مقدونيا: تسوية سياسية ... أو حرب أهلية وعزلة دولية...الفقر والفساد والأمل بالانضمام إلى القطار الأوروبي توحّد الألبان

تاريخ الإضافة الجمعة 6 أيار 2016 - 7:05 ص    عدد الزيارات 768    التعليقات 0

        

 

مقدونيا: تسوية سياسية ... أو حرب أهلية وعزلة دولية
الحياة...صوفيا - محمد خلف 
الأزمة السياسية الجديدة في مقدونيا أدخلت هذه الدولة اليوغسلافية السابقة عن جدارة في موسوعة «غينس» للأرقام القياسية العالمية لكثرة ما تشهده من أزمات سياسية الواحدة بعد الأخرى، آخرها انفجرت قبل أسابيع وما زالت تزلزل الأرض تحت أقدام الحكومة اليمينية التي تحكم البلاد منذ العام 2006 ولحد الآن. وقالت البروفسورة نانو روجين من جامعة ( فون) في سكوبيا لـ «الحياة»: «إن مقدونيا تعيش أزمة دائمة منذ إعلانها الاستقلال بعد انهيار الفيديرالية اليوغسلافية في تسعينات القرن الماضي وحتى الآن، إلا أن الأزمة الجديدة هي الأكثر حدة وخطورة في شكلها وجوهرها»، موضحة: «ان نظام نيكولا غرويفسكي مولود هجين من تزاوج بين الديموقراطية والاستبداد».
سياسيون مجرمون وعفو رئاسي
قامت مقدونيا ولم تقعد حتى الآن منذ قيام رئيس الجمهورية جيورجي ايفانوف الذي فاز بمنصبه بدعم من الحزب «الديموقراطي للوحدة الوطنية» الحاكم بزعامة غرويفسكي بإصدار قرار يقضي بوقف التحقيقات التي يقوم بها مكتب التحريات الخاصة مع 56 سياسياً ومسؤولاً من قادة الحزب الحاكم وفي مقدمهم رئيس الوزراء غرويفسكي، فيما دعا زعيم حزب المعارضة «التحالف الاشتراكي الديموقراطي» زوران زاييف الرئيس ايفانوف الى تقديم استقالته، وطالب البرلمان المنحل بعقد جلسة استثنائية للتصويت على الاستقالة لأن الرئيس بقراره «يحمي مجرمين خرقوا القوانين، ويلحق الخزي بالدستور والقوانين وكرامة المواطنين الذين انتهكت حقوقهم وحياتهم الشخصية وهو فعل يرقى الى مستوى الانقلاب على الدستور».
فاجأ الرئيس ايفانوف القوى السياسية والمجتمع بحل مكتب التحريات الخاصة الذي انيطت به مهمة القيام بتحريات وتحقيقات موسعة مع سياسيين ومسؤولين كبار في الدولة في اتهامات بالتورط بالفساد وتحالف مع عصابات الجريمة المنظمة، والتعدي على الحريات العامة وممارسات انتقامية ضد داعمي المعارضة من أرباب العمل، وانتهاك الدستور وذلك استناداً الى تسجيلات لمكالمات هاتفية بثها ونشر تفاصليها حزب المعارضة «التحالف الاشتراكي الديموقراطي».
أنشئ هذا المكتب في العام 2015 بمقتضى اتفاق بين الحكومة والمعارضة بوساطة مباشرة من الاتحاد الاوروبي حمل اسم «اتفاق برجيفو»، ونص على ان يقدم رئيس الوزراء غرويفسكي استقالته وتهيئة البلاد في اطار مرحلة انتقالية لانتخابات مبكرة تجري في 5 حزيران (يونيو) تأجلت لاحقاً الى 24 حزيران المقبل، ومواصلة التحقيقات في الاتهامات الموجهة الى كبار المسؤولين والسياسيين في البلاد وتقديم من تثبت ادانته الى المحاكم.
