ثلاث سنوات على إطاحة «إخوان» مصر

تاريخ الإضافة الأربعاء 29 حزيران 2016 - 7:37 ص    عدد الزيارات 691    التعليقات 0

        

 

ثلاث سنوات على إطاحة «إخوان» مصر
محمد شومان 
تمر غداً ثلاث سنوات على اليوم الذي خرج فيه ملايين المصريين إلى الشوارع والميادين مطالبين بإطاحة حكم «الإخوان المسلمين». مشهد تاريخي دشَّن بدايات تحولات مهمة في مصر والمنطقة العربية، تتعلق بعودة الجيش المصري إلى السياسة وحصار حركة «الإخوان» واعتبارها جماعة إرهابية، وبالتالي تراجعها في مصر والدول العربية، بعدما انكشف تهافت أفكارها، وطمعها الجامح في السلطة والحكم، من دون مؤهلات شرعية أو أخلاقية، فهي في التحليل الأخير حركة سياسية توظف الإسلام لتحقيق مصالح نخبة جديدة.
تدخَّل الجيش لإنقاذ كيان الدولة، من خلال دعم خروج الشعب وحمايته من تهديدات جماعة «الإخوان» التي كانت ترهب المواطنين بأن خروجهم إلى الشوارع للمطالبة بعزل محمد مرسي سيؤدي إلى أعمال عنف وحرب أهلية. وفي اليوم التالي لنجاح انتفاضة الشعب، وجَّه الجيش على لسان قائده عبدالفتاح السيسي بياناً يمهل القوى السياسية 48 ساعة لتحمل أعباء الظرف التاريخي. وذكر البيان بأنه في حال لم تتحقق مطالب الشعب خلال هذه المدة فإن القوات المسلحة ستعلن عن خريطة مستقبل وإجراءات تشرف على تنفيذها. لكن «الإخوان» رفضوا البيان ورفضوا التفاهم مع «جبهة الإنقاذ» التي ضمَّت القوى السياسية المدنية. من هنا اضطر الجيش، مدعوماً من الشعب والأحزاب والقوى المدنية، إلى إطاحة مرسي في 3 تموز (يوليو) 2013 وإعلان تولي رئيس المحكمة الدستورية العليا إدارة شؤون البلاد إلى حين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وتعطّيل العمل بدستور «الإخوان» المثير للجدل الذي انقسم في شأنه المجتمع، والإعلان عن خريطة طريق من ست نقاط تتضمن تشكيل حكومة كفاءة وطنية، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور، وانتخاب رئيس جمهورية، ودمج الشباب في مؤسسات الدولة، وتشكيل لجنة لتحقيق مصالحة وطنية، ووضع ميثاق شرف إعلامي.
تهديدات «الإخوان» سبقها ورافقها اعتصامهم في ميداني رابعة والنهضة قبل 30 حزيران (يونيو)، علاوة على عرضهم الدائم للقوة واستعمال العنف، وادعاء القدرة على تحريك الشارع ضد الجيش وخصوم «الإخوان». والحقيقة أن ادعاءات «الإخوان» كان مبالغاً فيها لأنهم خلال عام من حكم مصر كانوا قد خسروا تعاطف الشارع معهم، نتيجة سوء أداء الرئيس محمد مرسي وحكومته، واستعجال «أخونة» مصر والهيمنة على مؤسسات الدولة.
علي أي حال، فإن تلك الأيام شهدت أحداثاً متسارعة صنعت تحولاً بالغ الأهمية في تاريخ مصر المعاصر، فقد اصطدم الجيش مع «الإخوان»، بعد أن نظم انتخابات برلمانية ورئاسية مكَّنت الجماعة للمرة الأولى في تاريخها من حكم مصر، لمدة عام. أي أن الجيش التزم، لأسباب كثيرة، محطات التحول الديموقراطي بعد انتفاضة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، بينما لم يلتزم «الإخوان» بقيم ومؤسسات الدولة المدنية الحديثة، وثقافة الديموقراطية التي اختزلوها في نتائج الصندوق الانتخابي.
والمثير أن صِدَام الدولة/الجيش مع «الإخوان» متكرر في تاريخ مصر قبل ثورة 1952 وبعدها. وقع الصدام الأول في عهد الملك فاروق، ثم شهد عصر جمال عبدالناصر صدامين في العامين 1954 و1964، وعلى رغم أن أنور السادات سمح بعودة جماعة «الإخوان» إلا أنه اصطدم بهم في العام 1981، بينما شهد عصر حسني مبارك صدامات محدودة وأنماطاً مختلفة من التعاون والتوظيف المتبادل. أما صدام 30 حزيران 2013، فقد حظي بدعم غير مسبوق من الشعب والأحزاب والقوى المدنية.
والثابت أن حال الخوف من حكم «الإخوان» خلقت نوعاً من الالتفاف الوطني جمع أنصار ثورة 25 كانون الثاني 2011 وخصومها، إذ التقى الفريقان على هدف الخروج في 30 حزيران 2013 لإطاحة «الإخوان». وقناعتي أنه من الصعب التوصل إلى تقويم موضوعي ومنصف لتطور الأحداث التي شهدتها مصر بعد ذلك، مروراً بفض اعتصامي رابعة والنهضة. وترجع الصعوبة إلى إشكالية المعاصرة، فقد شاركنا في صناعة الأحداث أو على الأقل مراقبتها وكانت لنا مواقف وتحيزات طبيعية. المعنى أن كل معاصرة أو معايشة لحدث هي حجاب. من هنا أطرح في ما يلي ثلاث ملاحظات خاصة بآثار وتداعيات إطاحة حكم «الإخوان»، لعلها تساعد في تأمل وتقويم ما جرى:
