سياسات كردستان الجديدة

تاريخ الإضافة الثلاثاء 23 آب 2016 - 4:58 ص    عدد الزيارات 627    التعليقات 0

        

 

سياسات كردستان الجديدة
محمد صالح    ..منتدى فكرة     
محمد صالح، هو صحفي من إقليم كردستان العراق. كتب في العديد من وسائل الإعلام الدولية، حيث ركزت كتاباته لأكثر من عقد من الزمان على الشئون الكردية والعراقية. يمكن الاتصال به على موقع توتير على العنون التالي @MohammedASalih
من المرجح أن تمهّد الاتفاقية التي أبرمت مؤخرًا بين الحزبين السياسيين البارزين في كردستان العراق، أي "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" (كوران) الطريق للسياسات الكردية في السنوات القادمة. ومن المتوقع أيضًا أن تزيد هذه الاتفاقية من حدة التوترات القائمة بين الحزبين و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" المهيمن الذي يرى هذا التحالف الجديد على أنّه يهدف إلى تقويض قوّته. لكن إذا تحلّى "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بقدر أكبر من المرونة في التعامل مع الاتفاقية، فقد يتمكّن، على المدى البعيد، من تحقيق الاستقرار السياسي في كردستان العراق.
وقّع "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" اتفاقية في 17 أيار/مايو تنص على وضع برنامج عمل مشترك من شأنه أن يُوفّق بين الحزبين على الساحتين السياسيتين الكردية والعراقية. وفيما يُعتبر "الاتحاد الوطني الكردستاني"، الذي يترأسه الرئيس العراقي السابق جلال طالباني، جزءًا من الطبقة الحاكمة الكردية، غالبًا ما كانت "حركة التغيير" تتّخذ صفة الحزب المناهض للطبقة الحاكمة. ولا تقتصر أهمية الاتفاقية التي أُبرمت بين الفريقين على إنهاء ما يقارب السبع سنوات من العلاقات العدوانية التي كانت سائدة بين الطرفين، بل من المحتمل أن تشكّل الاتفاقية قوة موازية مضادة "للحزب الديمقراطي الكردستاني" بقيادة مسعود البارزاني، القائم بأعمال الرئيس في كردستان العراق. و تشير أيضًا إلى انتهاء مفعول ما يسمى "بالاتفاقية الاستراتيجية" التي حوّلت الخصمين السابقين، أي "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، إلى حليفين لسنوات عدّة.
أبرمت الاتفاقية بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" على أعقاب التدهور الدراماتيكي الذي حلّ بالعلاقات التي تربط "حركة التغيير" "بالحزب الديمقراطي الكردستاني". ولعل السبب الرئيسي وراء هذه التداعيات يتمثل بالجهود التي بذلتها "حركة التغيير" في حزيران/يونيو 2015 بتقديم عدد من مشاريع القوانين التي تهدف إلى تعديل قانون الرئاسة في كردستان العراق عندما شارفت ولاية البارزاني على الانتهاء. اعتبر "الحزب الديمقراطي الكردستاني" هذا الأمر محاولة لإضعاف البارزاني مما أدى إلى تدهور العلاقات التي تربطه "بحركة التغيير". ولم يتم تعديل القانون بل قامت هيئة حكومية في وقت لاحق بتمديد ولاية البارزاني على الرغم من الاحتجاجات الشديدة اللهجة التي صدرت عن "حركة التغيير" وبعض الأحزاب الصغيرة. وعندما استهدف المحتجّون مكاتب "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في محافظة السليمانية في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام نفسه،التي أدت إلى سقوط خمسة قتلى على الأقل في صفوف مناصري "الحزب الديمقراطي الكردستاني" والمحتجين، اتّهم حزب البارزاني "حركة التغيير" بالهجوم على مكاتبه. وبالتالي، قام "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بما لم يكن في الحسبان إذ منع رئيس برلمان إقليم كردستان وخمسة من الوزراء التابعين "لحركة التغيير" من دخول إربيل في تشرين الأول/أكتوبر 2015 و بذلك وضع حدًا لمشاركة الحركة في المؤسسات الحكومية الكردية. وأدى هذا الأمر إلى انقطاع العلاقات بين الطرفين و إنهاء شراكة غير مستقرة كانت قد بدأت في 2014 عندما فضّل "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، الذي يشكّل أكبر كتلة في البرلمان الكردي المنتخب حديثًا، "حركة التغيير" على "الاتحاد الوطني الكردستاني" لتكون شريكته الرئيسية في الحكومة الائتلافية الجديدة.