الرئيس ايفانوف حاول جاهداً في إطلالات صحافية متتالية تبرير فعلته الفاضحة بالعفو عن المسؤولين والسياسيين الفاسدين بقوله: «أردت من خلال قراري ان أضع حداً لانزلاق الدولة نحو الهاوية، لأن ذلك يخدم فقط اطرافاً خارجية تسعى الى وضع المقدونيين في مواجهة المقدونيين» وأضاف: «سعيت من أجل ان تنطلق مقدونيا على طريق الانتخابات لكي تكون مهيأة للتعامل مع التحديات الجدية التي تواجهها، والمضي قدماً الى الأمام».
لاذ الرئيس بقرار العفو بعد فشل السلطة في تقويض عمل مكتب التحريات الخاصة وعرقلة أعماله عبر دفع مؤسسات الدولة المعنية الى مقاطعته وفرض العزلة على قضاة التحقيق العاملين فيه ورفض قراراتهم باعتقال سياسيين ومسؤولين كبار سابقين وحاليين في الدولة متورطين بفضائح فساد وانتهاكات خطيرة للقوانين وارتكاب جرائم مختلفة. واعتبر الرئيس ايفانوف في تصريح نقلته «Balkan Insigt» ان الازمة «مستوردة» من الخارج، وقال: «إن المؤسسة القضائية تعرضت لضغوط شديدة من المجتمع الدولي الذي كان ممثلوه في سكوبيا يتجولون في أروقة المحاكم حينما كان الحكام يتخذون قراراتهم ويصدرون أحكامهم بحق المتهمين».
تصريحات ايفانوف بدلاً من ان تساعده في تهدئة الشارع المنتفض، أدت إلى قيام مئات المحتجين والمتظاهرين باقتحام مكاتب الرئاسة الواقعة وسط العاصمة سكوبيا، وتحطيم زجاج نوافذ المبنى التي القوا عبرها بقطع كثيرة من أثاث مكتبه الى الشارع وأحرقوها أمام كاميرات محطات التلفزة العالمية، ما دفع قوات مكافحة الشغب الى استخدام خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفريقهم سعياً الى السيطرة على الأوضاع التي كانت تنذر بحدوث صادمات دموية. ووصف رئيس المحكمة الدستورية السابق تراندافيل ايفانوفسكي قرار العفو الرئاسي بـ «الوضيع» وقال: «إن الرئيس بقراره هذا قضى عملياً على جهود استمرت لأكثر من عام قامت بها أطراف إقليمية ودولية لتطبيع الأوضاع السياسية في البلاد». وتصدرت لائحة المتهمين أسماء وزيرة الداخلية السابقة غوردنا يانكولوفسكا، وابن عم رئيس الحكومة والرئيس السابق لجهاز الأمن العام ساشو ميالكوف.
وقاحة السلطة وإغراءاتها
الحكاية بكل ما فيها من ترويع ودراماتيكية بدأت مع قيام زعيم المعارضة (التحالف الاشتراكي الديموقراطي) زوران زاييف بنشر وبث تسجيلات لمكالمات هاتفية، ومناقشات لاجتماعات للحكومة والحزب الحاكم، كشفت عن الآليات والطرق والأساليب التي يعتمدها رئيس الحكومة والحزب الحاكم غرويفسكي لتثبيت سلطته وفرض سيطرته على الدولة ومؤسساتها المختلفة، ومن هذه الأشرطة فاحت روائح وعيوب السنوات الـ11 من حكم الحزب الديموقراطي للوحدة الوطنية وزعيمه غرويفسكي: تزوير الانتخابات، فرض السيطرة على المؤسسة القضائية، ابتزاز رجال الأعمال وأرباب العمل، التحكم بالميديا، وحتى التستر على قيام شرطي بقتل مواطن بريء».