1- يبدو أن ما جرى في 30 حزيران كان أمراً حتمياً بالنظر إلى عمق الانقسام والاستقطاب الذي يعانيه المجتمع المصري ونخبته طوال تاريخه الحديث، فالصراع بين القوى الإسلاموية والقوى المدنية كفيل بتفسير كثير من التحولات والمواقف في تاريخ مصر. وأعتقد بأن الثورة المصرية سمحت بتفجير هذا الصراع وإكسابه أبعاداً جديدة إذ طرحت قضايا علاقة الدين بالدولة، وموقف «الإخوان» والسلفيين وجماعات الإسلام السياسي من قضايا الهوية الوطنية والهوية الإسلاموية، وقضايا الحكم والديموقراطية والموقف من الأقليات. ولم تكن هذه القضايا درساً نظرياً أو أفكاراً ومواقف تطرح في ندوات أو سجالاً سياسياً، وإنما طرحت كتحديات على أرض الواقع. فشل «الإخوان» والسلفيون في تقديم حلول أو إجابات عملية تتفق وثوابت الجماعة الوطنية المصرية وطبيعة الدولة المدنية الحديثة، لذلك فإن إطاحة «الإخوان» كانت حدثاً ضرورياً للحفاظ على وحدة المجتمع المصري وكيان الدولة المصرية، ومنع الكتلتين المتصارعتين من جر مصر إلى حرب أهلية أو صراع طويل يستنزف مقدراتها.
والمفارقة هنا أن الصدام المدوي في 30 حزيران 2013 وما بعده حسم الصراع السياسي سريعاً لمصلحة الجيش النواة الصلبة للدولة المصرية وبخسائر كبيرة، لكنه لم يقض على الانقسام الثقافي في المجتمع. لقد حافظ على جسد الدولة واتفاق غالبية المصريين على الطبيعة المدنية غير الدينية للدولة، كما حرَّر غالبية المصريين من الانخداع والتضليل «الإخواني» الذي يقوم على المظلومية التاريخية وخلط الدَّعوي بالسياسي وطرح شعارات برَّاقة على غرار «الإسلام هو الحل»، وهي أمور مكَّنت «الإخوان» من الفوز في انتخابات مجلسي الشعب والشورى ثم انتخاب محمد مرسي.
2- نجح الجيش مدعوماً بالتحالف الشعبي العريض من القوى والأحزاب المدنية في إطاحة حكم «الإخوان»، لكن هذا التحالف لم ينجح للأسف في الحفاظ على تماسكه، والتوافق على رؤية شاملة للمستقبل، وأولويات للحركة في الداخل والخارج وهل الأمن والاستقرار يسبقان الحريات والتحول الديموقراطي، أم يمكن التضحية ببعض الحريات من أجل الحفاظ على كيان الدولة وتحقيق الاستقرار. كما نشب صراع في غير مصلحة مصر والقوى المدنية فيها يتعلق بطبيعة الانتفاضة الشعبية في 25 كانون الثاني 2011 وهل هي ثورة أم مؤامرة، وكذلك طبيعة 30 حزيران 2013 وهل هي ثورة أم استكمال لثورة كانون الثاني 2011 التي سرَقها «الإخوان».
للأسف لم تحسم هذه القضايا وظلت محوراً للصراع السياسي، خصوصاً أنها لم تُطرح في حوار وطني جامع، ما أدى إلى انهيار تحالف «30 يونيو»، على رغم ضرورات استمراره والحفاظ عليه من أجل تحقيق أهدافه في بناء دولة مدنية حديثة، وتأكيد الحريات العامة، ومحاربة مصادر الفكر المتطرف في المساجد والزوايا ومؤسسات التعليم الرسمي وغير الرسمي.
3- أدت إطاحة حكم «الإخوان» في مصر إلى تغيير المعادلات والحسابات الجيوسياسية في المنطقة العربية، إذ كان هناك رهان أميركي - أوروبي على إمكان الاستفادة من مناخ «الربيع العربي» في دعم وتطوير نظم بديلة ذات توجه إسلاموي ديموقراطي معتدل متعاون مع الغرب، يجسده فكر جماعة «الإخوان» البراغماتي الأكثر قدرة على تمرير تسوية للصراع العربي - الإسرائيلي وتحقيق استقرار داخلي. لكن ممارسات حكم «الإخوان» في مصر ثم في تونس على يد حركة «النهضة» لم تثبت صحة هذا الرهان، كما أثارت شكوكاً ومخاوف لدى كثير من الشعوب والحكومات العربية التي أدركت مخاطر فكر «الإخوان» وسلوكهم، والأهم الخلل في مفهوم الهوية الوطنية مقابل الإسلاموية لدى «الإخوان» وقابليتهم للتفاهم والتحالف مع المصالح الأميركية والأوروبية.
من هنا سارعت أكثر من عاصمة عربية وخليجية مهمة إلى اعتبار «الإخوان» جماعة إرهابية وفرضت قيوداً شديدة على أنشطة الجماعة. وكانت لهذه الإجراءات تداعيات سلبية على التنظيم الدولي لـ «الإخوان»، وعلى فرص الطبعات المحلية من «الإخوان المسلمين» في الانتشار والتمدد وتوفير مصادر دعم مالي وسياسي للجماعة الأم في مصر، علاوة على وجودهم في دول مستقرة مثل تونس والأردن، أو في دول تعاني الحروب الأهلية مثل اليمن وليبيا وسورية.
 

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,160,509

عدد الزوار: 6,757,999

المتواجدون الآن: 134