على ماذا يقوم هذا الاتفاق؟
يحتوي هذا الاتفاق على عدد من الأحكام التي يسعى كل من "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" إلى تطبيقها بشكل فعال، وبالتالي لن يساهم هذا الأمر إلا في تأجيج الأزمة السياسية وزيادة التشرذم في كردستان نظرًا إلى معارضة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" لهذه الاتفاقية.
ونظرًا إلى أن الائتلاف الحالي بات يستحوذ على عدد أكبر من المقاعد من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في البرلمان الكردي، 42 مقابل 38 مقعدًا، يأمل "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" أن يحافظا على هذا الامتياز ويشكّلا أكبر كتلة برلمانية سياسية كردية في المستقبل. إلا أنه قد يصعب تحقيق هذا الأمر نظرًا إلى أن الكثير من الأصوات التي نالتها الحركة كانت حصيلة مواقفها السياسية المعارضة وخطابها المناهض للطبقة الحاكمة أما الآن فالحركة نفسها تستحوذ بشكل كبير على السلطة شيئا فشيئا. وقد تفقد قسمًا من الأصوات التي كانت ستنالها في الانتخابات المقبلة لقاء تحالفها مع "الاتحاد الوطني الكردستاني"، ولاسيما من فئة الشباب و المثقفين وذلك نظرًا لأنهم يعتبرون أن "الاتحاد الوطني الكردستاني" يضاهي "الحزب الديمقاطي الكردستاني" فسادًا ومحسوبية.
وتدعو الاتفاقية المبرمة بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" إلى عملية إعادة تفعيل غير مشروطة للبرلمان الكردي الذي أصيب بالشلل عندما منع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" رئيسه من دخول إربيل في العام المنصرم. ويقول مسؤولو "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أنهم سيقبلون بإعادة الاعتبار إلى البرلمان شرط ألا تترأسه شخصية تابعة "لحركة التغيير".
تدعو الاتفاقية أيضًا إلى وضع نظام برلماني ينص على انتخاب رئيس إقليم كردستان العراق في البرلمان وليس من خلال اقتراع مباشر. ونظرًا إلى أنه من المرجح أن يبقى البارزاني متربعًا على عرش الرئاسة، يخشى "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أن يصبح الرئيس، إن انتخبه البرلمان، مقيّدًا بالاتفاقيات الائتلافية، مما يعيق بالتالي قدرته على   تطبيق سياسات "الحزب الديمقراطي الكردستاني".
"الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني": علاقة ترغيب وترهيب
تعجّ السياسة الكردية بالنزاعات المسلّحة الداخلية. والجدير بالذكر أن "الاتحاد الوطني الكردستاني" قد تشكّل كردة فعل على بعض سياسات "الحزب الديمقراطي الكردستاني" وأعماله. وفي العام 1964، تشكّلت نواة "الاتحاد الوطني الكردستاني" عندما انشقّ جلال طالباني وإبراهيم أحمد الذي أصبح حماه في ما بعد، عن مؤسس "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مصطفى البارزاني، والد الزعيم الحالي مسعود البارزاني. فقد اعترضا على احتكار البارزاني الأب للسلطة داخل صفوف الحزب. ثم عاد طالباني إلى "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في أوائل السبعينيات لينشقّ مجددًا عند انهيار الثورة الكردية التي قادها البارزاني ضد الحكومة العراقية في العام 1975. وفي العام عينه، أسس طالباني "الاتحاد الوطني الكردستاني" بالتعاون مع مجموعة من القادة اليافعين في محاولة منه لتحديد مسار جديد للسياسات الكردية العراقية. وعلى الرغم من فترات التعاون ، اتسمت علاقة "الاتحاد الوطني الكردستاني" "بـالحزب الديمقراطي الكردستاني" منذ البداية بانعدام الثقة إلى حد كبير بين الطرفين وبالاشتباكات المسلحة.
