ما نشهده من إرهاب «جهادي» قد يكون آخر مراحل الإسلام السياسي

تاريخ الإضافة الأربعاء 20 تموز 2016 - 6:58 ص    عدد الزيارات 819    التعليقات 0

        

 

ما نشهده من إرهاب «جهادي» قد يكون آخر مراحل الإسلام السياسي
علي حرب 
الإرهاب الجهادي يعم العالم. ولذا أصبح الهاجس والشاغل لدى الرؤساء وقادة الجيوش والأجهزة الأمنية، كما لدى المثقفين والمحللين الإستراتيجيين الذين يحاولون تشخيص الظاهرة على اختلاف اختصاصاتهم ومقارباتهم. والملاحظ أنه كلما اشتدت محاربة التنظيمات الإرهابية، نجدها تزداد انتشاراً بقدر ما تزداد شراسة وتوحشاً. إنها تتراجع أو تضعف في مكان، لكي تظهر وتبطش في مكان آخر، وعلى نحوٍ يفاجئ الجميع، على رغم ما يُحشد من قوى أو يوضع من خطط وبرامج.
هذا ما تشهد به التفجيرات الانتحارية المتلاحقة التي حصلت في الأسابيع الفائتة، بداية في أميركا، ثم في الأردن ولبنان وتركيا وبنغلادش وفي غير مكان، وبالأخص في العراق حيث حصاد المجازر بلغ أرقاماً لم يبلغها من قبل: المئات من القتلى والجرحى. ولا أنسى الانفجار الذي حصل في السعودية وبالتحديد في حرم المسجد النبوي في المدينة المنورة. ولا عجب، فالإرهاب لا يرعى ذمة أو حرمة، كما تشهد اعتداءاته على المساجد ودور العبادة.
نحن إزاء خلايا إرهابية كلما تم حشرها أو الضغط عليها، عملت على تطوير أساليبها وعملياتها، كماً ونوعاً، تماماً كما تفعل الفيروسات في مواجهة المضادات الحيوية.
من أبرز التطورات، على هذا الصعيد أن المنظمات الإرهابية لم تعد تقاتل أو تقتل رداً على غزو استعماري أو حرب صليبية، وإنما هو غزو مضاد يستهدف نمط الحياة الحديثة بالذات، بقدر ما يهدد أمن الدول الغربية، كما تبين الاعتداءات في باريس وبروكسيل وأورلاندو في الولايات المتحدة.
بذلك يتم تجاوز ثنائيات دار الإسلام ودار الكفر أو دار السلام وأرض الجهاد أو فسطاط الخير وفسطاط الشر. فالمسلم الجهادي، المقيم في أي بلد، بات يعتبر العالم أرضاً للجهاد، الأمر الذي يدفعه إلى تطبيق ما يعتبره حكم الله في كل من يعتبره فاسقاً أو مرتداً أو كافراً، أكان مسلماً أم غير مسلم.
ولنتوقف عند مذبحة أورلاندو التي نفدها مسلم أميركي من أصل أفغاني في ناد للمثليين، هو عمر صادق متين. هذا الجهادي، إذا أحسناّ القراءة، ليس صنيعة الاستعمار الغربي أو التمييز العنصري، بل هو صنيعة والده الذي يعيش في أميركا وقلبه عند طالبان. الأمر الذي أباح له أن يسوّغ لابنه ما ارتكبه بقوله: إنه أراد «محاربة مظاهر الفسق والفجور».
لا شك في أن هناك عوامل عدة ساهمت في خلق هذا المعطى الجديد، أشير الى ثلاثة منها:
1- الأول، هو تشابك المصالح والمصائر على الساحة الكونية، كما تشهد المعضلات البيئية والأمنية والصحية والمالية، الأمر الذي أفضى الى عولمة الاختراعات والمنجزات، كما إلى عولمة الهويات والمشكلات، بقدر ما فتح الإمكان لتجاوز ثنائيات العرب وأميركا أو الإسلام والغرب أو الإسلام والإمبريالية.