التطورات الدراماتيكية التي تشهدها مقدونيا ستزيد من حالة عدم الاستقرار الأمني وتزعزع بدرجات أكبر التوازن السياسي الهش على خلفية التحديات التي تواجهها الدولة التي يتزاحم على حدودها مع اليونان منذ أشهر عشرات آلاف اللاجئين محاولين كسر الطوق الذي فرضته قوات الشرطة والجيش لمنعهم من اختراقها لكي يواصلوا طريقهم الى «أرض الميعاد» المانيا. ووفقاً للخبير في الشؤون البلقانية جيمس لينوزي من (London School of Economics) فإنه «ينبغي على الاتحاد الأوروبي بعد قرار العفو الرئاسي، ان يتمعن جيداً ويدرس باهتمام بالغ ما اذا زالت مقدونيا تتمتع بالمعايير التي تؤهلها لنيل عضويته». وعلى حسابه في (تويتر) كتب المفوض الأوروبي لسياسة الجوار وتوسيع العضوية يوهانس هان «لدي شكوك جدية في إمكانية إجراء انتخابات حرة ونزيهة في مقدونيا في ظل أوضاعها السياسية الراهنة». ووفق المحلل في مركز دراسات دول جنوب شرقي آسيا في جامعة (غراتس) في سكوبيا دانا تاليفيسكي فإن «التوترات والاستقطابات السياسية الراهنة التي تشهدها البلاد تجعل من إجراء الانتخابات في موعدها امراً صعباً وغير ممكن لأنها ستكون بمثابة دعوة للفوضى العامة والعنف».
يتفق المحللون والمراقبون في العاصمة المقدونية على ان الشيء الإيجابي الذي يمكن استخلاصه مما حصل خلال الأسابيع الأخيرة هو سقوط كل الأقنعة، ومن الآن فصاعداً لن يكون في إمكان غرويفسكي الادعاء بأن الانتخابات المرتقبة ستكون نزيهة وحرة، بعد ان أغلق كل المنافذ التي تؤدي الى الكشف عن الفضائح والانتهاكات الخطيرة لسلطته التي عرتها التسجيلات السرية المسربة، وبالتالي سوف لن يكون بمقدوره تزويرها ليعود مجدداً منتشياً الى الحكم ويواصل استنساخ نموذجه الفاسد والتدميري للبلاد ومستقبلها الأوروبي. ويؤكد تاليفيسكي انه «لم يعد في مقدور الاتحاد الاوروبي إغماض عينيه عن الانتهاكات الفاضحة لحكومة غرويفسكي كما ظل يفعل حتى الآن متعللاً بالحفاظ على استقرار البلاد وأمنها الداخلي ولتجنيبها تصدعات اجتماعية وسياسية وهي تواجه ازمة اقتصادية طاحنة وموجة عارمة من اللاجئين المحتشدين على حدودها الدولية». وقال: «عندما قاطعت المعارضة جلسات البرلمان عشنا أزمة دستورية، ولكن مع نشر التسجيلات الصوتية واجهنا أزمة سياسية، أما ما يحدث الآن فهو أزمة أخلاقية».
مبادرة مفقودة
ما يحدث الآن في مقدونيا وفق استنتاج المحلل في (The Hague Institute for Global Justice) نيكولا ديمتروف الذي كان سفيراً لمقدونيا في واشنطن هو «ان النظام القديم يرد على الضربة محاولاً استعادة المبادرة السياسية الضائعة» وقال: «إن الزمرة الفاسدة التي تتحلق حول غرويفسكي تسعى الى إنقاذ ما يمكن إنقاذه والخروج سالمة من الفضيحة بحيث تتخلص من المسؤولية السياسية والمساءلة القانونية» معتبراً «ان العفو الرئاسي لم يكن سوى الخطوة الأخيرة في مخطط أعد بحذاقة لإحباط أي محاولة للتغيير في المنظومة السياسية الراهنة».