وعندما اندلعت الحرب الأهلية في العام 1994 بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، قسّم إقليم كردستان العراق إلى منطقتين جغرافيتين، حيث سيطر "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على القسم الشمالي أما القسم الجنوبي فخضع لحكم "الاتحاد الوطني الكردستاني". وأخذ الفريقان يسوّيان خلافاتهما تدريجيًا في أعقاب عملية السلام التي تمت بواسطة واشنطن عام 1998. وانضّما إلى الائتلاف الذي ترأسته الولايات المتحدة لمحاربة صدام حسين في العام 2003 وتمكنا من تجاوز السياسات الموالية إلى حد كبير لحوالى عقد من الزمن. و خلال هذه الفترة، تقاسم الفريقان السلطة في كردستان وبغداد، الأمر الذي اتخذ طابعًا رسميًا في ما بعد عبر اتفاقية استراتيجية أبرمت في العام 2007، فنعم إقليم كردستان بفترة من الاستقرار والتنمية الاقتصادية لم يشهد لهما مثيلًا.
إلا أن هذا التوازن الذي تطلّب الكثير من الحذر ما لبث أن انهار عندما انشقّت "حركة التغيير" عن "الاتحاد الوطني الكردستاني" في العام 2009، مما تسبب في خسارة الاتحاد ما يعادل نصف الأصوات التي كان يحظى بها. وساهم عدد من الأحداث الأخرى بما في ذلك الخلافات حول كيفية التعامل مع بغداد وتداعيات الأزمة السورية، في زيادة الهوة بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني". وعندما احتل "الاتحاد الوطني الكردستاني" المركز الثالث في الانتخابات البرلمانية الكردية التي أجريت عام 2013، لم يعد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" يعامل "الاتحاد الوطني الكردستاني" كحليف بل اختار "حركة التغيير" لتكون شريكته الرئيسية في الإدارة الكردية الجديدة.
اتفاق "كوران" و"الاتحاد الوطني الكردستاني": تحالف أم انصهار؟
يتمثّل الدافع الرئيسي الذي حضّ "الاتحاد الوطني الكردستاني" على التحالف مع "حركة التغيير" في تشكيل قوة موازنة، علمًا أنّ "الاتحاد الوطني الكردستاني" بات يتخوّف مما يبدو أنه هيمنة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على شؤون كردستان العراق. وكما جاء على لسان مسؤولين بارزين في "الاتحاد الوطني الكردستاني"، إن هدف حزبهم يتمثّل بإعادة فرض توازن القوى في كردستان وليس بإضعاف "الحزب الديمقراطي الكردستاني".
أما بالنسبة "لحركة التغيير" التي طردها "الحزب الديمقراطي الكردستاني" من المؤسسات الحكومية بطريقة مهينة وغير قانونية، فإن قرارها القاضي بالتعاون مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" كان يشكّل الحل الوحيد الذي يسمح للحركة أن تحافظ على دورها الفعال في مستنقعات السياسة الكردية الآسنة. وعلى غرار ما قاله مسؤول رفيع المستوى في "حركة التغيير"، يعتبر الاتفاق أفضل محاولة قامت بها "الحركة" "لوضع حد لتفرّد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" ولإعادة التوازن" إلى النظام السياسي السائد في كردستان. إن السياسات الشعبوية التي انتهجتها "حركة التغيير" والجهود التي بذلتها لتسخّر الاستياء الشعبي لمصلحتها قد وضعتها في مواجهة مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" مرارًا وتكرارًا طيلة السنوات الماضية. ويشير الاتفاق الذي عقد مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" إلى أن قادة "حركة التغيير"، ولاسيما المنسق العام للحركة نوشيروان مصطفى، باتوا يعلمون أنهم لا يستطيعون أن يحققوا أي إنجاز يذكر، على المدى البعيد، إن لم يصبحوا جزءًا من بنية سياسية أكبر. تقدّم "حركة التغيير" قاعدة انتخابية واسعة لهذا التحالف إذ احتلّت المركز الثاني في الانتخابات التي أجريت عام 2013 في إقليم كردستان، فيما يوفّر "الاتحاد الوطني الكردستاني" للتحالف الدعم العسكري نظرًا إلى العدد الكبير من قوات البيشمركة والقوات الأمنية التابعة له. فقد يخلق التعاون الناتج عن الاتفاق معادلة رابح-رابح لكلا الطرفين مما يزيد من احتمال استمرار الاتفاقية لوقت طويل.