هذا ما تفيده التكتلات والتحالفات الجديدة التي غيرت الخرائط والمعادلات، على المستوى الإستراتيجي، بين اللاعبين على المسرح العربي والإقليمي. فالصراع الناشب يدور الآن بين أنظمة وقوى ومحاور الاستبداد والاستعمار والخراب، القديمة والجديدة، العربية والإسلامية، المحلية والعالمية، وبين ضحاياها من الأوطان التي يجرى تفكيكها وتدميرها، أو الشعوب التي يجرى الفتك بها تهجيراً وقتلاً وإبادة.
بهذا المعنى، فالإرهاب الجهادي، هو على الضد مما يعلن أصحابه أو مما يحسب بعض المثقفين العرب والغربيين، لا يرمي إلى تحرير المسلم من الهيمنة. ما يريده هو على العكس، إرجاعه إلى حظيرة الإسلام، ووفق الجهاديين، لاستعباده وتحويله إلى أداة طيّعة أو إلى آلة عمياء لتنفيذ كل ما يؤول إلى هلاكه وخراب بلده.
2- الثاني، هو الشبكة التي أصبحت مفتاح العصر وأداته لتسيير الأعمال وإدارة الحروب، باستخدام الفضاء الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي. مما زعزع المؤسسات والتنظيمات البيروقراطية لعصر الصناعة الثقيلة والحداثة الآفلة. فالعالم يدار اليوم بواسطة الأصبع التي تتحرك، على شاشة الحاسوب أو المحمول، وعلى نحو فتح إمكانات هائلة للعمل والتبادل، من على بعد وبسرعة البرق والفكر.
هذا المعطى الجديد استغلته التنظيمات الإرهابية، بنسختها الأخيرة، تنظيم «داعش»، على نحو أصبح يتيح تشكيل خلايا نائمة، أو يتيح للعنصر الجهادي، ولو كان ينتمي إلى التنظيم المذكور، أن يعمل منفرداً، بحيث يصنع سلاحه وينفذ عمليته من دون العودة إلى القيادة المركزية.
3- الثالث، تعاظم الهجرات، وكما تشهد موجاتها المتعاقبة، منذ عقود، بسبب الفقر والجور. وبعد انفجار الحروب الأهلية العربية، تفاقمت ظاهرة الهجرة إلى الدول الأوروبية من جانب العرب والمسلمين. نحن إزاء واقع عالمي جديد نخرج معه من المجتمعات المتجانسة والهويات الصافية. ثمة مجتمعات آخذة في التشكل، اليوم، بخاصة في أوروبا مقصد اللاجئ والمهاجر، هي متعددة من حيث اللغة والثقافة، أو الديانة والطائفة، أو الأصل والعرق. صحيح أن هذا الاختلاط يوّلد توترات بين الوافدين وبين السكان الأصليين، ولكن لا عودة الى الوراء، كما يطالب أصحاب الهويات الأصولية والقيادات المحافظة والمتشددة.
هذا المعطى الثقافي والمجتمعي يعني ان الإسلام لم يعد خارج أوروبا. والمثال هو فرنسا، حيث لم تعد كلمة «جالية» تفي بوصف وضعية المسلمين فيها، فيما هم باتوا الطائفة الثانية التي يبلغ تعدادها الملايين. وهكذا فالإرهاب الجهادي لا يأتي من الخارج، بل أصبح له حاضنته الثقافية والإيديولوجية، داخل المجتمعات الأوروبية.
بالطبع لا ينمو زرع من غير أرض أو حرث، أو من غير مناخات ملائمة. وما أكثر الذين اشتغلوا بإنتاج أو توظيف الظاهرة الإرهابية، لكي ترتد على الجميع، ومن حيث لا يعقلون، لتكشف عن جهلهم وتخبطهم أو عن تورطهم وتواطئهم.