لا يمكن المراقب المحايد وهو يتابع مسارات التطورات وارتدادات القرارات وردود الفعل المجتمعية وممارسات حزب السلطة ومعارضيها الا اكتشاف أن مقدونيا منقسمة فعلياً بين قطبين متضادين ومتنافرين: الأول يتمثل في المجتمع وقواه الشبابية التي سئمت الفساد والاستبداد ووقوع البلاد بيد حفنة من السياسيين الذين يحكمونها على طريقة المافيا، وتطالب بالعدالة والديموقراطية، والثاني يتجسد في النظام الذي يسعى بكل قواه متحالفاً مع الاوليغارشية وقوى ما وراء الكواليس لحماية الفاسدين ومنتهكي القانون ومرتكبي الجرائم للعودة الى السلطة.
ويؤكد ديمتروف «أن أكثر ما يتمناه غرويفسكي الآن هو إجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن» وأضاف: «لو كان في وسعه محو الذاكرة الجماعية لما تأخر لحظة واحدة عن القيام بذلك»، ويستدرك قائلاً: «من الصعب بناء منظومة سياسية جديدة صلبة ورصينة من دون تصفية القديمة التي تآكلت أعمدتها بفعل الفساد والاستبداد وغياب سلطة القانون».
خيارات التسوية وتحديات الفشل
خياران يتحتم على مقدونيا ان تختار أحدهما، الأول: سياسي ونجاحه يعتمد على قبول النظام والمعارضة ومنظمات المجتمع المدني الجلوس حول مائدة واحدة للتحاور بمساعدة الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي للبحث والاتفاق على تسوية تتأسس على عدم تدخل الحكم في عمل المنظومة القضائية وتركها تنجز مهماتها باستقلالية وحيادية كاملة، وتأجيل الانتخابات الى حين تنفيذ شرطين: إعادة جرد وتنظيف لوائح الناخبين، وتطبيع البيئة الإعلامية في شكل يؤمن منافسة سياسية حقيقية ومتكافئة بين القوى والأحزاب المشتركة في المارثون الانتخابي. وقال ديمتروف «لا يمكن ضمان وجود فضاء إعلامي حر إلا بعد تهديم الحصن الإعلامي الذي شيده غرويفسكي بأموال دافعي الضرائب»، وأشارت البروفسورة روجين الى «ان غرويفسكي يتحكم بالسلطات الثلاث، ويسيطر في شكل مباشر وغير مباشر على 80 في المئة من وسائل الاعلام في البلاد».
الخيار الثاني: تهديمي ويتمثل في عدم التوصل الى اتفاق سياسي، ما سيدفع البلاد الى حالة من الاحتضار السياسي ومزيد من الفوضى والاحتجاجات الشعبية التي سترافقها صدامات وعنف متبادل، وانقسامات مجتمـعية واستقــطـــابات سياسية خاتمتها ستكون الهاوية للجميع». وذكرت وكالة «رويترز» نقلاً عن ديبلوماسي غربي رفيع قوله: «إن الاتحاد الاوروبي يتجه الى فرض عقوبات ضد السياسيين المقدونيين الذين يعرقلون التوصل الى تسوية جذرية للازمة السياسية»، كاشفاً عن «ان الاوروبي اشترط على الرئيس ايفانوف إلغاء قرار العفو الرئاسي لكي تنجو القيادة السياسية المقدونية من دون استثناء من العزلة الدولية».
الفقر والفساد والأمل بالانضمام إلى القطار الأوروبي توحّد الألبان
الحياة...محمد م. الأرناؤوط 
قبل أيام (28/4/2016) نشرت جريدة «الشرق» القطرية إعلاناً لجهة خيرية تدعو إلى تبنّي أيتام في خمس دول فقيرة من بلاد المسلمين في العالم من بينها ألبانيا وكوسوفو. هكذا بعد عقدين تقريباً على تحميل الآخر (نظام أنور خوجا أو نظام ميلوشيفيتش) مسؤولية وصول الدولتين الألبانيتين إلى قائمة أفقر الدول في أوروبا وعالم المسلمين آن الأوان لقادة هاتين الدولتين للاعتراف بمسؤوليتهم عن استغلال «النظام الديموقراطي» للوصول إلى مستويات قياسية في أوروبا من حيث الفقر والفساد. فالفقر لم يعد تركة الماضي بقدر ما هو حصيلة الفساد المستشري الذي جاء باسم «بناء الديموقراطية» و»تحرير كوسوفو» لينتهي بتدخل الاتحاد الأوروبي لاعتقال أهم رمزين للجريمة المنظمة في الأيام الأخيرة من نيسان (أبريل) المنصرم: القائد السابق لـ «جيش تحرير كوسوفو» حازم سيلا وزعيم المافيا في ألبانيا أيمليانو شولاز. ومن هنا فإن آمال الألبان الآن تتجه إلى الاتحاد الأوروبي لكي يتدخل بقوة أكبر لمنع هذا «الوباء» من التمدد باتجاه الدول الأوروبية المجاورة.