وعلى الرغم من إصرار قادة "حركة التغيير" على اعتبار هذه الاتفاقية مجرد تحالف، يعرب بعض المسؤولين البارزين في "الاتحاد الوطني الكردستاني" مثل عادل مراد، الذي تحدث عن احتمالية دمج "الاتحاد" و"الحركة" وقال إن هذا الأمر يجب أن يشكّل الهدف النهائي للاتفاقية الحالية. ويعمل الفريقان حاليًا على تشكيل لجنة قيادة مشتركة تتضمن أكثر الشخصيات نفوذًا من الطرفين. إلا أن محمد توفيق رحيم، المسؤول البارز في "حركة التغيير"، ينفي أي اندماج بين الطرفين ويضيف أن حزبه "لم يعد كسابق عهده عندما كنّا جزءًا من "الاتحاد الوطني الكردستاني.""
مجرد اختيار "حركة التغيير" لمثل هذا التحالف الاستراتيجي مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" يعتبر بمثابة اعتراف بفشلها في تحقيق التغيير المنشود عبر وسيلة ديمقراطية تقليدية في إقليم كردستان. وقد جاء على لسان فريد أسسرد، وهو مسؤول رفيع المستوى في "الاتحاد الوطني الكردستاني"، ما يلي: "لو تمكنت "حركة التغيير" من النجاح بمفردها لما اشتركت في هذه الاتفاقية." وقد يخيّب الاتفاق المبرم بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" آمال الكثير من الشبان الأكراد الذين علّقوا آمالهم على "الحركة " لترمي حجرًا في مياه سياسة كردستان الراكدة لاضفاء العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص على نظام يخضع لحكم عائلات البارزاني وطالباني والمقربين منها. ويبرهن الاتفاق المبرم بين "حركة التغيير" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" (أو الاندماج المحتمل) أن قدرة السياسة الكردية على التأقلم مع عمليات التغيير الديمقراطي، محدودة.
العلاقات مع بغداد: اللحظة الفاصلة
تمحور خطاب "الحزب الديقراطي الكردستاني" في السنوات الأخيرة حول الانفصال السلمي عن العراق أو حول إعادة تنظيم العلاقات التي تربط بغداد بـ"حكومة إقليم كردستان" على قاعدة الكونفدراليات. وطالب "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، الذي يعتبر العنصر الأبرز في "حكومة إقليم كردستان"، بزيادة استقلالية هذه الحكومة عن بغداد في ما يتعلق بالقضايا الأساسية كالتحكم بموارد الطاقة ومدى الحكم الذاتي الكردي. لطالما كان "الحزب" يشكّل المحرك الرئيسي لسياسة تصدير النفط المستقلة التي أخذت "حكومة إقليم كردستان" تطبقها مؤخرًا مما أدى بالتالي إلى اقتطاع بغداد لحصة إقليم كردستان من الموازنة العراقية.
وقد يزيد أي تحالف متين بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" من حدة الانقسامات في إقليم كردستان العراق حول الحكومة العراقية، إذ يعتبر "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" من كبار مؤيدي تحسين العلاقات مع بغداد.
وعلى غرار ما قاله رحيم، المسؤول في "حركة التغيير":" أيًا كانت مخططاتك على المدى البعيد، عليك أن تحافظ على علاقات طبيعية مع بغداد. فأي علاقات سيئة مع بغداد ستعود عليها بالفائدة وستلحق الأذى بنا." وعلى غرار الكثير من خصوم "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، يعتبر رحيم أن خطاب هذا الحزب الذي يدعو إلى الاستقلال ما هو إلا "دعاية ممنهجة لتضليل الناس."