أيا تكن العوامل المساعدة في نشوء الإرهاب الجهادي، فهو ليس بمثابة رد حضاري على حرب يشنها الغرب على حضارة المسلمين وهويتهم ومعتقداتهم. وإنما هو قتال في سبيل الله وسعي إلى أسلمة الحياة، بقدر ما هو تعبير عن الثقافة الإسلامية بأكثر أشكالها وأساليبها تعصباً وعدوانية أو تطرفاً وعنفاً.
لنحسن التشخيص. ليس الإرهاب بمثابة فيتامين للضعفاء، الأحرى القول إنه فيروس قاتل تم زرعه في العقول، من جانب الحركات الأصولية السلفية التي يخوض أصحابها حرباً ضد كل من لا يفكر على شاكلتهم، كما نظّر لذلك الآباء المؤسسون لتلك الحركات بنماذجهم الثلاثة: لا هوتي متكلم يجتهد ويشرّع، داعية يفتي ويكفرّ، وجهادي يقتل وينفّذ.
هذا هو الأساس في منشأ الظاهرة الجهادية، إذا شئنا تقصّي جذورها والوقوف على أسبابها، على مستوى العقليات والمعتقدات وأنماط التفكير وأساليب التعامل.
لهذا يشكل الإرهاب الجهادي آخر وأسوأ مراحل الإسلام السياسي، إذ هو يؤذن بنهايته، بقدر ما يشهد على الفشل الذريع للمشروع الديني. ولا غرابة. فهذا أقصى ما يمكن أن يقدمه الإسلام بجانبه الدعوي والجهادي في هذا العصر: انتهاك كل الثوابت والمحرمات والمقدسات، في معرض الدفاع عنها وصونها. يستوي في ذلك الفريقان، من أهل الخلافة وأتباع الولاية، ممّن يتصارعون بوحشية على المشروعية والسلطة، بعقائدهم التكفيرية وتهويماتهم الخلاصية، بشعوذاتهم الغيبية وإستراتيجياتهم القاتلة.
والدرس المستخلص، على وقع كل هذا الدمار المتبادل، المادي والمعنوي، هو أولاً سقوط المراهنة على وجود إسلام وسطي معتدل يأتلف مع قيم العالم الحديث في الديموقراطية والحرية والتعددية وقبول الآخر. وهو ثانياً التوقف عن دعوى الفصل، الخادع والمزيف، بين الإسلام كحضور تاريخي والسلفية الجهادية. نحن إزاء أصل وفرع يجسده نمط من التفكير أحادي، اصطفائي، يتأسس على عبادة الأصل والتعلق الأعمى بالسلف، بقدر ما يوهم أصحابه بأنهم يمتلكون الحقيقة الأولى والأخيرة، وبأنهم الأحق والأصدق والأفضل من دون سائر الناس.
هنا يكمن جذر المشكلة. ولذا ماعاد مجدياً القول إن الإرهاب لا دين له ولا هوية، كما نسمع أو نقرأ ما يدور من المناظرات والسجالات، أو ما يقدم من القراءات والتحليلات التي يحاول أصحابها مقاربة المشكلة بطمس الأسباب والتوقف عند النتائج. بذلك يشهدون على جهلهم بهويتهم الدينية، بقدر ما يقفون على أرض السلفية من حيث لا يعقلون. فالإرهابيون ليسوا من خوارج العصر. إنهم آتون من ذاكرة الإسلام وجيناته الثقافية، بقدر ما هم خريجو مدارس الإسلام السياسي الدعوي والجهادي، من لدن رشيد رضا وحسن البنا إلى سيد قطب وعلي خامنئي، ومن حسن الترابي إلى راشد الغنوشي.