«العاجز» الذي أصبح قائد «جيش تحرير كوسوفو»
في 10/8/2014 نشرت «الحياة» عرضاً لكتاب «أرجل الثعبان» للكاتب الكوسوفي المعروف فيتون سوري كشف فيه عن تورط قادة «جيش تحرير كوسوفو» في الجريمة المنظمة، وهم الذين أصبحوا بعد عام 2000 قادة «الحزب الديموقراطي» الذي سيطر على الحياة السياسية في كوسوفو بعد استقلالها عن صربيا في 2008. فقد كشف هذا الكتاب مثلاً كيف أن الشاب حازم سيلا لجأ إلى سويسرا عام 1994 هرباً من قمع نظام ميلوشيفيتش وبعد فترة بسيطة قدّم ما يفيد بعجزه الصحي لكي يحظى بتقاعد جيد، ولكن السلطات السويسرية اكتشفت في 1998 أن هذا «العاجز» ماهو إلا قائد «جيش تحرير كوسوفو» الذي أصبح بعد ذلك من قادة «الحزب الديموقراطي (الواجهة السياسية لـ «جيش تحرير كوسوفو») وعضو البرلمان الكوسوفي الجديد لدورات عدة. وعلى رغم أن السلطات السويسرية رفعت عليه دعوى لاسترداد نصف مليون فرنك سويسري لادعائه «العجز» إلا أن مكانة «العاجز» في السلطة الجديدة في كوسوفو لم تكن تسمح بمثل ذلك، بل أن مكانته لم تتأثر البتة بهذه الفضيحة بل زادت أكثر وأكثر من خلال انغماسه في الجريمة المنظمة.
ومع أن الاتحاد الأوروبي أرسل بمناسبة الاستقلال «بعثة الأمن والقانون» لمساعدة كوسوفو على إرساء «دولة القانون» إلا أن هذه البعثة فشلت بسبب مقاومة المافيات التي أصبحت تسيطر على الدولة الجديدة. ولكن الإحباط الذي طاول المواطنين من هذا الوضع الجديد دفعهم في 2014-2015 إلى مزاحمة السوريين على مغادرة بلادهم واللجوء إلى دول أوروبا الوسطى، وهو ما أحرج الائتلاف الحكومي الجديد (الحزب الديموقراطي والرابطة الديموقراطية) الذي كان يعد المواطنين بقرب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والوصول إلى حرية السفر في أوروبا وفق نظام الشنغن. ومع أن بروكسيل وقّعت مع كوسوفو «اتفاقية الشراكة والاستقرار» في 2015، التي هي بمثابة الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل، إلا أن بروكسيل عرفت كيف تضغط على السلطات الكوسوفية لأجل الموافقة على مكافحة الجريمة المنظمة مقابل الحصول على حرية السفر للمواطنيين الكوسوفيين.
ليس من المصادفة أن يتزامن إقدام بعثة الاتحاد الأوروبي للأمن والقانون (الأولكس) على التدخل القوي وتوقيف «العاجز» حازم سيلا في 29/4/2016 بتهمة قيادة الجريمة المنظمة في كوسوفو طيلة 1999-2016، مع كونه عضواً في البرلمان الكوسوفي، قبل أيام من الإعلان المتوقع عن ضم كوسوفو إلى اتفاقية الشنغن.