وعلى الرغم من أن "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" قد عبّرا في الاتفاقية الأخيرة عن دعمهما للهدف الطويل الأمد المتمثل باستقلال إقليم كردستان، غالبًا ما يبدو قادة الحزبين أكثر تحفظًا حول هذا الموضوع. فقد دعا "الاتحاد الوطني الكردستاني" على وجه التحديد بوضوح أكبر إلى التقرّب من بغداد وتأجيل أي خطط من شأنها أن تدعو إلى التقسيم. و يعتقد السياسي المخضرم في "الاتحاد الوطني الكردستاني" عادل مراد أنه لا يمكن اعتبار الاستقلال الكردي "واقعيًا" في هذه الآونة نظرًا إلى الأزمة الاقتصادية الشديدة التي تمر بها كردستان وخطر المواجهة العسكرية المحتمل مع بغداد أو المجموعات الشيعية شبه العسكرية التي يدعمها كل من بغداد وإيران.
ونظرًا إلى أن حدود المنطقة التي تقع تحت سيطرة "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" لا تشارك حدودها إلا مع إيران والعراق، قد يصعب على الفريقين، في حقيقة الأمر، تأييد الانفصال عن العراق، مما دفعهما إلى اعتماد لهجة أكثر تصالحية مع بغداد. ويخشى الكثيرون في "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" أن يُحكم الاستقلال قبضة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على الحكم في كردستان.
الشروط الداخلية التي ترعى تحالف "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير"
قد يترتب على الاتفاق المبرم بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" تداعيات مختلفة على الديناميات الداخلية لكل حزب. وفي حين يُعتبر "الاتحاد الوطني الكردستاني" حزبًا مقسّمًا للغاية، وفّق الاتفاق بين العديد من فصائل هذا الحزب التي عبرت عن اتحادها. ونظرًا إلى تفاقم الصراعات على السلطة داخل الحزب، على الصعيدين الشخصي والفصائلي، يبقى السؤال مطروحًا ما إذا كان التعاون الحالي سيدوم. وتحاول الفصيلة المهيمنة داخل "الاتحاد الوطني الكردستاني"، المتألفة من زوجة طالباني وحلفائها، أن تستخدم الاتفاق الذي أبرم مع "حركة التغيير" كوسيلة لفرض النظام الداخلي ولإعادة إحياء قاعدة دعم الحزب، التي خاب أملها كثيرًا في أداء قادة الحزب في السنوات الأخيرة.
قد يترتب على هذا الاتفاق تداعيات مختلفة على "حركة التغيير" أيضا إذ تحتوي هذه الأخيرة على تشكيلة متنوعة من الناس الذين انشقوا عن "الاتحاد الوطني الكردستاني" والكثير من الشبان الأكراد المثاليين الذين رأوا في "كوران" منفذًا لإصلاح النظام السياسي الكردي الفاسد والمتداعي. وفيما يبدو أن معظم أعضاء حركة التغيير الذين كانوا أعضاء سابقين في "الاتحاد الوطني الكردستاني" متحمسين لإبرام اتفاق مع "الاتحاد"، يخشى بعض المسؤولين والكوادر الأصغر سنًا أن تفقد أدوارهم الأهمية ولا تعود المثل التي دفعتهم إلى الانضمام إلى الحركة تشكل أولوية بالنسبة إليها. وفي نهاية المطاف، لم يخضع "الاتحاد الوطني الكردستاني" لأي تغيير جذري منذ الحملة التي شنتها عليه "حركة التغيير" بمنتهى الشراسة. وقد يقول البعض إن "الاتحاد الوطني الكردستاني" بات يتجه أكثر فأكثر نحو المحسوبية في السنوات الأخيرة. ويبقى السؤال مطروحًا ما إذا كانت علاقات "حركة التغيير" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" ستكون مجرد تقارب بين الحزبين أم من المحتمل أن تتحول إلى اندماج ؟ وإن حصل ذلك، فماذا ستكون ردة فعل العناصر الشابة والأكثر مثالية داخل صفوف "حركة التغيير"؟
آفاق مستقبلية
بعد هيمنة الحزب الديمقراطي الكردستاني على السياسة الكردية في السنوات الأخيرة، أخذ واقع جديد يبصر النور. و الآن تُشكل الكتلة الجديدة المؤلفة من "حركة التغيير" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، بواسطة حجمها ومواردها، تحديًا لهيمنة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على وضع السياسية الكردية العراقية. مع ذلك لن تكون الجبهة الجديدة "للاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" متجانسة فقد لا يتفق الفريقان حول بعض القضايا الرئيسية نظرًا إلى تصور كل منهما لمصالحه وأولوياته.