من هنا فإن معالجة الظاهرة الإرهابية تتعدى المعالجات الأمنية والسياسية والاقتصادية. إنها تحتاج إلى اعتماد إستراتيجية جديدة، تندرج في برامج التعليم، من أجل العمل على تشكيل هويات مركّبة، هجينة، ملتبسة، بأبعادها المتعددة، الوطنية والعالمية، الخصوصية والإنسانية، المحلية والكوكبية.
ومن أهم بنود هذه الإستراتجية اثنان:
الأول، هو تغيير علاقتنا بالهوية الدينية، بحيث نكف عن التعاطي معها كنمط للحياة والعمل الحضاري، أو كدولة وبرنامج سياسي أو كدستور ومنظومة تشريعية. الأجدى والأصلح، للمسلمين وللعالم، التعامل معها كتراث حي، كطقوس أليفة، كتقاليد جميلة، كأناشيد موحية، كقدوة حسنة، كشكل من أشكال التضامن الإيجابي، أي كل ما يعمل بعكسه أصحاب المشروع الديني. والأهم أن نتعامل معها كواجب أخلاقي يعيد لمبدأ التقوى فاعليته، بعد أن دمرته الفتوى، منذ صعود رجال الدين على المسرح وممارستهم السلطة في شكلها الأسوأ، استبداداً وإرهاباً، لكي يشكلوا الوجه الآخر لأنظمة الاستبداد التي يفتك أصحابها بشعوبها باستخدام القنابل الحارقة والبراميل المتفجرة والغازات السامة. والحصيلة هي وقوع البلدان العربية بين فكيّ الكماشة، أنياب الداعية ومخالب الطاغية، أي بين ملاك السماء وملاك الوطن. بالطبع بدعم من هذه الدولة الإقليمية أو بتغطية من تلك الدولة الكبرى. بهذا يجتمع على تخريب العالم العربي الغزو من الخارج، وإرهاب الجهاديين والمجاهدين من الداخل.
الثاني، هو استبعاد النصوص والأحكام والفتاوى، التي تحضّ على كره الآخر ونبذه أو الاعتداء عليه، إن بصورة رمزية أو جسدية. والوجه الآخر لهذا الاستبعاد هو كسر وصاية السلطة الدينية على العقول والأجساد والأرزاق، لفتح المجال أمام حرية الاعتقاد والتفكير والتعبير وممارسة النقد العقلاني البنّاء والساخر، ولكن الكاشف للعوائق والمآزق أو للآفات والعيوب. فليؤمن الواحد بما شاء، شرط أن لا يؤذي غيره، بل شرط أن يحسن التواصل معه، بخاصة إذا كان شريكه في اللغة والوطن والمصير. ولا شك في أن هذه مهمة صعبة وشاقة تحتاج إلى الكثير من الجهد والمراس، اشتغالاً على النفس بالمحاسبة والمراجعة والمجاهدة، والنقد لزحزحتها عن نرجسيتها وتحويلها عن منازعها العنصرية والفاشية. من غير ذلك، نلتف على المشكلة لكي تزداد تعقيداً واستعصاء، ولكي نحصد المزيد من المآسي والكوارث.
خلاصة القول، كانت الصيغة الدينية، بالنسبة إلى العرب، في ما وراء منطوق الرسالة والدعوة والهداية، تجارة رابحة ومثمرة بقدر ما أتقنوا لعبة الخلق والفتح التي مكنتهم من تصدر العمل الحضاري لقرون طوال، ومن استعمار العالم باسم الله والقرآن. ولكن هذه الصيغة قد استهلكت وباتت تجارة خاسرة ترتد على العرب حروباً أهلية، لتشوّه سمعتهم وتفسد علاقتهم بالعالم. الممكن والمجدي هو ابتكار صيغ ومعادلات ونماذج، للعمل الحضاري والتفاعل الثقافي، تكون جديدة ومختلفة، بقدر ما هي راهنة وفعالة، مثمرة وجذابة.
 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,533,459

عدد الزوار: 6,899,469

المتواجدون الآن: 104