ويبدو أن سيلا قد فوجىء بما حصل فقدّم استقالته من البرلمان وسلّم نفسه ليواجه الاتهامات الكثيرة عن اغتصاب أراضي الدولة وبيعها للقطاع الخاص بمبالغ كبيرة ورشوة كبار المسؤولين في الدولة، بمن فيهم رئيس وكالة الخصخصة والقضاة. وتفيد التسريبات التي تستند إلى التنصت على اتصالاته الهاتفية خلال السنوات السابقة إلى أن سيلا كان يرأس بالفعل مافيا أو دولة موازية للدولة الظاهرة، وهو ما يفترض أن يؤدي إلى سلسلة فضائح تطاول رؤوساً عديدة في كوسوفو.
بريطانيا: لا نريد أن نصبح مثل ألبانيا
في الوقت ذاته كانت ألبانيا تشهد اعتقال زعيم المافيا أيميليانو شولاز، الذي كان يقود أيضاً دولة تحت الأرض. والفرق بين شولاز وسيلا يكمن في أن سيلا جاء إلى البزنس من خلفية «نضالية» وخدم طرفاً سياسياً في كوسوفو (الحزب الديموقراطي) ضد الأطراف الأخرى في حين أن شولاز كان أكثر انفتاحاً على الأحزاب السياسية من اليمين إلى اليسار فخدم «الحزب الاشتراكي» برئاسة إدي راما و»حزب الاندماج الاشتراكي» برئاسة إلير ميتا كما خدم «الحزب الديموقراطي اليميني» برئاسة صالح بريشا بقدر ما كان هؤلاء يخدمون مصالحه خلال وجودهم في السلطة. بالنسبة إلى شولاز لم يكن من المهم من يوجد في الحكم طالما أن رؤساء كل الأحزاب يتعاونون معه. وقد دفع الإعلان عن اعتقال شولتز بالكاتب الألباني المعروف أنور روبلي إلى نشر مقال بعنوان «دولة تستحق البكاء عليها» (كوها 24/4/2016) توصل فيه إلى أن اعتقال شولاز يكشف عن أن «الجريمة المنظمة تسيّر الأحزاب السياسية بينما يتحول السياسيون إلى مجرد مروجين للجريمة المنظمة ومصالحها». ويبدو أن ألبانيا التي قطعت أميالاً أكثر نحو بروكسيل بالمقارنة بكوسوفو تتعرض في الفترة الأخيرة إلى انتقادات في الصحافة الأوروبية لتقصيرها في مكافحة الجريمة المنظمة، التي هي شرط البدء في فتح ملفات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولذلك يمثل اعتقال شولاز مؤشراً إلى «جدية» الائتلاف الاشتراكي الحالي للتضحية بشولاز مقابل مكافأة ما من الاتحاد الأوروبي.
تصادف الإعلان عن اعتقال شولاز في بريطانيا مع الحملة الداعية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. واستفادت الحملة المعارضة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من تصريح لمايكل غوف المتحمس لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يقول فيه إن «ألبانيا تمثل إلهاماً لبريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي»، وقامت بتسيير حافلات تحمل صوراً إعلانية تظهر قصر باكنغهام ويرفرف عليه علم ألبانيا مع تعليق يقول إن «الحملة الداعية للخروج تريدنا أن نخرج من السوق الواحدة وأن نصبح مثل ألبانيا بالفعل». ولم تكتفِ «دايلي ميل» بذلك بل أرسلت أحد صحافييها إلى ألبانيا ليعود بتحقيق يكشف فيه غرق ألبانيا في الفقر والفساد والجريمة المنظمة وعن أن نصف الألبان يعيشون تحت خط الفقر العالمي بدخل يومي لا يتجاوز خمسة دولارات!
 

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,266,372

عدد الزوار: 6,942,813

المتواجدون الآن: 120