وفيما أتت ردة فعل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على الاتفاق الذي أبرم بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" دفاعية وعدائية، من الضروري أن تأتي إلى خواتيمها في ظل هذا الواقع الجديد. وعلى الحزب أن يعي أنه لا يستطيع أن يتربع على عرش الرئاسة ورئاسة مجلس الوزراء وأن يشغل منصب مستشار الأمن القومي لأجل غير مسمى ويتعين عليه بالتالي أن يكون على استعداد لتقديم بعض التنازلات الواقعية. ولتحقيق الاستقرار والتقدم على المدى البعيد، يجب التوصل إلى اتفاق جديد يهدف إلى تقاسم السلطة. و بهذا الخصوص يقول مسؤولون في "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" أن هذا هو الهدف الذي يسعيان إلى تحقيقه. وعلى "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أن يأخذ كلامهما على محمل الجد وأن يجري مفاوضات مع التحالف الذي يضم "التغيير" و"الاتحاد الوطني الكردستاني". وقد أظهرت عقود من التجربة أن أيًا من هاتين الكتلتين لا تستطيع أن تخضع الأخرى إليها أو تلغيها ولا حتى من خلال النزاع المسلح أو الاعتماد على دول إقليمية كإيرانو تركيا والعراق. وإذ تحظى كل واحدة من هاتين الكتلتين الكرديتين بمنطقة نفوذ جغرافية منفصلة عن الأخرى، لا تستطيع إحداهما أن تبسط سيطرتها على كردستان من دون أن تتعاون مع الأخرى.
وتقع على كاهل "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسؤولية التحلي بالمرونة واعتبار الاتفاق المبرم بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" فرصة لإعادة تأسيس نظام متوازن جديد وبسط توازن مستدام من شأنه أن يضمن الاستقرار والمكاسب الطويلة الأمد لكافة الأطراف. و ذلك النوع من التلاعب السياسي الذي يكون فيه أحد الأطراف رابح و الآخر خاسر يكون مضرا بقوة واستقرار كردستان وبأحزابه.
وفي الوقت عينه، يتعين على "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" أن يضعا حدًا لحملتهما الدعائية التي تستمر في تشويه سمعة "الحزب الديقراطي الكردستاني" منذ سنوات. وعليهما أن يؤكدا للحزب حسن نوياهما تجاهه. فقد شوّهت الحملة الدعائية التي شنها "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" صورة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في محافظة السليمانية إلى درجة أن أي تعاون دائم مع الحزب بات مستبعدًا. إن ما يمكن تسميته ب "إجماع السليمانية" هو وليد تداعيات هذه الحملة الدعائية المكثّفة المناهضة "للحزب الديمقراطي الكردستاني" وللبارزاني. وما انفكت السردية السياسية الصادرة عن السليمانية تصوّر الحزب على أنه مجرد حزب رذيل على الرغم من أن الدور الذي يضطلع به الحزب في حكومة هذه المنطقة يعتبر محدودًا. ولقد بات هذا الإجماع في السليمانية على مناهضة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" يشكّل المفهوم السائد الذي لم تتشاركه "حركة التغيير" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" فحسب, بل انطبع أيضًا في أذهان الأحزاب الإسلامية والحيّز الأكبر من الأوساط الاعلامية والكثير من الشخصيات المستقلة فيها. ولعبت هذه الخدعة الخطابية دورًا مهمًا في فشل "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" في بناء علاقة أي علاقة عملية و قابلة للاستمرار مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" إذ تخوفا من أي ردود فعل عنيفة قد تصدر عن قاعدتيهما الشعبيتين.
