيرتي تيران وصنافير) ووجهت له النيابة العامة أيضا طائفة واسعة من الاتهامات جمعت بين «التحريض على استخدام القوة لقلب نظام الحكم» وتغيير دستور الدولة والنظام الجمهوري» و»إذاعة أخبار وبيانات وشائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بين الناس والمصلحة العامة» وغيرها. وقضت الدوائر القضائية، تحديدا محكمة جنايات شمال القاهرة، في الفترة بين نيسان / ابريل وأيلول / سبتمبر 2016 بتجديد حبسه أكثر من مرة إلى أن أطلق سراحه منذ أيام قليلة.
لا يقتصر حصار المجتمع المدني عبر إجراءات التعقب القضائي للأفراد العاملين في مراكز وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني على حالات جعفر والبرعي وعبد الله، بل يتجاوزهم ليشمل آخرين لا يجمع بينهم سوى الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات كالمحاميين مالك عدلي (أطلق سراحه منذ أيام قليلة أيضا) وهيثم محمدين (مازال رهن الاحتجاز). كما أن حصار المجتمع المدني قضائيا لا يقتصر على تعقب الأفراد، بل يتخطاه باتجاه إجراءات قضائية جماعية. في هذا السياق، تعد القضية رقم 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلاميا باسم «قضية تمويل منظمات المجتمع المدني» النموذج الأوضح للتعقب والعقاب الجماعيين للمجتمع المدني.
تعود القضية إلى كانون الأول / ديسمبر 2011 حين اتهمت النيابة العامة (من خلال قضاة تحقيق) 43 من المواطنين المصريين والأجانب العاملين في منظمات غير حكومية مصرية وأجنبية من بين أمور أخرى بإدارة «منظمات لم يرخص لها» و»بالحصول على تمويلات من حكومات أجنبية» دون موافقة الجهات الرسمية. وفي حزيران / يونيو 2013، حكمت إحدى دوائر الجنايات على كافة «المتهمين» بالسجن لمدد تراوحت بين سنة وخمس سنوات وجاء العدد الأكبر من الأحكام غيابيا لعدم تواجد أغلبية «المتهمين» في مصر. كذلك قضت دائرة الجنايات بإغلاق مكاتب المنظمات غير الحكومية الأجنبية التي أدرج عاملين بها في القضية رقم 173 لسنة 2011، وكانت المعهد الجمهوري الدولي والمعهد الوطني الديمقراطي ومؤسسة فريدم هاوس والمركز الدولي للصحافة ومؤسسة كونراد أديناور.
في 2014، أعادت النيابة العامة الكرة وشرعت (من خلال قضاة تحقيق أيضا) في تحقيقات جديدة تعلقت بعدة منظمات غير حكومية مصرية تشترك في العمل في مجال حقوق الإنسان والحريات. في 2015 و2016 أصدرت النيابة العامة عدة قرارات بالمنع من السفر والتحفظ على الأموال تتعلق بحقوقيين وعاملين بمنظمات مثل المعهد المصري الديمقراطي ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومركز هشام مبارك للقانون والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وقد أيدت الدوائر القضائية مجمل هذه القرارات لتدفع بحصار المجتمع المدني وبإغلاق الفضاء العام إلى هاوية غير مسبوقة.
 
 

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة..

 الإثنين 15 نيسان 2024 - 9:21 م

“حرب الظل” الإيرانية-الإسرائيلية تخاطر بالخروج عن السيطرة.. https://www.crisisgroup.org/ar/middle… تتمة »

عدد الزيارات: 153,333,951

عدد الزوار: 6,886,886

المتواجدون الآن: 73