ولكي تبقى كردستان العراق كيانًا مستقرًا واحدًا، يتعين على جميع الأطراف أن يتحلّوا بروح المساومة وأن يعبروا بصدق عن استعدادهم للتعاون في ما بينهم. لن يؤدي الوقوع ضحية دوافع شعبوية وشن الحملات الإعلامية التي تحط من قدر الغير إلا إلى زيادة الطين بلة ودفع كردستان نحو الهاوية. ويتعين على "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" أن يتوقفا عن حشد دعم "حزب العمال الكردستاني" لهما في صراعهما على السلطة مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني". إن منح "حزب العمال الكردستاني" فرصة للعثور على موطئ قدم له في الأراضي التي تخضع لحكم "الاتحاد الوطني الكردستاني" ومنطقة سنجار ذات الأغلبية اليزيدية، يزعزع الاستقرار في إقليم كردستان العراق من خلال تأجيج التوترات وزرع بذور الصراع المستمر والدعوة إلى تدخل خارجي غير مرغوب فيه، أي التدخل التركي في شؤون كردستان.
ويتمثل الأثر المباشر للاتفاق بالتصعيد الخطير للتوترات بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير". وتقوم استراتيجية "الحزب الديمقراطي الكردستاني" حتى هذه الساعة على وضع شرخ بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير" من خلال تبني خطاب عدائي وعبر اتباع سلسلة من الخطوات لاستهداف "الحركة"، على الرغم من ذلك فإن " الحزب الديمقراطي الكردستاني" قام خلال الأسابيع الأخيرة بالتخفيف من حدة موقفه. وفي أربيل التي تخضع لحكم "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، أصدرت السلطات القضائية مذكرة اعتقال بحق قائد "حركة التغيير" نوشيروان مصطفى. وأعرب المسؤولون البارزون في الحزب عن عدم استعدادهم للدخول في مفاوضات مع كتلة "حركة التغيير" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" المشتركة تحت أي ظرف من الظروف. ويبدو أن هذه التكتيكات تهدف إلى إجبار "الاتحاد الوطني الكردستاني" على إعادة النظر في تحالفه مع "حركة التغيير" إذ لا تزال بعض المصالح الاستراتيجية المهمة تجمع بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"   كالتعاون في مجال الطاقة, و كونهما ركيزة للحكومة وللقوات المسلحة الكردية.
وللولايات المتحدة دور مهم لا بد أن تضطلع به من خلال ممارسة الضغط على الأحزاب الكردية للتفاوض على اتفاق قابل للتطبيق على المدى الطويل. وتتمحور القضايا بمعظمها حول المنافسات النخبوية الشخصية وليس حول الصراعات الاستراتيجية الجوهرية. وفيما استثمرت واشنطن بشكل كبير في عملية بغداد السياسية والتقدم الديمقراطي، لم تبد رغبة كبيرة في خلال العقد المنصرم تقريبًا للعب دور جدي في مسألة التطور السياسي في إقليم كردستان. ونظرًا إلى أن الولايات المتحدة كانت تؤدي دور الضامن الرئيسي للأمن الكردي في خلال العقود القليلة الماضية، فهي تتمتع بسلطة وبنفوذ لا يستهان بهما وقد تستخدمهما لسبب وجيه. حتى أن هذا النفوذ يزداد أهمية اليوم مع اعتماد الأكراد بشكل كبير على الولايات المتحدة للتصدي لخطر تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) المستفحل.
لقد كانت كردستان جزيرة تتمتع نسبيًا بالاستقرار وبالتقدم الاقتصادي طيلة السنوات الثماني عشرة الماضية وتتطلب المحافظة على هذا الاستقرار على المدى البعيد التزامًا مستمرًا بإبرام الاتفاقات السياسية وتقاسم السلطة. على السياسيين البراغماتيين في كل الأطراف تجاوز المكاسب الشخصية و السياسية الضیقة و إدراك مزايا التعاون الطويل المدى. حتى أن تدخل واشنطن يعتبر ضرورة أكثر إلحاحًا نظرًا إلى تدخل الدول الإقليمية كإيران وتركيا التي تسعى كل منهما إلى دعم حلفائها المحليين. ففيما تدعم إيران الكتلة التي تتألف من "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"حركة التغيير"، تقدم تركيا الدعم "للحزب الديمقراطي الكردستاني". وإلا فإن المخاطر كبيرة جدًا والسيناريوهات غير المستحبّة تلوح في الأفق كتقسيم كردستان العراق إلى منطقتين خاضعتين لحكمين منفصلين وحتى أنها قد تشمل أيضًا نزاعات مسلّحة.
 
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,098,335

عدد الزوار: 6,752,582

المتواجدون الآن: 97